إن الحديد من نعم الله تعالى التي سخرها لخدمة الإنسان، وهي نعمة عظيمة وآية بديعة من الآيات الكونية التي حملت كثيراً من المنافع للبشرية عبر تاريخها الطويل، ولأهمية هذا العنصر الذي خلقه الله تعالى نجد أن سورة من سور القرآن سميت باسمه، سورة الحديد، وهي السورة الوحيدة التي تحمل اسم عنصر من جميع العناصر المعروفة للبشر، وهي السورة التي جاء فيها ذكر الحديد في سياق تذكير الله تعالى بفضله ونعمه على الناس، فذكر إنزال الحديد من السماء، وما فيه من المنافع والبأس الشديد، قال تعالى:  ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحديد: 25].

ولم يمتنّ الله بنعمة الحديد على عموم عباده فقط، بل امتنّ بها على خاصتهم من الأنبياء والمرسلين، وخصّ بذلك الامتنان ما أنعمه على داوود عليه السلام، فقال تعالى: قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾:

أي: لقد أعطينا داوود فضلاً عظيماً ونعماً جليلة، لم يعطها لكثير من الأنبياء، وهي فضل النبوة، وفضل الملك، وفضل العناية بإصلاح الأمة؛ وفضل القضاء بالعدل، وفضل الشجاعة في الحرب، وفضل سعة النعمة عليه، وفضل إغنائه عن الناس بما ألهمه من صنع الدروع الحديد، وفضل إيتائه الزبور، وإيتائه حسن الصوت وطول العمر، والعلم النافع، والعمل الصالح، والنعم الدينية والدنيوية، وغير ذلك.

ومن جملة ما امتنّ الله به على عبده داوود عليه السلام هو قوله تعالى: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾، وإلانة الحديد في وقتنا الحاضر تتطلب صناعة معقدة وآلات ضخمة، ويداً عاملة بمهارات غالية، وقوة لتوليد الطاقة، فأمرها ليس هيّناً، أما في وقت داوود (عليه السلام) فكان الأمر أشد صعوبة؛ وكانت إلانة الحديد معجزة عظيمة بين يديه بأمر من الله تعالى، كما يفهم من الآية أنه فضل من الله على داوود، كما جاء فضله عليه من قبل، من تأويب الجبال والطير المسخرات له بأمر من الله.

وقد تحدث المفسرون أن الله جعل الحديد بين يديه كالعجين أو كالشمع يثبّته كيفما يشاء، ثم يصبح الحديد حديداً صلباً كما تعرفونه، ولا يحتاج إلى أن نحمّي الحديد حتى يصبح كالعجين، ثم يطرق بالمطارق. وهذا من قدرة الله العظيمة.

إن الله سبحانه وتعالى منح الحديد لداوود (عليه السلام) وعلّمه كيف يُلينه؛ لأن الفائدة تتحقق بوجود الخام والقدرة على تشكيله، ولا شك أن ذلك ساعد على بناء حضارة عظيمة جمعت بين المنهج الرباني، والتطور العمراني والصناعي.

إن المسلم الرباني لن تحميه بعد قدرة الله إلا يده المؤمنة التي تعرف كيف تبحث عن الحديد وتشكله، وتستخدمه من أجل حماية العقيدة والتقدم بهذا الدين، وتحقيق النصر للمؤمنين، وإقامة دولة تحكمها شريعة رب العالمين. وإن قول الله تعالى: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ فيه إشارة إلى أهمية هذا الخام، وتوظيفه في عمارة الأرض، وخدمة الإنسانية، والدفاع عن المقدسات.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: علیه السلام الله تعالى ال ح د ید

إقرأ أيضاً:

هل عرفت الله؟.. خطيب المسجد النبوي: تتجلى عظمته في هذا الكون الفسيح

قال الشيخ عبدالباري الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن السؤال الذي يتبادر في ذهن كثير من الناس هل عرفت الله تعالى ؟.

هل عرفت الله

وأوضح " الثبيتي" خلال خطبة الجمعة الثالثة من شهر جمادي الآخرة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، أن القرآن الكريم يفيض بالآيات الدالة على الله عز وجلن، فهو العظيم تتجلى عظمته في هذا الكون الفسيح.

وتابع: وفي تعاقب الليل والنهار وفي انبثاق الحياة، وانتظام الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ليشهد الخلق على أن وراء كل هذا النظام الدقيق ربًا لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، منوهًا بأن الله تعالى يدبر كل شيء بحكمة لا يضل معها شيء.

وأضاف أن الله تعالى يدبر كل شيء بحكمة لا يضل معها شيء، مشيرًا إلى التأمل في أسماء الله وصفاته فهو الرحمن القائل: (ورحمتي وسعت كل شيء)، فرحمة الله تسع العاصي والجاهل والمنكر فكيف بمن يطيعه ويحبه.

ليست في العطاء

 وأشار إلى أن الرحمة ليست في العطاء فقط بل تكون في البلاء, ففي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين رأى أمًا تضم طفلها خوفًا وشفقة قال: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها).

وأفاد بأن لطف الله يتجلى في طيات الأحداث، فيأتي بالخبر من حيث لا يحتسب ويدل على ما يصلح القلب والدنيا وهو الحفيظ الذي لا يغيب حفظه لحظة قال تعالى: (فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين).

 وأكد أنه تعالى هو القريب المجيب الذي يسمع المناجاة والقريب الذي لا يحتاج إلى وساطة لمناجاته، وفي هذا سر من أسرار القرب أن الله يحب أن يرى العبد يناجيه قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم).

الغفور الحليم

وأفاد بأنه هو الغفور الحليم الذي يفرح بتوبة عبده والحليم الذي لا يعاجل بالعقوبة قال جل من قائل: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم).

وأردف: وهو الودود الكريم الذي يغدق ولا يمن وهو الحكيم العليم الذي يدبر بحكمة لا تدركها العقول قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم)، مشيرًا إلى أن من أحب الله وعبده، دون أن يراه فقلبه يشتاق إلى لقاء الله، وتنتظره الروح ويترقبه القلب.

ووصف ما في الجنة من نعيم لا ينفد ورؤية الله رؤية واضحة، ففي الحديث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته)، موصيًا المسلمين بتقوى الله فهي أكمل زاد يصلح القلب ويهدي الخطى ويجمع للعبد خير الدنيا والآخرة.

طباعة شارك خطيب المسجد النبوي إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالباري الثبيتي خطبة الجمعة من المسجد النبوي هل عرفت الله

مقالات مشابهة

  • اعتقاد خاطئ عن آية وأما بنعمة ربك فحدث
  • ما سر قل أعوذ برب الفلق؟.. علي جمعة: تحصنك من 8 شرور مهلكة
  • ما حكم الوضوء بماء المطر وفضله؟.. الإفتاء توضح
  • خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن
  • فتاوى وأحكام| وقت قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفوائدها.. حكم اصطحاب الأطفال لصلاة الجمعة.. هل يصح ترك صلاة الجمعة بسبب البرد الشديد والمطر؟
  • هل عرفت الله؟.. خطيب المسجد النبوي: تتجلى عظمته في هذا الكون الفسيح
  • حكم ترك صلاة الجمعة بسبب البرد الشديد والمطر.. مفتي الجمهورية يوضح
  • هل تقبل صلاة الجمعة في البيت بسبب المطر الشديد؟.. الإفتاء ترد
  • خالد الجندي: قصة صبر نوح عليه السلام عبر الزمن تحمل عبرة عظيمة
  • حكم إسناد سبب نزول المطر إلى كثرة البحار والأنواء.. الإفتاء تجيب