على وقع التصعيد في لبنان.. نازحون في الشوارع والحدائق العامة
تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT
يشهد لبنان أزمة سكنية غير مسبوقة منذ بدء التصعيد العسكري بين إسرائيل وحزب الله الأسبوع الماضي، وأسفر عن نزوح حوالي مليون شخص من المناطق المعرضة للقصف، وفق تقديرات رسمية.
وفي حين تمكن بعض النازحين من العثور على مأوى لدى أقاربهم أو في منازل تمكنوا من استئجارها، وجد عدد كبير منهم أنفسهم مضطرين للنوم في العراء، سواء في الشوارع أو الحدائق العامة، أو اللجوء إلى المساجد كمأوى مؤقت.
ويأتي ذلك نتيجة النقص الحاد في الأماكن المتاحة بمراكز الإيواء، إضافة إلى العجز عن تحمل الارتفاع الجنوني في تكاليف الإيجار، مما يفاقم حدة الأزمة الإنسانية التي تواجه البلاد.
هند واحدة من الذين اضطروا إلى النزوح بعد الهجوم العنيف الذي استهدف منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، الذي أسفر عن اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله، حيث لجأت بداية إلى منزل صديقتها في عين الرمانة بشكل مؤقت، على أمل العثور على شقة للإيجار بعيداً عن معقل حزب الله وبسعر مقبول.
اصطدمت هند بواقع عقاري مرير، حيث ارتفعت أسعار الإيجارات إلى مستويات خيالية، وتقول لموقع "الحرة"، "شقة متواضعة من غرفتين وفي حالة سيئة كانت تؤجر بحوالي 1500 دولار شهرياً، مع اشتراط المالك دفع الإيجار مقدماً لستة أشهر أو سنة، إلى جانب عمولة المكتب العقاري، مما جعل الأمر مستحيلا بالنسبة لنا كعائلة مدخولها الشهري لا يتجاوز الألف دولار".
بعد استنفاد جميع الخيارات، وجدت هند نفسها مضطرة لاستئجار غرفة في فندق مهجور منذ عقود، يفتقر إلى الماء والكهرباء، مقابل 700 دولار شهرياً، وتقول "ما هذا الجشع؟ يكفي ما نعيشه من فقر ونزوح، لماذا يُستغل الناس في ظل الأزمات والحروب؟"
أثار الارتفاع الكبير في أسعار الإيجارات استياء اللبنانيين، لاسيما أنها تأتي في ظل ظروف أمنية صعبة واقتصادية خانقة يمر بها بلدهم.
ومع تصاعد الأزمات المتلاحقة التي يشهدها لبنان، تجد العديد من العائلات نفسها في مواجهة قاسية مع الظروف المعيشية والأمنية المتدهورة.
منال، وهي متضررة من الوضع الراهن، تروي تجربتها المؤلمة "هربت وعائلتي من الضاحية الجنوبية دون أن نأخذ معنا حتى أمتعتنا. ما يحدث هو جريمة بحقنا، سواء من الذين يورطون لبنان في الحرب أو من يستغلون هذا الوضع لتحقيق أرباح طائلة".
لم تكن هذه المرة الأولى التي تضطر فيها منال للنزوح. فقد غادرت بلدتها الحدودية عيترون بعد تعرضها للقصف مع اندلاع المعارك بين حزب الله وإسرائيل في الثامن من أكتوبر 2023.
انتقلت منال إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، إلا أنها وجدت نفسها مجدداً مضطرة وعائلتها لمغادرة المنطقة، هذه المرة إلى جبيل، حيث استضافهم زميل زوجها.
عجز زوج منال عن استئجار منزل في ظل الارتفاع الهائل بأسعار الإيجارات، وتقول لموقع "الحرة": "وصل بدل إيجار شقة مفروشة من أربع غرف إلى 2000 دولار شهرياً، مع إجبار المستأجرين على دفع مبالغ كبيرة مقدماً لتغطية أشهر عدة".
وتصف منال حالتها بالقول "نحن نعيش مأساة تلو الأخرى، ننتقل من بيت إلى بيت كأننا في رحلة هروب لا تنتهي. كل ما نتمناه الآن أن ينتهي التصعيد العسكري، فثمن الحروب لا يدفعه سوى الأبرياء".
بدوره، يؤكد رئيس اتحاد روابط مخاتير عكار ومختار بلدة ببنين، زاهر الكسار، أن الأوضاع في لبنان باتت صعبة للغاية، خصوصاً بعد التصعيد العسكري الأخير الذي دفع بأعداد كبيرة من النازحين إلى ببنين.
ويوضح في حديث لموقع "الحرة" أنه "تم افتتاح مدرستين ومعهد في البلدة لاستيعاب النازحين، كما فتح العديد من الأهالي منازلهم لاستضافة معارفهم"، ومع ذلك، يقول الكسار إن نسبة من أجّروا منازلهم للنازحين تبقى ضئيلة، بينما ظهرت بعض الحالات "الشاذة: وفق تعبيره، التي استغلت الأزمة عبر عرض منازلها للإيجار بأسعار مبالغ فيها.
ويضيف أنه "استقبل شخصياً عدداً كبيراً من النازحين في منزله"، مستدركاً "لكنه بحاجة إلى خدمات أساسية مثل الأدوية التي لا تتوفر بشكل كافٍ عبر القنوات الرسمية".
ويشرح الكسار أن "العديد من النازحين يعيشون في منازل فارغة من الأثاث، ويحتاجون بشكل ملح إلى الفرش، البطانيات، والطعام اليومي"، معرباً عن قلقه من أن الوضع الاقتصادي المأساوي في البلدة قد لا يسمح للأهالي بالاستمرار في تقديم الدعم لفترة طويلة".
في ختام حديثه يتساءل "أهالي ببنين يقومون بواجبهم، لكن إلى متى سيتمكنون من تأمين كل هذه الاحتياجات؟".
تأثر سوق الإيجارات في لبنان بشكل كبير جراء أزمة النزوح الأخيرة، وفقاً للباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا.
ويوضح لـ"الحرة" أن "زيادة الطلب وتراجع العرض على الشقق الناتج عن توقف حركة البناء منذ عام 2019 بسبب الأزمة الاقتصادية وتدهور القطاع العقاري، أديّا إلى ارتفاع الإيجارات وتراجع الخيارات المتاحة".
ويشير أبو شقرا إلى أن "بعض أصحاب العقارات يرفعون الأسعار بسبب مخاوف من المشاكل الأمنية أو عدم القدرة على صيانة عقاراتهم بعد تأجيرها".
ويضيف أن بعض العقارات الكبيرة مثل الفيلات تُؤجر لأكثر من عائلة، مما يزيد من تكاليف صيانتها، كما يؤثر موقع الشقة كذلك في سعر الإيجار.
وبينما يواجه الكثير من النازحين صعوبات في تحمل تكاليف الإيجار، يؤكد أبو شقرا أن "قلة منهم قصدوا مراكز إيواء، بينما يعتمد العديد منهم على مواردهم الشخصية، التي قد لا تكفيهم سوى لشهر أو شهرين، مما يضطر البعض إلى بيع ممتلكاتهم لتأمين الإيجار".
ومع استمرار التصعيد العسكري، تبقى قدرة النازحين المستأجِرين على تسديد الإيجارات غير مضمونة.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، أفاد البنك الدولي بأن 70% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر متعدد الأبعاد. يقول أبو شقرا إن "الفقر يتركز بشكل خاص في المناطق التي تستضيف النازحين، مثل طرابلس وعكار، مع العلم أن العديد من النازحين يعتمدون على مصادر دخل محلية، مثل الزراعة أو التجارة، التي فقدوها نتيجة النزوح".
كذلك تؤكد المستشارة القانونية للجنة الأهلية للمستأجرين، المحامية مايا جعارة، أن الطلب على الشقق المفروشة شهد زيادة كبيرة مؤخراً، لاسيما في بيروت وجبل لبنان والشمال، نتيجة الأحداث الأخيرة والنزوح غير المسبوق.
وتبيّن جعارة لموقع "الحرة" أن السوق العقاري يعاني من تضخم ملحوظ، يؤثر بشكل خاص على سوق الإيجارات، في حين يظل التأثير أقل على أسعار العقارات، مشيرة إلى أن "الإيجارات تتجاوز 50% من دخل الأسر، وهو ما يتعارض مع المعايير الدولية التي تحدد ألا تتجاوز تكلفة السكن ثلث الدخل".
كما أن هناك تضخما صوريا وفق ما تقوله جعارة "قد يكون سببه عدم الرغبة في التأجير بسبب المخاطر وخوفاً من استهداف المستأجِر من قبل إسرائيل، فيأتي رفض التأجير عن طريق طلب بدلات مرتفعة".
عوامل عدة أسهمت في هذا الوضع، أبرزها كما توضح المحامية اللبنانية "توقف القروض السكنية بسبب الأزمة المالية والمصرفية، بالإضافة إلى احتجاز أموال المودعين".
ورغم انخفاض أسعار العقارات منذ بداية الأزمة المالية في 17 أكتوبر 2019، إلا أن الأسعار عادت تدريجياً إلى الارتفاع بوجود تفاوت كبير بين المناطق وفقاً لقدرات سكانها، تتابع جعارة.
وتشير إلى أن "التضخم في سوق الإيجارات بلغ نسباً غير مقبولة، إذ اتجه الشباب اللبناني إلى الاستئجار في ظل غياب القروض السكنية، بينما تسببت الظروف الناتجة عن النزوح السوري ونزوح سكان الجنوب بسبب أحداث غزة في تفاقم الأزمة".
وبحسب جعارة، أدى "طمع بعض الملاك والمطورين العقاريين في رفع أسعار الإيجارات عبر إقناع الملاك بعرض ممتلكاتهم للإيجار".
في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات من قبل بعض تجار الأزمات، برز عدد كبير من اللبنانيين الذين قدموا منازلهم مجاناً للنازحين، ومنهم أهالي بلدة برجا، "إذ استقبلت الغالبية العظمى من سكان البلدة النازحين وفتحت لهم منازلها دون أي طلب لبدل إيجار" بحسب ما يقول الناشط جمال ترو لـ"الحرة".
وهو شخصياً استقبل عائلتين لم يكن يعرفهما من قبل في منزله، وانتقل للعيش مع أصدقائه في غرفة صغيرة.
ويضيف ترو أنه "في كل أزمة هناك من يستغل الوضع، لكن الغالبية الساحقة من الناس يتمتعون بقلوب رحيمة"، على حد تعبيره، مردفاً "المسألة الآن تتعلق بالإنسانية، وهذه اللحظة تمثل تضامناً اجتماعياً بين جميع اللبنانيين".
ويقول "أخلاقنا وتربيتنا ومبادئنا لا تسمح لنا بأن نتعامل بشكل غير إنساني".
ويعتقد ترو أن "السياسيين هم من مارسوا سياسة فرق تسد لتقسيم المجتمع، لأنهم يدركون أن توحد اللبنانيين يهدد مواقعهم"، معتبراً أن "التضامن بين اللبنانيين اليوم رسالة يجب أن تُبنى عليها أسس العقد الاجتماعي الجديد وهي لبنان الموحد، بعيداً عن الصراعات الطائفية والعقائدية والمناطقية، فهذا هو الطريق الوحيد لحل أزماتنا وبناء دولة تحظى باحترام المجتمع الدولي".
في ذات السياق، واصل المحامي رفيق غريزي تواصله مع أصدقائه الذين تعرضوا للقصف حين بدأ التصعيد العسكري على جنوب لبنان، حيث نصحهم بالمغادرة حفاظاً على سلامتهم، إلا أن العديد منهم كانوا مترددين بداية في اتخاذ هذه الخطوة، واصفاً الموقف بأنه "صعب"،
يتابع "ليس من السهل على الإنسان أن يتقبّل مغادرة منزله والانتقال للعيش في منازل غرباء أو مراكز إيواء".
عمل غريزي على التنسيق مع ناشطين في بلدات مختلفة لتأمين منازل للنازحين، بالإضافة إلى توفير الفرش والبطانيات لتلبية احتياجاتهم الأساسية، ويقول لموقع "الحرة" إن "الظروف الإنسانية تستدعي وقوف الجميع إلى جانب النازحين، بغض النظر عن الانتماءات السياسية".
"الدعم الحكومي للنازحين كان ضئيلاً حتى قبل بدء التصعيد العسكري الكبير بين حزب الله وإسرائيل"، وفق ما يقوله أبو شقرا "حيث لم تتجاوز مساهمة الدولة 10% من التكلفة الفعلية لرعايتهم"،
ويضيف أن "كل 100,000 نازح يكلفون ما بين 73 و100 مليون دولار، في حين لم تتجاوز المساعدات الدولية والمحلية 34% من هذا المبلغ"، مما يعني أن النازحين يعتمدون بشكل كبير على أنفسهم.
ويقول أبو شقرا إن "المجتمعات المضيفة تواجه صعوبات في تلبية احتياجات النازحين، إذ تعاني البلديات والجمعيات الأهلية من أزمات مالية، ومع فتح مراكز الإيواء من المؤكد أن تكاليف المياه والكهرباء سترتفع".
تعرب المحامية مايا جعارة عن قلقها من صعوبة عودة الأسعار إلى مستوياتها الطبيعية، موضحةً أن "لبنان يعاني من قاعدة اقتصادية تجعل من الصعب تخفيض الأسعار بشكل كبير بعد ارتفاعها"،
وتضيف أن "الاستجابة للعرض والطلب يجب أن تترافق مع وضع ضوابط تحمي المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر".
ووجهت جعارة انتقادات حادة للمسؤولين في السلطة اللبنانية، مشيرةً إلى غياب سياسة إسكانية واضحة، حيث أن مجلس النواب لم يقم بأبسط واجباته.
وترى أن "حق السكن هو حق أساسي وإنساني، ولا ينبغي تركه فقط للعرض والطلب، بل يجب وضع ضوابط لحماية المواطنين".
"كت يجب أن تتدخل السلطة السياسية في الأزمات عبر قوانين وإجراءات استثنائية لحماية مصالح كل من الملاك والمستأجرين"، تضيف جعارة، لافتة إلى إمكانية تبني عقود إيجار موسمية لمدة ثلاثة أشهر كحل مؤقت يضمن حقوق المالكين في استرجاع ممتلكاتهم دون تأخير بعد انتهاء فترة التأجير.
من جهته، يقول أبو شقرا إن السلطة السياسية "لا تتدخل في تحديد أسعار الإيجارات"، فالعقد "شريعة المتعاقدين" في ظل نظام اقتصادي حر يقوم على العرض والطلب. ورغم ذلك، يدعو إلى ضرورة التضامن الإنساني بين اللبنانيين وعدم استغلال الأزمة لتحقيق مكاسب مادية.
من جانبه يبعث الكسار برسالة إلى أهالي البلدات التي استقبلت نازحين، يدعوهم فيها إلى "ضرورة التعامل مع ضيوفهم بأخلاق عالية".
كما يحث النازحين على احترام سكان البلدات التي استضافتهم، وتجنب رفع الشعارات الدينية أو حمل السلاح.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: التصعید العسکری أسعار الإیجارات من النازحین العدید من حزب الله فی لبنان أبو شقرا
إقرأ أيضاً:
ما فرص نجاح مبادرة الرباعية حول السودان في ظل التصعيد الميداني؟
من جديد، عادت المبادرات الرامية لحل الأزمة السودانية إلى الواجهة، بعد أن أطلقت "الرباعية الدولية" -التي تضمّ الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات- جولة مفاوضات مع وفدَي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2025 في العاصمة واشنطن.
وتسعى جولة المفاوضات هذه لمناقشة المبادرة المتكاملة لحلّ الأزمة السودانية، التي تدعو إلى وضع آلية عملية لوقف إطلاق النار وبناء مفاوضات سياسية داخلية تُفضي إلى الحكم المدني التوافقي، في الوقت الذي تتواصل فيه الحرب منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، وبعد أن سيطرة قوات الدعم السريع مؤخرا على مدينة الفاشر.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4هل يتجه فرقاء السودان للتوافق بعيدا عن الحلول الخارجية؟list 2 of 4وفد سوداني بواشنطن لمناقشة خطة أميركية لوقف الحربlist 3 of 4هل حقق لقاء "الرباعية" في واشنطن تقدما نحو السلام بالسودان؟list 4 of 4انقسام حول مقترح أميركي لهدنة إنسانية بالسودانend of listورغم أن مبادرة الرباعية تشكل ديناميكية جديدة في محاولة التوصل إلى إحلال السلام، فإنها تعرضها للكثير من العراقيل والتحديات التي قد يكون عائقا في نجاحها.
وحول سياق المبادرة وإمكانيات نجاحها، والعوامل المؤثرة فيها، نشر مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية تقريرا تحليليا يحمل عنوان "مبادرة الرباعية الدولية حول السودان وفرص نجاحها في ظلّ التصعيد الميداني".
وقد حاول التقرير تقديم قراءة عن الإشكالات المطروحة بالنزاع السوداني في ظل هذه المبادرة، وكذلك السيناريوهات المحتملة لمستقبل الحرب القائمة منذ قرابة 3 سنوات.
أولا: سياق المبادرةجاءت مبادرة الرباعية في سياق محاولة القوى الإقليمية والدولية وقف التصعيد العسكري في السودان والعودة للمسار السياسي، في ظلّ ارتفاع منسوب التوتُّر على صدى المواجهات في دارفور وكردفان، وتحديدا في الفاشر والأبيض.
وتزامنت هذه المبادرة مع تفاقم الأوضاع الإنسانية ووصولها إلى مرحلة حرجة، إذ تشير الأرقام الصادرة من الأمم المتحدة إلى أن السودان يواجه واحدة من أشدّ حالات الطوارئ في العالم، حيث يحتاج أكثر من 30 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، بما في ذلك أكثر من 9.6 ملايين نازح داخليا وحوالي 15 مليون طفل.
إعلانوقد ازدادت الأوضاع الإنسانية والميدانية سوءا بعد سيطرة الدعم السريع على الفاشر، مما دفع الآلاف من السكان لمغادرة المدينة التي باتت تُصنَّف ضمن المناطق المنكوبة.
وفي هذا السياق، دعا البيان الصادر من المجموعة في 11 سبتمبر/أيلول الماضي إلى هدنة مدتها 3 أشهر بين الفرقاء من أجل توفير المساعدات الإنسانية العاجلة للمتضررين من السكان المدنيين، على أن يتم إطلاق عملية انتقال سياسي سلمي للسلطة لمدة 9 أشهر تُفضي إلى قيام حكومة مدنية شرعية تحصل على ثقة المواطنين السودانيين.
وتعكس مبادرة الرباعية الدولية اهتمام المجتمع الدولي باستقرار السودان، حيث إن استمراره في حالة الفوضى يُشكِّل تهديدًا مباشراً لأمن منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، كما أن اهتمام واشنطن بالأزمة السودانية لا يخرج عن سياق السباق الأميركي الصيني على الموارد والنفوذ.
ثانيا: إمكانات نجاح المبادرةوحول إمكانات نجاح مبادرة الرباعية الدولية لحل الأزمة السودانية، أشارت الدراسة إلى أنه بالرغم من القبول بمرجعية الدول المعنية ومبادرتها التي قد تمثل أساسا لإحلال السلام، فإن هناك العديد من العوامل التي تحدّ من إمكاناتها، تتمثل فيما يلي:
1- موقف مجلس السيادة
فقد أعلن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان رفضه المطلق القبول بمجلس سلام أو حكومة يقول إن الشعب قد رفضها، وهو ما يعني عزوفه عن الدخول في شراكة مع الطرف الآخر.
ويتمسك مجلس السيادة بالإشراف على العملية السياسية بالرغم من أن بيان الرباعية نصّ على أن مستقبل حكم السودان لا يخضع لسيطرة أيّ طرف متحارب.
2- الأوضاع الميدانية
ويعتبر الميدان وما فيه من حرب واقتتال من أبرز العوامل التي تعترض طريق التسوية الذي تهدف إليه الرباعية، إذ ما زالت المواجهات بين الدعم السريع والجيش السوداني في تزايد، الأمر الذي قد يؤثر على المسار السياسي والتفاوضي بشكل عام.
3- المخاوف من الهيمنة الخارجية
قد تخشى بعض القوى السياسية السودانية من أن تؤدي تسوية الرباعية الدولية إلى إعادة إنتاج نموذج الهيمنة الدولية أو المصالح الإقليمية مما يقوض وحدة الصفّ السوداني.
وأشارت الدراسة إلى أن هنالك 3 سيناريوهات محتملة لمستقبل الصراع بالسودان في ظل المبادرة التي أطلقتها الرباعية والهادفة إلى التوصل لاتفاق سلام، وإنهاء الحرب التي فاقمت الأوضاع الإنسانية بشكل لافت للانتباه.
1- سيناريو فشل التسوية واستمرار الحربويبرز هذا الاحتمال مع استمرار غياب الثقة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتصدّع القوى المدنية وتنامي النزاعات القبلية والإثنية.
وقد يقود هذا السيناريو إلى تآكل مؤسسات الدولة، وربما بروز مراكز نفوذ متصارعة تتقاسم الجغرافيا والثروة، بما يحول السودان إلى ساحة مفتوحة لتنافُس القوى الخارجية، في إعادة إنتاج نموذج ليبيا أو الصومال.
2- سيناريو تحقيق التوازنويعني هذا الاحتمال تحقيق التوازن بين الضغوط الدولية والمصالح الوطنية، وتمثل المبادرة الرباعية إطارا عمليا لهذا الاتجاه، ولكنه يظل هشاً أمام أيّ تصعيد عسكري مفاجئ أو تدخل خارجي غير منضبط.
3- سيناريو فرض التسوية
ويقتضي هذا فرض تسوية تُبنى على توافق داخلي بين المكونات العسكرية والمدنية والقَبَلية السودانية، وما يترتب عليها من قيام نظام سياسي جديد يعيد تعريف الدولة الوطنية.
وحسب الدراسة، فإن نجاح هذا السيناريو يتوقف على نضوج طبقة سياسية جديدة تتجاوز منطق الغلبة إلى منطق العقد الاجتماعي، وتؤسس لشرعية مدنية حقيقية.
وخلصت إلى أن مبادرة الرباعية تشكل قوة دفع أساسية للحل السلمي الداخلي في السودان، إذ أطلقتها دول ذات ثقَل، ويستطيع السودان الاستفادة من وزنها للحصول على أفضل معادلة للسلام تضمن شراكات منتِجة تساعد في إعادة بناء الوطن، لكن نجاحها مرهون باستعداد الفاعلين السودانيين لقبول صيغة تجمع بين الضمانات الدولية والمصالحة الوطنية.