مراقبون وسياسيون لـ” الثورة “: التغيير الجذري .. ثورة حقيقية لإصلاح الهيكل الإداري للدولة
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
أوضح مراقبون وسياسيون أن إعلان قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- في خطابه بمناسبة المولد النبوي يوم الثاني عشر من ربيع الأول 1445هـ المرحلة الأولى من التغيير الجذري بتشكيل حكومة كفاءات مبنية على الشراكة الوطنية، وإنهاء حالة التضخّم والترهّل هو الشروع نحو مرحلة جديدة من البناء في مؤسسات الدولة، وإصلاح منظومة القضاء وتصحيح الاختلالات بعد قرابة عام من تقييم شامل نفّذته لجان متخصصة، لمعرفة التحديات ومواطن الاختلالات وأسبابها، ومكامن الضعف في الجهاز الإداري للدولة وقدّمت توصيات للمعالجة.
الثورة / استطلاع / أسماء البزاز
البداية مع محمد حسن زيد – مستشار وزير العدل حيث يقول: إن التغيير الجذري هو نتيجة لا بد منها لأي ثورة وهو ثمرة الانتصار في أي حرب وهو هدف أي فكر يرفع شعار تغيير الواقع المزري.
وقال: إن إعلان السيد القائد عن التغيير الجذري كان مُهما من الناحية السياسية كما أنه يعد إيذانا بمرحلة جديدة في الحراك الوطني، استبشر بها الشعبُ واستنفر منها أعداؤه.
وأضاف زيد: ومن السياق الذي خرج فيه الإعلانُ عن تغيير جذري بعد مفاوضات سلام متقدمة مع التحالف، وبعد عرض عسكري تاريخي مهيب، وحشد ميلوني كبير لإحياء المولد النبي فَوّضَ القائدَ، كان سياقا موفقا جدا بفضل الله.
وضع السياسات :
المحلل السياسي الدكتور يحيى أحمد جحاف يقول من جهته : في مرحلة تحوّل جديدة، أعلن قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- في خطابه بمناسبة المولد النبوي يوم الثاني عشر من ربيع الأول 1445هـ، المرحلة الأولى من التغيير الجذري بتشكيل حكومة كفاءات مبنية على الشراكة الوطنية، وإنهاء حالة التضخّم والترهّل في مؤسسات الدولة، وإصلاح منظومة القضاء وتصحيح الاختلالات.
مبينا أن الإعلان جاء بعد قرابة عام من تقييم شامل نفّذته لجان متخصصة، لمعرفة التحديات ومواطن الاختلالات وأسبابها، ومكامن الضعف في الجهاز الإداري للدولة وقدّمت توصيات للمعالجة.
وقال جحاف : يشمل التغيير الجذري في مرحلته الأولى -بحسب ما أعلنه قائد الثورة -تشكيل حكومة كفاءات تجسّد الشراكة الوطنية (تكنوقراط)، وتحديث الهيكل المتضخم وتصحيح السياسات، وتغيير الآليات والإجراءات وأساليب العمل المعيقة والعقيمة، إضافة إلى العمل على تصحيح وضع القضاء ومعالجة اختلالاته وفتح مسار فعّال لإنجاز القضايا العالقة.
وتابع : كما أن التغيير يستند إلى 4 مبادئ أساسية، هي: الشراكة الوطنية والشورى، والوحدة، وتحمّل المسؤولية وفقاً لتكامل الأدوار، في الحكومة والقضاء.
مضيفا: لم يعلن بعد من سيرأس الحكومة الجديدة، وكم عدد الحقائب التي ستتشكّل منها، لكن من المتوقّع أن تكون حكومة مصغّرة، مبنية على الشراكة الوطنية في تحمّل المسؤولية بعيداً عن الترضيات والمحسوبيات، ويجري العمل فيها على تقليص التضخّم الحاصل، بدمج بعض الوزارات، وإلغاء بعض المؤسسات والتفريعات، بما يساعد في ترشيد الإيرادات المتواضعة جداً، وتسخيرها بما يصبّ في خدمة الوطن والمواطن.
ويرى جحاف أنه إزاء هذا الإعلان تباينت المواقف، ففيما حظي بتأييد شعبي وحزبي واسع، وشكّل بارقة أمل للكتلة السكانية الأكبر في أكثر من 15 محافظة يمنية، فإن طابور العدوان لم يخفِ انزعاجه من الخطوة رغم أن ملامحها لم تتشكّل بعد.
ومن ناحية التوقيت بيّن جحاف أنه جاء إعلان المرحلة الأولى من التغيير الجذري أو ما يصفه البعض بثورة الإصلاح للهيكل الإداري للدولة، في الذكرى التاسعة لثورة 21 سبتمبر، بعد قرابة أسبوع فقط من عرض عسكري هو الأضخم في تاريخ اليمن، تم الكشف فيه عن أسلحة كاسرة للتوازن في ظل ظروف استثنائية صعبة، وهو ما يعطي أملاً بأنّ من وصل إلى هذا النجاح المبهر عسكرياً قادرٌ على تحقيق نجاح مبهر أيضاً في بناء الدولة وتصحيح واقعها، ومعالجة اختلالاتها الإدارية، وعلى أن يقدّم رسالة واضحة بأن اليمنيين رغم كلّ ما نالهم ماضون في مسار تصحيح وبناء الدولة القوية، واليمن الجمهوري الجديد، يمنٌ سيّد في شبه الجزيرة العربية، وليس تابعاً لأي دولة إقليمية أو دولية.
ويرى أن هذا الإعلان هو بمثابة نقطة تحوّل إدارية تضاف إلى سلسلة التحوّلات السياسية والعسكرية التي حقّقتها الثورة، يزيد من فرص نجاحها الدعم الشعبي الكبير، وإن كان لا يزال هناك كثير من التحديات، أبرزها العدوان والحصار وما فرضه من واقع معيشي واقتصادي صعب، يحاول الخصوم استغلاله بتثوير المواطنين على أنصار الله تحديداً، فكان الردّ بأن خرج أكبر حشد مليوني في تاريخ اليمن، ليعلن تفويض قيادة الثورة وتأييد خياراتها فيما يشبه الاستفتاء الشعبي.
المرحلة الأولى:
جمال فضل صايل الردفاني- عضو مجلس الشورى قال: إن التغيير الجذري الذي أعلن قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي عن المرحلة الأولى من مسار التغيير الجذري في ذكرى المولد النبوي الشريف، هو مطلب شعبي للتغيير في أداء مؤسسات الدولة ومعالجة الاختلالات جراء المبالغة في المستويات التنظيمية والإشراقية والتشتت في عدد الجهات المعنية بتقديم الخدمات.
وقال الردفاني: إنه ولإحداث التغيير إلى الأفضل يجب الالتزام بالدستور والقانون كما يلي:
– يجب تشكيل الحكومة وفقا لأحكام الدستور والقوانين النافذة واختيار الوزراء بمعايير الكفاءة والخبرة والشراكة الحقيقية وإعادة تشكيل اللجان العليا التي تقوم برسم السياسات العامة (اقتصادية -زراعية) من ذوي الخبرة والتخصص والكفاءة وبكل مهنية ودقة.
– إعطاء الحكومة الجديدة كل مهامها واختصاصاتها وفقا للدستور والقوانين النافذة دون تدخل من أي جهة ومستويات قيادية في أعمالها إلا في حدود المخول لها دستوريا وقانونيا وتحاسب على كل تجاوز لضوابط الدستور والقانون.
مخططات استعمارية :
أما زينب إبراهيم الديلمي- كاتبة وناشطة إعلاميّة فتحدثت قائلة : في استراتيجيّةٍ هي الأكثر انتظاراً منذ عقودٍ خلت من الفساد المؤسسي للدولة اليمنيّة، وضع السيّد القائد -يحفظه الله- أُسس تلك الاستراتيجيّة التي لاقت ابتهاجاً شعبياً وحظيت بمكارم التفويض المُطلق للقائد العَلَم من قبل أبناء شعبنا، مُعتبرين ذلك قفزة نوعيّة في تحقيق أهم أهداف ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المجيدة وأحد آمال الشعب اليمني في بناء يمنٍ لا يلج فيه الفساد ولا يُلطّخه الذين لا يمتلكون الكفاءة في تحمّل مسؤولياتهم.
وأضافت: ومن هذا المنطلق المهم، كان ولازال السيّد القائد -يحفظه الله- يفتح نافذة الأمل للشعب اليمني في معالجة اختلالات مؤسسات الدولة عبر التغيير الجذري وإصلاح ما أفسدته الأنظمة العميلة السّابقة.
مبينة أن التغيير الجذري يعتمد أولاً وأخيراً على الهُويّة الإيمانيّة التي هي أساس بناء الدولة الإسلاميّة الصّائبة وكذا النّبذ والشّطب الكلي لكل أشكال المناطقيّة والحزبيّة والعنصريّة المُقيتة من فهرس التغيير الجذري.
وتابعت الديلمي : وعلى الرغم من أنّ هذا الأمر المنتظر طويلاً سيزعج تحالف العدوان ومعه المرتزقة ومن يسير في ركابهم وسيقدمون على محاربته بكل قواهم، لكنّ لا يعني أننا سنقف مكتوفي الأيدي وننسى ما كنا نصبو إليه، بل سنشد على زناد المواجهة لكل مخططاتهم الشيطانيّة، معتمدين على الله عز وجل ومُفوّضين القائد الأغر في ما يرسمه لمستقبل اليمن المنشود.
الوقت حان:
من جهته يقول نايف حيدان- عضو الحزب الاشتراكي: ان الشعب اليمني الأبي الحر خرج في مختلف الساحات محتفلا بمولد الهدى ومنتظرا لخطاب هو في لهفة لسماعه عن كيفية التغيير الجذري الذي وعد به قائد الثورة، فكان هذا الحضور وهذه المشاركة التي تعتبر الأولى من نوعها على مستوى العالم الإسلامي وليس على مستوى اليمن فقط كتفويض شعبي ورضا جماهيري بهذا التوجه وبما وعد وقال به قائد الثورة السيد / عبدالملك الحوثي .
وتابع حيدان : السيد فاجأ الجماهير وهي محتشدة بإقالة الحكومة وإصلاح وضع القضاء كخطوة أولى تمثل مرحلة أولى أيضا في طريق التغيير الجذري، وذكر الشعب بأن هذا التغيير كان يفترض أن يحدث بعد انطلاق شرارة الثورة مباشرة إلا أن الظروف التي لحقت قيام الثورة كانت عائقاً أمام هذا التغيير وحان وقته اليوم .
وتابع حيدان : كل الأحرار والشرفاء والمخلصين في هذا الوطن المكلوم والمظلوم بترسبات إرث ماضٍ ثقيل، على عكس الهوامير والفيلة الفاسدين والمخترقين لثورتنا الأبية، ظلوا صابرين ومنتظرين لهذه اللحظة المهمة والفاصلة في حياة الشعب اليمني .
وأضاف : لقد أشعل الشعب اليمني ثورات متعددة ومتلاحقة على أمل الخلاص من وضع بائس ومزرٍ لينتقل لوضع أفضل يضمن فيه مستقبله ومستقبل أجيال لاحقة، إلا أنه كان يصطدم بمؤامرات تغير وتحرف سير الثورات وتفرغها من مضمونها بتدخلات ودعم خارجي يسيطر على القرار اليمني ويتحكم بسياسة البلد في كل مفاصل الدولة ليحول هذه الثورات لسوط وسياسات تقصم ظهر المواطن، ليصل المواطن لحالة يأس من التغيير ومن التفكير حتى بأي ثورة أو سعي بأي طريقة للتغيير .
وقال : إنه وبعد هذا الصبر الطويل والمؤلم والموجع لاحت اليوم تباشير الخير وتجدد التفاؤل في هذه النقلة النوعية التي أعلن عنها قائد الثورة حامل شعلة التغيير بعد انتظار طويل، كان هذا الانتظار إلزامياً وخارجاً عن الحسابات السياسية والإرادة السياسية أيضا.
ويرى حيدان أن هذا التوجه الذي تأجل لأسباب وضحها قائد الثورة والمتمثلة في التفرغ وبذل كل وجل الجهد في مواجهة العدوان، أصبح اليوم ظاهراً ويرى النور وبات تطبيقه على أرض الواقع كحقيقة أكيدة سندا ودافعا لمواصلة تحقيق أهداف ثورة ٢١ سبتمبر المؤجلة والتي لاقت تآمراً كبيراً داخلياً وخارجياً وصل لمراحل لم تكن تعلم تلك الدول المتآمرة أن شن الحرب على اليمن سيشكل دافعاً كبيراً لمواصلة السير والعزم على تحقيق الأهداف التي يتطلع لها الشعب اليمني بثقته الكبيرة بالقيادة الثورية والسياسية في أن هذه الثورة لن تكون كسابقاتها من الثورات ولن يحقق الأعداء مبتغاهم ومرادهم.
وتابع: إنه وبظهور قائد الثورة السيد / عبدالملك الحوثي معلنا عن المرحلة الأولى من خطوات ومراحل التغيير الجذري في مناسبة عظيمة ومهمة لكل الشعوب الإسلامية لها دلالاتها ورسائلها المهمة، فالرسالة المحمدية التي نقلت وحررت الإنسان من الظلمات إلى النور، مثلما لاقت صداً وحرباً ومؤامرات كبيرة لاقت ثورتنا مثلها وبالأخير انتصرت هذه الرسالة ليعم الإسلام معظم بقاع الأرض.
تفويض الملايين :
محمد الرضي – عضو مجلس الشورى قال: إن التغيير الجذري يأتي لتمهيد الطريق لرؤية اقتصادية شاملة تؤدي إلى نهضة اقتصادية توازي النهضة العسكرية التي وصلت اليها اليمن بفضل الله ثم بفضل ثورة الـ 21 من سبتمبر المجيدة التي كانت ناجحة بكل المقاييس لولا تدخل العدوان الذي عمل على إيقاف مخرجاتها لمدة ثمان سنين، كما تسبب وعمل على إيقاف خطط واستراتيجيات التصحيح التي كانت اهم أهدافها، فنقل البنك وسيطر على الثروات السيادية والموانئ والمطارات وكل هذا كان لعرقلة أي إصلاحات أو تقديم خدمات يلمسها المواطن.
وأضاف: ان التغيير الجذري الذي أعلن عنه السيد القائد -حفظه الله- هو مفهوم عام يشمل ربما تغييراً في القوانين والأنظمة والخطط ووضع رؤية اقتصادية شاملة مقرونة بفترة زمنية لتنفيذها، أي تغيير عام للأفضل، لأن البعض فهم أن التغيير الجذري فقط مجرد تعيينات وتغييرات في الحكومة والمحافظات، بل التغيير الجذري في فعاليته مثل الخيارات الاستراتيجية التي انتزعت انتصار شعبنا بجدارة وخلقت معادلات الردع وانتقلت بقواتنا من وضعية الدفاع إلى الهجوم.
وقال الرضي : إن الثوابت التي اعلنها قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظة الله- هي ثوابت ومبادئ وطنية وقرآنية وأخلاقية يجمع حولها كل اليمنيين ولا اعتقد أن هناك من سيقف أمام التغيير الجذري وإصلاح المؤسسات، لأن كل هذه المساعي لصالح المواطن والبلد.
وتابع: كما أن التغيير الجذري ضرورة حتمية: من أهم أهدافه إعادة ثقة المواطن بالدولة، فجميعنا منذ عقود كنا نشكو سوء التعامل والإجراءات في كل المؤسسات التي كنا نذهب إليها ولذلك جميعنا كمواطنيين يجب ان نقف إلى جانب القيادة مع التغيير الجذري، لأن ذلك في صالحنا، وبما انه ضرورة فهو يحتاج إلى تحرك الجميع ودعم من الجميع ومشاركة من الجميع، لأنه مطلب شعبي في الأساس.
وقال : إن أي إصلاحات يجب ان تبدأ من عند انفسنا نغير ما فيها ليغير الله حالنا، فالرقابة الإلهية هي اهم ما يجب ان نستشعر به في أعمالنا وفي توجهنا نحو إصلاح الدولة ومساندة التغييرات الجذرية بكل عزم للوصول إلى ما ننشده كمواطنين ومسؤولين.
وأوضح أن التشويش على هذا التحرك نحو التغيير الجذري يأتي من قبل الخارج وأدواته، من تحركوا سابقا لإفشال أهداف ثورة الـ 21من سبتمبر منذ فجر ميلادها، وشعبنا مصمم على أن يمضي نحو التغيير الجذري الذي أعلنه قائد الثورة وتم تفويضه من قبل الملايين في كل الساحات.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
عمر سيد أحمد
[email protected]
مايو 2025
من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد النهب
في السودان، لم يُولد اقتصاد الظل من فراغ، ولم ينشأ على هامش الدولة، بل تكوَّن داخل قلب السلطة، وتحوَّل إلى أداة محورية في يد منظومة مسلحة — تضم الجيش، وجهاز الأمن والمخابرات، والمليشيات — تحالفت لعقود مع منظومات الإسلام السياسي لتثبيت السيطرة على الدولة والمجتمع. ومع تفجّر الثورة، ثم اندلاع الحرب، تكشّف الوجه الحقيقي لهذا الاقتصاد: ليس فقط مصدرًا للثراء غير المشروع، بل وقودًا للحرب، ومنصة لتشويه الوعي، ودرعًا يحمي شبكات السلطة من الانهيار.
اقتصاد بلا دولة… بل ضد الدولة
اقتصاد الظل في السودان لم يعد مجرد أنشطة غير رسمية كما في التعريف التقليدي، بل أصبح منظومة مهيكلة تعمل خارج إطار الدولة، تموّل وتُهرّب وتُصدر وتُجيّش بلا أي رقابة أو مساءلة. يتجلّى هذا الاقتصاد في تهريب الذهب من مناطق النزاع عبر مسارات محمية بالسلاح وعبر الحدود في كلزالاتجاهات وعبر المنفذ المحمي بالنافذين ، وتجارة العملة التي تغذي السوق الموازي بعيدًا عن النظام المصرفي، إلى جانب شبكة من الأنشطة التجارية الخارجية التي تدار لصالح قلة مرتبطة بأجهزة أمنية وشركات استيراد الوقود لطفيلي النظام السابق محمية من السلطة ، وتحويلات مالية غير رسمية تُستخدم في تمويل اقتصاد الحرب.
تشير التقديرات إلى أن ما بين 50% إلى 80% من إنتاج الذهب في السودان يُهرّب خارج القنوات الرسمية. وتُقدّر خسائر السودان من تهريب الذهب خلال العقد الماضي بما لا يقل عن 23 مليار دولار في حدها الأدنى، وقد تصل إلى 36.8 مليار دولار . هذه الأرقام تُظهر حجم الكارثة الاقتصادية التي يمثّلها اقتصاد الظل، ومدى تحوّل الذهب من مورد وطني إلى مصدر تمويل خفي للحرب والنهب.
من العقوبات الاقتصادية إلى السيطرة: نشأة التحالف الخفي
خلال سنوات العقوبات الأميركية، نشأت شبكات بديلة لحركة المال والتجارة، قادها رجال أعمال ومؤسسات أمنية مرتبطة بالنظام. وبدل أن تواجه الدولة الأزمة ببناء بدائل وطنية، فُتحت السوق أمام فئة طفيلية نمت في الظل، وتحوّلت إلى ذراع اقتصادية للسلطة. وحتى بعد رفع العقوبات عام 2020، لم يُفكك هذا الهيكل، بل تعمّق. ومع انقلاب 25 أكتوبر، استعادت هذه الشبكات سيطرتها الكاملة على الأسواق والموارد، لتبدأ مرحلة جديدة: تحويل اقتصاد الظل إلى مصدر تمويل مباشر للحرب.
اقتصاد الريع: الأساس البنيوي لاقتصاد الظل
من أبرز الأسباب البنيوية التي مهدت لتضخم اقتصاد الظل في السودان هي هيمنة اقتصاد الريع، الذي مثّل النمط الغالب منذ الاستقلال. فقد اعتمد السودان تاريخيًا على تصدير المواد الخام دون أي قيمة تصنيعية مضافة، بدءًا من القطن والحبوب الزيتية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مرورًا بالبترول في العقد الأول من الألفية، وانتهاءً بعصر الذهب بعد انفصال الجنوب عام 2011. هذا النمط الريعي جعل الاقتصاد السوداني مرتهنًا للأسواق الخارجية، ومفتقرًا لقاعدة إنتاجية وطنية مستقلة.
في ظل أنظمة شمولية وفساد مؤسسي، لم تُستثمر عائدات هذه الموارد في تنمية مستدامة، بل أعيد توزيعها عبر شبكات محسوبية وزبونية لصالح نخب الحكم والأجهزة الأمنية. وبدل أن يكون اقتصاد الريع رافعة للتنمية، تحوّل إلى بيئة حاضنة لاقتصاد الظل. والمفارقة أن هذا الاقتصاد لم ينشأ في الهوامش كما قد يُظن، بل نشأ وترعرع في المركز، داخل مؤسسات الدولة نفسها، وبتواطؤ من النخبة الحاكمة، التي استخدمته أداة للتمويل غير الرسمي، ولتثبيت سلطتها السياسية والعسكرية.وهكذا، اندمج الريع مع الفساد والعسكرة، وخلق منظومة اقتصادية موازية، لا تقوم على الإنتاج بل على النهب، ولا تخضع للقانون بل تتحصن خلفه..
تجارة السلاح والمخدرات: الوجه المحرّم لاقتصاد الظل
من أخطر أوجه اقتصاد الظل، تورّط المنظومة المسيطرة في تجارة السلاح والمخدرات. فقد انتشرت تقارير موثقة عبر وسائط الإعلام ومنصات التواصل خلال عهد الإنقاذ، حول “كونتينرات المخدرات” التي وصلت البلاد أو عبرت نحو دول الجوار، تحت حماية أو تواطؤ من جهات أمنية. هذه التجارة، وإن ظلت في الظل، شكّلت مصدر تمويل خفي مكمل للحرب، ومنصة لتجنيد المليشيات، ومجالًا لتبييض الأموال وتوسيع سيطرة مراكز النفوذ.
معركة الوعي المُموّلة: الإعلام كسلاح في الحرب ضد المدنية
لا يقتصر دور اقتصاد الظل على تمويل السلاح فقط، بل يُغذي معركة أخرى لا تقل خطورة: معركة السيطرة على الوعي. تُدار هذه الحملة الإعلامية من غرف خارج السودان، في عواصم مثل القاهرة، إسطنبول، دبي، والدوحة، بإشراف إعلاميين من بقايا نظام الإنقاذ وشبكات أمنية وإيديولوجية. وتنتج هذه الغرف محتوى ممولًا على وسائل التواصل الاجتماعي يبرر الحرب، ويشوّه قوى الثورة، ويُجيّش الرأي العام ضد التحول المدني، ويروّج لاستمرار الحرب التي شرّدت الملايين، وقتلت الآلاف، ودمّرت البلاد.
الهدف لا يقتصر على قمع الثورة المسلحة، بل يمتد إلى اغتيال فكرة الدولة المدنية ذاتها. تُصوَّر الديمقراطية كتهديد للاستقرار، وتُقدَّم السلطة العسكرية كخيار وحيد لضمان وحدة البلاد، في تجسيد صريح لعسكرة الدولة والمجتمع.
تفكيك المنظومة: ليس إصلاحًا إداريًا بل صراع طويل
لا يمكن الحديث عن تفكيك اقتصاد الظل في السودان بوصفه مجرّد قرار إداري أو إجراء قانوني، خاصة في ظل حرب مفتوحة، وانهيار مؤسسات الدولة، وسيطرة المنظومة المسلحة على مفاصل الاقتصاد. فهذه المنظومة لا تُفكَّك من خلال الانتصار الحاسم، بل من لحظة تآكل السيطرة المطلقة، حين تبدأ الشروخ في البنية الأمنية والاقتصادية للنظام القائم.
ورغم عسكرة الحياة اليومية، لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى شلل في الفعل المدني أو استسلام لقوى الأمر الواقع. المطلوب هو العمل من داخل الحرب، لا على هامشها، لصياغة مشروع تحوّل واقعي وجذري. ويبدأ ذلك بخلق وعي جماهيري جديد، يفضح الترابط البنيوي بين السلاح والثروة، ويضع اقتصاد الظل في موضع المساءلة الشعبية والدولية.
يتطلب هذا المسار مراقبة دقيقة للسوق الموازي وتحليل آلياته، تمهيدًا لبلورة سياسات اقتصادية وتشريعات عادلة تعيد تنظيم السوق وتكسر احتكار شبكات التهريب. كما أن توثيق جرائم التهريب، وتجارة المخدرات، ونهب الذهب، لا بد أن يتحول إلى ملفات قانونية وإعلامية قابلة للمساءلة، لا مجرد روايات متداولة.
إلى جانب ذلك، يبرز دور الإعلام البديل والمجتمعي كجبهة مقاومة مستقلة، تتصدى لخطاب التضليل الذي يُنتج خارج البلاد، وتواجه الرواية الرسمية التي تبرر الحرب وتشيطن التحول المدني. هذه المواجهة الإعلامية ليست ترفًا، بل ضرورة لبناء رأي عام مقاوم ومتماسك.
وأخيرًا، فإن أي محاولة للتغيير لا تكتمل دون بناء شبكات وتحالفات مدنية، تطرح مشروعًا وطنيًا بديلًا يعيد تعريف الدولة، ويفكك الارتباط بين السلطة والثروة، وينقل الاقتصاد من يد المليشيات إلى يد المجتمع. هذا الطريق ليس خطة جاهزة، بل جبهة مفتوحة، تتطلب العمل اليومي، والمبادرة من داخل الشروخ التي فتحتها الحرب، لا انتظار نهايتها.
العمل وسط الحرب: لا وقت للانتظار
ورغم عسكرة الحياة واشتداد المعارك، لا ينبغي أن يكون الواقع ذريعة للتوقف عن الفعل أو الاستسلام للأمر الواقع. بل العكس هو الصحيح؛ المطلوب اليوم هو العمل من داخل الحرب، ومن بين شقوقها، لبناء بدايات جديدة تُمهّد لمسار تحوّل مدني حقيقي. فالتغيير في سياق مثل السودان لا يُنتظر حتى لحظة النصر، بل يُصنع من داخل المعركة، بخطوات واقعية ومدروسة، تستند إلى الفعل الجماهيري والإرادة الجمعية.
أدوات التغيير: من الوعي إلى التنظيم
هذا المسار يتطلب بناء أدوات جديدة، وخلق وعي جماهيري ناقد، يدرك أن المعركة ليست فقط عسكرية أو سياسية، بل أيضًا اقتصادية وثقافية. ويبدأ ذلك بكشف البنية الاقتصادية للمنظومة المسلحة، وفضح العلاقة البنيوية بين السلاح والثروة، بما يتيح خلق ضغط داخلي وخارجي على مراكز النفوذ. كما ينبغي رصد نشاط السوق الموازي وتحليل آلياته، لتجهيزه للمواجهة لاحقًا بسياسات اقتصادية وتشريعات عادلة تفكك احتكارات الظل وتستعيد الاقتصاد لحضن المجتمع.
في الوقت ذاته، يُعد توثيق جرائم التهريب، وتجارة المخدرات، ونهب الذهب، ضرورة لبناء ملفات قانونية وإعلامية يُمكن الرجوع إليها في لحظة المساءلة. وعلى الجانب الإعلامي، لا بد من دعم إعلام بديل، مستقل ومجتمعي، يواجه سرديات التضليل التي تُدار من غرف إعلامية في الخارج، ويقدم خطابًا مقاومًا ينبني على سردية الثورة، لا على خطاب الحرب.
وبالتوازي مع ذلك، يجب العمل على بناء تحالفات مدنية مرنة وواقعية، تطرح مشروعًا سياسيًا واقتصاديًا بديلاً، يعيد تعريف علاقة الدولة بالمجتمع والموارد، ويفكك ارتباط السلطة بالنهب والاحتكار.
جبهة مفتوحة: بداية لا نهاية
إن ما نواجهه اليوم ليس مجرد أزمة سياسية عابرة، بل لحظة تاريخية تتطلب إعادة صياغة المشروع الوطني من جذوره. وهذه ليست خطة جاهزة بقدر ما هي جبهة مفتوحة للتغيير التدريجي، تُصاغ من داخل لحظة الانهيار، لا من خارجها. فالتحدي الحقيقي لا يكمن في انتظار نهاية الحرب، بل في استثمار التصدعات التي خلقتها، وتحويلها إلى مسارات للمقاومة المدنية، وبدايات جديدة تُبنى فيها دولة ديمقراطية مدنية، عادلة ومنقذة، تعبّر عن طموحات الناس لا عن مصالح النخب المتغولة.
المصادر
1. Global Witness (2019). ‘The Ones Left Behind: Sudan’s Secret Gold Empire.’
2. International Crisis Group (2022). ‘The Militarization of Sudan’s Economy.’
3. Human Rights Watch (2020). ‘Entrenched Impunity: Gold Mining and the Darfur Conflict.’
4. United Nations Panel of Experts on the Sudan (2020–2023). Reports to the Security Council.
5. BBC Arabic & Al Jazeera Investigations (2021–2023). Coverage of Sudan’s illicit trade and media operations.
6. Radio Dabanga (2015–2023). Reports on drug trafficking and corruption during Al-Ingaz regime.
7. Sudan Tribune (2020). ‘Forex crisis and informal currency trading in Sudan.’
الوسوماقتصاد الظل السودان تحالفات الخفاء تمويل الحرب عمر سيد أحمد