(عدن الغد)متابعات:

منذ أعوام فقد المزارع السبعيني سعيد محمد مكانته كحكيم زراعي يستشيره أغلب مزارعي قريته والقرى المجاورة في مديرية الشمايتين التابعة لمحافظة تعز جنوب غربي اليمن، ولم يعد يجرؤ على تقديم النصائح لهم أو حتى إبداء رأيه في أمور وقضايا الزراعة والمحاصيل.

اكتسب المزارع محمد مكانته من خلال اشتغاله في الزراعة منذ طفولته المبكرة رفقة والده وأعمامه الذين أورثوه خبرات قل أن يعرفها أحد في العقود الأخيرة، بعد أن تنوعت الأنشطة الاقتصادية للسكان إلى جانب الزراعة، إلا أن الاضطرابات المناخية وتبدل المواسم وتغير مواعيد هطول الأمطار أربكته وتسببت بحيرته.

وإزاء حيرة محمد وغيره من المزارعين، يقول نبيل عبد الغني مدرس الجغرافيا في إحدى مدارس المديرية، إن المزارعين باتوا بحاجة إلى سنوات طويلة لبدء إدراك ما تفرضه التغيرات المناخية من قواعد للزراعة وطرق للتعامل معها، وقد يحتاجون إلى بنية تحتية تساعدهم في التعامل مع تلك التغيرات.

ويتكبد المزارعون اليمنيون خسائر كبيرة نتيجة التذبذب في مواعيد مواسم الزراعة، وكميات الأمطار وأماكن هطولها، ففي أجزاء كبيرة من مديرية الشمايتين هطلت أمطار غزيرة ونتج عنها سيول جارفة تسببت بالكثير من الخراب في الأراضي الزراعية، في حين بقيت أجزاء من نفس المديرية ومديريات مجاورة تشهد جفافاً متصلاً.

وضع زراعي هشّ

يظهر تأثير هذه التقلبات، بحسب مزارعي «الشمايتين» المترامية الأطراف، خلال الخريف الحالي، الذي كان متعارفاً أنه موسم حصاد أنواع عديدة من الحبوب والبقوليات التي تمت تهيئة الأرض وحرثها لرمي البذور فيها منتصف الربيع الماضي، فبعض مناطق مديرية الشمايتين هطلت عليها أمطار تقارب المطلوب للزراعة سنوياً، وحصلت بالتالي على كميات وفيرة من المحاصيل، إلا أن مناطق أخرى هطلت فيها الأمطار بكميات كبيرة جرفت التربة ببذورها أو بالمزروعات، ولم تجدِ إعادة زراعتها نفعاً، في حين لم تحصل المناطق التي عانت من الجفاف على أي شيء، لكون البذور تلفت تحت التراب أو يبست المزروعات قبل أن تصل إليها المياه المطلوبة لنموها.

في السياق، أكد تقرير محلي أن اليمن يجد نفسه في وضعٍ هشٍّ على نحوٍ خاصٍّ؛ إذ يواجه العديد من التحديات، بما في ذلك الحرب القائمة والأزمة الاقتصادية الشديدة، ومن المرجح أن يؤدي تغيُّر المناخ إلى تفاقم المشكلات الحالية، مع الأحداث المناخية المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف، فضلاً عن ارتفاع مستويات سطح البحر.

ووفقاً للتقرير الصادر عن المركز اليمني للسياسات؛ فإن النتائج تشير إلى أن تغيُّر المناخ له بالفعل تأثيرٌ سلبي، مع بعض الآثار التي تتضمن قلة توافر المياه وانخفاض جودتها، وانخفاض غلة المحاصيل وحصيلة صيد الأسماك، وزيادة الأمراض المنقولة عن طريق النواقل وانعدام الأمن الغذائي والبطالة.

ويحذر المركز في تقريره من تفاقم هذه الآثار بمرور الوقت؛ إذ تصبح تأثيرات تغيُّر المناخ أكثر وضوحاً، وتتضاعف بفعل مجموعة من العوامل الأخرى مثل الفقر والصراع وتفكك هياكل الإدارة البيئية، مع زيادة التركيز على كيف يمكن أن يكون تغيُّر المناخ «عاملاً يضاعف من التهديد»، مما يؤدي إلى تفاقم التوترات الموجودة مسبقاً، ويجعل المجتمعات أكثر عرضة للنزاعات.

ويضرب المركز مثلاً بمديرية حجر التابعة لمحافظة حضرموت شرق البلاد، والتي أدت الفيضانات فيها خلال العامين قبل الماضي والسابق له إلى تدمير الآلاف من أشجار النخيل، مما قلل من إنتاج التمور بأكثر من 60 في المائة، وكان لهذا تأثيرٌ مباشرٌ في سُبل العيش المحلية للأشخاص الذين يعتمدون في دخلهم بشكلٍ كبيرٍ على الزراعة وتربية الماشية.

الحاجة إلى تدخلات رسمية

مع ارتفاع مستويات الفقر المبلَّغ عنها بين السكان، تتفاقم الخسائر المرتبطة بالمناخ بسبب عدم القدرة على التأقلم والتكيُّف، بالإضافة إلى ضعف وبطء استجابة الحكومة والمجتمع الدولي، مما تسبب في الهجرة الداخلية للمزارعين، طبقاً للتقرير.

ويدعو الخبير الزراعي محمد سيف ثابت إلى تبني سياسات وبرامج لمساعدة المزارعين وتوعيتهم بالتغيرات المناخية وكيفية التعامل معها، وتحديد مواعيد جديدة لبدء زراعة الحبوب، إلا أنه لا يجد الأمر ممكناً في الظروف الحالية التي تواجه البلاد فيها تحديات اقتصادية كبرى، في حين تتطلب مساعدة المزارعين تخصيص أموال كبيرة لهذا الغرض.

ويوضح ثابت لـ«الشرق الأوسط» أن لدى المزارعين اعتقادات راسخة بعدم جدوى زراعة الحبوب في مواسم الأمطار الشتوية؛ لأن مواسم الأمطار في اليمن كانت إلى زمن قريب صيفية، ولا تهطل الأمطار في الشتاء إلا نادراً وبشكل شحيح، لكن مع التغيرات المناخية الحاصلة يخشى المزارعون زراعة الحبوب في الشتاء؛ لأنهم لا يتوقعون هطول الأمطار من جهة، ويخشون من تلف الزرع والمحاصيل بسبب البرد من جهة أخرى، لكن المهندس الزراعي سمير المقطري، وهو موظف في وزارة الزراعة، يذهب إلى أن المطلوب إقناع المزارعين بتغيير عاداتهم تبعاً لتغيرات المناخ من جهة، وزراعة أنواع جديدة من المحاصيل تتناسب مع المواسم الجديدة ودرجات الحرارة فيها من جهة أخرى، منبهاً إلى أن التغيرات المناخية قد تساعد في زيادة تنوع المحاصيل وتعدد المواسم خلال العام.

ويشدد على ضرورة توافر إمكانات كبيرة لإيجاد بنية تحتية تساعد المزارعين على تجنب الاضطرابات المناخية مثل الفيضانات أو الجفاف، وتحقيق توزيع عادل للمياه بين المناطق المطيرة والجافة، وهو ما يتطلب قبل ذلك دراسات وأبحاثاً ميدانية على مدى فترات ومواسم عديدة، وتمويلاً دولياً.

 

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: التغیرات المناخیة ر المناخ من جهة

إقرأ أيضاً:

«الزراعة» تطلق فعاليات مشروع «التصدي لتغير المناخ»

أطلقت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، فعاليات مشروع: «التصدي لتغير المناخ من خلال الإدارة المستدامة للثروة الحيوانية»، وذلك بالتعاون بين الوزارة ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو».

جاء ذلك خلال ورشة العمل التي تم عقدها بمحافظة أسيوط ورشة عمل لإطلاق المشروع، وذلك بحضور ممثلي الجهات الفنية على المستويين الوطني والمحلي، تحت رعاية علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي.

وشهدت ورشة العمل مشاركة واسعة من ممثلي الهيئة العامة للخدمات البيطرية، وقطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة، ومنظمة الأغذية والزراعة، إلى جانب ممثلي مديرية الطب البيطري والزراعة بمحافظة أسيوط، ومديري إدارات الزراعة والطب البيطري بمراكز منفلوط، ديروط، وأبوتيج.

وأكد الدكتور ممتاز شاهين رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية، على أهمية هذا المشروع حيث يهدف إلى دعم المجتمعات الريفية والزراعية في التكيف مع آثار التغيرات المناخية، عبر تحسين ممارسات إدارة الثروة الحيوانية وتعزيز الكفاءة البيئية والإنتاجية.

يرتكز المشروع على أربعة محاور رئيسية تشمل: تحسين الإنتاجية الحيوانية من خلال ممارسات تغذية وتربية مستدامة، تقليل الأثر البيئي للأنشطة الحيوانية وتعزيز الاستدامة، بناء قدرات الكوادر المحلية في الطب البيطري والزراعة، فضلا عن دعم أصحاب الحيازات الصغيرة من خلال حلول مبتكرة ومتكاملة.

وأشاد شاهين بأهمية المشروع في تعزيز صمود المربين وتحسين نظم الإنتاج الحيواني في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، لافتا إلى أن ذلك يأتي ضمن خطة وزارة الزراعة لتعزيز الإدارة الذكية والمستدامة للموارد الحيوانية، وتحقيق الأمن الغذائي مع الحفاظ على البيئة والمناخ للأجيال القادمة.

وتضمنت فعاليات الورشة عروضًا فنية حول أهداف المشروع وآليات التنفيذ، واستعراضًا تحليليًا لواقع الثروة الحيوانية في المنطقة، إلى جانب جلسات نقاشية تفاعلية مع المشاركين حول فرص التطوير ومواجهة التحديات البيئية.

اقرأ أيضاًوزيرا الإنتاج الحربي والزراعة يشهدان توقيع اتفاقية لتسويق المنتجات المدنية والمعدات الزراعية

«الزراعة» تتابع عمليات حصاد البطاطس في المناطق الخالية من العفن البني

مقالات مشابهة

  • وزيرة البيئة: دعم الدول النامية وتحقيق العدالة المناخية أولوية رئيسية لتمويل المناخ
  • “الزراعة” تحذر من انتشار الأمراض الفطرية وتدعو المزارعين لاتخاذ الاحتياطات اللازمة
  • وزير الزراعة: الحكومة ملتزمة بتعويض خسائر المزارعين جراء العدوان الإسرائيلي
  • من وزارة الزراعة... خبر يهمّ المزارعين عند الأراضي الحدودية
  • محافظ المنيا: توزيع 5 حقول إرشادية لفول الصويا وتكريم المزارعين والرائدات الريفيات
  • خلال مشاركته في حصاد القمح بالعدوة محافظ المنيا يُكرم المزارعين والرائدات الريفيات ومهندسي الإرشاد
  • هاني: بات بامكان المزارعين الجنوبيين دخول أراضيهم الحدودية لجني محاصيلهم
  • البحوث الزراعية: زيادة الإنتاج والصادرات من المحاصيل والنباتات الطبية والعطرية
  • وزير الري: نعمل على عدة محاور للتكيف مع التغيرات المناخية وحماية المواطنين والبنية التحتية
  • «الزراعة» تطلق فعاليات مشروع «التصدي لتغير المناخ»