تجارب مضيئة وإشارات لنهضة عروبية
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
بين يومي 30 ـ 31 تموز/ يوليو و21 ـ 31 آب/ أغسطس 2023 احتضن لبنان حدثين هامين على المستوى الشعبي العربي، أولهما الدورة 32 للمؤتمر القومي العربي (دورة جنين) في بيروت، وثانيهما الدورة 30 لمخيم الشباب القومي العربي (دورة الشهيد المصري محمد صلاح إبراهيم)، وبين الحدثين شهدت الأمة أيضاَ احداث بالغة الأهمية أبرزها على ارض فلسطين حيث شهدت عمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال في فلسطين تصاعداً ملحوظاً وصل الى أربع عمليات في اليوم الأخير من شهر آب / أغسطس .
كذلك شهد الوطن العربي والعالم في الأسبوع الأخير من شهر آب / أغسطس انتفاضة شعبية في ليبيا ضد لقاء تطبيعي ضم وزيرة خارجية حكومة طرابلس مع وزير خارجية الكيان الصهيوني أدى إلى إقالتها وفتح تحقيقات واسعة حول هذا الاختراق لقوانين ليبيا وتاريخ شعبها الوطني والقومي العريق.
كما شهد هذا الشهر تنامياً في قدرات محور المقاومة أظهرته مناورات عسكرية هامة لقوات المقاومة في جنوب لبنان وقطاع غزة زاد من ارتباك العدو، المُرْبك أصلاً، بسبب الانقسام الحاد داخل مجتمعه بين المكونات المتناقضة لهذا المجتمع الهجين من أساسه.. كما شهدنا تطورات هامة على صعيد العلاقات العربية ـ العربية ، والعربية ـ الإقليمية، دفعت الإدارة الأمريكية إلى الضغط بكل ما تملكه من وسائل وأدوات من أجل عرقلة هذه الانفراجات ومحاولة إعادة الأمور في سوريا العروبة إلى المربع الأول للحرب الكونية عليها مع التركيز على الحصار الاقتصادي والمعيشي وتجويع الشعب السوري لدفعه إلى الاستسلام لأهداف الحرب عليه ..
يضاف إلى هذه التطورات أيضاً تطور استراتيجي بالغ الأهمية وهو انضمام أربعة دول عربية وإسلامية إلى منظومة البريكس، هي مصر والسعودية والإمارات وإيران، بما يجعل من العرب والمسلمين قوة فاعلة في منظومة دولية تسعى لإعادة التوازن والتعددية القطبية في النظام العالمي نفسه.
بل إن هذه التطورات جاءت لتؤكد أن العروبة كهوية وانتماء ينطوي على مشروع نهضوي ما تزال حيّة في امتنا، وأن علاقة الأمة بدائرتها الإسلامية ما زالت حاضرة، رغم كل ما تعرّضت له الحركة القومية العربية من حروب وفتن، وتعرّض حاملو رايتها المخلصون لها، وغير المنتفعين من شعاراتها لحصار سياسي وإعلامي ومادي، بل وقمع أمني ومحاولات شيطنة لمنع انبعاث العروبة من جديد وإعادة بناء أفضل العلاقات بين العرب ودول الجوار الحضاري كي لا تتشكل قوة عربية ـ إسلامية تمثل رقماً مهماً في الحسابات الدولية.
العروبة كهوية وانتماء ينطوي على مشروع نهضوي ما تزال حيّة في امتنا، وأن علاقة الأمة بدائرتها الإسلامية ما زالت حاضرة، رغم كل ما تعرّضت له الحركة القومية العربية من حروب وفتن، وتعرّض حاملو رايتها المخلصون لها، وغير المنتفعين من شعاراتها لحصار سياسي وإعلامي وماديلقد ترددت على مسامعنا طيلة العقود الماضية، وتحديداً منذ نكسة الخامس من حزيران عام 1967، أصوات عديدة تتحدث عن نهاية العروبة وموت الحركة القومية العربية، ليتضح الآن بطلان هذه الادعاءات وان العروبة كهوية وكأنتماء لا تموت، وان الحركة القومية العربية المستفيدة من كل تجارب الماضي، والمتفهمة لخصائص الأقطار العربية المتجددة، ما تزال هي المشروع الأكثر نجاحاً في التصدي لكل التحديات التي تواجهها أمتنا التي باتت تكتشف كل يوم عجز الحلول القطرية أو الفئوية أو الأيديولوجية الاقصائية عن توفير حلول لمشكلات الأمة، لا سيّما على المستوى السياسي أو الدفاعي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو التربوي أو البيئي..
ولعل الدواء الأبرز لمعالجة كل الثغرات والامراض التي طالت الحركة القومية العربية، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، هو عقلية الاقصاء التي وقعت فيها أنظمة وأحزاب وحركات سعت الى الغاء الآخر فوقعت في أفخاخ نصبها لها أعداؤها ..
ومن هنا فالدواء هو في إطلاق روح التكامل بين أقطار الأمة، وداخل كل قطر، وروح التلاقي بين تيارات الأمة الملتزمة بالمشروع النهضوي العربي، حيث لا يستطيع تيار واحد أو قطر واحد أن يتحمل مسؤولية مجابهة التحديات ..
وما استمرار تجربتين متواضعتين كالمؤتمر القومي العربي، وكمخيم الشباب القومي العربي، رغم كل الصعوبات والحصار وتغليب العصبيات الضيقة على الروح القومية الجامعة، سوى تعبير على نجاح فكرة "الكتلة التاريخية" التي دعا إليها المشروع النهضوي العربي منذ انطلاقته وحملتها نخبة من مفكري الأمة ومثقفيها ومناضليها وقادتها الحزبيين والنقابيين، وواجهت بسببها ضغوط ومناورات والاعيب وإشاعات تسعى إلى منع اللقاء على مستوى الشعوب من جهة، وعلى مستوى الأقطار من جهة أخرى.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العربي تيارات مواقف عرب رأي تيارات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة صحافة صحافة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القومی العربی
إقرأ أيضاً:
كيف شل الاحتلال الإسرائيل الحركة التجارية جنوب لبنان؟
بيروت- لطالما شكّل الخط التجاري جنوبي لبنان -والذي يمتد من الناقورة قضاء صور مرورا بمدينة بنت جبيل ووصولا إلى مرجعيون في البقاع اللبناني- شريانا حيويا لمنطقة الحافة الأمامية، والذي توقف مع الاحتلال الإسرائيلي للجنوب بدءا من عام 1982، لكن بعد التحرير عام 2000 عاد الخط التجاري الجنوبي إلى نشاطه من جديد.
وأكسب الخط الحيوي البلدات التي يمر بها ميزة فريدة، حيث انتعشت الحياة الاقتصادية وأنشئت فيها عشرات المؤسسات التجارية والصناعية، وأصبح خط الحافة الأمامية منطقة مزدهرة.
لكن حرب إسرائيل الأخيرة على لبنان -والتي اندلعت في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023- أطاحت بهذا الخط الذي يسيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي حاليا عليه في نقاط أساسية عدة، في بلدات راميا وحولا ومركبا وكفر كلا، مما أدى إلى تقطّع أوصاله، الأمر الذي انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي في منطقة الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة.
أهمية إستراتيجيةيقول رئيس بلدية بنت جبيل عفيف بزّي للجزيرة نت إن مدينة بنت جبيل تعد مركزا تجاريا مهما، وهي تعتمد على الخط التجاري الذي يبدأ من بلدة الناقورة القريبة من مدينة صور التي تتميز بمرفئها التجاري حيث تأتي عبره البضائع إلى المنطقة، ويصل هذا الخط إلى البقاع باتجاه سوريا حيث تأتي الخضروات والمواشي من هناك إلى الجنوب.
إعلانويشير بزّي إلى أن هذا الخط تاريخيا كان يسلكه التجار والمزارعون من كل منطقة الجنوب اللبناني ليشاركوا في سوق الخميس الشعبي الذي يقام أسبوعيا في مدينة بنت جبيل، حيث يعرضون بضائعهم في السوق أمام الزبائن.
وأشار إلى أن قطع هذا الخط من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي في نقاط عدة -ومنها في راميا- يعني قطع الشريان الحيوي لبنت جبيل وقرى الشريط الحدودي، مما يسبب أعباء كبيرة على أصحاب المؤسسات في المدينة، وكذلك سيحرمهم من زبائنهم من منطقتي صور والنبطية.
تدمير المؤسساتميس الجبل بلدة أخرى ازدهرت بعد التحرير عام 2000 بفعل هذا الخط التجاري، وهي المشهورة بصناعة السجاد والمفروشات والأدوات المنزلية، فبعد التحرير عاد أبناؤها إليها مع مؤسساتهم التي كانت خارج البلدة، وأنشئت على طول طريقها العام أكثر من 175 مؤسسة تجارية، وأصبح سوقها مقصدا لكل اللبنانيين من شمال لبنان وحتى جنوبه.
ويقول رئيس بلديتها عبد المنعم شقير للجزيرة نت إن هذا الخط التجاري المميز الذي كان ممتدا من الناقورة وحتى العرقوب وكذلك إلى سوريا أنعش القرى الجنوبية، حيث انتشرت المؤسسات التجارية والصناعية على امتداده، ولم يقتصر التصنيع لرفد السوق المحلي، بل تعداه إلى التصدير للخارج أيضا.
ويلفت شقير إلى أن قطع هذا الخط في نقاط عدة أدى إلى شله كليا، حيث توقفت الحركة التجارية وبات من الصعوبة الوصول إلى ميس الجبل بسبب السيطرة الإسرائيلية على بعض النقاط، وبسبب الخروقات الإسرائيلية المتكررة التي توتر الأجواء.
ليس فقط انقطاع الطريق هو العائق أمام عودة الحياة التجارية إلى قرى الشريط الحدودي، بل تدمير هذه المؤسسات وجرفها بشكل متعمد من قبل الاحتلال أدى هو الآخر إلى خسارة معظم هذه القرى، في حين قام العشرات من أصحاب هذه المؤسسات بنقلها نهائيا إلى خارج المنطقة.
شهادات حيةيملك حسن قبلان مقهى في ميس الجبل، ووسط الدمار والركام أصر على إعادة افتتاحه.
إعلانويقول قبلان للجزيرة نت إن هذا الخط التجاري المميز كان يضج بالحياة على مدار الساعة، وكان الزبائن يقصدونه من كل الجنوب اللبناني، لكن الوضع الراهن تغير كليا لأسباب عدة:
وجود الاحتلال الإسرائيلي في منطقة مركبا ومحيطها، مما أدى إلى قطع الطريق تماما. العائلات التي سلمت منازلها من التدمير لم ترجع إلى المنطقة لحين انتهاء العام الدراسي. أما السبب الأخير -بحسب قبلان- فهو ضعف الإمكانيات المادية للعائلات المتضررة أو المدمرة بيوتها، في ظل تأخر انطلاق مشروع إعادة الإعمار.وتأثرت بلدة عيترون (قضاء بنت جبيل) بالواقع الجديد، ويشير خليل محمد -الذي يملك مقهى على طريق عام البلدة- إلى الخط التجاري في منطقة عيترون كان نشطا للغاية قبل الحرب، قبل أن تتراجع الحركة الاقتصادية بشكل ملحوظ بعد هذه الحرب.
وتوقع محمد في حديثه للجزيرة نت أن يعود الوضع أفضل، قائلا "ما دمره العدو سيبنى من جديد بفضل تضحيات الشهداء وصمود سكان القرى الحدودية في جنوب لبنان".
حرب مستمرةبدوره، يقول الخبير والباحث الاقتصادي عماد فران في حديث للجزيرة نت إن آثار الحرب الأخيرة كانت مدمرة على البنية التحتية وعلى المؤسسات الخاصة والعامة في المناطق الحدودية.
ويضيف فران أن الحرب أثرت مباشرة على السكان أنفسهم، حيث حدثت حركة تهجير واسعة، وأصبحت المنطقة الحدودية شبه خالية.
أبعاد توسعية للاحتلالمن جهته، يقول عضو البرلمان اللبناني النائب قاسم هاشم إن هدف الاحتلال الإسرائيلي من البقاء في نقاط عدة على طول الخط الحدودي له أبعاد توسعية، ويهدف من خلاله إلى إحكام السيطرة والمراقبة على قرى وبلدات الجنوب اللبناني.
ويضيف هاشم في تصريح للجزيرة نت أن الاحتلال يريد أن يقطّع أوصال البلدات الجنوبية ويمنع الحياة فيها، وهذا ما انعكس سلبا على الحركة التجارية والاقتصادية في القرى الجنوبية.
إعلانويؤكد هاشم أن ما قام به الاحتلال إضافة إلى الخروقات المتكررة انتهاك صارخ لاتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدا أنه يجب على الدول الراعية للاتفاق أن تُلزم إسرائيل بضرورة الانسحاب الفوري من هذه النقاط المحتلة داخل الأراضي اللبنانية.
ويضيف "إن لم تنسحب إسرائيل بالطرق الدبلوماسية فلبنان لديه ورقة المقاومة، وهي ورقة قوية ورابحة، والتجارب مع الاحتلال أثبتت أنه لا ينصاع للدبلوماسية، لأنه يتنصل من الاتفاقات ويضرب المواثيق الدولية عرض الحائط، ولذلك لا ينصاع إلا للغة القوة".