#الحل_الوحيد
د. #هاشم_غرايبه
مع تصريحات ضبع البيت الأبيض الأخيرة، تضعف حجة الأنظمة العربية من منتهجي سياسة الإذعان لسلطان القوة العظمى، بأنها الوسيلة الوحيدة المتاحة للبقاء، والتي يدعونها من باب التجميل : الصداقة، وقد يبالغ البعض فيسميها التحالف!.
ولكنها علاقة غير مقنعة، حتى للجماهير الغفورة التي ملّكت أمرها كله للحاكم، فلا تملك منه شيئا، وظل دورها الوحيد هو التصفيق لكل ما يفعل، فهي موقنة أن هذه العلاقة هي أبعد ما تكون عن الصداقة بسبب غياب الود والمسالمة بين الطرفين طوال التاريخ، وبالطبع هي بعيدة عن حالة التحالف، والتي تتطلب شرطين أساسين، هما مفقودان كليا في هذه الحالة، هما توازن في القوة بين الطرفين، وعدو مشترك بينهما يستوجب التنسيق لاتقاء شره، فأين هو التوازن بوجود الانقياد؟، وأين العدو المشترك إن كان هو هو العدو ذاته؟.
السؤال الوجيه الذي يطرح في هذه الحالة: هل من خيار آخر أمام الأنظمة في ظل التباين الهائل في القوة؟.
قبل البحث عن البدائل، بداية يجب الاتفاق على أساسيات، وحتى لا يجادل فيها مريدو الأنظمة من الهتيفة، ولا مريدو الغرب من العلمانيين، لن استمدها من الدين، بل من وقائع التاريخ المتفق عليه:
1 – لم توجد حالة في التاريخ كان فيها توازن قوى بين الأمم، دائما كان هناك من يتمتع بفائض قوة وأمم أضعف، ولو كان هنالك تعادل في القوة لما جرؤ الأقوى على مهاجمة الأضعف، ولو استكان الأضعف وقعدوا عن حقهم في الحياة الكريمة ، ورضوا بالعبودية، لتحول البشر الى صنفين لا ثالث لهما: أسياد وعبيد.
2 – لم تدم القوة والعظمة لأمة، بل ظل التاريخ في تقلب: امبراطوريات سادت ثم بادت، وما تمكنت امة من إبادة أمة، أو استأصل عرق عرقا آخر، وقاعدة: البقاء للأفضل لا تعني فيما يتعلق بالجنس البشري انقراض الأضعف، بل هيمنة مؤقتة وعز زائل للأقوى، والعوامل التي تحكم ذلك كثيرة، واحدة منها فقط هي التفوق العسكري.
3 – تغير حال أمة من ذل الى عز، لم يحدث في أي عصر إلا بمبادرة من أبنائها، ولم تتم في أية مرة بنجدة خارجية، ولا بفعل الحظ والصدفة.
بناء على القواعد الآنفة الذكر، سيجد من يسعى الى الحل الخيار، وبالطبع لن يكون مجانيا بلا كلف ولا تضحيات، وإلا لهرول إليه ضعاف النفوس وسبقوا عالي الهمة ، لأنه وكما قال أحمد شوقي: (وما نيل الأماني بالتمني.. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا).
يرتكز الحل على توفر الإرادة، لذلك يلزمه قيادة مخلصة لواجبها، فتجعل أولوياتها ترك أوهام أن اثبات الولاء للقوة العظمى سيجنب بلده شرها، فقد ثبت بالتجارب الكثيرة أنه لا عهد لها، ولا قيمة عندها لصداقة ولا تقدير لخدمات، بل لمصلحتها أولا وأخيرا.
لذلك فيجب التوجه لبناء القوة الذاتية، اقتصاديا بالتحرر من هيمنة الشركات الغربية على منتجات الموارد الطبيعية، والتوجه لبديل متوفر حاليا سواء كان في شركات تركية أو صينية أو روسية، والتحرر عسكريا بترك المساعدات العسكرية الأمريكية التي لن تنتج الا المزيد من التبعية والانقياد للكيان اللقيط، والتوجه الجاد لبناء القوة الذاتية والتي أثبتت قيادة المقاومة في القطاع أنها ممكنة بل وناجحة.
قد يقول قائل: هذا يحتاج الى سنين طويلة، ومشقات كثيرة، لكن ما يسكته هو: لن يكون أطول ولا أشق من انتظار اكثر من مائة عام على انتظار الحل في البرنامج المطبق الآن، وما انتجه غير مزيد من الهزائم وخراب الأوطان!.
أن تبدأ متأخرا خير من أن لا تبدأ أبدا.
ولو قيمنا هذا الحل بالميزان العقدي الذي نوقن نحن المؤمنون أنه الأصح، سنجد أنه هو ذاته الذي جاء به الدين، بل فرضه الله علينا، ووعدنا إن اتبعناه أن ينصرنا مهما كان الفارق في القوة بيننا وبين عدونا.
وصدق الله وعده في جميع الحالات، وكان أولها معركة بدر، التي أرادها الله تجربة أولى لهذه الأمة كي تحتذيها، وكان المسلمون ضعافا في وسط معاد لهم من جميع الجهات، يخشون أن يتخطفهم الناس، لذلك أرادوا غير ذات الشوكة أن تكون لهم، لكن الله أراد لهم الأفضل، ولأنهم أطاعوه وأعدوا ما استطاعوا من قوة، نصرهم عندما كان يستحيل انتصارهم بالمنظور المادي. مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الحل الوحيد هاشم غرايبه فی القوة
إقرأ أيضاً:
حكم التاريخ لن ينقذ غزة
ترجمة: أحمد شافعي -
في الخامس والعشرين من أكتوبر سنة 2023، نشر الروائي المصري عمر العقاد على موقع للتواصل الاجتماعي فيديو لشارع محطم مبعثر الركام في غزة، فكان لا يزال لتلك الصورة آنذاك القدرة على إثارة إحساس بالصدمة. وعلق قائلا «يوما ما، حينما نأمن، ولا يلحق بنا ضرر شخصي من جراء تسمية الأشياء بأسمائها، وبعد أن يفوت الأوان لمحاسبة أي شخص، سيقول الجميع إنهم كانوا دائما ضد هذا».
بمرور الزمن، أصبحت هذه الكلمات كتابا ذا غلاف صادم في طبعته البريطانية التي جعلت من النص الأصلي عنوانها. أما في الطبعة الأمريكية فحمل الغلاف صيغة أقصر من العنوان الأصلي وهي «يوما ما سيقول الجميع إنهم كانوا دائما ضد هذا». في هذا الشهر، حيث بدأت إسرائيل هجومها المباغت على إيران وقبل أن تنضم إليها القاذفات الأمريكية ـ مفتتحة بذلك فرصة لصراع إقليمي شديد التوسع والامتداد، أو حتى حربا عالمية ثالثة محتملة ـ أجد نفسي محملقا في غلافي هذا الكتاب، متسائلا: هل سيحدث هذا؟ أم أن الأرجح هو أن العالم سيمضي في طريقه؟ حينما وقعت الضربات الإسرائيلية الأولى على إيران في الثالث عشر من يونيو، بدا أنها تستهل فصلا جديدا في تفكك العالم الجاري خلال العقود القليلة الماضية، حيث تنحى الاستقرار النسبي لما عرف يوما بـ«النظام الدولي أمريكي القيادة» لصالح شيء ما أميل إلى العنف والفوضوية. لكن لعلها أيضا كانت نهاية فصل: فصل كان فيه سلوك إسرائيل في غزة موضوعا لتدقيق أخلاقي مستمر وإن تقطع ولم تترتب عليه بالضرورة عواقب.
ففي الشهر الماضي فقط وصف المستشار الألماني فريدريتش ميرز حرب غزة عبر التلفزيون بالحرب غير المبررة، ووصف رئيس وزراء أسبانيا دولة إسرائيل بـ«دولة الإبادة الجماعية» في البرلمان الأسباني. وأصدر قادة فرنسا وكندا وبريطانيا بيانا مشتركا وصفوا فيه معاناة أهل غزة بأنها «لا تطاق»، ووصفوا حجم المساعدات الإنسانية والغذائية بـ«غير الكافي» و«غير المقبول»، وبرغم اعترافهم بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها أمام الإرهاب، فإنهم رأوا التصعيد الأخير «غير متناسب بالمرة» وهددوا بعمل ملموس إذا لم تعلِّق إسرائيل هجومها وترفع القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية.
بجانب أستراليا والنرويج وكندا ونيوزيلاندا، فرضت بريطانيا أيضا عقوبات على اثنين من المسؤولين الإسرائيليين ـ هما إيتامار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش ـ بسبب التحريض عل العنف ضد المجتمعات الفلسطينية، وتمثلت العقوبات في تجميد أصولهما ومنعهما من دخول بلدهما.
واليوم، بعد مرور أسابيع لا أكثر، يركز كثير من هؤلاء القادة على مكان آخر، ويصطف بعضهم مع إسرائيل والولايات المتحدة، ويؤكد آخرون مخاوفهم من سعي إيران إلى أسلحة نووية. ومثلما أسهم هجوم حماس الشنيع على إسرائيل في السابع من أكتوبر في صرف أنظار العالم عن أوكرانيا، يبدو أن هجمات إسرائيل المفاجئة في 13 يونيو قد صرفتها عن غزة إلى صراع آخر - صراع ذي مخاطر أعلى وقنابل أضخم، وأقل اصطباغا بالشعور القاهر بالحتمية القاتمة من المشهد الهستيري للاستعراض الترامبي. لقد قال الرئيس ترامب للصحفيين في 18 يونيو إنه «لا أحد يعرف ما سوف أفعله»، ذلك في الوقت الذي كانت فيه فوكس نيوز تقول لمشاهديها إنه من غير المستبعد تنفيذ ضربة نووية تكتيكية، وكانت شبكة سي إن إن وصحيفة وول ستريت جورنال تقولان إن مجتمع المخابرات الأمريكي يعتقد أن إيران على بعد سنين من تصنيع أسلحتها النووية الخاصة. وبعد ثلاثة أيام، وجه الرئيس الأمريكي القاذفات الأمريكية، بحافز في ظاهر الأمر من التغطية الإخبارية الإيجابية التي حظيت بها هجمة إسرائيل على شاشات التلفزيون. من أوجه واضحة، ترامب هو المخطط والمجسد لهذه الحقبة الجيوسياسية الناشئة التي تسمى في بعض الأحيان الحرب الباردة الجديدة أو عودة تنافس القوى العظمى، لكنها تبدو أيضا عصر دبلوماسية «المحارب الذئب» والارتداد الشرس إلى العصر القومي السافر الذي اتسمت به إمبريالية القرن التاسع عشر. ومهما يكن المصطلح الذي يروق لكم استعماله، فإنها فترة استنزفت أغلب خطابها الأخلاقي والتضامني والتعاوني الذي كان يضفي على الجغرافيا السياسية مظهر الشعور الإنساني والمبادئ العليا على الأقل. ولقد كانت في النظام القديم أوهام ونقاط عمياء غفيرة، أما النظام الجديد فقد ينظر حتى إلى الحملات التخريبية الكارثية بما يشبه اللامبالاة الأخلاقية. وما يوصف بـ«عودة التاريخ» قد جاء وبصحبته قبول رجعي لأهوال الحرب. قبل أسابيع، حدث أن اعترف المتحدث السابق باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر ـ خلال إدارة بايدن، وكان بمنزلة فقاعة السياسة الخارجية التي بدت داعمة بلا مواربة لحرب غزة ـ عرضا بأنه يرى «بلا أدنى شك صدق القول بأن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب». وفي حوارات عديدة على مدار الشهر الماضي، كرر رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إيهود أولمرت مثل ذلك. فكتب في أواخر الشهر الماضي في ها آرتس أن «ما نفعله في غزة الآن حرب تخريب: وقتل إجرامي للمدنيين بلا تمييز ولا حدود وبقسوة... وهذه نتيجة سياسة الحكومة المفروضة عن وعي وشر وفساد وانعدام للإحساس بالمسؤولية. نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب». كم جريمة حرب؟ في تقرير قانوني شامل وعام نشرته مجلة نيويورك الأسبوع الماضي قدمت الصحفية سوزي هانسن تقديرا تقريبيا فكتبت أن اتهام إسرائيل بأنها ارتكبت «مئات، أو حتى آلاف» من جرائم الحرب قد أصبح «غير قابل للإنكار بأي حال». قد تبدو هذه اعترافات متأخرة بحقائق معلومة منذ أمد بعيد لمن يتابعون عن كثب. لكن تعليق ميلر كاشف بصفة خاصة، في ضوء كم الوقت الذي قضاه في تضييق الخناق على التحقيقات في سلوك إسرائيل في الحرب، ودعم أمريكا لها، منذ أيامها الأولى.
رفعت جنوب أفريقيا قضيتها الأولى على إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في ديسمبر 2023، أي بعد أقل من اثني عشر أسبوعا على بدء الحرب. وبحلول مايو، أصدرت المحكمة أمرا لإسرائيل بإيقاف هجومها في رفح، وبحلول يوليو أصدرت رأيا استشاريا تعلن في استمرار حضور إسرائيل في الأراضي «غير شرعي». وفي نوفمبر الماضي، انتهت لجنة خاصة تابعة للأمم المتحدة في تحقيق لها إلى أن أفعال إسرائيل في غزة «تتوافق مع الإبادة الجماعية». وفي الشهر التالي، انتهت محكمة العدل الدولية إلى مثل ذلك.
قوبل كثير من هذه الاعتراضات بالقمع أو الرفض باعتبارها معادية للصهيونية بداهة، وهو مثلما حدث للمظاهرات الشعبية التي اندلعت في خريف عام 2023 ـ في واشنطن ولندن وغيرهما ـ وللمخيمات الجامعية التي أقيمت في الجامعات الأمريكية في الربيع التالي. ومثلما كتبت هانسن، فإن أولى الاعتراضات لم تنشأ بأثر رجعي وإنما في الوقت نفسه. إذ كتبت أن «باحث الإبادة الجماعية الإسرائيلي راز سيجال أطلق وصف الإبادة الجماعية اعتبارا من الخامس عشر من أكتوبر... وأن ثمانمائة باحث في الإبادة الجماعية وقعوا على رسالة تحذير من إبادة جماعية بعد ذلك بوقت قليل».
في السابع عشر من أكتوبر، بعد عشرة أيام من بدء الحرب، تقدم مسؤول في الخارجية الأمريكية يدعى جوش بول ـ كان قد ساعد في إدارة صفقات أسلحة لحلفاء لأمريكا ـ باستقالة من وظيفته احتجاجا على الحرب، ونشر خطاب استقالة مؤثر على لينكد إن، وأدلى بحوارات لبي بي سي وبي بي إس وغيرهما، وشارك في ملف في نيويوركر أعده أخي ونشر في 6 نوفمبر. وكان القتال آنذاك لم يتجاوز بعد شهرا واحدا.
وحينما أدى انفجار إلى مصرع مدنيين في مستشفى الأهلي بمدينة غزة في 17 أكتوبر، أثار ذلك فيضا من التعليقات والتكهنات والجدل حول المسؤول، وهو سؤال بادي الأهمية، وفي وقته، لأن ضرب مستشفى كان لا يزال يعد خطا أحمر غير قابل للتجاوز. وآنذاك، كان الجدل حول سلوك إسرائيل في الحرب متشابكا مع حجج كثيرة تتعلق بسياسة الدولة الأمنية، وخطابها القاسي، وتعاطف منتقديها، وحجم الصدمة الوطني من جراء السابع من أكتوبر، ونوع الرد الذي قد يبرره الدفاع عن النفس أو الانتقام. وكانت تصعب في بعض الأحيان رؤية تفاصيل معينة للرد العسكري بوضوح وسط كل تلك التشابكات، لكن بدا الأمر أيضا أشبه بمسألة مهمة تتطلب تفرقة جيوسياسية. تظهر تقارير الأمم المتحدة أن جميع مستشفيات غزة تقريبا تضررت أو تدمرت الآن، وكذلك أغلب المدارس والمساجد. ووفقا لمركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، فإن قرابة 70% من جميع مباني غزة قد تعرضت خلال أقل من سنتين لضرر محتمل أو متوسط أو شديد، أو تدمرت تماما. واعتبارا من يناير، أظهرت أرقام الأمم المتحدة أن تسعة من كل عشرة بيوت إما تضررت أو تدمرت. وأن قرابة 90% من الشعب قد نزحوا، ولمرات كثيرة في حالة أهل غزة. وأشارت دراسة نشرت في عدد يناير من مجلة ذي لانسيت الطبية اللندنية إلى أن قرابة خمسة وستين ألف فلسطيني تعرضوا للقتل بإصابات وجروح في الشهور التسعة الأولى من الحرب، وهذا الرقم يزيد بنسبة 40% عن تقديرات وزارة الصحة في غزة. وقدرت الدراسة أيضا أن أكثر من نصف الموتى نساء وأطفال، وتشير بعض التقديرات إلى أن نسبة الضحايا المدنيين أعلى من ذلك. وقد لقي أكثر من 175 صحفيا فلسطينيا مصرعهم.
تنازع إسرائيل وأنصارها في هذه الأرقام وكذلك في درجة تسبب هذه الحرب في قتل عدد من المدنيين يفوق أبشع الهجمات العسكرية الشنيعة في الذاكرة الحديثة (من قبيل الفلوجة والموصل). ولكنكم فيما تقرأون عن الضربات الحديثة المستهدفة لإيران، وقد قتلت وفقا للجيش الإسرائيلي عددا من كبار القادة العسكريين والنووين، يجدر بكم أن تفكروا في تقرير مجلة (+972) الصادر في وقت سابق من صراع غزة بأن كل مقاتل منخفض المستوى استهدفته إسرائيل بالذكاء الاصطناعي العسكري كان مسموحا في استهدافه بقتل ما بين 15 و20 مدنيا معه، وأنه في العديد من الحالات على الأقل، وفي حالة الشخصيات رفيعة المستوى، كان مسموحا بمائة أو أكثر من الوفيات بين المدنين. (في أواخر أبريل، كتبت عن تقرير +972، وتأكد كثير منه عبر تقارير أخرى لنيويورك تايمز).
في الأسابيع الأخيرة، تعلقت أكثر أخبار غزة رعبا بالهجمات على المصطفين من أجل الحصول على ألزم المساعدات الإنسانية. وفي وقت سابق من هذا الصراع، كان من اللافت بصفة خاصة أن شاهدنا سيندي ماكين - رئيسة برنامج الغذاء العالمي وأرملة السيناتور جون ماكين، الداعم القوي لإسرائيل لدرجة استعمال وجهه الضاحك في ميمات memes ضربات إيران الأخيرة ـ وهي تحذر من مستويات الجوع الخطيرة في أرجاء غزة. وفي مايو، حذرت من مجاعة، وظلت على هذا بصورة متقطعة طوال قرابة عام. وبعد ذلك التحذير، سرعان ما تأسس نظام لتوزيع الغذاء. ووفقا لمكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، لقي مئات الفلسطينيين مصرعهم منذ ذلك الحين، وهم في انتظار الطعام.
والذين كانوا يتابعون الصراع عن كثب، لن يجدوا الكثير من هذه المعلومات ـ أو حتى ما هو أكثر بكثير في مقال هانسن المطول ـ غريبا عليهم في الشكل أو الجوهر. ولكننا نتكلم عن انعدام الغرابة لنقصد به الألفة والاعتياد.
وقبل زمن غير بعيد، كان الأمريكيون كثيرا ما يتكلمون عن حكم التاريخ عندما يتعلق الأمر بنزاعات داخلية وصراع عالمي، وكأنما بمرور الزمن سوف يميل منظور العالم باتجاه العدالة لا محالة. لكن الأمور لا تميل دائما إلى الوضوح بمرور الزمن. ففي غالب الأحيان، تضعف الذاكرة، وتغيم التفاصيل، ويخفت صوت من يعترضون في ظل سخونة اللحظة بينما يمضي غيرهم على ما هم فيه.
ديفيد والاس-ويلز متخصص في العلوم وتغير المناخ والتكنولوجيا وهو من أكثر الكتاب مبيعا في هذه المجالات.
** خدمة نيويورك تايمز