حكم الصيام في شهر رجب.. دار الإفتاء توضح
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
صيام شهر رجب.. أجابت دار الإفتاء المصرية على سؤال يقول فيه صاحبه: «ما مدى جواز العمل بالأحاديث الواردة في صيام شهر رجب؟ حيث يقول بعض الناس إن الفقهاء الذين استحبوا الصيام في شهر رجب قد جانبهم الصواب، وإنهم استندوا في قولهم هذا على أحاديث ضعيفة وموضوعة، ومنهم فقهاء الشافعية، فهل هذا صحيح؟».
وقالت دار الإفتاء إن هذا الكلام غير صحيح شرعًا، لأن الأحاديث الواردة في الصيام في شهر رجب وإن كانت ضعيفة إلا أنَّها ممَّا يُعْمَل به في فضائل الأعمال على ما هو المقرر عند جمهور الفقهاء، كما أنَّ الصيام في شهر رجب داخلٌ في عموم الصوم التطوعيّ الذي رغب الشرع فيه.
وأوضحت «الإفتاء»، أنه مما ورد في صيام شيء من شهر رجب من السُنَّة: ما رواه الإمام أبو داود عن مُجِيبَةَ الباهليَّة، عن أبيها، أو عمها، أنَّه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمَّ انطلق، فأتاه بعد سنة، وقد تغيَّرت حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله، أما تعرفني؟ قال: «وَمَنْ أَنْتَ؟» قال: أنا الباهلي، الذي جئتك عام الأول، قال: «فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟»، قال: ما أكلت طعامًا إلا بليل منذ فارقتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ؟»، ثم قال: «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ»، قال: زدني، فإن بي قوة، قال: «صُمْ يَوْمَيْنِ»، قال: زدني، قال: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»، قال: زدني، قال: «صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ»، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها، ثم أرسلها.
ومنها ما رواه الإمام البيهقي في "فضائل الأوقات" عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ رَجَبٌ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمًا سَقَاهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ».
وأضافت: لكن هذه الأحاديث لا يصحُّ منها شيءٌ، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "تبيين العجب" (ص: 11): [لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديثٌ صحيحٌ يصلح للحجة] اهـ.
وروى الإمام البيهقي عن أبي قلابة رضي الله عنه قال: "في الجنة قصر لصُوَّام رجب". قال الإمام أحمد: "وإن كان موقوفًا على أبي قلابة وهو من التابعين، فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ عمن فوقه ممن يأتيه الوحي، وبالله التوفيق".
وتابعت الدار، أن تلك الأحاديث الواردة في صومه أو صوم شيء منه وإن كانت ضعيفة فإنَّها ممَّا يُعْمَل به في فضائل الأعمال على ما هو المقرر عند عامة العلماء في مثل ذلك، كما نقله الإمام النووي وغيره، قال الإمام النووي في كتابه "الأذكار" (ص: 8، ط. دار الفكر): [قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا] اهـ.
وقال في "التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث" (ص: 48، ط. دار الكتاب العربي): [ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف والعمل به من غير بيان ضعفه في غير صفات الله تعالى، والأحكام، كالحلال والحرام وغيرهما، وذلك كالقصص، وفضائل الأعمال، والمواعظ، وغيرها مما لا تعلق له بالعقائد والأحكام، والله أعلم] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 54، ط. المكتبة الإسلامية): [تقرَّر أنَّ الحديثَ الضعيف والمرسل والمنقطع والمعضل والموقوف يعمل بها في فضائل الأعمال إجماعًا، ولا شكَّ أن صوم رجب من فضائل الأعمال فيُكْتَفَى فيه بالأحاديث الضعيفة ونحوها، ولا يُنْكِر ذلك إلا جاهل مغرور] اهـ.
وذكرت دار الإفتاء المصرية، أن حتَّى لو لمْ يرد في الباب هذه النصوص الضعيفة فإنَّ النصوص الصحيحة الأخرى العامَّة التي تُرَغِّب في الصيام التطوعي مطلقًا تكفي في إثبات المشروعيَّة، إذ إن القاعدة عندهم أنَّ العام يبقى على عمومه، والمطلق يجري على إطلاقه حتى يأتي مُخَصِّص أو مُقَيّد.انظر: "البحر المحيط" للعلامة الزركشي (5/ 8، ط. دار الكتبي)، و"التلويح على التوضيح" للعلامة التفتازاني (1/ 117، ط. مكتبة صبيح).
وأشارت دار الإفتاء إلى أنه من هذه النصوص الصحيحة: ما رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».
وما رواه الإمام أحمد عن صدقة الدمشقي أن رجلًا جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن الصيام، فقال: كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ الصِّيَامِ صِيَامَ أَخِي دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا».
ولفتت «الإفتاء» إلى أن ما ذُكِر في السؤال من كون الشافعيَّة قد استدلوا على استحباب صوم رجب بحديثٍ موضوعٍ: فباطل غير صحيح، قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 54): [رُوِي في فضل صومه أحاديث كثيرة موضوعة، وأئمتنا وغيرهم لم يُعَوِّلُوا في ندب صومه عليها، حاشاهم من ذلك] اهـ.
صيام شهر رجب من فضائل الأعمالواختتمت الدار حديثها، قائلة: ينبغي أن يَحْرِص المسلمُ على العمل بفضائل الأعمال التي منها صيام رجب سواء كله أو بعضه، ولو مرّة واحدة في العمر، ليكون من أهل ذلك الفضل، قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 8): [اعلم أنَّه ينبغي لمَن بلغَهُ شيء في فضائل الأعمال أن يعملَ به ولو مرّة واحدة، ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقًا، بل يأتي بما تيسر منه، لقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق على صحته: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بشيءٍ فأْتُوا مِنْهُ ما اسْتَطعْتُمْ»] اهـ.
اقرأ أيضاًخلال ساعات.. استطلاع هلال شهر رجب 1446هـ
بـ 28 ألف جنيهاً.. أرخص سعر لبرامج عمرة رجب 1446 هـ
موعد استطلاع هلال رجب 1446
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: دار الإفتاء الإفتاء مفتي الديار المصرية دار الإفتاء المصرية الإفتاء المصرية شهر رجب اول ايام شهر رجب فتاوى دار الإفتاء المصرية دار الفتوى المصرية أمين الإفتاء الحكم الشرعي حكم الشرع موعد اول ايام شهر رجب مع دار الإفتاء صلى الله علیه وآله وسلم الصیام فی شهر رجب صیام شهر رجب دار الإفتاء رسول الله رضی الله فی صیام
إقرأ أيضاً:
حكم الجمع بين صيام العشر من ذي الحجة وقضاء رمضان
حكم الجمع بين صيام العشر من ذي الحجة وقضاء رمضان.. قالت دار الإفتاء المصرية إنه لا مانع شرعًا من الجمع بين نية صيام الأيام التسعة من ذي الحجة، ونية قضاء ما فات من أيام رمضان.
وأوضحت أن المسلم إذا نوى صيام هذه الأيام قضاءً لما عليه من صيام رمضان، فإنه يُثاب على القضاء، ويُرجى له أيضًا أجر صيام العشر من ذي الحجة، باعتبارها من الأيام المباركة التي يُحب الله فيها العمل الصالح.
حكم الجمع بين صيام العشر من ذي الحجة وقضاء رمضانحكم الجمع بين صيام العشر من ذي الحجة وقضاء رمضانوأشارت دار الإفتاء إلى أن العلماء أجازوا إدخال نية صيام النافلة تحت نية الفرض، كأن يصوم الإنسان يوم عرفة بنية القضاء، فيُكتب له أجر قضاء الفريضة، ويُرجى له كذلك ثواب صيام يوم عرفة، وهو من أعظم الأيام عند الله.
وبينت أن من يصوم الفريضة والنافلة منفصلتين ينال أجر كل منهما كاملة، لكنه يُكابد مشقة يومين، بينما من جمع النيتين يُرجى له الأجرين مع مشقة يوم واحد.
هل يجوز الجمع بين النافلة والفرض؟وأضافت دار الإفتاء أن هذا الحكم لا يقتصر على يوم عرفة فقط، بل يسري على صيام أي من أيام النافلة كالتسع الأوائل من ذي الحجة أو الست من شوال، بشرط أن تُقرن النية بالقضاء، مؤكدةً أن العمل بالنية هو ما يترتب عليه الأجر.
فضل العشر الأوائل من ذي الحجةوشددت الإفتاء على أن الأيام العشر الأُول من ذي الحجة تُعد من أفضل أيام السنة، لما ورد فيها من أحاديث عن النبي ﷺ تُشير إلى عِظم فضل العبادة خلالها.
ومن هذه الأحاديث ما رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: "ما من أيام أحب إلى الله أن يُتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر".
قبل موسم الحج| ما حكم سيلفي الكعبة المشرفة ؟.. مركز الأزهر يوضح ما حكم بيع سجاد الصلاة المكتوب عليه أسماء منها "لفظ الجلالة"؟ الإفتاء تجيب موقف العلماء من صيام التطوع قبل القضاءوفيما يخص تقديم صيام التطوع على قضاء رمضان، أوضحت دار الإفتاء أن هناك خلافًا فقهيًا بين العلماء؛ فالبعض يرى عدم جواز صيام التطوع قبل أداء ما على المسلم من فريضة، باعتبار أن النافلة لا تُقدَّم على الفرض.
في حين يرى فريق آخر من العلماء أنه يجوز صيام النافلة قبل القضاء ما دام أن الوقت لا يضيق عن أداء الفريضة، تمامًا كما يجوز للمرء أن يُصلي النافلة في أول وقت الصلاة المفروضة، ما دام أن وقت الفرض لم يضق.
واختتمت الدار بأن القول بجواز صيام النافلة قبل القضاء يُعد قولًا معتبرًا ما دام هناك متسع من الوقت، لكن الأفضل والأكمل أن يُبادر المسلم إلى قضاء ما فاته من أيام رمضان، وأن يحتسب في ذلك نية موافقة صيام النافلة، كالعشر الأوائل من ذي الحجة، لينال بذلك الثواب كاملًا ويُحقق التوازن بين أداء الواجب واغتنام الفُرَص الموسمية للطاعات.