كشفت المناظرة الرئاسية بين الجمهوريين الأسبوع الماضي كشفت للوهلة الأولى وجود حزب منقسم حول الدور الذي تلعبه أمريكا في العالم.
هذه هي مشكلة عودة الجمهوريين إلى آسيا أولاً
قال رون ديسانتيس إنه لن يدعم تقديم مساعدات إضافية لأوكرانيا ما لم تقم أوروبا بالمزيد. وقال فيفيك راماسوامي إنه لن يقوم بتسليح أوكرانيا مهما حدث.
وسط الخلاف، لوحظت نقطة اتفاق ظلت تطفو على السطح: يأتي التهديد الحقيقي لأمريكا من بكين. في تبريره للتردد حيال إرسال المزيد من المساعدات إلى أوكرانيا، قال ديسانتيس إنه سيضمن أن تقوم الولايات المتحدة بـ"ما يتعين علينا فعله مع الصين". وندد راماسوامي بمساعدة أوكرانيا لأن "التهديد الحقيقي الذي نواجهه هو الصين الشيوعية". ودافعت هالي عن مثل هذه المساعدات لأن "انتصار روسيا هو انتصار للصين". وقال بنس إن ضعف راماسوامي بشأن أوكرانيا من شأنه أن يغري بكين لمهاجمة تايوان.
Republicans Are Neither Internationalist Nor Isolationist. They’re Asia First. https://t.co/UEzbJhmfmg reason american evangelicals dislike china is past generation has seen chinese persecution of chinese evangelicals along with other religious minorities. this isn't hard
— Razib ???? Khan ???? ????✍️???? (@razibkhan) September 1, 2023
وكتب أستاذ الصحافة والعلوم السياسية في جامعة مدينة نيويورك بيتر بينارت في صحيفة "نيويورك تايمز" أنه بغض النظر عن وجهات نظرهم بشأن أوكرانيا، فإن الجمهوريين متحدون في التركيز على الصين. هم يعودون إلى المبدأ الذي ناصره كثر في بداية الحرب الباردة الأخيرة. إنه ليس الأممية ولا الانعزالية. إنه آسيا أولاً.
السيناتور روبرت تافت الملقب بـ "السيد الجمهوري" بسبب مكانته في الحزب عارض انضمام أمريكا إلى الناتو وأعلن سنة 1948 أن "الشرق الأقصى في نهاية المطاف أكثر أهمية حتى من أوروبا لسلامنا وأمننا في المستقبل". وفي السنة التالية، حذر السيناتور الجمهوري في لجنة السياسة الخارجية والقوات المسلحة ألكسندر سميث من أنه في حين كانت إدارة ترومان "منشغلة بأوروبا، ربما يقترب التهديد الحقيقي للحرب العالمية الثالثة من الجانب الآسيوي".
ويليام نولاند، الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ من سنة 1953 إلى سنة 1958، كرّس نفسه كثيراً لدعم المنفيين القوميين الذين غادروا البر الرئيسي بعد خسارة الحرب الأهلية في الصين، حتى أنه أُطلِق عليه لقب "السيناتور من فورموزا"، كما كانت تايوان تُعرف في ذلك الوقت. الجواب... في هذا الكتاب
إن فهم سبب إيلاء الجمهوريين الأولوية للصين في ذلك الوقت يساعد في تفسير سبب منحهم هذه الأولوية الآن. في كتابها "آسيا أولاً: الصين وصناعة (التيار) المحافظ الأمريكي الحديث"، تقول المؤرخة جويس ماو إن تركيز الجمهوريين في حقبة الحرب الباردة على الصين ينبع جزئياً من "أبوية روحية يمكن القول إنه تم نقلها من القرن السابق".
في أواخر القرن التاسع عشر، عندما كانت الولايات المتحدة تقتطع منطقة نفوذ في المحيط الهادئ، كانت الصين بتعدادها السكاني الضخم تتمتع بجاذبية خاصة للأمريكيين المهتمين بالتبشير المسيحي. استخدم الزعيم القومي شيانغ كاي شيك وزوجته، وهما مسيحيان، هذا الارتباط الديني لحشد الدعم الأمريكي، أولاً لحربهما ضد منافسيهما الشيوعيين في البر الرئيسي الصيني، ثم لنظامهما بعد فرارهما إلى جزيرة تايوان. كان العديد من أكثر مناصري آسيا أولاً نفوذاً في أمريكا – مثل ناشر مجلة تايم هنري لوس – إما أبناء مبشرين أمريكيين في الصين أو خدموا كمبشرين هناك بأنفسهم.
في شهر مارس (آذار)، وجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب أنه بينما كان الديموقراطيون أكثر ميلاً بنسبة 23 نقطة لاعتبار روسيا عدواً أكبر من الصين، كان الجمهوريون أكثر ميلاً بنسبة 64 نقطة إلى قول العكس. ثمة أدلة على أن هذا التناقض ينبع جزئياً من واقع أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصور نفسه كمدافع عن القيم المسيحية المحافظة، فيما يقود الرئيس شي جينبينغ قوة عظمى غير بيضاء رفض نظامها المصير المسيحي الذي تصوره العديد من الأمريكيين ذات يوم. ملاحظة دقيقة أخرى
في دراسة أجريت سنة 2021، وجد عالما السياسة ديفيد إبنر وفلاديمير ميدنيكا من جامعة ديلاوير أن الأمريكيين البيض الذين أعربوا عن درجات أعلى من الاستياء العنصري كانوا أكثر ميلاً لاعتبار الصين تهديداً عسكرياً. والإنجيليون البيض اليوم – كالمسيحيين المحافظين الذين قدموا الدعم لشيانغ أواخر الأربعينات والخمسينات – هم الذين يعبرون عن أعظم عداء تجاه الحكومة الصينية.
Well, this is just silly https://t.co/EnnwcWalwH
— Noah Rothman (@NoahCRothman) August 31, 2023
وبناءً على طلب الكاتب، قام مركز بيو للأبحاث بإعادة ضبط البيانات التي تم جمعها هذا الربيع من أجل مقارنة وجهات النظر الأمريكية تجاه الصين حسب الدين والعرق. وجد التحليل أن الإنجيليين البيض غير الهيسبانيين كانوا أكثر عرضة بنسبة 25 نقطة لامتلاك وجهة نظر "غير مواتية للغاية" تجاه الصين بالمقارنة مع الأمريكيين الذين لا ينتمون إلى أي دين، وأكثر ميلاً بنسبة 26 نقطة من البروتستانت السود وبنسبة 33 نقطة من الكاثوليك من أصل هيسباني في امتلاك هكذا نظرة.
وبطبيعة الحال، كان الرئيس السابق دونالد ترامب المتناغم بعمق مع الناخبين المحافظين مهووساً بالصين منذ أن ظهر على المسرح السياسي قبل ثماني سنوات. غالباً ما يتعرض ترامب للسخرية باعتباره انعزالياً بسبب عدائه للناتو وازدرائه للمعاهدات الدولية. لكن في ما يتعلق بالصين، كان خطابه شرساً. المشكلة قد يختلف الجمهوريون حول أفضل السبل للمضي قدماً في السياسة تجاه أوكرانيا. لكنهم يتفقون بأغلبية ساحقة على أن الصين هي الخطر النهائي. هذه هي مشكلة عودة الجمهوريين إلى آسيا أولاً. لا يرى كثر في الحزب أن صعود الصين يمثل تهديداً للقوة الأمريكية وحسب. هم يرون في ذلك، حسب بينارت، تهديداً للسلطة المسيحية البيضاء أيضاً.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الولایات المتحدة العدید من على أن فی ذلک
إقرأ أيضاً:
الهزيمة في البحر.. كيف تحولت روسيا إلى شريك صغير للصين؟
مقدمة الترجمة
في مقال بموقع "ديفِنس ون" للشؤون العسكرية، كتب الأميركي "كولين فلينت"، أستاذ الجغرافيا المعروف بجامعة ولاية يوتاه الأميركية، مُتحدِّثا عن الجانب الخفي من الحرب الروسية-الأوكرانية، التي انشغل الكثيرون بما يدور في سمائها وعلى أرضها، ولم ينشغلوا بما يكفي بجانبها البحري، وهو الجانب الذي شهد نقاط الضعف الروسية الأبرز.
وليس ذلك بسبب ما حقَّقته أوكرانيا من نجاحات بحرية في بداية الحرب فحسب، بل لأن خسائر روسيا في البحر الأسود فتحت الباب أمام مسار جديد في العلاقات الصينية-الروسية، يجعل من روسيا بوصفها قوة بحرية قادرة على الوصول إلى المياه البعيدة عنها حول العالم، ولكن شريطة أن تكون مجرد شريك "صغير" للصين، على عكس ما كان عليه الحال في ذروة قوتها العالمية أثناء وجود الاتحاد السوفياتي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2السفينة الحربية الصينية التي أظهرت تراجع البحرية الأميركيةlist 2 of 2ما هي الخطة توبوليف النووية التي يعدها بوتين لتدمير أوكرانيا؟end of list نص الترجمةبعيدا عن المعارك البرية الشاقة والضربات الجوية المُدمِّرة، كان لحرب أوكرانيا منذ اندلاعها بُعد بحري واضح. فبعد الغزو الروسي في فبراير/شباط 2022 بوقت وجيز، فرضت روسيا حظرا بحريا فعليا على أوكرانيا، قبل أن يقف الروس مُتفرِّجين على أسطولهم وهو يتجرَّع هزيمة فادحة في معركة السيطرة على البحر الأسود.
تلك الحرب المستَعِرة في المياه تبدو في طريقها إلى الأفول بموجب اتفاق أعلنت عنه الولايات المتحدة يوم 25 مارس/آذار الماضي. ووفقا لبنود الاتفاق الذي توصَّل إليه الطرفان في المملكة العربية السعودية، اتفق كلٌّ من روسيا وأوكرانيا على ضمان "أمن الملاحة في البحر الأسود، ووقف استخدام القوة في مياهِه، والامتناع عن استخدام السفن التجارية لأغراض عسكرية"، كما جاء في بيان صادر عن البيت الأبيض.
إعلانلم يَنل الجانب البحري من حرب أوكرانيا الانتباه الكافي مقارنة بالمعارك البرية والجوية، لكنه في الحقيقة جانب مهم ويُمكن أن تكون له تداعيات بعيدة.
إن خسائر روسيا في البحر الأسود لم تُقيِّد فحسب قدرتها على إبراز قوتها وبسط نفوذها من خلال أسطولها البحري حول العالم، بل ونتج عنها تعاون متزايد بين روسيا والصين، حيث ظهرت روسيا بوصفها شريكا أدنى منزِلة لبكين من أجل الوجود في أعالي البحار.
لطالما جنحت النظرية الجيوسياسية إلى التبسيط الزائد في تصوُّراتها عن السياسة الدولية، فقد صنَّفت النظريات الجيوسياسية الشائعة منذ نهايات القرن التاسع عشر بلدان العالم بأنها إما قوى برية وإما قوى بحرية. ووصف مفكرون مثل الجيوسياسي البريطاني السير هالفورد ماكيندر والمُنظِّر الأميركي ألفرِد ماهان القوى البحرية بأنها بلدان تتمتَّع بالليبرالية الديمقراطية والتجارة الحرة، على النقيض من القوى البرية التي صُوِّرَت على أنها بلدان استبدادية ومُشبَّعة بالروح العسكرية.
رغم أن تلك التعميمات استُخدِمت على مدار التاريخ لشيطنة أعداء بريطانيا والولايات المتحدة لا أكثر، لا يزال هناك اتجاه مُصطَنع لتقسيم العالم إلى قوى برية وقوى بحرية، يصاحبه تصوُّر مفاده أن الحروب البرية والبحرية مجالان منفصلان إلى حدٍّ ما. إن هذا التقسيم يعطينا انطباعا زائفا بأن روسيا تُحقِّق تقدُّما في حربها مع أوكرانيا (بسبب انتصاراتها على الأرض في شرق أوكرانيا)*. ورغم أن موسكو حقَّقت بالفعل نجاحات على الأرض وفي الجو، يجب ألا يجعلنا ذلك نغفل عن خسارتها المُدوِّية في البحر الأسود، التي شهدت تراجع روسيا من أمام السواحل الأوكرانية، والإبقاء على سُفنها بعيدا عن خطوط النار.
وفقا لما أورده كولين فلينت في كتاب "المياه القريبة والبعيدة: الجغرافيا السياسية للقوة البحرية"، فإن البلدان التي تمتلك قوة بحرية لديها شاغلان أساسيَّان، أولهما أنها يجب أن تسعى للسيطرة على مناطق البحار القريبة نسبيا إلى سواحلها، وهي ما يُسميها "المياه القريبة"، وثانيهما أنها إن امتلكت الرغبة والقدرة تحاول أن تُبرز قوتها وتنشر نفوذها بعد ذلك إلى "المياه البعيدة" عبر البحار والمحيطات، وهي مياه أحيانا ما تكون "المياه القريبة" بالنسبة لبلدان أخرى.
إعلانإن البحر الأسود شبه مُغلَق وصغير نسبيا، ويتكوَّن من المياه القريبة للبلدان المحيطة به: تركيا من الجنوب، وبلغاريا ورومانيا من الغرب، وجورجيا من الشرق، وروسيا وأوكرانيا من الشمال. ولطالما كانت السيطرة على هذه المياه القريبة محل نزاع على مر القرون، وقد لعبت دورا في الحرب الروسية-الأوكرانية الجارية. إن استحواذ روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014 أتاح لها السيطرة على ميناء سِفاستوبول البحري، ومن ثمَّ فإن ما عدَّته أوكرانيا "مياها قريبة" في يوم من الأيام، بات فعليا جزءا من المياه القريبة لروسيا بعد 2014.
روسيا تسحب أسطولها من القرمأتاحت السيطرة على القرم لروسيا أن تُعطِّل التجارة الأوكرانية مع العالم، لا سيَّما تصدير الحبوب إلى القارة الأفريقية، التي تَتِم عن طريق المياه الدولية البعيدة. ولكن تحرُّكات روسيا سُرعان ما أُحبِطت نتيجة التعاون بين رومانيا وبلغاريا وتركيا، حيث سمح التعاون الثلاثي بمرور سفن الشحن الأوكرانية عبر المياه القريبة لتلك الدول، ومن ثمَّ عبر البوسفور إلى البحر المتوسط.
وقد سمح استخدام المياه الإقليمية البلغارية والرومانية والتركية لأوكرانيا أن تُصدِّر نحو 5.2-5.8 ملايين طن من الحبوب شهريا قبل اندلاع الحرب، وهبط الرقم إلى مليونيْن في صيف عام 2023 بسبب الهجمات والتهديدات الروسية.
قبل إعلان وقف إطلاق النار، أشارت توقُّعات وكالة الخدمات الزراعية الخارجية لوزارة الزراعة الأميركية إلى أن صادرات الحبوب الأوكرانية لعام 2025 ستشهد هبوطا، ولكن جهود احتواء السيطرة الروسية على المياه القريبة لأوكرانيا في البحر الأسود، وعزوف روسيا عن المغامرة بمهاجمة السفن في المياه القريبة للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) المُطِلة على البحر الأسود (تركيا ورومانيا وبلغاريا)*، والنتائج الوخيمة التي يُمكن أن تنتج عن تصعيد من هذا النوع؛ أتاح لأوكرانيا الوصول إلى المياه البعيدة من أجل تحقيق المكاسب الاقتصادية وإبقاء اقتصادها على قيد الحياة.
إلى جانب إجهاض قدرتها على إيقاف الصادرات الأوكرانية، وقعت روسيا تحت الهجوم البحري المباشر بواسطة أوكرانيا. فمنذ فبراير/شباط 2022، استخدمت كييف مُسيَّرات هجومية، ونجحت في إغراق وتدمير السفن الروسية، وقلَّصت من قدرات الأسطول الروسي في البحر الأسود، حيث أغرقت 15 سفينة من أصل 36 امتلكتها روسيا قبل الحرب، كما ألحقت الأضرار بسُفن أخرى. وقد أُجبِرت روسيا على تقييد استخدامها لميناء سِفاستوبول، وجعلت سُفنها ترسو قُبالة السواحل الشرقية للبحر الأسود، ومن ثمَّ فقدت القدرة على التحرُّك بفاعلية في المياه القريبة التي نجحت في السيطرة عليها بحيازة القرم عام 2014.
إن انتكاسات روسيا البحرية في مواجهة أوكرانيا هي حلقة في سلسلة من الصعوبات التاريخية التي طالما عانت منها من أجل بسط قوتها البحرية، وما نجم عنه باستمرار ميل روسيا إلى التركيز بالأساس على حماية مياهها القريبة. ففي عام 1905، صُدِمَت روسيا بخسارة حربية بحرية درامية أمام اليابان. وحتى حين خاضت موسكو حروبا لم تخسرها بالكامل، فإن قوتها البحرية ظلَّت مُقيَّدة باستمرار.
إعلانففي الحرب العالمية الأولى، تعاونت روسيا مع البحرية الملكية البريطانية لتقليص النشاط التجاري الألماني في بحر البلطيق، وكذلك النفوذ التجاري والعسكري التركي (العثماني) في البحر الأسود.
وفي الحرب العالمية الثانية، اعتمدت روسيا على الدعم المادي من حلفائها نتيجة الحصار البحري النازي الذي حصرها في بحر البلطيق والبحر الأسود، حيث سُحِبَت معظم السفن السوفيتية إلى السواحل الروسية أو أُعيد توظيف مدافعها من أجل الحرب البرية مع ألمانيا.
في أثناء الحرب الباردة، ورغم ما بناه الاتحاد السوفيتي من زوارق حاملة للصواريخ سريعة الحركة، وعدد من حاملات الطائرات، فإن قدرته على الوجود في المياه البعيدة اعتمدت بالأساس على الغواصات، وكان الهدف الأساسي من أسطول البحر المتوسط السوفيتي هو منع توغُّل الناتو إلى داخل البحر الأسود.
الآن، فقدت روسيا سيطرتها الكاملة على البحر الأسود، ولم تعُد قادرة على التحرُّك في مياه عُدَّت حتى وقت قريب "مياها قريبة" بالنسبة لها، وهي خسارة تُقلِّص قدرتها على نشر قوتها البحرية من البحر الأسود إلى البحر المتوسط. وأمام تلك الخسارة الواضحة في باحتها الخلفية، والموقف الضعيف في مياهها القريبة، لم تعُد روسيا تستطيع الوجود في أعالي البحار إلا بالتعاون مع الصين، التي تستثمر بقوة في قدراتها البحرية البعيدة.
الشراكة مع الصين.. بشروط الصينفي يوليو/تموز 2024، أُجريت مناورات بحرية مشتركة بين البلدين في بحر جنوب الصين جسَّدت بجلاء التعاون الصيني-الروسي. وصرَّح حينها "وانغ غوانغ جِنغ"، الضابط بقوات الجنوب في بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني، بأن "المناورات المشتركة الصينية-الروسية تُعزِّز تعميق العلاقات والتعاون العملي بين البلديْن في شتى الاتجاهات والمجالات، ورفعت بكفاءة من قدرات الصين وروسيا على مواجهة التهديدات الأمنية البحرية بصورة مُشتركة".
يبدو هذا التعاون منطقيا من منظور عسكري محض في روسيا، فهو مشروع مفيد للطرفيْن من أجل بسط نفوذهما في البحر. ولكنه يصُب إلى حدٍّ كبير في صالح الصين، إذ إن روسيا تستطيع أن تساعد الصين في حماية مياهها القريبة في الشمال، وتأمين وصول بكين إلى المياه البعيدة في المحيط المتجمِّد الشمالي، وهي منطقة تتزايد أهميتها بسبب ما أحدثه تغيُّر المناخ من تقليل عوائق الملاحة الموجودة سابقا بسبب الجليد.
إعلانتظل روسيا شريكا أدنى منزلة في هذا التحالف البحري، إذ إن مصالحها الإستراتيجية ستُلبَّى فقط إن تعامدت مع المصالح الصينية. باختصار، القوة البحرية تتعلَّق بالأساس بالقدرة على بسط القوة من أجل تحقيق المنفعة الاقتصادية، ولذلك فإن الصين ستستخدم روسيا على الأرجح لحماية نفوذها الاقتصادي المتزايد في المياه الأفريقية والأوروبية ومياه أميركا الجنوبية والمحيط الهادي، لكنها يصعُب أن تُعرِّض مصالحها تلك للخطر من أجل أهداف روسية.
لا شك أن روسيا تمتلك مصالح اقتصادية مرتبطة بالمياه البعيدة عنها، لا سيَّما في منطقة الساحل الأفريقي ومنطقة أفريقيا جنوب الصحراء. ويتكامل تأمين تلك المصالح الروسية مع وجود الصين البحري المتزايد في المحيط الهندي لحماية المصالح الصينية الاقتصادية والعالمية الأوسع. ولكن التعاون يجري في هذه المساحات برغبة وموافقة صينية في المقام الأول.
على مدار معظم فترات الحرب الدائرة في أوكرانيا، قُيِّدت حركة روسيا البحرية في مياهها القريبة بالبحر الأسود، وكانت الإشارة الوحيدة لقدرتها على بسط قوتها البحرية هي قدرتها على الوصول إلى المياه البعيدة في أفريقيا والمحيط الهندي، وهو أمر تمَّ لها فقط بوصفها شريكا صغيرا للصين، التي تضع الشروط الخاصة بها. إن وصول روسيا إلى اتفاق بحري مع أوكرانيا الآن، حتى وإن كُتِب له الاستمرار، لن يُعوِّض روسيا عن عجزها المتزايد عن إبراز قوتها وبسط نفوذها البحري بمفردها حول بحار ومحيطات العالم.
______________
هذه المادة مترجمة عن موقع "ديفينس ون" ولا تعبر بالضرورة عن الجزيرة نت