في تطور سياسي بالغ الأهمية، شهد المشهد الدولي لحظة مفصلية قد تعيد رسم خريطة الصراع التي تمثلت في اللقاء الأخير بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

فهذا اللقاء لم يكن مجرد محطة بروتوكولية أو حوارًا سياسيًا تقليديًا، بل جاء محملا بإشارات واضحة على تحول محتمل في نهج الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، من استراتيجية المواجهة الحادة إلى مقاربة تقوم على مبدأ الصفقات السياسية.

وقد جرت المحادثات في أجواء اتسمت بقدر كبير من التوتر والحذر، وسط تسريبات دبلوماسية تشير إلى نقاشات معمقة تتجاوز حدود الدعم العسكري المباشر لكييف، لتطال ملفات حساسة تتعلق بخيارات التسوية وملامح النظام الأمني في المرحلة المقبلة.

ويذهب مراقبون إلى أن هذه التطورات قد تمهد لمرحلة جديدة تمامًا للصراع، عنوانها المساومات السياسية بدلًا من الصدامات المفتوحة.

أستاذ سياسة: ترامب لا يدير حربا بل يجهز لصفقة كبرى تعيد رسم ملامح الصراع الأوكراني

وقال أستاذ السياسة الدكتور سعيد الزغبي، في تصريحات صحفية خاصة لموقع صدى البلد، إن اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، سواء بشكل مباشر أو عبر اتصالات غير معلنة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يعكس عودة واضحة إلى “مدرسة الصفقة السياسية الواقعية” في السياسة الأمريكية.

وأضاف الزغبي: «ترامب لا يتعامل كزعيم أيديولوجي، بل كتاجر سياسي يرى أن الحرب في أوكرانيا ليست معركة مبادئ، بل صفقة خاسرة للولايات المتحدة يجب إنهاؤها بأقل تكلفة ممكنة».

 وأوضح أن زيلينسكي دخل الاجتماع بطلبات لدعم إضافي وتسليح أكبر، في حين رأى ترامب أن الوقت قد حان لإنهاء النزاع لا لتصعيده، وهو ما أدى إلى صدام نفسي وسياسي بين الطرفين.

وأشار الزغبي إلى أن الأخبار التي تحدثت عن استخدام ترامب نبرة حادة ورفع صوته ليست مستغربة على أسلوبه السياسي، موضحًا: «ترامب يستخدم الانفجار اللفظي كوسيلة ضغط، وليس نتيجة فقدان أعصاب، فهو لا يوجّه رسائله إلى كييف فقط، بل إلى موسكو أيضًا، وكأن صراخه في وجه زيلينسكي هو إشارة ناعمة إلى بوتين بأنه مستعد لتغيير قواعد اللعبة، وليس الاستمرار في نهج بايدن».

وتابع الزغبي: «إذا صح هذا الأسلوب، فنحن أمام تحول نوعي في موقف واشنطن من الحرب الأوكرانية»، مشيرًا إلى أن اللقاء بعث بثلاث رسائل واضحة:

الولايات المتحدة لم تعد متحمسة لحرب استنزاف طويلة، فإدارة ترامب ترى أن استمرار الحرب يستنزفها اقتصاديًا.روسيا استعادت شرعيتها كطرف مفاوض، فمجرد التنسيق مع بوتين بعد اللقاء مع زيلينسكي يثبت أن موسكو عادت إلى “اللعبة الكبرى”.زيلينسكي في موقف دبلوماسي أضعف، إذ بدأ الدعم الغربي يتحول من دعم مطلق إلى دعم مشروط سياسيًا.

كما قدّم الزغبي تقديرًا للموقف الراهن، مرجحًا 3 سيناريوهات محتملة:

السيناريو الأول: صفقة سلام على طريقة ترامب

ترامب يضغط على زيلينسكي لتجميد الصراع مقابل وعود أمريكية ضخمة لإعادة الإعمار، مع تقديم مكاسب رمزية لبوتين، مثل الاعتراف الضمني بسيطرته على شرق أوكرانيا، وهو ما يرضي واشنطن اقتصاديًا ويخفف الضغط السياسي عن موسكو.

السيناريو الثاني: صدام داخل حلف الناتو

دول أوروبا الشرقية مثل بولندا ودول البلطيق قد ترى الموقف الأمريكي الجديد “خيانة للتحالف الغربي”، ما قد يخلق انقسامًا داخل حلف شمال الأطلسي بين معسكر السلام السريع بقيادة ترامب ومعسكر المواجهة بقيادة أوروبا.

السيناريو الثالث: تصعيد محدود قبل التهدئة

قد يستغل بوتين حالة الارتباك السياسي في واشنطن لتصعيد الضغط العسكري مؤقتًا، حتى يدخل المفاوضات من موقع قوة، مما قد يجعل الأسابيع المقبلة تشهد تصعيدًا ميدانيًا محدودًا يعقبه مسار تفاوضي.

وختم الزغبي تصريحاته مؤكدًا: «ما حدث ليس أزمة دبلوماسية بقدر ما هو تغيير في فلسفة السياسة الأمريكية تجاه الحرب، واشنطن تنتقل من عقيدة الحرب بالوكالة إلى عقيدة الصفقات المصلحية، والمستفيد الأول من هذا التحول هو روسيا سياسيًا، بينما تدخل أوكرانيا مرحلة إعادة تعريف دورها بين الشرق والغرب».

وأضاف: «اللقاء كان نقطة تحول أكثر منه أزمة، وربما يكون بداية المشهد الأول من مسرحية التسوية الكبرى للحرب الأوكرانية… كلاكيت تاني مرة للسلام السريع»


 

طباعة شارك الحرب الروسية الأوكرانية فولوديمير زيلينسكي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب روسيا السياسة الأمريكية

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الحرب الروسية الأوكرانية فولوديمير زيلينسكي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب روسيا السياسة الأمريكية

إقرأ أيضاً:

زيلينسكي لـيورونيوز: أوكرانيا لن تتنازل عن أي من أراضيها

قال الرئيس الأوكراني إن بلاده لن تقدم أي تنازلات إقليمية، وذلك ردًا على سؤال من "يورونيوز" بشأن ما إذا كانت كييف تتعرض لضغوط في هذا الاتجاه.

في مقابلة مع "يورونيوز"، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن أوكرانيا لن تتنازل عن أي من أقاليمها لصالح روسيا في أي مفاوضات سلام محتملة مستقبلًا، وذلك لدى وصوله إلى قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل.

وجاءت تصريحات زيلينسكي صباح اليوم التالي لفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات جديدة على روسيا، بسبب تمسك موسكو بشروطها عالية السقف في الحرب.

وأكد الكرملين أن "مطالبه لن تتغير"، ما يشير إلى رغبة موسكو في الاحتفاظ بالسيطرة على شبه جزيرة القرم وأربع مناطق أخرى في أوكرانيا، رغم أنها لم تتمكن بعد من احتلالها بالكامل.

وكانت وسائل إعلام أمريكية قد ذكرت في وقت سابق من هذا الأسبوع أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدم عرضًا جديدًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يقضي بأن تتنازل أوكرانيا عن أجزاء من منطقة دونباس الشرقية الخاضعة لسيطرتها، مقابل حصولها على أجزاء أصغر من منطقتي خيرسون وزابوريزهيا الواقعتين على خط المواجهة الجنوبي.

ويُعتقد أن المنطقة الشرقية المقصودة في العرض هي محافظة دونيتسك الأوكرانية، والتي تشكل مع محافظة لوغانسك منطقة دونباس الصناعية الكبرى في شرق أوكرانيا، والتي تحاول روسيا السيطرة عليها منذ الغزو الأول عام 2014، لكنها لم تتمكن من احتلالها بالكامل حتى اليوم.

Related استراتيجية روسيا الجديدة للهجوم على الطاقة تدفع أوكرانيا إلى شتاء آخر من انقطاع التيار الكهربائيروسيا: بوتين يشرف على تدريبات ضخمة للقوات النووية الاستراتيجية ويستعرض التحديثات العسكريةرئيس الأركان الفرنسي يدعو للاستعداد لصدمة عسكرية محتملة مع روسيا خلال أربع سنوات ترامب: لطالما شعرت أن بوتين يريد كل شيء

وفي سياق متصل، قال ترامب الأربعاء إن بوتين لم يقلل من طموحاته الإقليمية، مضيفًا: "لطالما شعرت أنه كان يريد كل شيء، وليس جزءًا منه"، في إشارة إلى مطالب روسيا.

من جهته، اعتبر زيلينسكي أن تجميد التقدم على طول خطوط الجبهة الحالية يمثل "حلًا وسطًا جيدًا"، مجددًا دعمه لوقف إطلاق النار كخطوة أولى نحو أي اتفاق لإنهاء الغزو الروسي الشامل.

وقال خلال زيارته إلى النرويج: "أعتقد أن هذا حل وسط جيد، لكنني لست متأكدًا من أن بوتين سيدعمه"، مضيفًا أنه أبلغ ترامب بذلك. وتابع: "ليست هذه خطة لإنهاء الحرب تمامًا، بل هي في الغالب خطة لوقف إطلاق النار".

وكانت كييف قد اقترحت اتباع هذا الحل منذ المحادثات الأولى مع ترامب، إذ يشمل وقفًا فوريًا وغير مشروط لإطلاق النار في أوكرانيا، يعقبه محادثات مباشرة بين زيلينسكي وبوتين.

وفي إطار الضغط على موسكو للموافقة على وقف إطلاق النار، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أكبر شركتين نفطيتين روسيتين، هما روسنفت ولوك أويل.

وقال وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت: "حان الوقت الآن لوقف القتل ووقف فوري لإطلاق النار"، مضيفًا: "نظرًا لرفض الرئيس بوتين إنهاء هذه الحرب التي لا معنى لها، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على أكبر شركتي نفط روسيتين تمولان آلة الحرب في الكرملين".

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • مبعوث بوتين إلى واشنطن: روسيا مهتمة بإنهاء الصراع في أوكرانيا بسرعة
  • "تحول مفاجئ" في بوصلة ترامب.. دول جديدة تتصدر أولويات واشنطن
  • حفاوة استقبال الملك تشارلز للرئيس زيلينسكي تثير جدل السوشيال ميديا
  • عماد الدين حسين: تهديد ترامب لإسرائيل بفقدانها دعم أمريكا حال أقدمت على ضم الضفة تحول إيجابي مهم
  • نائب الرئيس الأمريكي يبحث في القدس صفقة التبادل والانسحاب من غزة
  • زيلينسكي لـيورونيوز: أوكرانيا لن تتنازل عن أي من أراضيها
  • الرئيس الأوكراني: فكرة ترامب بشأن التوقف عند خطوط القتال الحالية تسوية جيدة
  • لماذا تضغط واشنطن بشراسة لإنجاح صفقة غزة؟
  • أوكرانيا وروسيا.. هل دخل الصراع مرحلة الحلقة المفرغة؟