كتب صلاح سلام في" اللواء": لا نداءات البطريرك الراعي، ولا تصريحات المفتي دريان، ولا إنتقادات المطران عودة، ولا مناشدات شيخ العقل، إستطاعت إختراق متاريس الخلافات المتفاقمة بين الأطراف السياسية، ولم تفلح في تبريد التراشق بين الجبهات المشتعلة بنيران الخلافات الرئاسية.
ومصير نصائح سفراء الخماسية لم يكن أفضل من كلمات المرجعيات الروحية، حيث ذهب الكلام الديبلوماسي الواضح مع مختلف القيادات السياسية، أدراج العناد المتحكم بالمواقف المسبقة للأحزاب والكتل النيابية، التي أدار معظمها «الأذن الطرشاء» لممثلي الدول الخمس، التي تحاول منذ أكثر من سنة فتح الطريق المسدود أمام قصر بعبدا، وتشجيع اللبنانيين على إنجاز الإنتخابات الرئاسية اليوم قبل الغد.
ثمة إشكالية وطنية ليس من السهل إيجاد التفسير المقنع لها. حيث أن كل طرف سياسي يدرك، مثل غيره، أن إستمرار الشغور بالرئاسة الأولى، يعرض مقومات الدولة، أو ما بقي منها، لخطر وجودي، تتزايد مضاعفاته المدمرة يوماً بعد يوم، في ظل الإرباك المستفحل في إدارة شؤون البلاد والعباد، فضلاً عن حالة الإنهيار والتسيّب التي تضرب معظم الإدارات العامة، وتساعد على تفاقم الفوضى العارمة في المؤسسات الرسمية.
المخاطر المحدقة بدور الدولة، والمصائب التي تنزل على رؤوس اللبنانيين، لم تشكل دافعاً كافياً، لأهل الحل والربط بإعادة النظر بمواقفهم، والعمل كل من طرفه، على البحث عن القواسم المشتركة، للتوصل إلى صيغة تسووية متوازنة، بعيداً عن الإستغراق الحالي في السجالات الخلافية، التي تُفاقم التباعد في المنطلقات والمواقف، ولا تساعد في وضع الأمور في نصابها الطبيعي.
تلطّي البعض وراء إنتظار إنتهاء الحرب في غزة، لم يعد أمراً مقنعاً، بعد إعلان الأمين العام لحزب الله، قرار فصل الإستحقاق الرئاسي عن الحرب المحتدمة في غزة، وإمتداداتها المشتعلة في الجنوب اللبناني. والمطلوب هنا خطوة جديّة من المعارضة لوضع هذا القرار على محك التنفيذ، بعيداً عن السفسطات الكلامية، التي تضر أصحابها أكثر مما تنفعهم.
الكل يدرك أن لبنان لم يعد يحتل مكاناً في أولويات عواصم القرار الإقليمية والدولية، كما كان الوضع عليه في مراحل سابقة. كل دولة لها أولوياتها الوطنية والذاتية ،الداخلية والخارجية، وعندها ما يكفيها من الهموم والطموحات في مرحلة تعصف فيها رياح التحديات والمتغيرات بثلاثة أرباع الكرة الأرضية، وتهيمن حالات من التردد وعدم الإستقرار على كثير من القيادات الدولية، وخاصة في القارة العجوز، كما في العالم الأميركي الجديد. حيث وصل التردي في الإنتخابات الأميركية إلى حد محاولة الإغتيال الجسدي لترامب بالرصاص، فيما الضغوط مستمرة على بايدن للتواري عن المسرح الرئاسي، بعد تكرار هفواته الإدراكية، والتي أصبحت موضع تندُّر وتنكيت في الإعلام الأميركي، قبل الروسي والصيني!
أما الكلام عن التباينات والخلافات بين سفراء الخماسية، فيبقى من باب تهرُّب أصحابه من المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقهم، لإنجاز الإستحقاق الرئاسي في إطاره الدستوري الصحيح، بعيداً عن مناورات الكر والفر التي كثرت في الآونة الأخيرة.
«مرتا، مرتا، تهتمين بأمور كثيرة.. إنما المطلوب واحد»!
.. ورهانات أهل السياسة كثيرة.. ولكن المطلوب واحد!
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
البابا تواضروس يلقى محاضرة في القصر الرئاسي بصربيا بعنوان جسور المحبة
استضاف القصر الرئاسي بالعاصمة الصربية بلجراد، قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، في إطار لقاء نظمته إدارة التعاون مع الكنائس والمجتمعات الدينية في صربيا، حيث ألقى محاضرة بعنوان جسور المحبة، ضمن زيارته الرعوية لايبارشية وسط أوروبا.
وقال القمص موسى إبراهيم المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في تصريح له اليوم إنه حضر اللقاء رئيس وزراء صربيا جورو ماتشوفيتش، وغبطة البطريرك بورفيريوس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الصربية، والدكتور فلاديمير روجانوفيتش، المدير العام لإدارة التعاون مع الكنائس والمجتمعات الدينية في صربيا، ووزراء العدل، والتجارة، والتكامل الأوروبي، السفير باسل صلاح، سفير مصر في صربيا، والقاصد الرسولي سانتو روكو جانجيمي، سفير الفاتيكان في بلجراد، وعدد من كبار المسؤولين الصرب وسفراء الدول العربية والأجنبية المعتمدين، ورجال الدين، والمثقفين، والأكاديميين، والشخصيات العامة.
بدأ اللقاء بعزف السلام الوطني لجمهوريتي صربيا ومصر، ألقى الدكتور فلاديمير روجانوفيتش المدير العام لإدارة التعاون مع الكنائس والمجتمعات الدينية في صربيا كلمة عبر فيها عن سعادته الغامرة باستضافة قداسة البابا تواضروس الثاني، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة تمثل لحظة تاريخية في تعزيز العلاقات الروحية والثقافية بين صربيا ومصر، وبين الكنيسة الصربية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أقدم كنائس الشرق.
وأضاف: أعتقد أننا الليلة متحدون في نفس المشاعر، في ثراء وتنوع عرقنا وطائفتنا، إنه شعور بالفخر الذي ينشأ، مجازيًا، من ضفتي النهر، مثل الأقواس الحجرية لجسر دائم، أحد هذه الأقواس يتجلى في محاضر البابا، والتي ننتظرها بشوق، بعنوان ”جسور المحبة“ أما القوس الثاني، فينبع من عمق الروح الصربية كما قال شاعرنا الكبير نيجوش: الأمة كلها تأتي من الروح.
واستعار مقولة الأديب الصربي إيڤو أندريتش الحائز على جائزة نوبل: «من بين كل ما يبنيه الإنسان، لا شيء أنبل من الجسر فهو يربط، لا يفرق، يخدم الجميع، ولا يخص أحدًا، يعبر فوق المياه، كما تعبر المحبة فوق الخلافات».
وأضاف: في عالم يتخبط بين الأزمات، وتزداد فيه الانقسامات، لا نملك ترف التراجع. نحن بحاجة إلى أصوات روحية وشخصيات مرجعية، مثل قداسة البابا تواضروس، تذكرنا بقوة المحبة، وبأن الحوار والتعايش واحترام الآخر، ليست رفاهية بل ضرورة وجودية.
ثم ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني محاضرته، واستهلها بقوله: في مسيرتي خلال الأيام الماضية رأيت جسرًا يربط بين جانبي نهر ساڤا، وتأملت في معناه، فالجسور لم تبن فقط للعبور، بل لتربط الأشخاص، وتوصل الإنسان بالطرف الآخر، كي يتعرف عليه ويحتضنه بالمحبة.
وأوضح، إن أول جسر عرفته البشرية هو الجسر الروحي الذي يربط بين السماء والأرض، وأن المحبة الحقيقية هي ما تبنيه الكنيسة وترسخه بين الناس.
وسرد قداسة البابا خلال المحاضرة عددًا من الجسور التي بنتها مصر عبر التاريخ، بدءً من استقبالها للعائلة المقدسة، ومرورًا بتأسيس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على يد القديس مار مرقس في القرن الأول الميلادي، ثم نشأة مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، وميلاد الرهبنة المسيحية في مصر على يد القديس أنطونيوس الكبير، مشيرًا إلى أن دير الأنبا أنطونيوس ما يزال حتى اليوم مقصدًا روحيًا يزوره الآلاف.
كما تطرّق قداسته إلى المواقف الوطنية للكنيسة القبطية، مستشهدًا بكلمته الشهيرة في أعقاب حرق الكنائس عام 2013، وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن، مشددًا على أن هذه العبارة تجسد المحبة التي لا تتوقف عند جدران الكنيسة، بل تتخطاها إلى الوطن كله، وترسخ مفاهيم التضحية من أجل السلام المجتمعي.
وانتقل قداسته للحديث عن أمثلة حية من التاريخ المعاصر تجسد فكرة بناء الجسور بعد الصراعات، مثل نموذج جنوب إفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا، ورواندا التي تعافت بعد المجازر الطائفية، مؤكدًا أن المحبة تبني زمانًا أفضل ومكانًا أفضل وإنسانًا أفضل.
وضرب أمثلة لأفراد أحدثوا فارقًا بمحبتهم، مثل الأم تريزا والبروفيسور مجدي يعقوب، قائلا: «هذه الشخصيات بنت جسورًا من المحبة، ليس بالكلام، بل بالفعل، وكل منها غيّر وجه الإنسانية بطريقة أو بأخرى».
ثم اختتم قداسته كلمته بدعوة مفتوحة: دعونا نبني جسورًا، لا أسوارًا، دعونا نحب، لا نصدر أحكامًا، دعونا نصغي، لا نتكلم فقط، فكما يقول القديس يوحنا في رسالته: يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ (١يو ٣: ١٨) لنجعل من هذه المحبة نورًا يضيء ظلمات العالم، وجسرًا يعبر بنا جميعًا إلى مستقبل أفضل.
ونوه إلى أن المحبة الحقيقية لا تسقط أبدًا (١كو ١٣: ٨)، وأن بناء مستقبل أفضل يتطلب أن نضع الإنسان في قلب كل مشروع، وأن نستخدم إنجازاتنا التكنولوجية والثقافية لبناء السلام، لا لصناعة الحواجز.
اقرأ أيضاًالبابا تواضروس يدشن أول كنيسة قبطية في رومانيا
البابا تواضروس يلتقي الجالية المصرية في بوخارست
البابا تواضروس يصل إلى رومانيا قادمًا من بولندا ضمن جولته الرعوية لإيبارشية وسط أوروبا