غزّة: أسطول الصمود كشف عجز العالم
تاريخ النشر: 6th, October 2025 GMT
يقف العالم حائرا أمام المشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط. يساهم في تلك الحيرة غياب إرادة التفاعل المناسب مع قضاياه، خصوصا ما يرتبط بالقضية الفلسطينية.
ومن نتائج هذا الجمود توسع دائرة الصراع في الأراضي المحتلة من جهة وانتشار تردداتها خارج المنطقة من جهة ثانية. وثمة خشية عميقة من تعمّق التصدعات بين أتباع الأديان، وما ينجم عن ذلك من توسع دوائر الصراع لتصل إلى دول الغرب.
وما لم تبذل الدول الكبرى جهودا لاحتواء الأزمة فليس هناك أفق لتحوّل الصراعات إلى حالات من الوئام أو التعايش السلمي. فبعد أكثر من ثلاثة أرباع القرن ما يزال المجتمع الدولي عاجزا عن اتخاذ خطوات فاعلة لحل المشكلة الفلسطينية بشكل جذري. والواضح من تكرر حوادث العنف والإرهاب عدم فاعلية ما تم التوصل إليه من تفاهمات محدودة بين الاحتلال الإسرائيلي ومعارضيه سواء داخل الأراضي الفلسطينية أم خارجها. ولا يمكن النظر لما حدث في مانشستر من استهداف لروّاد معبد يهودي ومصرع شخصين منهم إلا في إطار هذه الحقائق.
هذا لا يعني أبدا دعم استهداف المدنيين من أي جنس أو دين، سواء في الشارع العام أم في دور العبادة. فهذا الاستهداف يؤدّي لتوسع دائرة الصراع، وتحوّل دور العبادة إلى ساحات له، وهو تطوّر خطير من شأنه أن يتحوّل من حالة سياسية ألى صراع ديني مفتوح.
وبغض النظر عن بشاعة المشهد السياسي والأمني، فإن على العقلاء أن يعملوا لمنع حدوث صراع ذي طابع ديني، فهو صراع لا يعرف الحدود المكانية أو الزمانيّة. فلن يقتصر على الأراضي المحتلّة، بل من شأنه أن يصل إلى أي بلد آخر.
فهذا الاستهداف يوسّع دائرة الصراع ولا يساهم في حلّ الأزمات أو احتوائها. وحادثة مانشستر البريطانية لا يمكن أن تكون ناجمة عن تخطيط استراتيجي وضعه الحريصون على مصالح الأمة والمدافعون عن فلسطين. فما عسى أن يحقق قتل اثنين من اليهود الخارجين من أحد المعابد؟ فمن يفكر في النتائج فعليه أن يستحضر حادثة استهداف السفير الإسرائيلي في لندن، شلومو أرجوف، في العام 1982 في لندن، وما نجم عنها من حرب واسعة دفع لبنان القسط الأكبر من فاتورتها. فقوات الاحتلال الإسرائيلية لديها عقيدة قتالية بأن الحرب أساس بقاء كيان الاحتلال، وأنّ إظهار التفوق العسكري الإسرائيلي يردع من يحدّث نفسه بالتصدّي للاحتلال.
إن العمليات التي تستهدف مرتادي دور العبادة لا تحقق نتائج ذات جدوى. بينما عمدت «إسرائيل» لاغتيال العقول العلمية الكبيرة في العالم الإسلامي، والقيادات العليا وعلماء الدين، لعلمها أن لكل منهم دورا يتجاوز الدائرة الشخصية ويتصل بمشروع إنهاض الأمة وإعدادها للقيام بدورها في التطور وحفظ السلام. وفي مقابل ذلك: ما عسى أن يتحقق من استهداف أشخاص عاديين يرتادون دور العبادة أو المباني العامة أو يمارسون حياتهم بشكل طبيعي؟
ولا شكّ أن حالة الغضب التي تعتمل في نفوس الكثيرين بسبب العنف الإسرائيلي المتواصل الذي يستهدف الفلسطينيين وغيرهم تساهم في تشجيع البعض للقيام بأعمال انتقامية مضادّة تستخدمها «إسرائيل» ذريعة لتصعيد العدوان وتوسيع دائرة الصراع. وفي عالم يخضع لتأثيرات الإعلام خصوصا في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، يتحوّل الجلّاد إلى ضحية، ويوجّه اللوم لها إذا قامت بردّ فعل عنيف.
المشكلة هنا تكمن في موازين القوى من جهة وسطحية التفكير الجمعي الذي يتأثر بالإعلام القوي مهما كان وعيه. وفي ظل التفوق العسكري والأمني الذي يتمتع به الاحتلال الإسرائيلي، تتضح المفارقة بشكل جليّ، حيث يبقى الطرف الأضعف متّهما بالاستفزاز دائما خصوصا من القوى الغربية التي تلتزم سياسات منحازة واضحة، ولا تحرّك ساكنا حين يرتكب الاحتلال مجازر في غزّة وسواها.
ومع غياب الدور المطلوب من الجهات الدولية الفاعلة، يشعر الطرف الأضعف بعدم جدوى الالتزام بقواعد اللعبة التي يفرضها الغرب على العالم، والتي تتضمن الاستسلام غير المشروط للطرف الأقوى في الصراعات التي تحدث في بقية أنحاء العالم. وثمة جانب آخر من المشكلة أن الغربيين يعتبرون «إسرائيل» جزءا منهم، بينما ينظرون للجانب العربي بشكل مختلف تماما، فكأنه هو «العدو» أو في أقل تقدير «المعوّق» لبسط النفوذ الغربي على المنطقة.
وثمة حقائق يجدر ذكرها هنا: أولها أن الأمن الاجتماعي هدف مقدّس دعا القرآن الكريم لعدم المساس به. ثانيها: أن الصراع العربي ـ الإسرائيلي تحوّل إلى أزمة مستعصية للغربيين، كما يستعصي على الجانب العربي. فالغربيون يرفضون القيام بدور مسؤول لأنه يزعج «إسرائيل» ويحرّكهم للدفاع عنها بعد أن حسموا موقفهم منذ عقود وانحازوا للجانب الإسرائيلي.
ثالثها: أن الحوادث الفردية كالتي حدثت مؤخرا في مانشستر لا يمكن إدراجها ضمن سياق الموقف العربي المضطرب، إذ ليس هناك ما يوازيها من أعمال عنف تستهدف المصالح الإسرائيلية وتحمي أهل فلسطين. بل أنها تمثل حالة من اليأس التي تعشش في نفوس الكثيرين، وتدفع بعضهم لمبادرات تساهم في تأجيج الصراع بدلا من حلّه.
ومن المبادرات التي لا تحمل طابع العنف مشروع «قافلة الصمود» التي تسعى حاليا لإيصال المساعدات إلى غزّة المحاصرة، بمشاركة نشطاء دوليين يشعرون بالانتماء لقضية فلسطين.
رابعها: أن النظام العربي الرسمي يتحمّل شطرا من المسؤولية حين تقع حوادث عنف وإرهاب في إطار قضية فلسطين. فغياب الإرادة السياسية لدى هذا الدول العربية، والتخلي عن الاستعدادات الميدانية لمواجهة التهديدات والاستفزازات العسكرية المتواصلة، كل ذلك يساهم في تعميق الشعور بالإحباط وربما اليأس، وهذا يدفع لأعمال العنف الفردية التي تصبح مصاديق لمقولات الإرهاب حين تضرب أهدافا مدنية غير مسلّحة.
خامسا: إن العمل من أجل فلسطين يجب أن يكون بمستوى التحدّي الإسرائيلي، وأن يكون أكثر جدّيّة وشمولا، ويتحاشى أعمال العنف الفردية التي كثيرا ما ترتد على القائمين بها ولا تؤثر كثيرا على المحتلّ.
وأخيرا: إن أعمال الإغاثة الإنسانية التي تمارسها بعض المؤسسات والأفراد، ومنها قافلة الصمود التي صمّم المشاركون فيها على كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزّة، تمثل قفزة نوعية تحظى بدعم دولي وتحرج قوات الاحتلال التي تهدف لجويع سكان غزّة. فعندما اقتحمت القوات الإسرائيلية قافلة الصمود الأسبوع الماضي ارتفعت الأصوات الدولية المندّدة بها وتعرّضت «إسرائيل» لانتقادات شديدة بسبب ما اعتبره العالم «سياسة غير إنسانية».
ما بين الصمت والعمل الميداني لدعم المظلومين في فلسطين، تتعدد المبادرات الفردية والجماعية الهادفة لرفع شيء من الظلامة، وهي مبادرات أصبح بعضها موضع فخر الأحرار، وآخرها قافلة الصمود الإغاثية الهادفة لكسر الحصار على غزّة. فقد نجم عن الحصار تعرّض كيان الاحتلال لشجب واسع من قبل الدول التي اعتقل مواطنوها المشاركون في القافلة. كما حظيت المبادرة وما نجم عنها باهتمام دولي، وسلّطت وسائل الإعلام العالمية الضوء على اعتراض أسطول المساعدات، ونُظمت احتجاجات في عدد من الدول الأوروبية. كما صدرت تصريحات شجب للمواقف الأوروبية التي لم تتحرّك لكسر الحصار ورفض الإجراءات الإسرائيلية.
وقالت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينيّة الحكومية: «لطالما اتخذت أوروبا موقفًا متسامحا تجاه أفعال إسرائيل في غزة. لكن الآن عليها مواجهة إسرائيل من أجل سلامة مواطنيها».
وأضافت «أن كيفية تعامل أوروبا مع القضية الفلسطينية في المستقبل لا تؤثر فقط على استقرار القارة، بل أيضًا على دور أوروبا على الساحة العالمية». بينما انفردت الولايات المتحدة بموقفها السلبي إزاء أسطول المعونات، ولكنها لم تضغط على «إسرائيل» لإنهاء حصار غزّة ووقف انتشار المجاعة بين سكانها. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن أسطول المساعدات الإنسانية والنشطاء الذي اعترضته إسرائيل أثناء توجهه إلى غزة هو «استفزاز متعمد وغير ضروري» يمكن أن يصرف الانتباه عن أحداث الجهود التي تبذلها إدارة دونالد ترامب لتأمين صفقة سلام بين إسرائيل وحماس.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الاحتلال الحصار غزة غزة الاحتلال الحصار اسطول الصمود مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة صحافة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دائرة الصراع قافلة الصمود دور العبادة
إقرأ أيضاً: