خبير: الاقتصاد الإسرائيلي أمام عقد من الركود
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
تتعمّق الأزمة الاقتصادية في إسرائيل بفعل تداخل التداعيات الأمنية والسياسية والمالية للحرب على غزة، التي تحوّلت إلى زلزال اقتصادي طويل الأمد. وبينما تروّج الحكومة لمرحلة تعافٍ مزعومة، تكشف المؤشرات عن انكماش سريع في النمو وتراجع الثقة الدولية وخروج واسع لرؤوس الأموال والسكان.
وحذّر الخبير عمر فندي، مدير المنتدى العربي الاقتصادي، من استمرار آثار الحرب حتى عام 2035، مع دخول البلاد عقدا من الركود البنيوي غير المسبوق، نتيجة تراجع الاستثمارات وارتفاع كلفة الاقتراض وتضرّر البنية التحتية في الجنوب وسط ضبابية سياسية متفاقمة.
وبحسب فندي، فإن بيانات التضخم المالي في أكتوبر/تشرين الأول أظهرت تراجعا غير متوقع، إلا أنه يرى أن هذا التراجع "سلبي لا إيجابي"، إذ لا يُعبّر عن تحسن اقتصادي بل عن انكماش حاد في الطلب المحلي وتراجع في النشاط التجاري.
ويضيف في حديث للجزيرة أن انخفاض التضخم ناتج عن هبوط قيمة الشيكل الإسرائيلي مقابل الدولار، وتقلّص القوة الشرائية للأسر، وتراجع المبيعات في قطاعات التجزئة والخدمات.
ويؤكد أن الاقتصاد الإسرائيلي يعيش مرحلة "تباطؤ قسري" بفعل تراكم الدين العام وارتفاع معدلات الفائدة التي أعاقت الائتمان وأدت إلى تجميد المشاريع العقارية والاستهلاكية على حد سواء.
في هذا السياق، تكشف الإحصاءات التي أوردها فندي أن 83 ألف عائلة إسرائيلية غادرت البلاد خلال صيف 2025، وهو ما يتسق مع تقارير إسرائيلية داخلية تشير إلى تزايد هجرة الطبقة المتوسطة وأصحاب الكفاءات.
كما تُعرض حاليا أكثر من 80 ألف شقة للبيع دون مشترين، في مشهد يعكس أزمة خانقة في سوق العقارات بسبب ضعف الطلب وارتفاع كلفة التمويل.
إعلانويأتي ذلك في ظل فائدة مصرفية تتجاوز 5% سنويا، وهو معدل غير مسبوق منذ عقدين، ما زاد أعباء القروض العقارية وأدى إلى توقف مشاريع بناء بمليارات الدولارات.
التصنيف الائتماني على المحكوحول احتمالات تراجع التصنيف الائتماني لإسرائيل، يرى فندي أن هذا السيناريو أصبح شبه مؤكد إذا استمرت الحرب أو توسعت، مشيرا إلى أن جميع وكالات التصنيف الدولية الكبرى -موديز، ستاندرد آند بورز، وفيتش- وضعت إسرائيل تحت "مراقبة سلبية" منذ يوليو/تموز الماضي.
ويضيف أن "البيانات التي تنشرها الحكومة الإسرائيلية ناقصة وموجهة سياسيا"، إذ تسعى وزارة المالية إلى إخفاء حجم التدهور المالي الحقيقي تجنبا لتأجيج الغضب الشعبي في سنة انتخابية حساسة.
ويرى فندي أن الصراع المؤسسي بين بنك إسرائيل ووزارة المالية يعكس عمق الانقسام داخل البنية الاقتصادية للدولة، حيث رفض محافظ البنك المركزي خفض أسعار الفائدة في اجتماعه الأخير وهو ما يعني أن المعطيات الفعلية أكثر سوءا مما هو منشور، ما يُظهر أن البنك يمتلك تقديرات داخلية أكثر تشاؤما مما تعلنه الحكومة.
ووفقا لتقارير اقتصادية إسرائيلية متزامنة، فإن الخسائر المباشرة للحرب تجاوزت 9 مليارات دولار، فيما بلغ العجز المالي في موازنة الدولة نحو 25% من الناتج المحلي، وهي أعلى نسبة تسجلها إسرائيل منذ عام 1983.
كما ارتفع الدين العام إلى ما يقارب 530 مليار دولار، أي ما يعادل 67% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تباطأ النمو إلى أقل من 1%.
انهيار في القطاعات الحيوية وهروب رؤوس الأموالويشير فندي إلى أن تجدد الحرب أو استمرارها سيقضي على ما تبقى من توازن في الاقتصاد الإسرائيلي، خصوصا في 3 قطاعات تمثل العمود الفقري للنشاط الاقتصادي:
قطاع التكنولوجيا العالية (الهايتك): الذي كان يشكل ما يقارب 15% من الناتج المحلي وقرابة نصف الصادرات الإسرائيلية، يعاني من موجة انسحاب استثمارات أجنبية بعد تصاعد الدعوات إلى مقاطعة الشركات الإسرائيلية في أوروبا وآسيا. القطاع السياحي: الذي لم يتعافَ منذ جائحة كورونا، تلقى ضربة قاصمة بعد الحرب، حيث تراجع عدد الزوار الدوليين بنسبة 82% مقارنة بعام 2019، مما أدى إلى إغلاق آلاف المنشآت الفندقية والمطاعم. قطاع البناء: الذي يعاني من تراجع حاد في الطلب على الوحدات السكنية وارتفاع كلفة القروض والمواد الخام، ما دفع عشرات شركات المقاولات إلى حافة الإفلاس.ويضيف فندي أن نزوح الطبقة الوسطى والثرية من البلاد -وهي الفئة التي تمثل القاعدة الضريبية الكبرى- يهدد قدرة الحكومة على تمويل ميزانيتها، مؤكدا أن "خروج دافعي الضرائب الجيدين من إسرائيل يعني فقدانها أحد أهم مصادر استقرارها المالي والاجتماعي".
ويحذر خبراء إسرائيليون من أن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى ركود طويل الأمد يطول سوق العمل والاستثمار والقطاع المصرفي، مع احتمالات تزايد البطالة إلى أكثر من 10% بحلول منتصف 2026، وارتفاع الأسعار رغم ضعف الطلب، في ما يوصف بأنه ركود تضخمي مزدوج.
أزمة تتجاوز الاقتصاد إلى البنية السياسية والاجتماعيةوتتزامن هذه المؤشرات الاقتصادية مع أزمة سياسية داخلية خانقة، تتمثل في تراجع الثقة بالحكومة، وانقسام الائتلاف الحاكم، وارتفاع الأصوات المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة.
ويعتقد محللون أن الحكومة الإسرائيلية فقدت السيطرة على أولوياتها المالية، إذ أصبحت السياسات الاقتصادية رهينة للمصالح العسكرية والأمنية، على حساب القطاعات المدنية والخدمات الاجتماعية.
إعلانويرى فندي أن إسرائيل تواجه اليوم مزيجا خطيرا من التآكل الاقتصادي والتفكك الاجتماعي، إذ يتزامن تراجع النمو مع ازدياد الهجرة وارتفاع نسب الفقر، ما يجعل مرحلة ما بعد الحرب أكثر خطورة من الحرب نفسها.
ويخلص إلى أن "الأزمة لم تعد مؤقتة أو ظرفية، بل أصبحت أزمة بنيوية شاملة تمس جوهر الاقتصاد الإسرائيلي وقدرته على الاستمرار"، محذرا من أن السنوات المقبلة قد تشهد انكماشا عميقا يتجاوز 2035 ما لم تُنفّذ إصلاحات مالية جذرية وتُخفض النفقات العسكرية إلى مستويات واقعية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الاقتصاد الإسرائیلی
إقرأ أيضاً:
خبير إسرائيلي: تل أبيب لم تفهم منطق حماس وتعتمد سياسة ساذجة
أكدت الخبير الإسرائيلي أور لافي أن تل أبيب لم تفهم منطق حركة حماس، مضيفا أنها "لم تتعلم حقا شيئا" من تاريخ إدارتها لقطاع غزة.
وفي مقابلة نشرتها صحيفة "معاريف"، لخص لافي ما يراه سلسلة أخطاء للحكومات الإسرائيلية منذ حرب الأيام الستة، مرورا بالانتفاضتين وفك الارتباط وعمليات "الجرف الصامد" و"حارس الأسوار" وصولا إلى "السيوف الحديدية".
وذكر أن خطط يحيى السنوار كانت مُعلنة قبل السابع من أكتوبر بوقت طويل، وأن فكرة الغارة متعددة القطاعات طُرحت صراحة في مقابلة مع صالح العاروري مساء 7 أكتوبر، وسبقها مؤتمر لقيادات من حماس تحدثوا فيه علنا عن تدمير إسرائيل وتقسيمها إلى كانتونات، إضافة إلى خطابات السنوار عام 2023 التي توعّد فيها بأن "المقاتلين سيخترقون السياج ويدخلون المجتمعات المحيطة دفعة واحدة في عشرات النقاط".
شبّه لافي الصدمة الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر بـ"مأساة زوج يقتل زوجته بعد طويل إساءة وتهديد"، معتبرا أن قراءة نيات حماس كانت متاحة لكن "اختير عدم تصديقها".
وقال إن قادة الأجهزة الأمنية أُبلغوا بمعلومات عن خطط الحركة، مستشهدا بوثيقة لضابطة مكافحة التجسس في الوحدة 8200 وصفت بوضوح ما سيحدث في ذلك اليوم، لكن التعامل معها كان ضربا من الخيال، حتى قيل لها "تعلمي التفريق بين القش والقشر".
ويرى أن حماس، التي وُضعت في ذيل سلسلة التهديدات مقارنة بإيران وحزب الله، نفّذت "عملا عسكريا فعالا"، وتحولت خلال تسع سنوات من منظمة إرهابية "بحسب وصفه" إلى "جيش واسع التسليح" بصواريخ تغطي وسط البلاد وشمالها، مستفيدة من أن "السنوار لم يكن مهددا معظم الوقت".
ويذكّر بأن "غزة ولبنان عانيا دمارا هائلا"، وأن إسرائيل وإيران تبادلتا ضربات مباشرة لأول مرة، لكنه يركز على غزة باعتبارها منطلق العاصفة.
يرى لافي أن محاولات تعزيز عناصر محلية بديلة عن منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية فشلت، وما زالت تتكرر دون أمل حتى مع تقديم وسائل ومساعدات وسلاح.
وبشأن خطة ترامب لإنهاء الحرب، يصفها بأنها "صفقة تشمل إطلاق الأسرى والإرهابيين" على حد قوله، وانسحابا إسرائيليا، وربما حكومة بديلة في غزة مقابل أموال إعمار من الخليج؛ ويرى أنها قد تُنهي الحرب وتخفف مأساة الأسرى وتمنح استراحة وإعادة تنظيم، لكنها ستمنح حماس نقاط قوة.
ويعتبر وعود الخطة غير واقعية للجميع: "نزع سلاح حماس، حكومة دولية، مسار لدولة فلسطينية، مدن حديثة، منطقة اقتصادية مشتركة"، ويرى أنها "غلاف أجمل لحزمة حقيقية".
بدون هذه الخطة، يحدد لافي خيارين: "إنهاء الحرب بصفقة تُعيد الأسرى" وهو "إنجاز كبير لحماس" التي نجت لعامين وحصلت على وقف إطلاق نار ودَفعة من المفرج عنهم؛ أو "مواصلة الحرب" بما يقود إلى "حكومة عسكرية كارثية" وعبء اقتصادي واجتماعي.
ويصف الرؤية الثالثة المنسوبة إلى بن غفير وسموتريتش بتحويل غزة إلى "ثروة عقارية"، معتبرا أنه لا بوادر لإفراغ القطاع، وأن استمرار الحرب وحكومة عسكرية يخدمان هذه الرؤية.
ينتقد لافي ما قال إنه "إلزام إسرائيل بوقف الحرب قبل الاتفاق" وفق تصريح ترامب، ويراه مثيرا للقلق إن لم يكن هناك تنسيق جدي، لأنه يمنح حماس أفضلية ويشوّه المفاوضات.
ويشير إلى أن المشكلات الكبرى في عهد أوسلو انطلقت من غزة مع تصعيد حماس والجهاد لإفشال الاتفاق، ما قاد إلى الانتفاضة الثانية و"الدرع الواقي" في الضفة لا في القطاع، ثم فك الارتباط 2005 الذي صورته حماس نجاحا فسيطرت خلال عامين أو ثلاثة، وبدأت صواريخ القسام تمطر "غلاف غزة".
ويضيف أن إسرائيل اكتفت بعمليات منخفضة الشدة واغتيالات، وصولا إلى "الجرف الصامد" الذي عُدّ بروفة عبر شبكة أنفاق هجومية لمجازر وخطف جماعي أُحبطت بتحييد العائق تحت الأرض، ما عزز "وهم التوازن" الذي برّر وفق طرحه تعزيز حماس اقتصاديا عبر قطر، على نقيض مسارها نحو التطرف، حتى جاءت الخطة الجاهزة التي لم تختفِ بعد صدّها في 2014.
يحمل لافي "القيادة منذ 2014" مسؤولية "سياسة سلبية" خلطت تقليل القتال بحوافز اقتصادية لضبط النفس، وبلغت ذروتها بعد "حارس الأسوار" حين "أسيء فهم نيات حماس" والاعتقاد بسنوات هدوء مقبلة، ملقيا اللوم على نتنياهو و"رؤساء أركانه" و"وزراء الدفاع" الذين انتهجوا النهج ذاته، مع تمييزه بين "الشراكة في المفهوم" و"من كان في موقع القرار وقت الحدث".
ويصف أفيغدور ليبرمان بأنه "الأبرز تحذيرا منذ 2009" حتى "غادر الحكومة" على خلفية "جولة انتهت بوقف إطلاق نار وتفاهمات على تعزيز حماس وقطر". ويربط غياب لجنة التحقيق بـ"خشية من يجب أن يعيّنها"، مع "شركاء خفيين"، منتقدا "بقاء قطر وسيطا" بعد 7 أكتوبر، ومعتبرا أن "ارتباطها بمكتب رئيس الوزراء" –إن صح– "خطوة بالغة الخطورة".
ويذكر أن رئيس الأركان إيال زامير "ذهب بعيدا" في حدود ما يمكن قوله بحكم المنصب، ونُقل عنه أنه قال لرئيس الوزراء إن "الجنود في فخ الموت"، وأن تسمية "عربات جدعون الثانية" "تُلمح" إلى أن "الأولى لم تقدّم سوى القتلى".
وبرأيه، "رغم الهجمات الشديدة"، تبقى حماس "القوة الأقوى في غزة"، وتمكنت من "الحصول على رد على معظم مطالبها" في المرحلة الأولى من اتفاق الرهائن، و"صد مطالب إسرائيل بالتغيير" لاحقا، وأن "صورة نهاية فعلية للحرب لا تزال غائبة".
ويصف شعار "حماس ستنهار وتُهزم" بأنه "شعار لا أكثر": قد لا تبقى في السلطة أو تفقد قدرات كبرى، لكنها تتحول إلى "فرق صغيرة" تُطلق النار وتزرع العبوات وتُلحق الضرر، وكلما طوردت "زادت فرصها"، لذا فإن "الحكم العسكري هدية لمنظمة إرهابية".
ويقترح لافي "استراتيجية" من شقين: عسكري يقوم على "قتال دائم" ضد حماس "على غرار الضفة" لإلحاق "ضرر مستمر" ببنيتها واستهداف "قيادتها المتجددة" وتأمين "الدفاع الفعال" عن التجمعات المحيطة بالقطاع؛ ومدني أكثر تعقيدا يبحث عن "آلية سيطرة بديلة" لا تسمح بعودة حكم حماس ولا تُحمّل إسرائيل إدارة القطاع المدمّر، معتبرا أن الأنسب "إشراك السلطة الفلسطينية" بدعم سعودي–إماراتي ومن دون قطر وتركيا، لضمان "بقاء السلطة في غزة" وترسيخ مكانتها، مع "حرية عمل إسرائيل" ضد "العناصر المتطرفة"، خاتما بأن ذلك "ليس حلا سحريا" لكنه "يخفّف المشاكل ويتيح الاستقرار مع الوقت".