الصين تعتبر اتهامات التجسس على بريطانيا افتراء ومهزلة سياسية
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
إعداد: فرانس24 تابِع إعلان اقرأ المزيد
نددت الصين بالتقارير عن توقيف شخصين في بريطانيا بتهمة التجسس لصالحها، معتبرة أنها محض "افتراء خبيث" و"مهزلة سياسية". وندّد ناطق باسم السفارة الصينية في لندن في بيان ليل الأحد بالحديث عن توقيف الشخصين بشبهة "تزويد الصين بمعلومات استخبارية".
وأضاف: "الزعم بالاشتباه بأن الصين تقوم "بسرقة المعلومات الاستخبارية البريطانية" هو أمر مختلق بالكامل وافتراء خبيث".
بالمقابل، نقل رئيس الوزراء ريشي سوناك لنظيره الصيني لي تشيانغ خلال اجتماع بينهما على هامش قمة مجموعة العشرين التي استضافتها نيودلهي، استياءه من "تدخلات" بكين في ديمقراطية بلاده. وقال سوناك لقنوات بريطانية الأحد "بالطبع لا أستطيع التعليق على تفاصيل التحقيق الجاري لكن فيما يتعلق بلقائي مع رئيس الوزراء الصيني فقد أثرت مجموعة مخاوف في مجالات التباين وعلى وجه الخصوص قلقي الشديد من أي تدخل في ديموقراطيتنا البرلمانية". وشدد على أن ذلك "غير مقبول اطلاقا".
وأكدت الشرطة البريطانية أنه تم إطلاق سراح المشتبه بهما بانتظار اتخاذ خطوة جديدة مطلع تشرين الأول/أكتوبر، من دون تحديد تفاصيل إضافية.
وأكدت الشرطة في المملكة المتحدة في نهاية الأسبوع المنصرم، توقيف شخصين في آذار/مارس الماضي على خلفية شبهات تجسس، ألقي القبض على الأول في منطقة أكسفورد، والآخر في ادنبره. وأشارت تقارير صحافية بريطانية الى أن الشبهات تدور حول تجسس لصالح بكين.
وأتى كشف القضية في وقت أبدت لندن مؤخرا رغبة في الحوار مع بكين بعد سنوات من العلاقات المعقدة.
فرانس 24 / أ ف ب
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: زلزال المغرب كاس العالم للروغبي مجموعة العشرين ريبورتاج بريطانيا الصين تجسس ريشي سوناك
إقرأ أيضاً:
بكين تنسحب والسودان على المحك
✍️ محمد هاشم محمد الحسن
يمثل طلب جمهورية الصين الشعبية مؤخرًا من رعاياها مغادرة السودان تطورًا لافتًا في المشهد الجيوسياسي والأمني الأفريقي، ويحمل في طياته دلالات عميقة تتجاوز مجرد الإجراءات الاحترازية المعتادة لحماية المواطنين. ففي ظل استمرار الصراع الدامي الذي يعصف بالسودان منذ أكثر من عام، فإن هذا الإجراء الصيني، الذي غالبًا ما يكون محسوبًا وذا مغزى استراتيجي، يطرح تساؤلات حيوية حول رؤية بكين لمستقبل هذا البلد، وانعكاساته على مصالحها المتشعبة في القارة السمراء.
تُعرف الصين بسياستها الخارجية التي تتجنب التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول، وتركز على التعاون الاقتصادي وتنمية البنية التحتية. ولطالما كانت بكين من أكبر المستثمرين في السودان، خاصة في قطاع النفط والمعادن، بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية الكبرى. هذه الاستثمارات الضخمة، التي تخدم مبادرة (الحزام والطريق)، تجعل من قرار سحب الرعايا إشارة قوية على أن الصين ترى أن مستوى المخاطر قد تجاوز نقطة العتبة المقبولة، وأن استمرار وجود مواطنيها في ظل هذه الظروف بات يهدد أمنهم وسلامتهم بشكل مباشر، وربما يشكل تحديًا كبيرًا لقدرتها على حماية مصالحها على المدى الطويل.
إن هذا القرار يمكن تحليله من عدة زوايا. أولاً، إنه يعكس تقييمًا حادًا للوضع الأمني المتدهور وتصاعد أولوية أمن المواطنين في الدبلوماسية الصينية. فبكين عادة ما تكون صبورة وتتحمل مستويات معينة من عدم الاستقرار، لكن استمرار القتال العنيف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والتوسع الجغرافي للنزاع ليشمل مناطق حيوية، أدى بلا شك إلى تصاعد المخاوف الصينية. سحب الرعايا يشير إلى أن بكين لا ترى حلاً وشيكًا للأزمة، وأن الوضع مرشح لمزيد من التدهور، مما يستدعي اتخاذ إجراءات حازمة لتقليل الخسائر البشرية المحتملة.
هذا التوجه نحو إعطاء أولوية قصوى لأمن المواطنين الصينيين في الخارج يمثل تحولًا تدريجيًا في العقيدة الدبلوماسية الصينية، حيث لم يعد مبدأ عدم التدخل يعني التغاضي عن المخاطر الجسيمة التي تهدد حياة رعاياها أو استثماراتها.
ثانياً، إن هذا الانسحاب يحمل دلالات قوية بشأن العلاقة بين الضغط الدولي والوضع الداخلي في السودان. فانسحاب الصين، كشريك اقتصادي واستراتيجي رئيسي، يضع ضغوطاً إضافية غير مباشرة على الحكومة السودانية (في بورتسودان) وقوات الدعم السريع على حد سواء. يمكن أن يُنظر إلى هذا الإجراء كرسالة دبلوماسية صامتة بأن النزاع يجب أن ينتهي، وأن استمراره يؤدي إلى خسارة شركاء استراتيجيين حيويين للتنمية والتعافي الاقتصادي. إن غياب اللاعبين الاقتصاديين الكبار، مثل الصين، يقلل من مصادر الدعم المحتملة للأطراف المتحاربة، ويزيد من عزلة البلاد على الساحة الدولية، مما قد يدفع نحو إعادة تقييم داخلية لجدوى استمرار القتال.
ثالثًا، لا يمكن إغفال البعد الاقتصادي للقرار، وتأثيره المباشر على مبادرة الحزام والطريق. ففي حين أن سحب الرعايا يمثل إجراءً أمنيًا في المقام الأول، فإنه يحمل في طياته دلالات اقتصادية سلبية للسودان. استمرار النزاع أثر بشكل كبير على البنية التحتية، وسلسلة الإمداد، والقدرة التشغيلية للمشاريع. لكن الأهم هو أن وجود الصين في السودان لم يكن مجرد استثمارات معزولة، بل كان جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية أوسع مرتبطة بمبادرة الحزام والطريق التي تهدف لربط الصين بآسيا وأفريقيا وأوروبا. تعطيل المشاريع في السودان بسبب عدم الاستقرار لا يؤثر فقط على المشاريع القائمة في البلاد، بل يلقي بظلاله على سمعة مبادرة الحزام والطريق ككل في مناطق النزاع، ويفرض على بكين إعادة تقييم معايير المخاطر لمشاريعها الكبرى في الدول غير المستقرة، مما قد يؤثر على خططها المستقبلية في المنطقة.
رابعًا، يجب النظر إلى دلالة القرار على المستوى الدولي. فصوت الصين يحمل وزنًا كبيرًا في المحافل الدولية، وقرارها هذا قد يؤثر على قرارات دول أخرى ومستثمرين دوليين. إذا كانت بكين، وهي طرف فاعل رئيسي في السودان، ترى أن الوضع خطير لدرجة تستدعي سحب رعاياها، فإن ذلك قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ إجراءات مماثلة، أو على الأقل إعادة تقييم استثماراتها ووجودها في السودان، مما يزيد من عزلة البلاد ويزيد من الضغوط الدولية على الأطراف المتصارعة للتوصل إلى حل سلمي.
في الختام، يُعد طلب الصين من رعاياها مغادرة السودان نقطة تحول فارقة لا يمكن تجاهلها في مسار الأزمة الراهنة. إنه مؤشر قوي على أن الأزمة السودانية بلغت مستويات حرجة تهدد حتى مصالح القوى العالمية الكبرى. القرار يضع السودان أمام تحدٍ جديد، إذ يجب على الأطراف المتصارعة أن تدرك أن استمرار القتال لا يهدد فقط نسيجهم الوطني، بل يهدد مستقبل علاقاتهم الدولية وفرصهم في التعافي الاقتصادي. فبينما تسعى بكين لحماية أبنائها ومصالحها، تبقى الأنظار متجهة نحو بورتسودان، بانتظار ما إذا كانت هذه الإشارة القوية ستدفع الأطراف المتحاربة نحو إدراك حجم الكارثة وضرورة التوصل إلى حل ينهي هذا النزاع المدمر.
herin20232023@gmail.com