جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-11@13:30:32 GMT

الزَّواج.. السَّهل الممتنع!

تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT

الزَّواج.. السَّهل الممتنع!

 

حمد بن سالم العلوي

نعم إنِّه الزَّواج الذي كان سهلًا، ولكنه امتنع عن أن يظل كذلك، فصار صعبًا بأيدينا نحن أبناء المجتمع، بدليل عندما حلَّ وباء كورونا بنا، أمتلكنا (عقدنا قرانًا) بلا ضجيج ولا تفاخر، وكذلك تزوجنا بهدوء ونقلنا الزوجة إلى بيت زوجها بلا غلو أو مباهاة، فتحققت المقولة التي تقول "ربَّ ضارة نافعة"؛ ففي أيام كورونا كان يأتي الملِّيك إلى منزل أحد الأبوين مع اثنين من الشهود، وعلى جلسة قهوة عائلية، يتم عقد القران، وكان عقدًا شرعيًا طيبًا مُباركًا؛ لأنه لم يشُبه تبذير أو إسراف، ومن ثم تبعه زواج سهل موفق، فما شابته شائبة الغلو والمباهاة، التي تذل العريس وترهقه، وترهنه للديون والفقر لسنين طويلة، وتجعل الزوج يتمنى لو أنَّه ما تزوج، وسيظل ينظر إلى الزوجة، على أنها هي السبب في تعسه وشقائه، طالما ظلَّ مرهونًا للبنوك بالديون، فهكذا حال مُعظم أبناء المجتمع اليوم، يكابدون الديون وآثار الزواج.

لقد كان العُماني في الماضي، يتزوج مبكرًا؛ لأنَّ الزواج يساعده على الإنجاب، والأبناء سيكونون عونًا له في العمل، وسندًا يرفع به رأسه أمام الجيران، وفرقة خاصة في الدفاع عن الأهل والعائلة، وحتى من شرور الطغاة، أو الغرباء وقطاع الطرق. أما اليوم، فهذه المهام التي تقوم بها الدولة، أما رعاية الأسرة والحفاظ عليها، فإنه يقوم به أبناؤها، لذلك ترى اليوم الأبناء والأبوين حاجتهم واحدة في بعض الحالات؛ فالكل منهم يطلب من يرعاه، لأن الأبوين أصابتهم الشيخوخة، وذلك نتيجة للزواج المتأخر، والأبناء لا يزالون صغارًا عن القيام بواجب الوالدين، فيحتاجون إلى من يرعاهم حتى يكبروا.

وإذا نظرنا إلى تكاليف الزواج المُبالغ فيها، فإننا سنجد المَهر مرتفعًا جدًا، وكأنه بيع لا رجعة فيه، وطلبات الزوجة وأهلها أمرا فاحشا، وكأنه انتقام من النسيب، الذي أتى لمناسبتهم وطلب القرب منهم، وهناك تكاليف متسلسلة من الاحتفالات المبالغ فيها، وذلك بدءًا من الملكة (عقد القران)، ثم حفلات الزواج المتنوعة، وهي مُقسمة بين النساء والرجال، وما كان قد ترتب على ذلك من ترتيبات مسبقة، كالمنزل والتأثيث والسيارة والذهب والزينة المفرطة، فبدلًا من فتح بيت سعيد لأسرة جديدة، سيجد المرء نفسه، أنه كمن يبني مقصلة لإعدامه ببطء بالديون، وعار الفقر، وذلك بالارتهان للمُقرضين وفي الغالب المقرضون هم البنوك، وسيدخل المسكين في ديون لها بداية.. وهو يوم الزواج، ولكن ليس لها نهاية في الأفق المنظور.

لقد أعجبتني مبادرة قامت بها "نساء قبيلة مطير الكويتية"؛ حيث طالبن بمهور رمزية للزواج، وإلغاء حفلة الملكة، والاحتفالات المبالغ فيها للزواج، بحيث لا تتجاوز عائلات الأهل والأقارب، فلا قاعات ولا بهرجة كبيرة، ولا كوشة ولا كراسي مزخرفة، ولا استئجار فرق موسيقية، ولا حضور لكل من هب ودب، ولا حجز للفنادق والقاعات الخاصة. وأظن مثل هذا الزواج يكون هو الزواج المبارك، لأنه ليس فيه تبذير.. أو مغالاة، أو تباهٍ وإسراف في كل شيء، كالأكل والزينة والمواكب المزعجة للمرضى، وأصحاب الأعمال بالأوقات الخاصة.

وهذا مقتطف من البيان الذي أطلقته نساء قبيلة مطير في الكويت، وهي قبيلة كبيرة، ومُنتشرة في شبه جزيرة العرب، فقد قلن في استهلال بيانهن الآتي: (بداية الاقتباس)

"وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍۢ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ"، وقال تعالى: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ".

و"نظرًا لدخول أمور غير مقبولة شرعًا ولا عقلًا للمجتمع لا تمُت للدين ولا للمنطق بأيِّ صلة ألا وهي الإسراف والتبذير لدرجة مبالغ فيها وظهور مناسبات وحفلات واستقبالات ليس لها معنى ولا طعم والتي أفقدت الفرح زهوته من كثرتها وأصبحت عبئًا ثقيلًا على كافة السيدات والعوائل وليس لها من مستفيد إلا أصحاب المحلات الذين وصلوا لمرحلة من الابتزاز المقيت للناس دون حسيب ولا رقيب مستغلين تفاهة بعض العقول وعدم شكر النعمة الذي ابتلينا به من البعض من النساء هداهن الله". (نهاية الاقتباس).

إنني متأكد لو أن بعض القبائل العُمانية، تتبنى مشاريع كاسرة لهذا الغلو في الزواج، لانتشرت هذه المبادرة في المجتمع العُماني من أقصاه إلى أقصاه، وبسرعة كبيرة، والعُماني يحب أن يرد التحية بأحسن منها، ويسعى للمنافسة وخاصة المنافسة الحميدة، وفي المقابل يحتاج من الحكومة التدخل بوضع التشريع في الوقت المناسب، ومنع الميسرين من الغلو في احتفالاتهم، وذلك حتى يكونوا قدوة حسنة لغيرهم من النَّاس، ويحفظوا أموالهم لأشياء مفيدة ومثمرة، ولأن المجتمع العُماني مطيع ومنضبط، ويحب التنظيم والتشريعات التي تخدم مصالحه فسوف يتقيد بذلك.

إذن؛ بمقدورنا أن نجعل من الزواج سهلًا ومرغوبًا، فعندئذ لن نحتاج إلى فتح أبواب الطوفان نحو الزواج من الخارج، الذي له سلبيات كثيرة ستظهر على التوالي بمرور الأيام، ووقتذاك لن ينفع الندم، وقد ذكرت الكثير من السلبيات في مقالة سابقة لي بعنوان "لست ضد.. ولكن" والتي تم نشرها في جريدة الرؤية في شهر مايو الماضي.

إذن؛ بإمكان المجتمع العُماني، أن يُساعد في حل هذه الإشكالية، والتي أخذت في التفاقم بمرور الأيام، وجعل الزواج سهلًا من غير امتناع، ومرغوبًا من الجميع بالاقتناع، وذلك من خلال الدور الذي يجب أن يقوم به الإعلام الوطني، وخطب الجمعة التي ما فتئت تخاطب الصحابة في صدر الدولة الإسلامية، وتتجاهل الزمن الحاضر، والغزوات الثقافية الغربية التي تستهدف إلغاء صفة الذكر والأنثى للإنسان، وكذلك على المؤسسات الحكومية، أن تتدخل بين وقت وآخر، وتضبط سلوكيات الناس، وذلك بمنع شطحاتهم الخارجة عن الأعراف والتقاليد الحميدة، وتمنع الظواهر التي تنشأ بغفلة من الجميع.. حفظ الله عُمان وشعبها الأبيِّ وسلطانها المبجل الأمين.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

استثمار رأس المال البشري.. البنك المركزي العُماني أنموذجًا

 

 

محمد بن عيسى البلوشي

يؤدي رأس المال البشري دورًا محوريًا في تنمية المؤسسات والمجتمعات من خلال توظيف القدرات والكفاءات والمهارات والقيادات بما يحقق المستهدفات الفردية والمؤسسية والوطنية، ويتطلب ذلك اهتماما أكبر في تطوير وزيادة حجم الاستثمارات في هذا القطاع لتحقيق التنمية البشرية الرامية للازدهار والرفاه الاقتصادي.

ومن نافلة القول إن رأس المال البشري هي جملة "المعارف والمهارات والقدرات التي يستثمر فيها الأفراد/ المؤسسات/ الحكومات وتتراكم لدى الناس/ الموظفين على مدار حياتهم بما يمكنهم من استثمار إمكاناتهم كأفراد منتجين في مؤسساتهم أو مجتمعاتهم".

وفي البنك المركزي العُماني والذي حاز مؤخرا على المركز الاول في جائزة الاجادة المؤسسية الحكومية لعام 2024 لرأس المال البشري، اهتمت الإدارة منذ وقت ليس ببعيد في استثمار رأس المال البشري عبر مجموعة من الأنشطة والبرامج المعززة لمعرفة الموظفين لرفع كفاءتهم، ولعلنا نذكر من باب الرصد لا العدد واقع استثمار رأس المال البشري في هذه المؤسسة التي تحتفي هذا العام بمرور 50 عاما على إنشائها، وتتمثل في:

أولًا: اهتم البنك المركزي العُماني بتأهيل الكوادر البشرية للوظائف الإشرافية بهدف إيجاد "صف ثاني" للوظائف القيادية والاشرافية كنائب للرئيس التنفيذي ومديري العموم ومديري الدوائر ورؤساء الأقسام، وذلك عبر إلحاق الموظفين في برنامج ودورات متخصصة (قيادية) وأيضا تكليفهم بمسؤوليات وأعباء ومهام أعلى في حال شغل المنصب، وهذا ما أتاح فرصة تدريبهم على رأس العمل لصناعة القرارات ومتابعة الأعمال ورسم الخطط والبرامج الاستراتيجية.

ثانيًا: ركز البنك المركزي العُماني منذ وقت طويل على ملف تطوير الكفاءات بهدف رفع امكانياتهم وقدراتهم ومهاراتهم الوظيفية وأيضا معارفه ودرجاتهم العلمية، وتمكينهم عبر تنفيذ سلسلة متنوعة من البرامج التدريبية المتخصصة (إدارية/ فنية) وبرنامج تكملة الدراسات (دبلوم/ بكالوريوس/ ماجيستير)، وأيضا التدوير الوظيفي الأفقي والذي اسهم بدوره في تنويع مهارات وقدرات الموظف ورفع جاهزيته وكفاءته للمهام المتعددة على نطاق القسم/ الدائرة/ المديرية/ القطاع، وفق منهجية متكاملة سعت المؤسسة منذ سنواتها الأخيرة إلى تحقيق الاستدامة في الوظائف وديمومة الأعمال في الحالات العادية أو الطارئة كما كان الحال في أوقات الجائحة.

ثالثًا: سعت المؤسسة بعد تجربة العمل عن بعد في أوقات الجائحة إلى وضع منهجية إدارية لتخفيف عن ساعات العمل المفقودة من إجمالي ساعات العمل عبر تخصيص حزمة من البرامج المحفزة، ومنها ساعات العمل المرنة والعمل عن بعد وذلك بهدف تحقيق استدامة الأعمال وتخفيف الفاقد وتحقيق الكفاية في إدارة ساعات العمل.

رابعًا: يمثل نسبة التعمين في القطاع المصرفي عموما حوالي (92%)، وفي البنك المركزي العُماني استطاعت الإدارة عبر برنامج التعمين من تحقيق التعمين بنسبة تصل إلى (95%) خلال عام 2024، ويعود الفضل في ذلك إلى رغبة وإصرار الإدارة في تمكين الكوادر العُمانية في القطاع المصرفي العُماني.

خامسًا: وفَّر البنك المركزي العُماني عبر مبادرته في استثمار راس المال البشري مساحة لتدريب الخريجين العُمانيين ضمن برنامج "تعزيز" والذي أتى لتعزيز القدرات المعرفية في القطاع المصرفي واكساب الخريجين المهارات الادارية والفنية لدخول سوق العمل، إلى جانب استثمار الكفاءات الوطنية وصقل مهاراتها بما يمكنها من لعب دورها في القطاع المصرفي ويعزز متانة هذا القطاع بكوادر عُمانية.

سادسًا: بهدف تزويد سوق العمل بكوادر مختصة في مجال التحليل المالي والاقتصادي، فقد تبنى البنك المركزي العُماني مبادرة استراتيجية في اعداد جيل من المحللين الماليين والاقتصاديين في القطاع المصرفي، حيث تمثلت تلكم المبادرة بإطلاق برنامج الخبراء الاقتصاديين والماليين العُمانيين لدرجتي الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد والمالية لفئة الباحثين عن عمل. وتعد هذه الخطوة النوعية واحدة من أدوات الاستثمار في رأس المال البشري والتي تعمل على صناعة جيل يتمتع بمعرفة وكفاءة وجودة ليسهم بدوره في التخطيط والتنفيذ والإجراءات ذات العلاقة بالمجال المالي والاقتصادي.

سابعًا: يشعر الموظفون في البنك المركزي العُماني بانتمائهم إلى منظومة العمل وحرصهم على تكملة مشوارهم المهني والتدرج فيه في ظل الاستقرار الوظيفي والخطط التطويرية الموضوعة، ولهذا يظهر أن السياسات الادارية الممارسة جعلت الاستقالات محدودة جدا في المؤشرات العامة مع الأخذ في الاعتبار إلى عدد المتقاعدين في العام الواحد.

ومن جانب آخر، تقوم المؤسسة بندب عدد من خبراتها الوظيفية وفي مختلف التخصصات إلى مؤسسات الدولة والبرامج الوطنية بهدف نقل المعرفة والاستفادة من خبراتهم وخلق حالة من التعاون المؤسسي المفضي إلى رفع كفاءات الكادر البشري واثراء خبراتها القيادية والمعرفية، مع الإشارة إلى استقطاب المؤسسة لعدد من الكفاءات العُمانية للعمل معها عبر مختلف برامج التوظيف.

إن مستقبل تنمية وتطوير رأس المال البشري في البنك المركزي العُماني يمضي وفق منهج يتم رسمه من قبل القطاع المعني بالموارد البشرية، ورؤية يقودها معالي أحمد المسلمي محافظ البنك المركزي العُماني، وفي ظل إشراف عام لمجلس الادارة برئاسة صاحب السمو السيد تيمور بن أسعد بن طارق آل سعيد، ونستشرف معها آفاقًا أرحب من التمكين للكفاءات الوطنية في مختلف المجالات مع النظر للتحديات التي تفرضها التغيرات والتطورات المتسارعة في عالم المال والأعمال محليًا وعالميًا وأيضًا حجم الفرص المستقبلية.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • افتتاح سد وادي أنعار في صلالة بتكلفة 23 مليون ريال عُماني
  • بعد أن تصدرت “الترند” وأنهالت عليها الإشادات.. تعرف على الأسباب التي دفعت الفنانة فهيمة عبد الله لتقديم التهنئة والمباركة لزوجها بعد خطوبته ورغبته في الزواج مرة أخرى
  • تحقيق: البصل العُماني لا يجد من يشتريه!
  • طبيب عُماني يُجري عملية جراحية نادرة
  • استثمار رأس المال البشري.. البنك المركزي العُماني أنموذجًا
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • سعي حثيث لصون التراث العُماني وتعزيز الثقافة المتحفية
  • وزارة الداخلية تطلق سراح 6 موقوفين على خلفية الأحداث الأخيرة التي وقعت في بلدتي صحنايا وأشرفية صحنايا بريف دمشق، ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وذلك بحضور إدارة منطقة داريا وعدد من الوجهاء
  • نقابة الصحفيين السودانيين تعرب عن بالغ قلقها إزاء الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها وزارة الإعلام
  • حمدان بن محمد: على خطى محمد بن راشد تعلمنا أن المجتمع المتماسك هو الذي يبني الأمل