تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم قراءة الإمام آية فيها سجدة تلاوة في الصلاة السرية؟ حيث يسأل رجلٌ يصلِّي بالناس إمامًا: ما حكم قراءته آيةً فيها سجدةٌ للتلاوة في الصلاة السرية؟ وإذا جاز له ذلك فهل يسجد لها على الفور، أو يجوز له تأخيرها حتى الانتهاء مِن الصلاة؟

وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: يُكره للرجل المذكور إذا كان يصلي بالناس إمامًا أن يقرأ آيةً فيها سجدةٌ للتلاوة في الصلاة السرية، فإذا قرأ فَلْيُؤَخِّر السجود لها إلى ما بعد الانتهاء مِن الصلاة؛ حتى لا يُشَوِّشَ على المأمومين.

حكم صلاة الجنازة إذا صلى الإمام وهو على جنابة.. الإفتاء تجيبما حكم المبالغة في سعر الكتب للطلاب؟ .. الإفتاء تجيبحكم لصق أوراق الأذكار في الأماكن العامة.. الإفتاء توضحما حكم الإخبار بما في الخاطب من عيوب؟.. الإفتاء توضح

حكم سجود التلاوة
مِن المقرر شرعًا أنَّ السجود للتلاوة مطلوبٌ في حق القارئ والمستَمِع، سواءٌ أكانت التلاوة في الصلاة أم خارجها؛ لما أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل، حتى إذا جاء السجدة نزل، فسَجد وسَجد الناسُ، حتى إذا كانت الجمعةُ القابِلَةُ قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ»، ولَم يَسجد عمر رضي الله عنه. وزاد نافعٌ عن ابن عمر رضي الله عنهما: "إِنَّ اللهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ، إِلَّا أَنْ نَشَاءَ".

والمختار للفتوى: أنَّ السجود للتلاوة سُنَّةٌ، يثاب فاعلُها، ولا يُؤاخَذ تاركُها، وهذا ما عليه جمهورُ الفقهاء مِن المالكية والشافعية والحنابلة. ينظر: "التاج والإكليل" للإمام أبي عبد الله المَوَّاق المالكي (2/ 361، ط. دار الكتب العلمية)، و"فتح العزيز" للإمام الرَّافِعِي الشافعي (4/ 185، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامَة الحنبلي (1/ 446، ط. مكتبة القاهرة).

حكم قراءة الإمام آية فيها سجدة تلاوة في الصلاة السرية وأقوال الفقهاء في ذلك
قراءة الإمام آيةً فيها سجدةٌ للتلاوة في الصلاة السرية وسجودُه لها -محلُّ خلافٍ بين الفقهاء.

فذهب فقهاء الحنفية إلى أنَّه لا ينبغي للإمام في الصلاة السرية قراءة آيةٍ لها سجود؛ لأنه إذا قرأها ولَم يسجد لها فقد تَرَك السجدة عقب التلاوة، وإن سجد لها لَم يَعلم المأمومون سببَ السجود، فيظنون أنه سَهَا عن الركوع، فيُسَبِّحُونَ له ولا يَتَّبِعُونَهُ في سجوده، مما قد يترتب عليه اختلاف كبير بين المصلين، إلا أنه يجب السجود لها عقب تلاوتها، ويسجد المأمومون معه؛ لتقرر سبب السجود في حق الإمام بالقراءة، وفي حق المأمومين بوجوب متابعة الإمام.

قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي في "المبسوط" (2/ 10، ط. دار المعرفة): [ولا ينبغي للإمام أن يقرأ سورة فيها سجدة في صلاة لا يجهر فيها بالقرآن؛ لأنَّه لو فعل ذلك وسجد لها اشتبه على القوم فيظنون أنَّه غلط فقدم السجود على الركوع، وفيه مِن الفتنة ما لا يخفى، فإن قرأ بها سجد لها؛ لتقرُّر السبب في حقه وهو التلاوة، وسجد القومُ معه؛ لوجوب المتابعة عليهم] اهـ.

وذهب فقهاء المالكية إلى كراهية تعمد الإمام أو المنفرد قراءةَ آيةٍ فيها سجدةٌ في صلاة الفريضة، سواء كانت الصلاةُ سِرِّيَّةً أو جَهرِيَّةً؛ لما يترتب عليه من الخلط على المأمومين في الصلاة.

جاء في "المدونة" للإمام مالك (1/ 200، ط. دار الكتب العلمية): [لا أحب للإمام أن يقرأ في الفريضة بسورة فيها سجدة؛ لأنه يخلط على الناس صلاتهم] اهـ.

ومع قولهم بكراهة تعمد قراءتها، إلا أنهم نصوا على مشروعية السجود لها عند قراءتها في الصلاة، سواء كانت الصلاة جَهرِيَّةً أو سِرِّيَّةً، واختلفوا في حُكمها، فقيل: سُنَّة، وقيل: فضيلة، أي: مندوبة.

وكذلك استحبوا أن يجهرَ الإمام بآية السجدة في الصلاة السِّرِّيَّةِ؛ حتى يعلم المأمومون خَلْفه أنه يسجد للتلاوة فيتابعونه في السجود لها، فإن لم يجهر بها وسجد لها، فللمأموم به أن يتابعه في السجود كما هو قول الإمام ابن القاسم، أو لا يتابعه كما هو قول الإمام ابن سحنون، مع صحة الصلاة في الحالتين.

قال العلامة عَلِيُّ بن خَلَفٍ المنُوفِيُّ في "كفاية الطالب الرباني" (1/ 361، ط. دار الفكر، مع "حاشية العدوي"): [(ويسجدها) أي: سجدة التلاوة (مَن قرأها) وهو (في) صلاة (الفريضة و) صلاة (النافلة) سواء كان إمامًا أو فذًّا، وإن كره لهما تعمُّدها في الفريضة على المشهور، ويجهر بها الإمام في السِّرِّيَّةِ، فإن لم يَجهر بها وسجد، قال ابن القاسم: يَتبعه مأمومُه، وقال سحنون: لا يتبعه؛ لاحتمال سَهْوِه. ابن عرفة: وتَصِحُّ صلاتهم إنْ لَم يتبعوه على القولين] اهـ.

قال العلامة العَدَوِي مُحَشِّيًا عليه: [قوله: (ويَسجدها مَن قرأها.. إلخ) وهل سجوده سُنَّة أو فضيلة؟ خلاف] اهـ.

وذهب فقهاء الشافعية إلى أنَّ قراءة الإمام لآية سجدة في الصلاة السرية لا كراهة فيها؛ لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ «سَجَدَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ، فَرَأَيْنَا أَنَّهُ قَرَأَ تَنْزِيلَ السَّجْدَةِ» أخرجه الأئمة: أبو داود في "السنن" واللفظ له، والبيهقي في "السنن الكبرى"، وعبد الرزاق في "المصنف".

إلا أنه يُستحبُّ للإمام في الصلاة السرية تأخير السجود للتلاوة إلى ما بَعْد الفراغ مِن الصلاة؛ حتى لا يُشَوِّشَ على المأمومين في صلاتهم بسجوده للتلاوة أثناء الصلاة.

قال الإمام النووي في "المجموع" (4/ 59، ط. دار الفكر): [وإن كان المصلي إمامًا فهو كالمنفرد فيما ذكرناه، قال أصحابُنا: ولا يكره له قراءة آية السجدة في الصلاة، سواء كانت صلاةً جَهرِيَّةً أو سِرِّيَّةً، هذا مذهبنا] اهـ.

وقال في "روضة الطالبين" (1/ 324، ط. المكتب الإسلامي): [إذا قرأ الإمامُ السجدةَ في صلاةٍ سِرِّيَّةٍ، استُحب تأخير السجود إلى فراغه مِن الصلاة] اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن حَجَرٍ الْهَيْتَمِي في "تحفة المحتاج" (2/ 213-214، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ولا يُكره لإمامٍ قراءةُ آيةِ سجدةٍ مطلقًا، لكن يُسَنُّ له في السرية تأخيرُ السجود إلى فراغه؛ لِئَلَّا يُشَوِّشَ على المأمومين] اهـ.

وذهب فقهاء الحنابلة إلى كراهة قراءة الإمام آيةً فيها سجودٌ للتلاوة في الصلاة السِّرِّيَّةِ، وكذلك يُكره السجود لها إن قرأها؛ لما في ذلك مِن التشويش والخلط على المصلين، وإذا سجد الإمام لها لا يَلزم المأمومَ متابعتُه في ذلك، إلا أنَّ متابعتَه أَوْلَى مِن مخالفته.

قال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي في "مطالب أولي النهى" (1/ 588، ط. المكتب الإسلامي): [(وكره قراءة إمام) آية (سجدة بصلاة سِرٍّ) كظهر وعصر؛ لأنَّه إن سجد لها خلط على المأمومين، وإلا ترك السُّنَّة (و) كره (سجوده) أي: الإمام (لها) أي: التلاوة لصلاة سِرٍّ؛ لما فيه من التخليط على مَن معه، (ويُخَيَّر مأموم) سَجَد إمامُه في صلاة سِرِّيَّةٍ بين المتابعة وتَرْكها، (و) كون المأموم (يتابع) إمامَه (أَوْلَى)؛ لعموم: «وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا»] اهـ.


وبينت ما سبق: أنَّ قراءة الإمام آيةً فيها سجدةٌ للتلاوة في الصلاة السِّرِّيَّةِ غير مكروهة عند الشافعية، ومكروهةٌ عند جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو المختار للفتوى، ومع ذلك يُشرَع السجود لها فَوْر قراءتها وجوبًا كما هو مذهب الحنفية، وسُنَّة أو فضيلة كما هو مذهب المالكية، ويُشرع تأخير السجود لها حتى يَفرغ مِن الصلاة استحبابًا كما هو مذهب الشافعية، ويُستحب عند إرادة السجود أثناء الصلاة الجَهرُ بآية السجود عملًا بمذهب المالكية؛ حتى يعلم المأمومون بسبب السجود وأنه للتلاوة فيتبعوه في ذلك.

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: يُكره للرجل المذكور حال كونه يصلي بالناس إمامًا أن يقرأ آيةً فيها سجدةٌ للتلاوة في الصلاة السرية، فإذا قرأ فَلْيُؤَخِّر السجود لها إلى ما بعد الانتهاء مِن الصلاة؛ حتى لا يُشَوِّشَ على المأمومين.

طباعة شارك سجود التلاوة حكم سجود التلاوة حكم قراءة الإمام آية فيها سجدة تلاوة الإمام الصلاة السرية

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: سجود التلاوة حكم سجود التلاوة الإمام الصلاة السرية السجود لها م ن الصلاة ر السجود رضی الله سجدة فی فی صلاة أن یقرأ إذا قرأ فی ذلک کما هو فی الس الله ع إلا أن إمام ا ما حکم

إقرأ أيضاً:

هل توزع دية الميت كميراث وما هي الطريقة الشرعية للتقسيم؟.. الإفتاء تجيب

ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية يقول السائل هل دية الميت توزع كميراث وكيف يكون التقسيم الشرعي للدية لها.

وأجابت دار الإفتاء قائلة إن دية القتيل توزع على ورثته وفق أنصبتهم الشرعية تمامًا كما توزع تركته، وأن عفو أحد الورثة عن نصيبه لا يلغي حقوق بقية الورثة في أنصبتهم المستحقة، حيث يحصل كل منهم على حقه بحسب سهمه الوارد في الميراث.

وأوضحت أن رجلا توفي في حادث وقضت المحكمة بدفع الدية لأهله، فإن زوجته ترث الثمن فرضًا لقوله تعالى فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين، ولكل واحد من والديه السدس فرضًا لقوله تعالى ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد، وما بقي بعد فرض الزوجة والأبوين يقسم بين الأبناء تعصيبا للذكر منهم ضعف نصيب الأنثى لقوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا كان الأبناء إناثا فقط فلهن الثلثان فرضا وتعول التركة من أربعة وعشرين إلى سبعة وعشرين، وإذا كان أحد الورثة متسببا في القتل فلا يرث من الدية ويرث من غيرها.

هل يرث القاتل في المقتول ؟

وتابعت أنه لا يرث القاتل من المقتول إذا كان قتله عمدًا عدوانًا، وكذلك من قتل خطأ وأوجب عليه الدية أو الكفارة فإنه لا يرث للحديث ليس للقاتل من الميراث شيء، وأجمع العلماء على أن القاتل لا يرث من المقتول إذا كان قتلا مضمونا ولو عفا الأب، لكن إن سمح الورثة الباقون له بالمشاركة وكانوا راشدين فلا حرج عليهم، أما إن كان الوارث الأب أبا المقتول وأبا القاتل وسمح بمشاركته في الإرث فالحق له إذا كان القاتل له إرث.

جوائز تصل إلى3.5 مليون جنيه..انطلاق مسابقة دولة التلاوة لاكتشاف المواهب القرآنيةالأزهر يُدين جريمة إحراق مسجد بالضفة الغربية.. ويطالب بتحرك عاجل لوقف الإرهابأفضل دعاء للفرج وفك الكرب.. كلمات بسيطة رددها بعد التسليم من الصلاةالإفتاء تؤكد وسطية الإسلام وتدعو لترسيخ ثقافة التسامح ونشر الوعي المجتمعي

وأوضحت أن من قتل خطأ فعليه الدية والكفارة بصيام شهرين متتابعين لقول الله تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا، وأن الدية لا تسقط حتى لو كان القتيل هو المخطئ، وقيمتها خمسة وثلاثون كيلو جراما وسبعمائة جرام من الفضة الخام تقوّم بسعر السوق وقت الأداء، ويجوز تقسيطها لثلاث سنوات إلا إذا شاءت العاقلة تعجيلها، فإن لم تستطع فالقاتل، وإن لم يستطع فيجوز دفعها من الزكاة.

وأضافت أن دية القتل العمد تكون إذا تنازل أولياء الدم عن القصاص وقدرها سبعة وأربعون كيلو جراما وستمائة جرام من الفضة، ويمكن لهم العفو عن القصاص والدية، وإن عفا أحدهم فلا قصاص ولو رفض الباقون، بينما توزع الدية بينهم بحسب أنصبتهم الشرعية دون إسقاط حق أحد بعفو الآخر.

وأشارت دار الإفتاء إلى أقوال العلماء في كفارة القتل الخطأ، فالكفارة عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، واختلف الفقهاء فيمن عجز عن الصيام، فالجمهور على أنه لا إطعام عليه، وقول عند الشافعية يوجب الإطعام قياسا على غيره، والصواب التفصيل بين العاجز عجزا أبديًا فعليه الإطعام، والعاجز عجزا مؤقتا ينتظر قدرته، قياسا على أحكام صوم رمضان.

طباعة شارك تقسيم الدية دار الإفتاء الحكم الشرعي التقسيم الشرعي للدية

مقالات مشابهة

  • حكم صلاة الجنازة إذا صلى الإمام وهو على جنابة.. الإفتاء تجيب
  • ما حكم المبالغة في سعر الكتب للطلاب؟ .. الإفتاء تجيب
  • هل قول الرجل لزوجته تحرمي علي يقع بها الطلاق ؟.. الإفتاء تجيب
  • هل توزع دية الميت كميراث وما هي الطريقة الشرعية للتقسيم؟.. الإفتاء تجيب
  • هل نسيان أو ترك سجود السهو في الصلاة يبطلها ؟.. أمين الفتوى يوضح
  • ما حكم صلاة المرأة بالنقاب؟.. الإفتاء تجيب
  • حكم صلاة الجمعة لمن أدرك الإمام في التشهد.. الإفتاء توضح
  • حكم نشر ومشاركة البلوجر للمقاطع غير الأخلاقية.. الإفتاء تجيب
  • ما حكم ضرب الزوجة تاركة الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب