سودانايل:
2025-06-01@11:07:36 GMT

السودان لن يعود لما قبل الحرب

تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT

الحروب تقلب الأمور رأساً على عقب، وتغير المجتمعات تغييراً جذرياّ، وتعيد صياغة المفاهيم الثقافية والاجتماعية والسياسية، وتخلق قالباً جديداً لكل ظاهرة، فحرب منتصف ابريل التي أشعلها فلول النظام البائد تعتبر الأولى، بعد الحروب الطاحنة التي خاضها السودانيون نهاية القرن التاسع عشر، فسودان ما بعد الحرب سيكون مغايراً لذلك السودان، الذي كان محكوماً بأقلية اجتماعية وأيدلوجية وثقافية وجهوية محدودة العدد والفكر، وسيصبح دولة تتواثق شعوبها على عقد اجتماعي وسياسي محكم يرعى مصالح الجميع على قدم المساواة، أو دويلات متصالحة تحكمها علاقات حسن الجوار، وفي كلا الحالين ستجني شعوبه خير الحرب التي قال عنها المولى عز وجل: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، ففساد الخرطوم الذي بلغ ذروته في عهد البشير، ألهم عدد من علماء التصوف نبوءة نهاية المدينة الباذخة بالغرق أو الحرق، فالمشاهد المقززة لجثث الأطفال حديثي الولادة المقذوفة في مكبات النفايات، المبعثرة الأحشاء، المنهوشة بأنياب الكلاب الضالة في أحياء المثلث العاصمي، كانت نذير شؤم لما نحن فيه اليوم من بؤس وشقاء ويلات الحرب، وأكل أموال الناس بالباطل والربا ولعب الميسر والزنا في نهار أيام الشهر الفضيل، وقتل النفس التي حرم الله إلّا بالحق، جميع هذه الكبائر والموبقات كانت ترتكب في أزقة وحواري هذه المدن الثلاث المشكلة للعاصمة، وما جريمة إطلاق السم القاتل داخل مجاري الصرف الصحي وإزهاق أرواح العشرات من (الشماسة)، إلّا وجه سافر من وجوه دويلة (المشروع الحضاري)، لكل هذا وذاك كان لابد من تطهير الأرض التي غطاها الظلم وتفشت فيها الخطيئة وانتشرت بين أحياءها الرذيلة، ومن مدهشات هذه المدينة (ثلاثية الأبعاد)، أن المساجد تعلوها مآذن رفيعة يصدح فيها المؤذنون لصلاة الفجر بأصوات عالية، يصحو على إثرها كل قاصد لأداء الفريضة، ومع ذلك لم يتوقف المد الفاسد والصديد المتعفن لجراح الأنفس والأجساد، جراء الخطيئة الكبرى التي ارتكبها الحاكمون والمحكومون.


الملاحظ أن هذه الحرب شملت كل أرجاء السودان عدا ولايات الشرق والشمال، ما أدى لنزوح الحكام والمحكومين إلى تلك المدن الآمنة إلى حين ختام محادثات جنيف، إذا لم يتوصل الطرفان لصيغة توقف نزيف الحرب، وحينها سينتقل لهيبها إلى جميع أرجاء القطر، للأسف، فجنيف هي الفرصة الأخيرة لإنهاء المهزلة، ولكن كما هو مسموع من تصريحات الفاسدين أنهم يسعون لجعلها حرباً مستمرة، عساهم أن يستعيدوا ملكاً لم يحافظوا عليه كالرجال بإقامة العدل، ومن بديهيات التصاريف الكونية أن الزمن لا يعود للوراء، فالأمس ولى واليوم جاء، وغداً سيكون مولود مغاير لملامح أبيه وتقاسيم وجه جده، ولمّا لم يفقه قصار النظر مدلولات هذه المؤشرات الكونية، وقعوا في فخ الحمار الذي يحمل أسفارا، فما فقهوا من تجربة حكمهم طويلة الأمد أمراً واحداً ينقذون به رقابهم من سيوف الحق، فسدروا في غيٍ وعنجهية بلهاء حتى أتاهم اليقين، وهربوا هروب الدجاجات حينما تطلق إحداهن الريح، ورأينا رئيس جهاز المخابرات الأسبق يولي الدبر هارباً فزعاً، ليحتمي بإمبراطورية سليمان القانوني، خوفاً من قصاص أولئك الضحايا الذين قضوا تحت بطش آليات التعذيب والإرهاب التي كانت بيده، إنّ هذه الحرب بمثابة غسول وطهور للأرض والإنسان الذي دنس منظومته الأخلاقية رأس جهاز المخابرات هذا ومعه (إخوانه)، المجرم الذي أشرف على تنفيذ أبشع جرائم التصفيات الجسدية بحق الشرفاء، فأذله الله وأخزاه، بأن جعله يهرب مذعوراً هروب الفأر من القط المتربص، وهو الذي كان يسخر من معارضيه بالخارج ويتحداهم بلؤم، في أن يأتوا لأرض الوطن التي نصب حول مداخلها الشراك والفخاخ، ووزّع على ترابها زبانيته الذين كانوا يملكون المال والسلاح، أين أنت الآن؟ أيها الدكتور الزراعي المهين لأستاذه الجامعي.
رسالتي إلى المغيبين المتباكين والمستفيدين من فائض فساد وفتات الإخوان المسلمين، الحالمين بالعودة لوطنهم ليجدوه كما تركوه من حال يكسوه فجور الليالي الحمراء المقامة تحت رايات الدين، أقول لهم أن حلمكم سيطول وسباتكم سيكون عظيماً وعميقاً، واعلموا أن البلاد لن تكون كما كانت في سابق عهدها البائد، وليتهيأ العائدون لوطن الجراح بوجود شركاء أصيلين في الأرض والمصير، وعليهم أن يستأصلوا من مخيلتهم نزعة العنصرية والإقصاء ومفهوم الوطن الصفوي، وفي حال أصرّوا وتمادوا بخيالهم الفسيح القاصد لإعادة صناعة ذلك الوطن المتخيل العليل، سيدفنهم القهر وذل الحاجة وضعف وهوان الحال في العواصم العربية والأوربية والشرق آسيوية – القاهرة وأنقرة وكوالالامبور والدوحة، فكل الهذيان الذي تطرق له آذاننا صباح مساء من شاعر كان مداهن للعهد الفاسد، وكوميديان اعتاش على فتات موائد الدكتاتور مقابل إضحاكه بنكات خرقاء، عبر مؤسسات درامية فاسدة منحت مسمى الكوميديا، سيذهب جفاء ويبقى ما ينفع الناس من مبتكرات الحداثة لجيل جديد، لا يؤمن بالانحطاط الفكري والفني، فالسودان لن يعود لما قبل حرب أبريل، والحالمون بتلك العودة عليهم بالجهوزية لتقبل صدمات كهربائية عالية الفولتية، يحدثها الرجال العظماء الذين وضعوا حداً لتجبر الفاسدين وهزموا كبرياء الجهويين، وأرغموا أنوف العنصريين الذين يظنون ظن السوء بأن هذه الأرض لهم وحدهم، دون أن يقدموا لها ما تستحق من وفاء الأجيال وعزم الرجال وحسم الأبطال.

إسماعيل عبد الله

ismeel1@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

للحرب وجوه كثيرة

لم تكن الحرب يوماً ما بكل آلامها ومآسيها غريبة عن البشرية، فقد صاحب انتشار الحروب في أنحاء كثيرة من العالم تطور كبير في الأسلحة المستخدمة فيها ، ونتيجة لذلك ظهرت أنواع من الأسلحة بالغة الأثر في هلاك البشرية، من تلك الأسلحة الفتاكة ؛ الأسلحة الكيميائية التي ظهرت لأول مرة في الحرب العالمية الأولى حينما أطلق الجيش الألماني غاز الكلورين على مساحة أربعة أميال مربعة وأصاب خمسة عشر ألف جندي، ثم استعمله البريطانيون بعد ستة أشهر في نفس المعارك وخلفت قتلى ومصابين كثر ، إلا أن الاستخدام في تلك الحرب كان بدائياً إلى حد كبير إذا ما قورن بالتقدم الذي حدث للأسلحة الكيميائية فيما بعد ، حيث لم تقتصر على غاز الكلور واكتشفت غازات أخرى كثيرة أكثر فتكاً بالإنسان ، وأصبحت قدرتها تفوق آلاف الأميال ولها آثار واضحة يسهل الاستدلال عليها و تسبب أنواعاً كثيرة من الأمراض مثل السرطانات والتشوهات الخلقية للأجنة وبعضها يحدث شللا للإنسان و آخر يحدث حروقاً تؤدي إلى الوفاة – لكنها في كل الأحوال لن تكون (كوليرا) مثلاً !!

هذا السلاح (الكيماوي) لابد له من عدة عوامل أهمها :

1/أن يكون غازاً ساماً جداً، حارقاً يؤثر على الإنسان والحيوان والبيئة من حوله.

2/يجب ألا يكون سهل التحلل خلال صناعته وحفظه إلى حين استعماله.

3/أن يكون له مواد خام سهل الحصول عليها وبكميات تكفي للعمليات الحربية.

4/يجب أن يكون سهل الحمل والنقل تحت احتياطات شديدة الحيطة والحذر لخطورته.

هذه الغازات – على حسب حديث الخبراء – إن لها آثارا على المسطحات المائية وتربة الأرض والتلال والمباني العالية ، وأنه يسهل فحص هذه العناصر الكيميائية بواسطة لجان مختصة وعبر تقارير من منظمات متخصصة ، وقد أفردت اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وأوضحت الإجراءات التي تتبع عند الادعاء وإجراء التفتيش وجمع الأدلة حول استخدام دولة ما أسلحة كميائية وإرسال فريق خبراء وكيفية إعداد التقارير المتخصصة التي تدين الدولة إذا ثبت فعلا أنها استخدمت أسلحة كميائية ،، وليس بالادعاءات والافتراضات دون أدلة أو براهين عبر وسائل الاعلام ، فهل زارت لجنة خبراء متخصصة موقع الهجمات المزعومة في السودان ؟ و هل تم فحص عينات للتربة أو المياه في ذات المنطقة ؟ وهل تم تحليل للمخلفات البيولوجية فيها؟؟ وهل تم فتح تحقيق دولي رسمي عبر آليات المنظمة أو الأمم المتحدة حول استخدام الأسلحة الكيميائية؟؟ ،، هذه التساؤلات لابد وأن تكون حاضرة أولاً.

لخطورة الوضع سعى العالم للحفاظ على البشرية من خطر الأسلحة الكيميائية بوضع اتفاقية دولية عرفت بمعاهدة (حظر الأسلحة الكيميائية) وتكونت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) ومقرها لاهاي (هولندا) ، ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 29 أبريل 1997م ، وتمثل المعاهدة نسخة موسعة ومنقحة من بروتوكول جنيف للعام 1925م حول الأسلحة الكيميائية، ومنعت المعاهدة استخدام الأسلحة الكيميائية وانتاجها وتخزينها ونقلها ، وأعطت المنظمة الحق في إجراء تفتيش لأي دولة عضو فيها يثور الشك حول استخدامها سلاحاً كميائياً وفق إجراءات معينة موضحة في الاتفاقية، وتضم الاتفاقية 193 دولة.

حصلت هذه الاتفاقية على جائزة نوبل للسلام في العام 2013م للجهود المبذولة في مكافحة استخدام الأسلحة الكيميائية في العالم .

علي الصعيد الوطني فقد إنضمّ السودان للاتفاقية في 16مايو 1999م ، ومنذ ذلك التاريخ والسودان عضو فاعل وملتزم بالاتفاقية وعضو داخل المنظمة الدولية لحظر استخدام الاسلحة الكيميائية وترأس المجموعة الأفريقية فيها ثم أصبح عضوا في المجلس التنفيذي لها وترأس المجلس التنفيذي ثلاث مرات ، آخرها كان حينما انتخب للمجلس التنفيذي في الدورة التاسعة والعشرين للدول الاعضاء في المنظمة والذي عقد في لاهاي نوفمبر 2024 للفترة من 2025 إلى 2027 م ، بالتالي من البدهي أن يكون السودان مدركا وملتزما بالاتفاقية وأحكامها وأن يحافظ على وضعه داخل المنظمة – بأقل تقدير – ووضعه الدولي أمام العالم كدولة فاعلة نالت ثقة رصيفاتها من الدول الأعضاء في ملف حظر الأسلحة الكيميائية.

لذلك فالادعاءات التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية ماهي إلا وجه آخر للحرب أو (نوعية جديدة) لكروت الضغط علي الحكومة السودانية بعد فشل خطط أبوظبي في تدمير السودان وهزيمة المليشيا الإرهابية أمام القوات المسلحة – رغم دعم ومساندة وتمويل أبوظبي لها بسخاء – وما أبوظبي إلا أداة لأيد خبيثة تود تدمير بلادنا لكن هيهات! !!

بالتالي جاء تدخل واشنطن بادعاء استخدام الجيش السوداني لأسلحة كميائية، دون الرجوع للمنظمة المعنية ودون إجراء تفتيش قانوني ودون أدلة تشير لهذا الادعاء المزيف متجاوزة بذلك أحكام الاتفاقية الدولية لحظر استخدام الاسلحة الكيميائية وأحكام الأمم المتحدة التي تحدد الإجراءات في مثل هذا الوضع ، وتوقيع عقوبات على السودان بسبب تصريح صحفي أو معلومات مغلوطة يعد تسييساً للقانون الدولي لا يمت للعدالة بصلة .

وللولايات المتحدة سوابق بافتعال مثل هذه الادعاءات في العراق ثم في قصف مصنع الشفاء بالسودان بصواريخ كروز في 22 اغسطس 1998م .

بالتالي ما يحدث الآن ماهو إلا استمرار في سياسة استهداف السودان منذ سنين عبر العديد من صور الاستهداف منها تطبيق عقوبات اقتصادية وحظر دولي وعزلة عن العالم ، وحظر بعض الصادرات الأميركية للسودان ووضع قيود علي إمكانية الحصول علي قروض أمريكية وضمانات الائتمان ، واستغلال لحالة الحرب التي تعيشها البلاد ، لنشر الفوضى ، حتي تقبل بالحلول السياسية المفروضة من الخارج ولكن أيضا هيهات فالارادة والقيادة السودانية لا ولن تقبل هذا مهما حدث ، وهل هناك شئ أمر وأصعب من الحرب ؟!!!

لكن على بلادنا أن تتمسك بحقها القانوني وأن تواصل إجراءاتها عبر منصات القانون ووفق أحكام اتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيميائية للوصول لحقها القانوني والتعامل الجاد مع هذه الاتهامات المزيفة .

والتحية لقواتنا المسلحة التي أينما حلت حل الأمن والأمان ودخل معها السلام والطمأنينة للمواطن ، واستقبلها الشعب بالفرح والزغاريد ، وحل الاستقرار والإعمار بوجودها .

د .إيناس محمد أحمد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ناشطة مصرية: أول زيارة لي كانت إلى جنوب السودان أثناء الأزمة قبل 10 سنوات
  • ملف المخدرات في السودان يُعد من أخطر الملفات التي واجهت البلاد
  • العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
  • تفسير لرؤيا الشيخ الحكيم، أن الحرب أمامنا حربين، حرب من الخارج على السودان و (..)
  • كيف عوّضت الأرض فلسطينيا بعد فقدان عمله خلال الحرب؟
  • للحرب وجوه كثيرة
  • ترددت كثيراً قبل أن أكتب عن واحد من ضباطي الذين شاركوا معي في الحركة التصحيحية
  • إنهم الآن يذوقون من الكأس ذاتها التي أرادوا أن يذيقوها للسودان
  • محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة
  • نعم الوضع في السودان ليس ذلك الوضع الذي يصل حد الرفاهية