العلم يفكك لغز تأثير القمر على النوم والسلوك
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
ربطت العديد من الثقافات حول العالم بين اكتمال القمر وسلوكيات غامضة لدى البشر لكن الحقائق العلمية التي كشفتها الدراسات الحديثة بدأت اليوم تفك طلاسم هذه العلاقة المعقدة.
ويربط الكثيرون اكتمال القمر بالأرق والسلوك غير المألوف، حتى أن كلمة "هوس" في الإنجليزية (Lunacy) مشتقة من الكلمة اللاتينية "لونا" التي تعني القمر.
ويؤكد الباحثون المتخصصون في طب النوم أن اكتمال القمر يؤثر فعليا على نمط النوم لدى البشر، لكن ليس بالطريقة الدراماتيكية التي ترويها الأساطير. فخلال الليالي التي تسبق اكتمال القمر، يسجل الأشخاص انخفاضا ملحوظا في جودة النوم، حيث ينامون بمعدل أقل بنحو 20 دقيقة، ويستغرقون وقتا أطول للخلود إلى النوم، كما تقل فترة نومهم العميق المجدد للطاقة.
ويعزو العلماء هذا التأثير بشكل رئيسي إلى الضوء المنبعث من القمر المكتمل، وليس لقوى غامضة كما كان يعتقد في الماضي. فالقمر الساطع في ساعات المساء يؤثر على الساعة البيولوجية الداخلية للجسم، ويقلل من إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن النوم، ويبقي الدماغ في حالة من اليقظة.
ويختلف هذا التأثير بين شخص وآخر، فسكان المناطق الريفية حيث الأضواء الاصطناعية قليلة يكونون أكثر تأثرا بضوء القمر من سكان المدن المليئة بالأضواء. كما تظهر الدراسات أن الرجال والنساء يتأثرون بشكل مختلف، حيث يسجل الرجال حساسية أكبر خلال مرحلة اكتمال القمر.
أما بالنسبة للاعتقاد الشائع بوجود علاقة بين اكتمال القمر والاضطرابات النفسية، فإن البيانات الإحصائية تكشف واقعا مختلفا. فالبحوث العلمية لم تثبت وجود زيادة ملحوظة في حالات الدخول إلى المستشفيات النفسية أو معدلات الجريمة خلال اكتمال القمر. وقد يكون ما نلاحظه من سلوكيات غير اعتيادية مرتبط في الحقيقة بالحرمان من النوم وليس بالقمر نفسه.
وفي النهاية، ينصح الخبراء بالتركيز على العوامل المؤثرة فعليا في جودة النوم، مثل تقليل التعرض للشاشات الإلكترونية قبل النوم، والحفاظ على بيئة نوم مظلمة وهادئة، والالتزام بجدول نوم منتظم. فالتأثير الحقيقي للقمر على نومنا موجود لكنه محدود، بينما تمثل الأضواء الاصطناعية وأجهزتنا الإلكترونية تحديا أكبر لجودة نومنا في العصر الحديث.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: إكتمال القمر القمر نمط النوم القمر المكتمل المناطق الريفية الأضواء الاصطناعية اکتمال القمر
إقرأ أيضاً:
أثر القيم والمعتقدات الثقافية على العلم ومن يعملون فيه
سارة جيوردانو / ترجمة أحمد شافعي
حتى لو أنكم لا تتذكرون كثيرا من معلومات منهج الأحياء في المدرسة الثانوية، فلعلكم تتذكرون الخليتين اللازمتين لتكوين الأجنة، أي البويضة والحيوان المنوي. ولعل بوسعكم أن تتصوروا سرب خلايا الحيوانات المنوية إذ يصارع أحدها الآخر في سباق على أيها يكون أول من يخترق البويضة.
على مدى عقود، وصفت الأدبيات العلمية حدوث الحمل بهذه الطريقة، فانعكس في الخليتين الدوران المتصوران لنساء وللرجال في المجتمع. وكان الاعتقاد السائد هو أن البويضة سلبية وأن الحيوان المنوي نشط.
في مقدمة فيلم «انظر من الذي يتكلم» في عام 1989، إعادة لهذه السردية الشائعة، حيث حيوان منوي ناطق يسارع باتجاه بويضة خرساء ليكون أول من يخصّبها.
بمرور الوقت، أدرك العلماء أن الحيوان المنوي أضعف من أن يخترق البويضة وأن الاتحاد بينهما أقرب إلى المتبادل، إذ تعمل الخليتان معا. وليس من قبيل المصادفة أن هذه النتائج ظهرت في نفس الحقبة التي أخذت تسيطر فيها أفكار ثقافية أكثر ميلا إلى المساواة في الأدوار الجندرية.
يرجع إلى العالم لودفيك فليك فضل المبادرة إلى وصف العلم بالممارسة الثقافية، وكان ذلك في ثلاثينيات القرن العشرين. ومنذ ذلك الحين، تواصل التراكم في فهم أن المعرفة العلمية تتسق دائما مع الأعراف الثقافية في زمانها.
وبرغم هذه الرؤى، وبمعزل عن الاختلافات السياسية، يناضل الناس مستمرين في المطالبة بموضوعية علمية، وبفكرة أن العلم يجب ألا ينحاز، وأن يتسم بالعقلانية والانفصال عن القيم والمعتقدات الثقافية.
حينما التحقت ببرنامج الحصول على الدكتوراه في علم الأعصاب سنة 2001، كنت أشعر بمثل ذلك أنا الأخرى. لكن بقراءتي لكتاب عالمة الأحياء آن فاوسو ستيرلنج وعنوانه «تجنيس الجسد» وجدت أن الكتاب وضعني في طريق مختلف. فقد دحض منهجيا فكرة الموضوعية العلمية، مبينا أن الأفكار الثقافية المتعلقة بالجنس والجندر والجنسية لا تنفصل عن النتائج العلمية. وبحلول الوقت الذي حصلت فيه على درجة الدكتوراه، بدأت أنظر إلى بحثي نظرة أكثر شمولية تدمج بين السياقات العلمية والتاريخية والسياسية.
من الأسئلة التي يبدأ منها العلماء، إلى معتقدات من يقومون بإجراء الأبحاث، إلى خيارات تصميم البحث، إلى تأويل النتائج النهائية، تملي الأفكار الثقافية على «العلم» طول الوقت. فماذا لو أن العلم المحايد أمر محال؟
ظهور فكرة الموضوعية العلمية
لم يتطور العلم ليصبح مرادفا للموضوعية في النظام الجامعي الغربي إلا في القرون القليلة الأخيرة فقط. ففي القرنين الخامس عشر والسادس عشر، اشتد بعض الأوروبيين في مواجهة النظام الملكي المستند إلى الدين. وأدّى ترسيخ النظام الجامعي إلى التحول عن الثقة في تأويل الزعامات الدينية لكلمة «الرب»، إلى الثقة في قيام «الإنسان» باتخاذ قراراته العقلانية، إلى الثقة في تأويل العلماء لـ«الطبيعة». وأصبح النظام الجامعي موقعا مهما لإضفاء الشرعية على المزاعم من خلال النظريات والدراسات.
في السابق كان الناس يخترعون معرفتهم بالعالم، ولكن لم تكن من حدود صارمة بين ما يطلق عليه العلوم الإنسانية من قبيل التاريخ واللغة والفلسفة وبين علوم من قبيل الأحياء والكيمياء والفيزياء. وبمرور الوقت، ومع ظهور أسئلة تتعلق بكيفية الثقة في القرارات السياسية، قسَّم الناس المناهج إلى فئتين: ذاتية وموضوعية. وتزامن ذلك التقسيم مع نشأة تناقضات ثنائية أخرى منها التقسيم القريب نسبيا إلى العاطفية والعقلانية. ولم تعدّ هذه الفئات متضادة، بل هي في هيراركية تعلو فيها العقلانية والموضوعية.
وتكشف لنا النظرة الأشد تمحيصا أن هذه الأنظمة الثنائية اعتباطية وأنها هي التي تعزز نفسها.
العلم مسعى إنساني
العلوم مجالات دراسة يجريها بشر. وهؤلاء البشر، الموسومون بالعلماء، جزء من أنظمة ثقافية شأنهم في ذلك شأن كل من عداهم. فنحن العلماء ننتمي إلى أسر، ولدينا آراء ووجهات نظر سياسية. ونشاهد ما يشاهده غير العلماء من أفلام وعروض تليفزيونية، ونقرأ ما يقرأ غيرنا من الجرائد ونشجع مثل ما يشجعون من الفرق الرياضية ونمارس مثل هواياتهم.
ولا لبس في أن هذه الأجزاء «الثقافية» من حياتنا تؤثر على نهج العلماء تجاه وظائفهم وما نعده «المنطق السليم» الذي لا مجال للشك فيه عندما نجري تجاربنا.
وبعيدا عن العلماء الأفراد، فإن أنواع الدراسات التي يتم إجراؤها تتحدد بناء على الأسئلة التي تبدو مهمة أو غير مهمة وفقا للأعراف المجتمعية المهيمنة.
فعلى سبيل المثال، في عملي للدكتوراه في مجال علم الأعصاب، رأيت إلى أي مدى تؤثر الافتراضات الهيراركية المختلفة على تجارب معينة بل وعلى المجال برمته. فعلم الأعصاب يركز على ما يعرف بالنظام العصبي المركزي. والاسم نفسه يصف نموذجا هيراركيا، يتولى فيه عضو في الجسد «المسؤولية» عن بقية الأعضاء. وحتى داخل النظام العصبي المركزي، كان ثمة هيراركية مفاهيمية يتولى فيها المخ السيطرة على النخاع الشوكي.
كان تركيز بحثي الأكبر ينصب على ما يحدث في محيط العضلات نفسه، لكن النموذج السائد كان يضع المخ على القمة. فثمة فكرة مسلَّم بها ترى أن كل نظام بحاجة إلى رئيس، وهذه الفكرة انعكاس لافتراضات ثقافية. لكنني أدركت أن بوسعنا أن نحلل النظام تحليلا مختلفا ونطرح أسئلة مختلفة. فبدلا من جعل المخ على القمة، بوسع نموذج مختلف أن يركز على كيفية تواصل النظام كله وعمله بالتنسيق بين أجزائه.
ولكل تجربة أيضا افتراضات مضمرة فيها، أي أمورا تعد من البديهيات، والتعريفات تدخل ضمن ذلك. فالتجارب العلمية قد تكون نبوءات تحقق نفسها بنفسها.
فعلى سبيل المثال، تم إنفاق مليارات الدولارات على محاولة تحديد ملامح الاختلافات الجنسية. غير أن تعريف الذكر والأنثى لا يكاد يرد في هذه الأوراق البحثية. وفي الوقت نفسه، تتزايد الأدلة على أن هذه الفئات الثنائية اختراع حديث غير قائم على اختلافات مادية واضحة.
لكن الفئات تتعرض مرارا للاختبار إلى أن يحدث في بعض الأحيان في نهاية المطاف أن نكتشف بعض الاختلافات دونما وضع لهذه النتائج معا في نموذج إحصائي. وفي أحيان كثيرة، لا يتم إيراد ما يعرف بالنتائج السلبية التي لا تتطابق مع فارق مهم. وفي بعض الأحيان، نرى أن الميتاتحليلات القائمة على دراسات عديدة تبحث في سؤال واحد تكشف عن هذه الأخطاء الإحصائية، كما في بحث عن الاختلافات المُخِّية المرتبطة بالجنس. وثمة أنماط مماثلة من التعريفات المضللة التي تنتهي إلى تعزيز الافتراضات المسلّم بها وهذه تحدث في ما يتعلق بالعرق والجنسانية وغيرهما من الاختلافات المصطنعة اجتماعيا.
وأخيرا، يمكن تأويل النتائج النهائية للتجارب بطرق كثيرة مختلفة، بما يضيف نقطة أخرى للمواضع التي تخترق فيها القيم الثقافية النتائج العلمية النهائية.
الاكتفاء بالعلم في غياب الموضوعية
اللقاحات، الإجهاض، التغير المناخي، الفئات الجنسية، يقع العلم في مركز أغلب الجدالات السياسية شديدة السخونة اليوم. وفي حين أن الخلاف كبير، فإن الرغبة في فصل العلم والسياسة يبدو شائعا. فعلى كلا جانبي الانقسام السياسي ثمة اتهامات بأنه لا يمكن الوثوق بعلماء الجانب الآخر بسبب أهوائهم السياسية.
وانظروا في الجدال الذي ثار أخيرا حول اللجنة الاستشارية المعنية باللقاحات التابعة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة. فقد أقال وزير الصحة والخدمات الإنسانية، روبرت إف كينيدي الابن، جميع أعضاء اللجنة الاستشارية لممارسات التحصين، متهما إياهم بالتحيز، في حين ذهب بعض المشرعين الديمقراطيين في المقابل إلى أن هذه الخطوة قد مكّنت أشخاصا يحتمل أن يتحيزوا في دفع أجندته المشككة في اللقاحات.
ولو أن التخلص من التحيز كله مستحيل، فكيف للناس أن يبدعوا معرفة يمكن الوثوق فيها؟
من خلال فهمنا أن جميع المعرفة تتكون من خلال عمليات ثقافية، يتاح لنا الاعتراف بوجود حقيقتين مختلفتين أو أكثر في آن واحد. وإنكم ترون هذا واقعا حيا في كثير من المواضيع شديدة الإثارة للجدل اليوم. غير أن هذا لا يعني أنكم لا بد أن تصدقوا جميع الحقائق بالتساوي، وهذا ما يعرف بالنسبية الثقافية. وهذا المنظور يتجاهل حاجة الناس إلى اتخاذ قرارات جماعية بشأن الحقيقة والواقع.
بدلا من ذلك، يطرح الباحثون النقديون عمليات ديمقراطية على الناس ليقرروا القيم المهمة ويحددا الأهداف التي يجب تطوير المعرفة من أجل تحقيقها. فعلى سبيل المثال، ركز جانب من عملي على توسيع نموذج هولندي يرجع إلى سبعينيات القرن الماضي، وهو نموذج «متجر العلوم» إذ تقوم مجموعات من المجتمع بزيارة مواقع الجامعة للتعبير عن مخاوفهم واحتياجاتهم من أجل المساعدة في تحديد الأجندات البحثية. وقام باحثون آخرون بتوثيق ممارسات جمعية أخرى بين علماء ومجتمعات مهمشة، أو تغيرات سياسية، منها عمليات ترمي إلى مزيد من التداخل بين التخصصات أو المزيد من الإسهام الديمقراطي، أو كليهما.
وإنني أتبنى رؤية أدق للعلم مفادها أن الموضوعية مستحيلة. غير أنكم لا تكادون تتخلون عن أسطورة الموضوعية، حتى تجدوا أن الطريق أمامكم ليس أشد بساطة. وبدلا من الاعتقاد بعلم عليم بكل شيء، نصبح في مواجهة واقع نرى فيه البشر مسؤولين عما يجري بحثه، وكيفية إجراء البحث والنتائج التي تستخلص من البحث.
وبهذه المعرفة، تسنح لنا الفرصة لكي نضع عامدين قيما مجتمعية تقود البحث العلمي. ويقتضي هذا قرارات حيال كيفية التوصل إلى اتفاقات على هذه القيم. ولا ينبغي أن تكون هذه الاتفاقات مطلقة دائما بل يجب أن تعتمد على السياق المتعلق بمن وبما قد تؤثر عليه دراسة معينة. ومع أن الأمر غير بسيط، فإن استعمال هذه الرؤى التي تكونت على مدار عقود من دراسة العلم من داخله ومن خارجه على السواء قد يؤدي إلى فرض حوار أكثر صراحة بين المواقف السياسية.
سارة جيوردانو كاتبة المقال أستاذة مشاركة للدراسات متعددة التخصصات في جامعة ولاية كينيساو.
نشر المقال في مجلة ذي كونفرزيشن بتاريخ 4 سبتمبر 2025