أمين الشئون الإسلامية: الفضاء الإلكتروني يشكل عقولا ويغير قيما ويلغي حواجز
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
عُقدت الجلسة العلمية الثالثة لمؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الرابع والثلاثين، تحت عنوان: "الفضاء الإلكتروني والوسائل العصرية للخطاب الديني .. بين الاستخدام الرشيد والخروج عن الجادة"، برئاسة الدكتور محمد عزت محمد محمد الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وتحدث فيها كلا من: الدكتور عمر حبتور الدرعي المدير العام لمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، والشيخ موسى سعيدي رئيس المجلس الإسلامي زامبيا، والشيخ أحمد مويني صوالح رئيس مجلس الإفتاء الكيني، والدكتور عبد الحميد متولي رئيس المركز الإسلامي العالمي للتسامح والسلام بالبرازيل، والدكتور حسان موسى الأمين العام للوقف السويدي الإسلامي بالسويد.
وفي بداية الجلسة رحب الدكتور محمد عزت بالمنصة الكريمة وبضيوف مصر الكرام، مبينا أن الفضاء الإلكتروني أصبح يشكل عقولًا ويغير قيمًا ويلغي حواجز، مؤكدًا أن الفضاء الإلكتروني عبارة عن أداة لا يمكن الحكم عليها بالقبول أو الرفض لذاتها، لا بالقبول المطلق ولا بالرفض المطلق فله ما له وعليه ما عليه.
وفي كلمته أكد الدكتور عمر حبتور الدرعي أن الفتوى تعد ركيزة استقرار للأوطان وحماية للأديان ومنارة للأكوان من أجل جودة حياة الإنسان، فالإنسان في هذا الوجود هو جوهرة هذا الكون، مبينًا أن للفتوى قيمة عظيمة، والمبادئ التي تبنى عليها الفتوى تصدر عن الحفظ للكليات والعمل بها، وعلى معان معتبرة على رأسها الوضوح والإبانة والصدق والمنطقية والمسئولية والتلقي والأهلية بينما هذا الفضاء الإلكتروني يغلب عليه الشائعات والفوضى والانفتاح على العوام وغير ذلك، ومن هنا فإن مهمتنا في مؤسسات الفتوى هي الحفاظ على خصائصها في هذا الفضاء الإلكتروني المتمثلة في سماحتها والتيسير حتى لا تتلاشى مكانتها، كما أكد على ضرورة الوعي بالسياق المعاصر للفتوى وتطوره في القضايا الراهنة، فالفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان.
وأشار إلى أن هذا التحول والتغير جعل من الفضاء الإلكتروني بيئة خصبة وسهلة لاحتضان الجماعات المتطرفة وانتشار أفكارها وسمومها، مؤكدًا أن الإجماع الإنساني قد انعقد أنه لا يمكن للعالم أن يتعايش بدون هذه التطورات الرقمية حتى صار حتمًا عليه أن يتعايش بها فمن واجب المؤسسات الدينية والإفتائية أن يكون لها قدم راسخة ويد مؤثرة في هذا التطور الرقمي ونحن مطالبون بأن يكون لنا دور إيجابي في ظل الرقمنة.
وفي كلمته أكد الشيخ موسى سعيدي أن موضوع الفضاء الإلكتروني المطروح في هذا المؤتمر من الأهمية بمكان والذي يعتبر سلاحًا ذو حدين، وأنه علينا اختيار أفضل الممارسات التي تمكننا من الاستخدام الأمثل للفضاء الإلكتروني، وأن يتم تعميم هذه الممارسات، خاصة وأن الإسلام له رأي في كل أمر من أمور حياتنا، فاستخدام الفضاء الإلكتروني مثله مثل أي وسيلة دعوية، لها إيجابياتها ولها سلبياتها.
وفي كلمته قدم الشيخ، أحمد مويني بابا صالح الشكر للدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف على هذه الفكرة المتميزة لهذا المؤتمر، فالله ألهمه أن يختار في هذا المؤتمر عنوان: "الفضاء الإلكتروني والوسائل العصرية للخطاب الديني" لأنه موضوع حساس جدًّا، وسلاح ذو حدين، فإن أسند إليه تجديد الخطاب الديني واستعملناه بطريقة صحيحة وإلا فلا نفع فيه.
وأوضح، أن التعليم عن بعد له إيجابياته وله سلبياته، وقد حان الوقت لتنفيذ قرارات المؤتمر وتجاوز العقبات التي تواجهنا، فالفضاء الالكتروني ملك لأي أحد يتصرف فيه كيف يشاء ويبث ما يشاء من الأخبار، ومن هنا وجب علينا أن نشغل هذا الفضاء بالفكر الوسطي الرشيد من جهات معتمدة، لتجنب الجهات التي تتلاعب بفكر المجتمع.
وفي كلمته أكد الدكتور عبد الحميد متولي أن التعليم عن بعد من أهم مكتسبات التكنولوجيا الحديثة، وأنه ضرورة عصرية لا غنى عنها، وأن هذا لا يغني عن اكتساب العلم من المؤسسات العلمية الرصينة، مشيرًا إلى أننا نحتاج إلى الإرادة الفاعلة لتطويع الفضاء الإلكتروني ليناسب احتياجاتنا، وأننا إذا اردنا أن ننشر الخير فلا بد من تعلم وسائله ونشرها عن طريق العلم والمعرفة، مع الحفاظ على ثوابت ديننا وقيمنا.
وفي كلمته أكد الدكتور حسان موسى أن أي حركة أو فعل يقاس بمقاس الشرع، فالحسن حسن والقبيح قبيح قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، والفضاء الإلكتروني وسيلة وقد قال الإمام القرافي: الوسائل تأخذ أحكام المقاصد، محذرًا من استخدام الوسائل الإلكترونية دون إدراك مخاطرها.
وشدد على ضرورة استخدامها الاستخدام الرشيد والأمثل، فخفافيش الظلام انتشرت في الظلام عبر الفضاء الإلكتروني يكفرون ويبدعون، كما أكد أن يكون مبدؤنا الخيرية، وواجبنا نشر الخير والإيمان في كل مكان فديننا دين التسامح والمحبة والرحمة وعلينا أن نغضب لما يكتب في الفضاء مما يخالف ديننا ومنهجنا، فنحن بحاجة لخطاب ينبذ الكراهية والعنف ويدعو للكرامة والإنسانية، وينبذ الإساءة للأديان.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الفضاء الإلكتروني المؤسسات الدينية الأوقاف التكنولوجيا الحديثة الفضاء الإلکترونی فی هذا
إقرأ أيضاً:
الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
عندما ينوي الكاتب تأليف مسرحية جديدة، يجد نفسه منذ البداية منشغل التفكير بين فكرة النص المسرحي وموضوعه. وقد يسبق الموضوع الفكرة الأساسية للمسرحية، وقد تتقدم الفكرة على الموضوع الذي سينبثق منها. وليس مهما أن يسبق أحدهما الآخر في أثناء الإعداد لنص مسرحي ما، فالعلاقة بين فكرة المسرحية وموضوعها علاقة جدلية تجاذبية لا تفسح للكاتب أو الناقد المسرحي مجالا أن يضع خطا فاصلا بينهما. فقد تتقدم الفكرة على الموضوع أو العكس، ولكن الواقع الفني يشير إلى أن واحدا من الاثنين يتولد من الآخر.
في كتابه "فن المسرحية"، الذي يضم مجموعة محاضرات ألقاها علي أحمد باكثير في معهد الدراسات العربية العالية، يفيد الكاتب من تجاربه المسرحية الأساسية وموضوعاتها. وقبل أن نعرض لتحليل باكثير لتلك العلاقة، يهمنا أن ننوه بأهمية الفكرة الجوهرية للعمل المسرحي المنوي إنجازه، فهي التي تحدد الغاية من المسرحية من دون الحاجة إلى اللجوء لأسلوب الوعظ والإرشاد لإبرازها، إنما المسرحي الناجح تراه يسعى إلى بلورة فكرته الأساسية بأسلوب فني غير مباشر. لا بد للمسرحية الناجحة من أن تعتمد فكرة أساسية واحدة، إذ لا يجوز التطرق إلى فكرة ثانوية إلا إذا رأى المؤلف أنها تعزز الفكرة الأساسية وتعمقها، حيث استطاع ببراعة درامية أن يحقق ذلك.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الرِّوائي الجزائري "واسيني الأعرج": لا أفكر في جائزة نوبل لأنني مناصر للقضية الفلسطينيةlist 2 of 2راشد عيسى: الشعر رسالة جمالية تنتصر للفكر الإبداعي وتتساءل عن هوية الإنسانend of list إعلاننعود إلى تجربة الأستاذ علي أحمد باكثير في التعامل مع الفكرة والموضوع، لنعرف منه أن الفكرة المسرحية في معظم الأحيان كانت تسبق الموضوع. ونراه يتطرق بهذا الصدد إلى حالات تجريبية كانت تمر معه، وهي:
قد يجد الكاتب المسرحي موضوعا لكاتب سابق له، فيستعير قصته أو روايته التي تتفق مع فكرته المسبقة، فيقوم بمسرحتها. وهذا التوجه لا ينفي أصالة الكاتب وقدرته على التأليف المسرحي، بل يمكن أن يظهر براعته الدرامية في موازاة العمل المستعار أو التفوق عليه. قد يسبق الموضوع الفكرة المسرحية لدى الكاتب، إذ يستهوي المؤلف المسرحي موضوع ما أو شخصية أو موقف، فيدرس ما يقع بين يديه حتى تتولد عنده الفكرة الأساسية. قد يعاني الكاتب من أزمة نفسية خاصة أو عامة يجد لها متنفسا في عمل مسرحي يتداخل فيه الموضوع بالفكرة. وفي البداية لا يكون الكاتب على علم بموضوعه أو فكرته، ومع تصاعد واجترار أزمته النفسية يجد نفسه أمام موضوع واضح ينطوي على فكرة أساسية.لكي يوفق الكاتب المسرحي في اختيار الموضوع الملائم لفكرته الخاصة به، لا بد من الاحتكام إلى شرطين موضوعيين، وهما الرغبة في طرق الموضوع، والحرية في انتقائه من بين عدة موضوعات يمكن أن تخطر له.
وعند اختيار الموضوع المناسب، لا بد من أن يوظف الكاتب كل ما عنده من خبرة حياتية وخيال خصب، ليتمكن من نقل الواقع الفوتوغرافي إلى الواقع الفني بكل ما فيه من أحداث وشخوص وأجواء درامية. ويحسن بالكاتب هنا أن يكون صاحب مبدأ أو نظرة حياتية تقوم على فلسفة ما في التعامل مع واقع الحياة الإنسانية، فحين يتبنى أفكارا خاصة يدعو إليها، يتوفر لديه الاندفاع نحو موضوع حيوي ساخن ومتميز، يجري على غير ما اعتاده الكاتب.
ولكي يزاوج المؤلف المسرحي بين فكرته وموضوعه بحرارة وصدق، بعيدا عن الافتعال والتكلف، عليه أن يكون متفاعلا مع بيئته ومجتمعه، متبنيا للمشاكل والقضايا والهموم الفردية والجمعية، غير مهمل لقضايا وطنه وأمته. فمن منطلق هذا التفاعل والتبني القائمين على الالتزام، تنبع الأفكار الجيدة والموضوعات المكتنزة.
وللكاتب المسرحي الحرية التامة في طرق أي جانب من جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما له ألا يقيد نفسه بالوحدات المسرحية الثلاث (الزمان، المكان، الموضوع)، ففي وسعه أن يجمع بين الشرق والغرب، وبين الحاضر والماضي والمستقبل، وبين جوانب الحياة مجتمعة، ولكن دون أن يخرج عن وحدة الموضوع ووحدة الطابع الدرامي المحدد، الذي هو بمثابة الواجهة الأمامية للعمل المسرحي.
في حين يؤكد الناقد المسرحي ألاردس نيكول أهمية الفكرة المسرحية قائلا إن "المسرحية فن التعبير عن أفكار خاصة بالحياة في صورة درامية تجعل هذا التعبير ممكن الإيضاح عن طريق ممثلين"، نراه في الوقت نفسه يذهب إلى المطالبة بفصل وحدة الموضوع المسرحي عن وحدتي الزمان والمكان، لأهمية ذلك في نظره. فهو يرى ضرورة المحافظة على وحدة الموضوع في المسرحية الجادة، فلا يجوز عنده إضافة موضوع ثانوي على الموضوع الأصلي حتى لا يستأثر الموضوع الثانوي باهتمام الجمهور، مما يضيع الغاية من المسرحية ويغيب فكرتها الأساسية.
إعلانإضافة إلى ذلك، لا بد من تميز وحدة الموضوع بطابع درامي واحد، فلا يجمع المؤلف أو يزاوج بين لونين متناقضين من الدراما كأن يخلط بين المأساة والملهاة في مشهد مسرحي واحد، لا سيما إذا ما جاء هذا الخلط خلطا تعسفيا لا مبرر له وبلا تناسق نفسي. فالمزج بين المضحك والمبكي في حالة مسرحية واحدة يبقى أسلوبا يناقض الحالة الشعورية للمشاهد.
وفي حقيقة الأمر، نجد معظم النقاد المسرحيين يميلون منذ عدة قرون إلى أولوية تحقق وحدة الطابع المسرحي في المسرحية الواحدة ذات الموضوع الواحد، فينادون بضرورة فصل الكوميديا عن التراجيديا في المسرحية الواحدة التي لا بد لها أن تتميز بلون درامي واحد. فهذا الكاتب المسرحي الإسباني (دلوب دي ديجا) عام 1609 يصر على عدم جواز المزج بين رفعة المأساة وهبوط الملهاة التي وصفها بالوضيعة. أما أديسون فقد علق في مطلع القرن الـ18 على ما سميت الملهاة الفاجعة قائلا: "إنها واحدة من أخبث الاختراعات الدرامية التي دارت في خيال شاعر".
في المقابل، نجد كلا من دريدن، والدكتور جونسون، وفيكتور هوغو، يتجاوزون مقولة أديسون الشهيرة، ويتصدون للدفاع عن ظاهرة المزج بين العنصر الكوميدي والعنصر التراجيدي في النص المسرحي الواحد، معتمدين في ذلك على طبيعة حياة الإنسان وواقعه الحياتي المليء بالبكاء والضحك معا.
خلاصة القول بهذا الصدد، ليست القضية هنا في أن يمزج الكاتب المسرحي المأساة بالملهاة أو لا يمزج في العمل المسرحي الواحد، ولكن القضية الدرامية هنا تكمن في مقدرته الفنية وبراعته الدرامية في المحافظة على وحدة الموضوع المسرحي، التي لا يستطيع من دونها أن يبرز فكرته المسرحية الهادفة ويعبر عنها أجدى تعبير يلقى استحسان الجمهور وإعجابه بها.
إعلانوفي عودتنا إلى جدلية العلاقة بين الفكرة والموضوع، لا بد من الإشارة إلى أن هناك أفكارا كثيرة يلتقطها الكاتب المسرحي من واقع الحياة اليومية، أو تخطر على ذهنه حين يستعين بالذاكرة. والكاتب ذو الدراية والخبرة لا يحتار بين فكرة وأخرى، إذ سرعان ما تلقى إحدى الأفكار هوى في نفسه، فتستأثر باهتمامه، وهي تقود إلى موضوع أو موقف مؤثر مر به أو شاهده لغيره من الناس، فأقلقه وما زال يقلقه ويزعجه، فتتولد في نفسه عاطفة قوية وصادقة لمعالجة هذا الموضوع والتصدي الدرامي له باستحضار الشخصيات وإبراز الحدث بإدارة الصراع حتى يبلغ الذروة.
ولعل أقوى المسرحيات وأكثرها اكتنازا وتأثيرا في الجمهور، تلك المسرحية التي يظهر فيها المؤلف في أثناء طرحه للموضوع متأثرا وغاضبا ومحتجا على السكوت عن المشكلة المترتبة على موضوعه وآثارها السلبية، وكأنه يدعو الجمهور إلى مشاركته في التفكير بالأمر ومحاولة البحث عن الحل في أثناء متابعتهم تطور الحدث والحوار المتنامي، الذي يجري بين الشخصيات التي غالبا ما تكون متناقضة المواقف والآراء.
وعندما يكون الكاتب المسرحي شديد الحماسة لطرح موضوعه وتبنيه الشديد له، فإنه يضيف له من خياله ما يبلوره ويقوي حضوره الدرامي، فيكون أكثر وضوحا وجذبا لإثارة الاهتمام. وهذه هي رسالة المسرح في المجتمع، والمهمة التثقيفية التي يتطلع إليها الكاتب المسرحي الناجح.