جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-09@19:51:27 GMT

التوقعات فخّ العلاقات

تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT

التوقعات فخّ العلاقات

 

 

 

صالح بن سعيد الحمداني

 

 

في مسرح العلاقات الإنسانية يظل الإنسان في رحلة دائمة من العطاء والتواصل يسعى إلى أن يمنح من حوله الحب والاهتمام والدعم، على أمل أن يلقى مقابل ذلك قدرًا مشابهًا من التقدير والوفاء؛ غير أنّ هذه المُعادلة لا تسير دائمًا كما نتمنى؛ فكم منّا قدّم أكثر مما يستطيع وانتظر من الآخرين أن يبادلونه بنفس السخاء ليكتشف لاحقًا أنّه قد خان نفسه قبل أن يخونه الآخرون حين حمّلهم توقعات لا قدرة لهم ولا رغبة في الإيفاء بها؛ فالعطاء في جوهره قيمة إنسانية نبيلة لكنّه يصبح عبئًا حين يرتبط بشرط خفيّ "انتظار المقابل"، كثيرون يظنون أنّ الحب والصداقة والتقدير يجب أن تُقابل بما يماثلها من الآخر لكن التجربة تثبت أنّ ميزان العلاقات ليس دائمًا عادلًا، هناك من يمنح بلا حساب وهناك من يأخذ بلا حدود، وبين الاثنين يولد الخذلان.

قد يكون العطاء غير المشروط فضيلة لكنّه يحتاج إلى وعي عميق بالذات، أن تعطي لأنّك تريد أن تعطي لا لأنّك تنتظر رصيدًا عاطفيًا يعود إليك، هنا فقط يصبح عطاؤك قوة داخلية لا قيدًا يكبّلك بالخيبة، فالزمن كفيل بكشف الوجوه الحقيقية في البداية، فقد يلبس بعض الناس أقنعة المودة والمحبّة يقدّمون أنفسهم في صورة مثالية، يبادلونك الكلمات الجميلة والوعود البراقة، لكن مع مرور الأيام وتكرار المواقف يبدأ ما هو زائف في التلاشي، تتضح معادن النفوس من يراك حقًا، ومن يستخدمك وسيلة لمصلحته.

التجربة الحياتية تثبت أنّ الأقنعة لا تدوم طويلًا، فلا يمكن لإنسان أن يتصنّع المودة إلى الأبد، عاجلًا أم آجلًا يظهر الوجه الحقيقي، وهذا الظهور قد يكون صادمًا ولكنه يحرر الإنسان من الوهم، فبدلًا من أن يظل عالقًا في دائرة التوقعات غير المنطقية يجد نفسه أمام الحقيقة العارية، وخيانة الذات أخطر من خيانة الآخرين، فحين نبالغ في التوقعات فإننا في الحقيقة نحمّل الآخرين مسؤولية إسعادنا وننسى أنّ سعادتنا الحقيقية تنبع من داخلنا، فخيانة الذات تكمن في هذا الرهان الخاطئ "أن نضع مفاتيح قلوبنا بأيدي الآخرين وأن نمنحهم سلطة تحديد قيمتنا".

الخذلان مؤلم لكنه ليس خطأ الآخرين دائمًا، فأحيانًا يكون نتيجة مباشرة لخيانتنا لذواتنا حين نرفض أن نرى العلامات المبكرة، أو نصرّ على تجاهل إشارات عدم التوازن في العلاقة، وقد سؤال يخطر ببال البعض كيف نستعد للرؤية قبل الصدمة؟ الوعي هو خط الدفاع الأول، أن تكون مستعدًا للرؤية يعني أن تُبقي عينيك مفتوحتين منذ البداية وأن تقرأ سلوك الآخرين أكثر مما تسمع كلماتهم، هناك عدة خطوات عملية تساعدك على تجنّب صدمة السقوط، أهمها قلّل من التوقعات كلما رفعت سقف توقعاتك من الآخرين زادت احتمالية خيبتك التوازن يكمن في أن تمنح دون أن تنتظر الكثير، ثم اختبر الأفعال لا الأقوال؛ فالأقوال قد تخدع لكن الأفعال تفضح، وانتبه لتصرفات الآخرين في المواقف الصغيرة فهي مؤشرات صادقة، واعتمد على ذاتك اجعل سعادتك مبنية على مصادر داخلية وهواياتك وإنجازاتك وقيمك لا على رضا الآخرين، وعليك تقبّل حقيقة الاختلاف ليس الجميع قادرًا على أن يحب أو يعطي كما تفعل الاختلاف في الطبع والتجربة لا يعني خيانة بالضرورة.

وأخيرًا.. مارِس التسامح الواعي، التسامح لا يعني الاستسلام للأذى؛ بل يعني إدراك أنّك لا تريد أن تحمل أثقالًا زائدة من الغضب، ورغم كل الصعوبات يظل هناك أشخاص يحملون لك حبًا حقيقيًا وسلامًا صادقًا، هؤلاء لا يسعون إلى استنزافك؛ بل يقفون إلى جانبك في أوقات قوتك وضعفك، وجودهم نادر لكنه ثمين، والأهم من العثور عليهم أن تكون أنت أيضًا ذلك الشخص الذي يمنح الآخرين حبًا وسلامًا بلا زيف.

إنّ أعظم خيانة قد يرتكبها الإنسان هي خيانته لذاته حين يضعها تحت رحمة توقعات من حوله، لكن الحكمة تقتضي أن نتعلم رؤية الوجوه الحقيقية مبكرًا وأن ندرك أنّ الزمن لا يخذلنا؛ بل يكشف لنا ما كنا نغضّ الطرف عنه؛ فالأقنعة ستسقط لا محالة وما يبقى هو الجوهر، من يحمل لك حبًا صادقًا سيظل ومن يلبس قناعًا زائفًا سيتلاشى، لذلك كن مستعدًا للرؤية، فالرؤية الواعية أجمل بكثير من صدمة السقوط.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مختبر أميركي يكشف أسباب تراجع حماس الصحفيين لمنصات التواصل

كشف تحليل استمر 11 عاما لمختبر نيمان للصحافة، عن أن الصحفيين أصبحوا أقل حماسا تجاه منصات التواصل الاجتماعي، بسبب المعلومات المضللة والانتقادات اللاذعة التي تهدد ثقة الجمهور في الصحافة وتشجع العداء للصحفيين.

وخلص المختبر إلى أن عيوب منصات التواصل باتت واضحة بشكل كبير بالنسبة لناشري الأخبار والجمهور، وبات الصحفيون يرونها بمثابة تحدّ لاستقرار الصحافة ومصداقيتها بين الجمهور، في حين تتضاءل الفوائد التي يمكن أن تُجنى من هذه المواقع، فمنصتا إكس وفيسبوك لم تعد أي منهما توجه جمهورا كبيرا إلى الأخبار، بينما تيك توك لم تفعل ذلك أبدا.

وأمام تراجع الفرص في منصات التواصل الاجتماعي، تضاعفت جهود المؤسسات الإخبارية بالبحث عن سبل أخرى لتعزيز حركة المرور على الإنترنت، وتنمية علاقات مع الجماهير المحتملة، مثل الاستثمار في النشرات الإخبارية.

وسعى الباحثون المشاركون في التحليل -وهم مزيج من الناشرين والمحررين والممولين ومقدمي الخدمات- إلى دراسة التوقعات السنوية لمختبر نيمان التابع لجامعة هارفارد على مدى 11 عاما، من أجل الوقوف على تغيرات آراء واضعي هذه التوقعات بشأن منصات التواصل الاجتماعي وجمهورها.

التوقعات الأولية تفاءلت بأن تلعب منصات وسائل التواصل الاجتماعي دورا أساسيا في العلاقة بين الصحافة والجمهور في العصر الرقمي (شترستوك)وعود وسائل التواصل الاجتماعي للصحافة قبل 13 عاما

ويقول الكاتبان في ليمان لاب، جاكوب نيلسون وجريجوري بيرو، إن معدّي التوقعات وضعوا ثقة كبيرة في بادئ الأمر بدور مواقع التواصل الاجتماعي في مساعدة الصحفيين على تحقيق الدخل والتفاعل مع الجماهير.

فعلى سبيل المثال، تصف توقعات عام 2012 تفاؤلهم المبكر بيوتيوب وتويتر (إكس حاليا) حيث كتبوا آنذاك: "ما نحتاجه هو غرف أخبار يمكنها تصفية محتوى وسائل التواصل الاجتماعي والتحقق منه وتنظيمه وتقديمه لجمهورها".

إعلان

وأشار توقع نُشر عام 2015 إلى أن العام الذي يليه سيكون بداية للتعامل مع كل منصة على أنها منصة نشر، لها جمهورها الفريد، وجدولها الزمني وأشكال النشر الخاصة بها، ومقاييسها الفريدة للنجاح.

معدّو التوقعات وضعوا ثقة كبيرة في بادئ الأمر بدور مواقع التواصل الاجتماعي في مساعدة الصحفيين على تحقيق الدخل والتفاعل مع الجماهير (شترستوك)

أما توقع عام 2017 فأشار إلى أن المؤسسات الإخبارية ستستخدم منصات التواصل الاجتماعي لتحديد المحتوى الذي ينشره المستخدمون باعتباره قصصا "رائجة" يجب على الصحفيين تغطيتها لاحقا.

وجاء في هذا التوقع أن "الصحفيين لن يأخذوا هذه الطريقة الجديدة في جمع الأخبار على محمل الجد فحسب، بل سيضعون إستراتيجيات ويشكلون فرقا لإشراك المحتوى الذي يصنعه المستخدمون في عملياتهم أكثر من أي وقت مضى".

ويلفت الكاتبان إلى أن التوقعات الأولية السابقة تعكس شعورا بالتفاؤل بشأن منصات وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن توجه ضمني ومتحمس على الأغلب، بأن هذه المنصات ستلعب دورا أساسيا في العلاقة بين الصحافة والجمهور في العصر الرقمي.

الصحفيون باتوا يرون وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة تحدّ لاستقرار الصحافة ومصداقيتها بين الجمهور، في حين تتضاءل الفوائد التي يمكن أن تُجنى منها.

بواسطة نيمان لاب

توقعات مختلفة في الأعوام الأخيرة

وبينما كانت التوقعات المبكرة تميل إلى اعتبار أن منصات التواصل الاجتماعي ستبقى موجودة، مع التركيز على الطرق التي قد يفكر الصحفيون في استخدامها لتحسين جودة وتأثير عملهم، بدأ هذا الافتراض يصبح مع مرور الوقت سؤالا مفتوحا.

ففي بعض التوقعات لعام 2023، اقتُرح صراحة أن الصحفيين قد يفكرون في تجاوز منصات التواصل الاجتماعي تماما، وجاءت هذه التوقعات في أعقاب استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك على تويتر في العام الذي سبقه.

وانتقد ماسك بانتظام وسائل الإعلام التقليدية، في محاولة لإقناع الناس بالاعتماد على منصة إكس التي أعاد برمجتها لتشجيع هيمنة الأصوات المحافظة واليمينية المتطرفة، وفق تقديرات مؤسسات صحفية.

ومنذ استحواذه على إكس كتب ماسك الذي يتابع حسابه 227 مليون شخص 1017 منشورا هاجم فيها الصحافة، بمعدل 3 مرات تقريبا في كل يوم من سبتمبر/أيلول 2024 وحتى سبتمبر/أيلول الماضي، وراوحت هجماته بين الإهانات ونزع الشرعية عن وسائل الإعلام الإخبارية المهنية، وفق تحليل لمنظمة مراسلون بلا حدود.

حماس المجتمع الصحفي لمنصات التواصل الاجتماعي تضاءل مع مرور الوقت، لكنه لم يحدث أي تغيير إزاء مستخدمي هذه المنصات (شترستوك)

وافترضت التوقعات لعام 2024 أن "صناعة الأخبار ستضطر إلى مواجهة واقع بناء جمهور في عالم ما بعد وسائل التواصل الاجتماعي".

وفي حين تعكس التوقعات السابقة أن حماس المجتمع الصحفي لمنصات التواصل الاجتماعي قد تضاءل مع مرور الوقت، لم يحدث أي تغيير في تصورات مستخدمي هذه المنصات، أي الجمهور.

وعلى الرغم من أن ما وصفاه جاكوب نيلسون وجريجوري بيرو بالازدراء المتزايد لهذه المنصات، ينبع إلى حد كبير من المضايقات التي يتعرض لها الصحفيون من قِبل الجمهور، فإن تصورات المجتمع الصحفي عن هذا الجمهور لا تزال إيجابية.

إعلان

وتشير هذه النتائج إلى أن ثقة الصحفيين في الأشخاص الذين يسعون للوصول إليهم بأخبارهم قوية للغاية، وهو أمر منطقي -وفق الكاتبين- بالنظر إلى أن أولئك العاملين في الصحافة يطمحون إلى خدمة الصالح العام.

مقالات مشابهة

  • بيراميدز وسيراميكا في مواجهة متكافئة.. ناقد: لقاء خارج التوقعات
  • قمة خارج التوقعات بين الأهلي والزمالك في نهائي السوبر المصري
  • حكم التحرش وانتهاك خصوصيات الآخرين في الشرع
  • مختبر أميركي يكشف أسباب تراجع حماس الصحفيين لمنصات التواصل
  • عباس يؤكد: حماس لن يكون لها دور في حكم القطاع
  • عباس: حماس لن يكون لها دور في حكم القطاع
  • الرياض.. القبض على شخص يقود مركبة مسروقة ويعرض حياة الآخرين للخطر
  • نجم الأهلي السابق: قمة الأهلي والزمالك خارج التوقعات
  • محمود أبو الدهب: نهائي السوبر بين الأهلي والزمالك خارج التوقعات