عارف بن خميس الفزاري **
أصبح التزييف العميق (Deepfake) اليوم واحدًا من أبرز القضايا التقنية والاجتماعية التي تشغل النقاش العالمي، نظرًا لقدراته الهائلة على إنتاج صور وأصوات وفيديوهات يصعب التمييز بينها وبين الواقع. وبحسب منظمة اليونسكو (UNESCO,2023) يُعرَّف التزييف العميق بأنه تقنية رقمية قائمة على الذّكاء الاصطناعيّ، تعتمد على خوارزميات التعلم العميق (Deep Learning) لتوليد محتوى مرئي أو سمعي يبدو حقيقيًا على نحو يصعب كشفه.
وأشارت منظمة اليونسكو كذلك إلى أنّ ما يقارب46٪ من خبراء الاحتيال الرقمي واجهوا حالات انتحال هوية باستخدام الذّكاء الاصطناعيّ، في حين تعرّض37٪ منهم لتزييف أصوات و29٪ لتزييف فيديوهات. هذه النسب تُظهر أن ظاهرة الانتحال لم تعد محصورة في المختبرات الأكاديمية، بل انتقلت إلى فضاءات عملية تهدد الحياة اليومية والمعاملات الاقتصادية.
من ناحية أخرى، يبدو الوجه الآخر للتزييف العميق أكثر خطورة، إذ يُستغل في التشهير والابتزاز والتضليل السياسي، بما يهدد الثقة في وسائل الإعلام ويؤثر في قدرة الجمهور على تمييز الحقيقة من الزيف. كما أوضح تقرير اللجنة الكهروتقنية الدولية (IEC,2023) أن التزييف العميق لم يعد مقتصرًا على الترفيه، بل أصبح يؤثر في المعلومات والمجتمع، الأمر الذي يستدعي تطوير معايير تقنية دولية للحد من مخاطره.
وعلى الصعيد الأمني، أشارت اللجنة الكهروتقنية الدولية إلى أنّ التزييف العميق يمثل تهديدًا متناميًا للمعلومات والمجتمع، ويستدعي وضع معايير تقنية للحد من انتشاره. في السياق ذاته، حذّر الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU, 2024) من أن المحتوى المُنشأ بالذّكاء الاصطناعيّ، بما في ذلك التزييف العميق، يُضعف القدرة على التحقق من المعلومات ويعقّد المشهد الإعلامي، وهو ما قد يؤثر في تشكيل الرأي العام. ومن جانبها، أوضحت اليونسكو أن خطورة هذه التقنية تكمن في صعوبة اكتشافها، مما يجعلها وسيلة فعّالة للتلاعب بالمعلومات على نطاق واسع.
مع ذلك، فإن تطور أدوات الكشف التقنية التي تسعى شركات التقنية الكبرى إلى تطويرها، مثل أدوات الوسم الرقمي التي ناقشها الاتحاد الدولي للاتصالات، يبقى الوعي المجتمعي خط الدفاع الأول. فالمستخدم لم يعد مجرد متلقٍ للمعلومة، بل أصبح مشاركًا في عملية التحقق. وقد أظهرت دراسة صادرة عن منظمة اليونسكو (UNESCO, 2023) بعنوان "التزييف العميق وأزمة المعرفة" أن غياب الثقافة الرقمية يجعل فئات الشباب أكثر عرضة للتأثر بالصور والفيديوهات المزيفة، وهو ما يستدعي تعزيز برامج التوعية الإعلامية والرقمية في المدارس والجامعات.
وتحاول الحكومات سنّ تشريعات تُلزم المنصات الرقمية بتمييز المحتوى المُنشأ بالذّكاء الاصطناعيّ، كما تُطالب بفرض عقوبات على من يستخدم التزييف العميق للإضرار بالغير. غير أن التحدي لا يقتصر على الجانب القانوني، بل يمتد إلى البعد الأخلاقي، حيث يتعين على المبدعين والعاملين في المجال الرقمي الالتزام بمعايير استخدام مسؤولة تراعي حماية الأفراد والمجتمعات.
عليه يمكن القول إن التزييف العميق سلاح ذو حدين: فهو يفتح آفاقًا واسعة للإبداع الفني والتعليمي، لكنه في الوقت نفسه يهدد مصداقية المعلومات والأمن المجتمعي إذا أسيء استخدامه. ويظل الوعي المجتمعي والثقافة الرقمية ركيزة أساسية في مواجهة مخاطره، فالعالم اليوم أمام سؤال محوري: هل يمكننا الاستفادة من هذه التقنية دون أن ندفع ثمنها باهظًا؟
** باحث في المعرفة
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
النوم العميق.. سر تجديد الجسم والمناعة وجمال البشرة
النوم العميق من أهم أسرار الصحة الجيدة والجمال الطبيعي، فهو ليس مجرد وقت للراحة، بل عملية حيوية متكاملة يعيد فيها الجسم بناء خلاياه وتنشيط أجهزته الحيوية. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الحصول على نوم كافٍ وعميق يوازي أهمية التغذية السليمة وممارسة الرياضة في الحفاظ على الصحة العامة.
في ساعات النوم العميق، يقوم الجسم بإفراز هرمونات النمو والتجديد التي تعمل على إصلاح الأنسجة التالفة وبناء العضلات، كما تنشط عملية إنتاج الكولاجين المسؤولة عن نضارة البشرة ومرونتها. ولهذا السبب، يُطلق على النوم لقب “الماس التجميلي الطبيعي” للبشرة، إذ يساعد على تأخير علامات الشيخوخة وتقليل الهالات السوداء وانتفاخات العين.
من الناحية الصحية، يلعب النوم دورًا أساسيًا في تعزيز المناعة، حيث تزداد كفاءة الجهاز المناعي في أثناء النوم العميق، ما يساهم في مقاومة الفيروسات والالتهابات. كما يساعد على تنظيم إفراز الهرمونات المسؤولة عن الشهية والطاقة، مما يقلل من احتمالية زيادة الوزن أو اضطرابات الأكل.
قلة النوم، على الجانب الآخر، ترتبط بعدد من المشكلات مثل ضعف التركيز والذاكرة، وزيادة التوتر، وارتفاع ضغط الدم. وقد كشفت الأبحاث أن الأشخاص الذين ينامون أقل من ست ساعات يوميًا يكونون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب.
ولتحسين جودة النوم، ينصح الخبراء باتباع روتين ثابت للنوم والاستيقاظ، وتجنب استخدام الهواتف أو الشاشات قبل النوم بساعة على الأقل، بالإضافة إلى تناول مشروبات مهدئة مثل البابونج أو اللافندر التي تساعد على الاسترخاء. كما يُفضل تهوية الغرفة وضبط الإضاءة ودرجة الحرارة لتهيئة بيئة مريحة.
من المهم أيضًا تجنب الوجبات الثقيلة أو المنبهة قبل النوم، واستبدالها بوجبات خفيفة مثل الزبادي أو كوب دافئ من الحليب