صديق الزيلعي

حذرت في المقال الأول من أخطار عودة الحكم العسكري، انتصر أي من المتحاربين أو اتفقا على تقاسم السلطة. وذكرت ان الحكم العسكري، تحت أي حجة أو شعار، يؤدي لدكتاتورية قمعية مطلقة. ورغم ان إيقاف الحرب هي الأولوية القصوى لنا، لكن يجب التفكير في قضايا ما بعد الحرب كإعادة التعمير واستقرار الحياة. وأيضا التفكير في قضايا الانتقال الديمقراطي، وهي موضوعات متعددة ومتداخلة.

نتحدث، اليوم، عن دور النقابات، وأهمية وجود نقابات منتخبة تمثل العاملين، وتلعب دورها المطلبي والوطني. مع التأكيد ان تدمير نظام الاسلامويين للنقابات كان له أثره السالب في المعارضة، وفيما حدث للمرحلة الانتقالية من تباطؤ وتلكؤ وضعف.

يحق لشعبنا ان يفخر بحركته النقابية فهي حركة ديمقراطية ومستقلة ومصادمة ومنحازة تماما لقضية التغيير السياسي والاجتماعي في بلادنا. ولم ينتج ذلك من فراغ أو منحة من سلطة، بل هب نتاج الصيغة التي تأسست بها ـول نقابة، وهي المواجهة القوية التي قادها عمال عطبرة ضد المشروع الاستعماري، وهي التي ملكتها تلك السمات الواضحة. النقابات السودانية قدمت الكثير لشعبنا، عبر التاريخ، وتقدمت صفوفه عند المعارك الحاسمة، وعفت عند المغنم.
كانت النقابات في مقدمة صفوف المقاومة ضد دكتاتورية مايو العسكرية. ورغم حدوث عدة انقلابات عسكرية ضد مايو، بالإضافة لغزو مسلح من الخارج في 2 يوليو 1976، الا ان جميعها لم يسقط الدكتاتورية. ولكن اضرابات النقابات ارغمت الدكتاتورية على التراجع المستمر، حتى جندلتها بالإضراب السياسي العام في الانتفاضة. وهكذا اثبتت النقابات ان النضال المدني السلمي الجماهيري هو أقوي ادوات مواجهة الدكتاتوريات، وليس العمل المسلح. فإضرابات السكة الحديد والمعلمين والمحاسبين والاطباء والقضاة وغيرها هي ما حاصرت الحاكم الفرد نميري، وشلت يديه، وجعلته بكل ما يملك من اجهزة قمعية، يفشل تماما في هزيمة النقابات.
جاء تكوين التجمع النقابي من نقابات الاطباء، المهندسين، اساتذة الجامعة، المصارف، والتأمينات العامة ضربة قوية لكل قوانين ولوائح النقابات المايوية (خاصة لائحة البنيان النقابي لسنة 1972 وقانون النقابات لسنة 1977) التي فرضت ان تدار النقابات من مكتب الفئات بالاتحاد الاشتراكي (التنظيم الواحد الأحد). ورفضت نقابات المهنيين بشجاعة تامة تبعيتها لاتحاد الموظفين المايوي بقيادة كمال الدين محمد عبد الله. ولا يسع المجال هنا لتفصيل صراعات ومواجهات النقابات مع النظام الدكتاتوري. ولكن أخلص بان التجمع النقابي صار القيادة الملهمة للانتفاضة حتى انتصرت، وسقط النظام العسكري الثاني في بلادنا.
هناك اتهام تكرر كثيرا ضد النقابات بانها تنظيمات انانية، لا تفكر الا في مصلحة اعضائها. وهذا قول مردود لان النقابات قامت اساسا للدفاع عن اعضائها من خلال التفاوض الجماعي. ولا يمكن اتهام اتحاد اصحاب الصناعات بانه يدافع عن مصالح اعضائه لأنه اساسا كون من اجل ذلك. واضيف بان النقابات، طوال تاريخها لم تعرف الانانية وحصر كل نشاطها من اجل حقوق اعضائها فقط. فمواقف اتحاد العمال في الدفاع عن طلاب خورطقت المفصولين عندما فصلتهم الادارة الاستعمارية، ودعمه القوي لإضراب البوليس، ومساعدته للمزارعين لتكوين اتحاداتهم، بالإضافة لمواقفه حول القضايا الوطنية والقومية. ولضيف المجال هنا، سأذكر امثلة توضح انحياز النقابات لقضايا الوطن، فكل اضرابات نقابة الاطباء كانت قضية تحسين الخدمات الصحية تحتل المرتبة الاولي من المطالب، كما اعدت نقابة المهندسين برنامجا اسعافيا خلال كوارث الفيضانات والسيول عام 1988، ولنقابة البياطرة دراسات معروفة حول حل ازمة اللحوم بالعاصمة القومية، ومواقف نقابة المصارف حول اصلاح النظام المصرفي موثقة تماما، اما نقابة المحامين فلها ارث طويل في مواجهة القوانين الجائرة ومطالبتها بحكم القانون ن ويذكر جيلنا الندوات الراتبة التي نظمتها النقابة ضد كافة القوانين المايوية الجائرة. وهذه مجرد امثلة والقائمة تطول.
علينا، وفي ذكرى الانتفاضة، ان نحافظ على هذا التاريخ المجيد، وندعم مطالب الحركة النقابية باعتماد قانون النقابات الموحد (2020) كقانون ديمقراطي للنقابات، وهو نتاج جهود كبيرة من مركز الايام للدراسات وبمشاركة تجمع المهنيين والاحزاب والأكاديميين.
وندعو لان تقوم الكوادر النقابية التي عاشت زخم والق نضالات الانتفاضة ان تعمل لكي تملك خبراتها للأجيال الجديدة، ليس لنقلها حرفيا، ولكن للتعلم منها، لمواجهة التغييرات الكبيرة والعديدة التي حدثت في بلادنا خلال الثلاثين عاما الماضية، وشملت كافة اوجه الحياة ومنها النشاط النقابي.

siddigelzailaee@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی بلادنا

إقرأ أيضاً:

كاتب بريطاني: لماذا تنتشر أفكار ترامب بسرعة في بلادنا؟

نشرت صحيفة تلغراف البريطانية مقالا للسياسي البريطاني والعضو السابق في البرلمان الأوروبي، دانيال هانان، تناول فيه بالتحليل تغلغل الفكر القومي اليميني في الساحة السياسية البريطانية.

وفي تقدير الكاتب أن وصول كثير من أفكار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى بريطانيا لا يعني فقط أن النظام السياسي فيها ينقلب على حرية التجارة والعولمة ويناهض ظاهرة الهجرة إلى الغرب، بل يعني أيضا تزايد الاستقطاب السلبي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب أميركي زار حمص بعد 13 عاما فماذا وجد؟list 2 of 2يسرائيل هيوم: حماس خدعت الشاباك قبل 7 أكتوبرend of list

كما تعني أيضا شن حروب ثقافية وما يترتب عليها من استخفاف بالحجج الاقتصادية، إلى جانب تنامي ظاهرة تعظيم الشخصيات إلى درجة القداسة.

أميركا أولا

لكن هانان يعتقد أن الجانب الأكثر رعبا من كل ذلك يكمن في شعار "أميركا أولا" الذي يرفعه ترامب وأنصاره، حتى وإن خالفت الدستور.

ووفق المقال، فقد تبنى مؤيدو شعار "أميركا أولا" -بمن فيهم أعضاء في الكونغرس وحكام ولايات أميركية- رغبة ترامب في الحصول على فترة رئاسية ثالثة، في تحد واضح للقواعد.

وقارن هانان بين شخصيتي ترامب وزعيم حزب الإصلاح البريطاني نايجل فاراج. وقال إن الأخير لا يشبه الرئيس الأميركي في شخصيته. ومع ذلك، فإن الكاتب يوحي في مقاله بأن الطفرة في شعبية حزب الإصلاح بزعامة فاراج مدفوعة إلى حد كبير بنفس العوامل التي كانت وراء صعود ظاهرة "أميركا أولا" في الولايات المتحدة.

إعلان

ويعتقد الكاتب أن الجماهير البريطانية تشعر بأن كل الأحزاب الأخرى هي عصبة فاشلة، وأن لا أحد منها جاد في السيطرة على الحدود، وأنه من أجل تغيير الأمور ربما تكون هناك حاجة إلى تبني نهج استبدادي بعض الشيء.

دعم ثابت

ومن وجهة نظره، أن تأييد الجماهير لترامب وفاراج لا يتغير مهما كانت الأسباب وتبدل مواقفهما.

والأمر نفسه ينطبق على حزب الإصلاح. فعندما سحب الحزب دعمه لــ3 من مرشحيه بعد فوات الأوان قبل أيام من الانتخابات العامة التي أجريت في يوليو/تموز الماضي، وظلت أسماؤهم مدرجة في بطاقات الاقتراع، حصل أولئك المرشحين على نفس الحصة من الأصوات التي كانوا سيحصلون عليها لو أنهم كانوا لا يزالون يحظون بتأييد الحزب.

وأشار مقال تلغراف إلى أنه يُحسب لفاراج أنه ظل حتى الآن ينأى بحزبه عن بعض السياسات التي توصف بأنها أكثر جنونا التي يتبناها ترامب والأحزاب اليمينية في أوروبا.

وقد اتخذ موقفا متشددا إزاء أوكرانيا، وبدا أكثر ميلا للتجارة الحرة من مثله الأعلى الرئيس الأميركي.

وأكد الكاتب أن الاعتقاد بأن الحزب الذي يعتمد على رجل واحد لن يحظى بتأييد الناخبين، قد ولّى زمانه، ونحن الآن نعيش في عالم ترامب.

مقالات مشابهة

  • من دروس النكبة.. هكذا يواجه فلسطينيون محاولات تهجيرهم بالضفة
  • العراق بين الجمهوريين والديمقراطيين: استعادة الديمقراطية لا الاعتذار عنها
  • رحل الساحر ولكن.. للثروة حسابات أخرى
  • موسم استثنائي.. ولكن!!
  • قوات سوريا الديمقراطية تشكر ترامب لقراره بوقف العقوبات على سوريا
  • دروس الاتفاق اليمني – الأمريكي والمواجهة الباكستانية – الهندية
  • الإفتاء: يجوز الصلاة بعد تناول دواء به مخدر ولكن بشرطين
  • وزارة العدل تعمم بضرورة تعزيز الرقابة النقابية على الصيادلة في القضايا ‏الجزائية
  • كاتب بريطاني: لماذا تنتشر أفكار ترامب بسرعة في بلادنا؟
  • بالتعاون بين التعليم والأوقاف.. دروس مراجعة مجانية في مساجد الوادي الجديد