الاقتصاد السلوكي هو أحد فروع الاقتصاد ومزيج من علمي الاقتصاد والنفس ويهدف إلى فهم سلوك الأشخاص على أرض الواقع وليس نظريا، وعبر إجراء التجارب الحقيقية، لا عن طريق الاستبيانات والاستطلاعات وأدوات القياس الأخرى، ووفقا لعدة مصادر فإن علم الاقتصاد السلوكي ليس حديث النشأة ولكنه تطوّر بسبب استمرار التجارب حوله وذلك بفضل العالمين كانمان وتفيريسكي اللذين درسا انحيازات الحدس (biases of intuition) ودوره في التأثير على اتخاذ القرارات.
ولم يكن علم الاقتصاد السلوكي يحظى بقبول كبير خلال السنوات السابقة خاصة من قبل الاقتصاديين التقليديين، لكن مفهوم الاقتصاد السلوكي بدأ يتردد كثيرا في أذهان الأشخاص والدارسين لتطورات علوم الاقتصاد والنفس والاجتماع أيضا، ويهتم العالم بعلم الاقتصاد السلوكي الذي تعدى مرحلة فهم توجهات الاقتصاد ومتغيراته إلى مرحلة فهم مشاعر المستهلك وعواطفه ليتعرف على التوجهات النفسية وذلك لاتخاذ القرارات المالية، غالبا لا نعطي رأينا الفعلي أو سلوكنا الحقيقي حول موضوع أو قضية معينة وليس القصد من ذلك المراوغة أو الخداع وذلك لأن الأشخاص يميلون إلى العقلانية والمثالية في تفاعلهم مع الأحداث المحيطة بهم وذلك لاختلاف سلوكهم النظري عن العملي.
وحقيقة الأمر أن كثيرا من قراراتنا اليومية تتأثر بالعوامل النفسية والعاطفية خاصة في القرارات المالية، وهنا نستحضر إحدى نظريات الاقتصاد وهي نظرية الخيار العقلاني أو النظرية العقلانية التي توضّح أن الأشخاص يحققون درجة عالية من الرضا عند إتاحة خيارات عدة أمامهم كون أن الشخص مؤهل عقليا لاتخاذ القرارات الملائمة والمناسبة له وأنه قادر على السيطرة على عواطفه وعدم السماح لها بالتحكم في قراراته، إلا أن الاقتصاد السلوكي يرى أن العاطفة تستطيع التأثير على اتخاذ القرارات وأنهم غير مؤهلين لاتخاذ قرارات صائبة بسبب الظروف والمتغيرات التي يمرون بها؛ فالتباين في الآراء حول الاقتصاد السلوكي وتطبيقاته الذي بدأ يحظى باهتمام لدى كثير من الأشخاص والمتخصصين حتى وصل الاهتمام إلى مستوى الحكومات لوضع السياسات الاقتصادية والمالية، إلا أن القرارات المتخذة وفقا لتطبيقات الاقتصاد السلوكي والدراسات حوله هي عاطفية بدرجة كبيرة كونها لا تنظر إلى التوقعات المستقبلية وربما تكون قرارات اتخذت في حالات مختلفة تمر على الأشخاص مثل حالات الغضب والفرح؛ فمثلا أن يشتري المستهلك منتجا ليس من ضمن احتياجاته الأساسية أو أن يشتري مركبة أو يقتني منزلا أكبر من قدرته المالية مما يسبب له أزمة اقتصادية مستقبلية ولكن بسبب فكرة عابرة خطرت على باله أو وضع نفسه أمام مقارنة مع الآخرين اضطر لاتخاذ مثل هذه القرارات، ومثال على ذلك، اختيار ألوان معينة عند شراء بعض السلع بالرغم من تفاوت الأسعار ونفس جودة المنتج، كذلك عند شراء سلعة معينة من محل ثم تتفاجأ بأن سعرها أقل في محل آخر فإنك ستتأثر عاطفيا ونفسيا بأنك خسرت جزءًا من المال كان بالإمكان الاحتفاظ به في حال اشتريت السلعة من المحل ذات السعر الأرخص.
من تطبيقات الاقتصاد السلوكي هي الإعلانات التي تطلقها المحال وشركات التسويق أو حتى ما يطلق عليهم مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي؛ فمثلا إذا كان ميول المستهلكين تناول الوجبات السريعة فإن المطاعم تستطيع اتخاذ قرارات تستهدف ميولهم وتحقيق أكبر قدر من الأرباح، أما المثال الآخر فهو اتخاذ المستثمرين قرارات غير مدروسة ظنا منهم أنهم قاموا بتحقيق صفقة استثمارية ناجحة وذلك بإيهامهم بوجود تخفيضات بنسب كبيرة على الوحدات السكنية أو التجارية أو الصناعية، ولكن لو تم تحديد سعر الوحدات بنفس سعرها بعد التخفيضات لن تحقق الأرباح المتوقعة، لنفترض أن سعر الوحدة السكنية 100 ألف ريال عُماني ثم جرى تخفيضها بنسبة 15% ليصبح سعرها 85 ألف ريال، فإن إقبال المستثمرين على مبلغ 85 ألف ريال أكبر من سعر 100 ألف ريال، لكن لو تم تحديد سعر 85 ألف للوحدات السكنية، فإن الإقبال على شراء الوحدات لن يكون كبيرا وذلك لأسباب يظن خلالها المستثمر أنه حقّق صفقة استثمارية ناجحة.
أما التطبيق الثاني للاقتصاد السلوكي فيتمثّل في أن كثرة الخيارات تقلل نسبة الشراء بسبب تردّد المستهلك في الاختيار وتشتت ميوله العاطفية والنفسية تجاهه ولذلك نجد كثيرا من الإعلانات تحاول معالجة هذا التحدي عند المستهلكين عبر وضع عبارة، مثلا اشتر علبة واحدة لتوفّر شراء 3 علب، أما المثال الآخر وهو من أهم تطبيقات الاقتصاد السلوكي فهو إذا كان البائع يعاني من ضعف مبيعات المنتجات ذات الحجم الكبير فبالإمكان وضع خيار آخر للمستهلك وهو الحجم المتوسط وسعره يقترب من سعر المنتج ذي الحجم الكبير فإن المستهلك سيلجأ للمنتج بالحجم الكبير وذلك ظنا منه أنه كسب من صفقة الشراء وكان خيارا أفضل.
يعد علم الاقتصاد السلوكي أحد علوم الاقتصاد الشائقة كونه مزيجا من علوم الاقتصاد والعلوم الإنسانية مثل علمي النفس والاجتماع، وأصبح مهما في تحديد خيارات الأشخاص وفي اتخاذ قراراتهم المختلفة عبر دراسة سلوكهم وتحديد ميولهم؛ ولذلك أصبح إطلاق الإعلانات التسويقية لا بد أن يكون مبنيا على دراسة السلوك والعاطفة للأشخاص، وأرى من المهم تكثيف التعريف بالاقتصاد السلوكي حتى تترسّخ تطبيقاته لدى أفراد المجتمع والتوعية بدوره في اتخاذ القرارات غير المدروسة أحيانا كونها قرارات غير عقلانية وغير واقعية وإنما اتخذت نتيجة عامل عاطفي أو نفسي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اتخاذ القرارات ألف ریال
إقرأ أيضاً:
وكالة الإمارات للفضاء تستضيف الملتحقين بالدفعة الـ 2 لمسار تطبيقات الفضاء «مراقبة الجو»
استضافت وكالة الإمارات للفضاء، الثلاثاء، الملتحقين بالدفعة الثانية من مسار تطبيقات الفضاء-مراقبة الجو، وذلك ضمن البرنامج التدريبي الذي تنفذه أكاديمية الفضاء الوطنية بالتعاون مع «سبيس فورتي تو» الشركة الإماراتية المتخصصة في تقنيات الفضاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
شهد اليوم الأول من البرنامج تعريف المشاركين بأجندة التدريب ومهامهم خلال الفترة المقبلة، إلى جانب استعراض شامل لمراحل التدريب والمهارات التي سيكتسبونها في مجالات الاستشعار عن بعد، وتحليل البيانات الفضائية، والذكاء الاصطناعي.
يضم البرنامج مرشحين من جهات حكومية وخاصة في الدولة، تم اختيارهم لتعزيز معارفهم التطبيقية في قطاع الفضاء، بما يسهم في إعداد كفاءات وطنية قادرة على دفع عجلة الابتكار والبحث العلمي في هذا المجال الحيوي.
وأكد ناصر الراشدي، المدير العام لأكاديمية الفضاء الوطنية، أن إطلاق مسار البرنامج التدريبي يركز على كيفية الاستفادة من البيانات والصورة الفضائية وتدريب الكفاءات الوطنية، بتدريب عملي مكثف لينتجوا مشاريع وحلولاً حقيقية تخدم المؤسسات والقطاعات التي ينتمون إليها. وقال إن البرنامج يمتد لعشرة أسابيع، بداية بإعطاء معلومات قيمة وثرية وعملية في مجال الاستشعار عن بعد الفضائي، ومجال الصور الفضائية، ومراقبة الأرض، ثم الانتقال إلى مرحلة كيفية استخدام أحدث أدوات تحليل البيانات الفضائية، بما في ذلك تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي.
وأضاف إن المخرجات المتوقعة لهذا البرنامج تتمثل في إنتاج مشاريع حقيقية يقدمها المشاركون تحت إشراف خبراء من شركة سبيس فورتي تو، وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي إلى جانب إنتاج حلول حقيقية تخدم الجهات والقطاعات، ثم تطلق من خلال منصة «جي آي كيو» وهي منصة بالشراكة مع «سبيس فورتي تو» ترعاها وكالة الإمارات للفضاء، لوضع مثل هذه الحلول وتسويقها وتعزيز فرص استخدامها.
وقال إن سنة 2023 شهدت طرح برنامج عملي في مجال استكشاف الفضاء ضم عدة مراحل، بالشراكة مع أكاديميين وجهات معنية من خارج الدولة، وفي سنة 2024 تم إصدار قرار «نريد التعاون والشراكة مع الجهات المحلية الفاعلة»، مثل مجموعة إيدج، وشركة سبيس فورتي تو، وهو ما ساعد في إطلاق مسارين الأول في تطبيقات الفضاء، والآخر في بناء وتصنيع الأنظمة الفضائية، والآن في سنة 2025، يعززون هذه التجربة من حيث العمق في المحتوى والاحتفال بـ28 مشاركاً من 21 جهة وطنية يسهمون في تحقيق الريادة في المجال الفضائي وعلوم الأرض.
(وام)