يعرف كل من له علاقة بالفنون والإبداع في كل المناحي أهمية النقد ودوره، فلا يقتصر أن يحلل العمل ورموزه ولكن عليه أن يغطي بوعي كل العناصر الفنية من قصة وإخراج وحركة كاميرا وأداء وإضاءة، فهو الوسيط بين المبدع والجمهور، وعليه أن يلتزم الموضوعية ولا يكون ناقدًا انطباعيًا باحثًا فقط عن السلبيات أو عن الايجابيات وينحصر حديثه في إحداهما.
دور الناقد حتمي ومهم جدًا مادام هناك عمل ينتج وعليه يجب أن يكون الناقد مُحبًا للسينما أو المنتج الدرامي ومدركًا بتطورات الأحداث وتاريخ الإبداع ولديه قدر كبير بالمعرفة السياسية والأدب والتشكيل والموسيقى حتي يلعب الدور المنوط به كهمزة الوصل بين الجمهور والعمل وكذلك وضع الضوء علي سلبيات العمل ليتجنبها كل المشاركين وتكون آراؤه بوصلة يستفيد منها كل من شارك في العمل الفني، وهنا يأتي السؤال: هل لدينا عدد كافٍ من تلك النوعية من النقاد التي تدفع بالإنتاج الفني إلى التجويد ونشر قيم التصالح مع الحق والخير والجمال وقيم الولاء والإنتماء مما يضيف إلى التاريخ الفني المصري العريق والثري بأعمال مازلنا نتابعها وبعضها شرفنا في كثير من المحافل والمهرجانات العالمية؟.
الإجابة أعتقد وبموضوعية لغير صالح النقد فما زال البعض من المنتجين يبحث عن فنون تعتمد علي كوميديا ساذجة وأكشن دخيل منقول ومقلد لبعض الأفلام الأمريكية من مطاردات وعنف يصل إلى حد الرعب والفزع وأحيانًا الدجل للأسف، فتوارى النقد المهني الواعي إلا القليل وكثيرًا ما نجد بعض مجاملات ومهرجانات بعضها للترضية والأخرى سبوبة وتضيع أعمال تبهرني وتبهر الجمهور ولكنها لا تجد المدافع أو الناقد الموضوعي الذي يكتسب ثقة المبدع والجمهور، وتلك مهزلة أرى من نتائجها التي عاصرتها ما حدث مع المخرج القدير يوسف شاهين فقد حضرت معه في باريس عرض فيلم «إسكندرية كمان وكمان» مع شقيقي محمد نوح فقد كان واضعًا لموسيقي الفيلم، هالني كيف قابل الجمهور الفرنسي المخرج العبقري، وقف الجمهور ما يقرب من خمس دقائق يصفقون للرجل بمجرد دخوله البنوار.
وهنا يأتي سؤال آخر: هل تم نقد موضوعي مهني لأفلام المبدع يوسف شاهين؟ أم كان بعض النقد إنطباعيًا طيبًا وغير مهني علي الاطلاق وتركناه لجمهور الترسو يطلقون عليه كلمات ساذجة مثل «أفلامه غير مفهومة وبيعمل تغريب» ويبحثون عن الكمال وما يدركوه من سذاجة نابعة من أفلام تشجع علي الهطل ويلعب المخرج دور البلاسير حين يستقبل رواد السينما ليرشدهم لمقاعدهم فيلعب المخرج نفس الدور للوصول بالمشاهد إلى النهاية السعيدة وزواج الحبيب بالحبيبة وزفة وإستعراض ممجوج لراقصة أو أن يموت المجرم وتأتى الشرطة في نهاية الفيلم ليخرج المشاهد سعيدًا راضيًا، رغم أن تلك نوعية من السينما تساعد علي عدم إعمال العقل، وكما قال القدير زكي نجيب محمود: «حلول الصدف تبعدنا عن المنطق وإعمال العقل»، وكما قال كافكا، الكاتب التشيكي: «الرواية التي لاتصدمك لاتستحق القراءة».
إنها دعوة للاهتمام بالإبداع والنقد ولا نختلف مع كل جديد وإنما نترك المجال مفتوحًا لفرز الأفكار الجديدة وأرجو أن ندرك أنه حين تجد نفسك مختلفًا مع كل جديد من ذوق وإبداع تذكر أنك كبرت عمرًا وتلك صفة حياتية فسيد درويش كان مرفوضًا من جمهور التخت والغناء المبني علي السلطنة والأداء التركي، وحين ظهر عبدالحليم كان يرفضه البعض وحين ظهر محمد نوح بعضهم كتب موسيقي القرود وحين ظهر عمرو دياب أطلق البعض عليه مطرب التنطيط.
النقد الموضوعي والمهني هو الحارس للإيضاح وتنوير الناس بمفردات الإبداع فالمشكلة الحقيقية أن البعض يعرف في التمثيل ولا يعرف في الإخراج ومن يدرك الإخراج لايدرك قيم التشكيل ومصدر الضوء والعدسات والكادرات وقيمة الكلوز وحتمية اللونج ومتي يتحدث الممثل بظهره ومتي يقف على العالي في الديكور واستخدام السلالم في حركة الممثل ولماذ تستحم البطلة ثم لماذا ذهبنا إلى البحر لارتداء المايوه وما السبب! ولا يمكن أن يكون شباك التذاكر لجذب المراهقين، ومتي يقف الممثل في كادر أو أرش.
يا سادة لدينا خلال مشوار السينما الطويل عباقرة في الإخراج قدموا وبوعي كل ما ذكرت ويدركه كل عاشق مدرك لفنون السينما والدراما والمسرح وكل من قرأ لأكسندر دين أو فن الإخراج السينمائي لسيدني لوميت. مصر بلد عظماء الإخراج، مصر بلد صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وحسين كمال وحلمي رفله ونيازي مصطفي وبركات وعاطف سالم وحسام الدين مصطفي وحسين كمال وسعيد مرزوق.
هل لنا أن نتعرف على بعض أسماء النقاد كان لهم الفضل في وجود سينما نفتخر بها ونشاهدها كلما عرضت علي شاشات التليفزيون، وأتذكر منهم يوسف شريف رزق الله، كمال الملاخ، كمال رمزي، علي أبو شادي، سمير سرحان، د. عبدالمنعم تليمة، د. عبدالقادر القط، د. جابر عصفور، جليل البنداري، د. علي الراعي، د. صلاح فضل، د. غالي شكري، أحمد صالح، سمير فريد، د. وليد سيف، أحمد الحضري، تلك أمثلة أضعها لنتعرف عن أعمال سينمائية وأدبية كتب عنها هؤلاء العظماء وكيف كانت نتائج ما إنتجته فنون الإبداع في عصر النقاد الحقيقيين. النقد هو قاطرة التنوير للمبدع وللمتلقي، حفظ الله مصر ومبدعيها فهي تنطلق وتستحق.
حسين نوح: ناقد وفنان تشكيلى
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
مصر.. إصلاحات النقد الأجنبي تدفع تحويلات المصريين إلى أعلى مستوى منذ سنوات
(CNN)-- سجّلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج قفزة كبيرة خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الجاري، بزيادة نسبتها 47.2% لتصل إلى نحو 26.6 مليار دولار، مقابل 18.1 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
وعلى الصعيد الشهري، ارتفعت التحويلات خلال أغسطس/آب 2025 بنسبة 32.6% لتسجل نحو 3.5 مليار دولار، مقارنة بـ2.6 مليار دولار عن نفس الفترة في عام 2024، فيما بلغ صافي الاحتياطيات الدولية في نهاية الشهر الماضي نحو 49.53 مليار دولار، وهو من أعلى المستويات المُسجلة منذ عدة سنوات.
وقال الخبير المصرفي وعضو مجلس إدارة البنك المصري الخليجي، محمد عبد العال، إن "هذا الارتفاع الملحوظ في التحويلات يرجع إلى مجموعة من العوامل، في مقدمتها قرار تحرير سعر الصرف في مارس/أذار 2024، وإلغاء ما كان يعرف بـ"السوق السوداء"، وهو ما أدى إلى توحيد أسعار الصرف وعودة التحويلات إلى القنوات الرسمية داخل الجهاز المصرفي، مما أعاد الثقة في البنوك وأسهم في استقرار سوق النقد الأجنبي".
وأوضح عبد العال، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، أن "تحرير الصرف مثّل نقطة تحول جوهرية في السياسة النقدية، إذ تبعته مؤشرات اقتصادية إيجابية عديدة، أبرزها تحسن صافي الأصول الأجنبية وتراجع عجز الميزان التجاري، إلى جانب زيادة تدفقات النقد الأجنبي إلى البنوك".
وأشار إلى أن البنك المركزي المصري اتبع بعد ذلك سياسة نقدية تقييدية عبر رفع أسعار الفائدة بشكل كبير لكبح جماح التضخم، بينما أطلقت البنوك الحكومية وعلى رأسها البنك الأهلي المصري وبنك مصر أوعية ادخارية مرتفعة العائد جذبت المصريين في الداخل والخارج على حد سواء.
وقال إن "هذه الأوعية رغم أنها لم تحقق عائدًا كبيرا في ظل ارتفاع التضخم، فإنها نجحت في سحب السيولة من السوق وتعزيز قوة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، مما شجع المصريين بالخارج على توجيه مدخراتهم نحو الجهاز المصرفي".
ولفت عبد العال إلى أن الدولة، بالتنسيق مع مؤسساتها المختلفة، أطلقت أيضًا حوافز تشجيعية للمصريين في الخارج، منها منح أراض ووحدات سكنية بالنقد الأجنبي، ومبادرة استيراد سيارات معفاة من الجمارك مقابل السداد بالعملة الصعبة، مشيرًا إلى أن هذه الخطوات أسهمت في زيادة المعروض من النقد الأجنبي واستقرار سعر الصرف، خاصة مع التحسن الملحوظ في قيمة الجنيه خلال الأشهر الماضية.
وأكد عبد العال أن تحويلات المصريين في الخارج تمثل أحد أهم مصادر النقد الأجنبي المستدامة، إذ تستخدم في تمويل التجارة الخارجية وسداد الاعتمادات المستندية وتحسين وضع الميزان التجاري، كذلك ساهمت زيادة التدفقات الدولارية في تعزيز قوة الجنيه المصري، حيث انخفض سعر الدولار من أكثر من 51 جنيهًا في أبريل/نيسان الماضي إلى نحو 47.5 جنيهًا حاليًا، مما انعكس إيجابيًا على تكلفة السلع المستوردة ومعدلات التضخم.
واعتبر عبد العال أن "ثقافة الانتماء لدى المصريين في الخارج تظل عاملا رئيسيًا وراء استمرار هذه التحويلات، فالمصري بطبيعته يسعى لتحويل جزء من دخله إلى أسرته داخل البلاد لبناء منزل أو دعم ذويه، وهو ما يجعل التحويلات موردًا مستقرًا ومتجددًا يدعم الاقتصاد".
وأكد الخبير المصرفي محمد بدرة أن مرونة سعر صرف الجنيه من أبرز العوامل التي ساهمت في ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج، وهو ما أعاد الثقة في الجهاز المصرفي وشجّع على تحويل المدخرات عبر القنوات الرسمية، حسب قوله.
وأوضح بدرة في تصريحاته لـCNN بالعربية، أن عددًا كبيرًا من المصريين في دول الخليج، ممن كانوا يحتفظون بجزء من مدخراتهم خارج مصر، بدأوا يشعرون بمزيد من الاستقرار والثقة في البنوك المصرية، خاصة مع التحسن النسبي في قيمة الجنيه وتوقعات استمرار انخفاض سعر الدولار خلال الفترة المقبلة.
وأضاف أن هذه التطورات دفعت العديد منهم إلى العودة للاستثمار داخل مصر، سواء عبر تحويل أموالهم إلى البنوك أو ضخها في استثمارات ثابتة مثل العقارات، التي أصبحت أكثر جاذبية عند مقارنتها بأسعارها بالعملات الأجنبية.
وأشار بدرة إلى أن زيادة تحويلات المصريين بالخارج انعكست بشكل إيجابي على ميزان المدفوعات، في وقت يواجه فيه الاقتصاد ضغوطًا ناجمة عن تراجع إيرادات قناة السويس بفعل التوترات الجيوسياسية، فضلًا عن انخفاض الإنتاج المحلي من البترول وزيادة الاستيراد لتلبية احتياجات السوق.
وأكد أن تحويلات المصريين، إلى جانب انتعاش قطاع السياحة، أسهما في تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات ودعم استقرار سوق الصرف، وهو ما انعكس في تراجع سعر الدولار أمام الجنيه المصري.
مصرالاقتصاد المصريالبنك المركزي المصريالجنيهنشر الأحد، 26 أكتوبر / تشرين الأول 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.