ترجمة : قاسم مكي -
توشك إدارة بايدن على اتخاذ أهم قرار في فترتها الأولى يتعلق بالوقود الأحفوري. دعونا نأمل في اختيارها القرار الصحيح.
ففي وقت ما خلال الأسابيع القليلة القادمة من المتوقع أن يعلن البيت الأبيض ما إذا كان سيوقف الترخيص بتشييد منصات تصدير جديدة للغاز الطبيعي المسال. (تاريخ المقال 24 يناير وفي يوم الجمعة 27 يناير أعلنت إدارة بايدن وقفا مؤقتا للموافقة على تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى البلدان التي لا توجد بينها وبين الولايات المتحدة اتفاقية تجارة حرة - المترجم).
لا يبدو لنا ذلك شيئا مهما إلى أن ندرك حجم ما ينطوي عليه. فالولايات المتحدة أكبر مصدِّر للغاز في العالم. وسبق لها أن صادقت على مجموعة من المنصات الجديدة التي بدأ تشييدها الآن فقط وستضيف طاقة تصديرية تبلغ 200 مليون طن خلال الأعوام الخمسة القادمة.
القضية هنا تتعلق بما إذا كانت إدارة بايدن ستَمنح صناعة الغاز المسال المزيد من التراخيص. فإذا حصلت على ما تريده سيعني ذلك إضافة 300 مليون طن سنويا.
إحصائيا، أطنان الغاز الطبيعي هذه لا تعني أي شيء لمعظمنا. لذلك أوضحت دلالتها هذا الشهر وكالة الأنباء «بلومبيرج نيوز». فهذه الكمية كافية «لتزويد نصف بليون منزل بالكهرباء.» وهنالك 2.3 بليون منزل على ظهر الكوكب.
لذلك هذه أكبر خطة توسع في تصدير الوقود الأحفوري على الإطلاق. وستعني أن أجزاء واسعة من العالم ستعتمد لعقود قادمة على الغاز الصخري بدلا عن الشمس والرياح الأرخص والأقل تلويثا للهواء.
هنالك طريقة أخرى للتعبير عن ذلك. إذا استمر هذا التوسع الهائل بذات الوتيرة (وحتى الآن حصلت صناعة الغاز المسال على أي شيء طلبته) ستنتج صادرات الغاز المسال الأمريكية، حسب محلل الطاقة جيريمي سيمونز كمية من انبعاثات غاز الاحتباس الحراري، تفوق ما ينبعث في الهواء من أي شيء في قارة أوروبا. أي أكثر مما تطلقه أية سيارة ومصنع ومنزل من أثينا إلى هيلسنكي.
وكما وجد تحليل أجراه مؤخرا نادي «سيرَّا كلوب» يمكن أن تسهم منشآت الغاز الطبيعي المسال المقترحة في أزمة التغير المناخي بما يعادل الانبعاثات التي تطلقها 681 محطة توليد كهرباء بواسطة الفحم الحجري أو 548 مليون سيارة يدار محركها بالبنزين في كل عام. وهذا ليس حلا لأزمة المناخ.
لذلك ليس عجيبا أن يعلن علماء المناخ أنهم سينضمون في الشهر القادم لسكان ولايتي لويزيانا وتكساس حيث يجري تشييد هذه المنشآت الضخمة خلال أسبوع للعصيان المدني خارج وزارة الطاقة.
ويطالب هؤلاء السكان بوقف عملية الترخيص إلى أن تتمكن الوزارة من إعداد معايير جديدة تعكس الضرر المناخي من كل انبعاثات غاز الاحتباس الحراري العالمية وتأثيراتها على الهواء والماء في لويزيانا.
ونظرا إلى ضخامة خطة التوسع إذا وافقت إدارة بايدن على وقف التراخيص سيكون ذلك القرار الأكثر إثارة الذي يتخذه أي رئيس أمريكي على الإطلاق للحد من إنتاج الطاقة الملوثة للهواء.
هذا بالطبع يفسر المقاومة الشديدة التي تبديها صناعة الوقود الأحفوري وحلفاؤها في واشنطن. وهؤلاء لديهم بضعة حجج أساسية لدعم موقفهم.
من بينها أن الغاز الطبيعي المسال يمثل على نحو ما مستقبلا أنظف (أقل تلويثا للهواء لأنه كما يفترض يمكن أن يحل محل الفحم الحجري).
لكن بيانات جديدة في الخريف الماضي أوضحت أن غاز الميثان الذي تطلقه سفينة تحمل شحنة من الغاز الطبيعي المسال وبها تسريب خلال رحلتها إلى مقصدها سيكون أسوأ للمناخ من الفحم الحجري.
على أية حال الفحم الحجري لم يعد منافسا. في آسيا يتنافس الغاز المسال أساسا مع الشمس والرياح اللذين هبطت تكاليفهما بنسبة 90% منذ كتابة وزارة الطاقة الأمريكية معاييرها الخاصة بالتصديق على هذه المنشآت.
الحجة الثانية هي أن صناعة الغاز المسال على نحو ما جيدة للولايات المتحدة. هي فعلا تحقق أرباحا للشركات مثل اكسون موبيل التي تسيطر على حقول الغاز الصخري. لكن تصدير الغاز بالضرورة يرفع سعره للأمريكيين الذين ما زالوا يعتمدون عليه في الطهي والتدفئة. وكما أشارت إدارة معلومات الطاقة في مايو «سيترتب عن ارتفاع صادرات الغاز الطبيعي المسال ارتفاع أسعاره في الولايات المتحدة والعكس صحيح أيضا». فعندما أغلقت منشأة تصدير بعدما شب بها حريق في يونيو 2022 انخفض سعر الجملة محليا بحوالي الثلث. لذلك سيكون وقف إنشاء المنصات الجديدة لتصدير الغاز عملا حقيقيا لخفض التضخم. وربما يساعد على تفسير كراهية الأمريكيين لصادرات الغاز والتي تكشف عنها استطلاعات الرأي. فلا أحد يريد استخراج الغاز الصخري في ولايته فقط لتزويد الصين بالغاز الرخيص».
الحجة الأخيرة هي أن صادرات الغاز المسال ضرورية لدعم حلفائنا خصوصا في أعقاب حرب روسيا وأوكرانيا. حقا ساعد الغاز الأمريكي على سد الفجوة عندما أصبح الغاز الروسي غير متاح في الشتاء الماضي وخلال هذا الشتاء مما يدلل على أننا لدينا فعلا طاقة إنتاج أكثر من كافية. في الحقيقة أوروبا تزخر بإمدادات الغاز في الوقت الحاضر كما تشهد بذلك أسعاره المنخفضة. ويوضح معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي أن الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي سيهبط باطراد في السنوات القادمة لأن القارة بعد اندلاع حرب أوكرانيا سرَّعت بشدَّة من وتيرة تحولها إلى الموارد المتجددة.
في الحقيقة أي أحد يشعر بالقلق من موقفنا (نحن الأمريكيين) تجاه حلفائنا عليه تذكر أن الولايات المتحدة وافقت في دبي العام الماضي (حيث لعب المبعوث الأمريكي للمناخ جون كيري دورا رئيسيا في قمة المناخ) على اتفاقية تعلن أن الوقت قد حان «للتحول بعيدا عن الوقود الأحفوري».
ليس هنالك معنى ممكن لتلك العبارة يتسق مع التوسع الهائل في طاقة تصدير الغاز الطبيعي المسال. وإذا لم يفعل الرئيس بايدن ما في مقدوره لوقف هذا التوسع ستكون تلك مجرد كلمات على الورق.
أيضا قلنا في دبي نحن جادون في المساعدة على نشر الموارد المتجددة ليس فقط داخل حدودنا ولكن في كل مكان. فالاحترار لم يوصف بأنه «عالمي» عبثا. وهذه هي الفرصة المثالية لإثبات أننا نعني ذلك.
إذا أوقف بايدن حقا عملية الترخيص وعكفت إدارته في الأثناء على إعادة صياغة معايير منح المزيد من رخص الغاز الطبيعي المسال ستكون تلك أقوى استجابة لأكبر حدث في فترته الرئاسية. إنه ارتفاع درجات الحرارة الذي جعل عام 2023 الأشد حرارة خلال 125000 عام ومن المرجح أن تشتد الحرارة أكثر في العام الحالي.
كل أحد يعلم أن الخصم المرجح لبايدن في انتخابات نوفمبر القادم ينكر التغير المناخي. ففي هذا العام شرع دونالد ترامب في تكرار موقفه القديم وهو أن الاحترار العالمي «أكذوبة».
نحن لا نعرف بعد ما إذا كانت إدارة بايدن على استعداد للمثابرة في التصدي لشركات النفط الكبرى. هذه هي فرصتها.
بن جيلوس المدير التنفيذي لجماعة «سِيَرا كلوب» المعنية بالبيئة والرئيس السابق للرابطة الوطنية للنهوض بالملوَّنين.
بيل مكيبن مؤسس «ثيرد آكت» لحماية المناخ والديمقراطية.
الترجمة لـ عمان عن «واشنطن بوست»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الغاز الطبیعی المسال الغاز المسال تصدیر الغاز إدارة بایدن
إقرأ أيضاً:
مستويات قياسية لانبعاثات غاز الميثان المرتبطة بالطاقة
أكد تقرير لوكالة الطاقة الدولية أن انبعاثات غاز الميثان المرتبطة بقطاع الوقود الأحفوري عام 2024 حافظت على أرقام قريبة من المستويات القياسية التي سجلت عام 2019، وحذر التقرير من الزيادة الهائلة لانبعاثات هذا الغاز الدفيء القوي من منشآت النفط والغاز.
وحسب التقرير السنوي لمرصد الميثان العالمي، كان الإنتاج القياسي من قطاع الوقود الأحفوري -أي الغاز والنفط والفحم- مسؤولا عن إطلاق أكثر من 120 مليون طن من الميثان في الغلاف الجوي عام 2024، وهو ما يقترب من الرقم القياسي الذي سجل عام 2019.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4ما غازات الدفيئة؟ وكيف تغير المناخ على الكوكب؟list 2 of 4ما نقاط التحول المناخية ولِم هي خطيرة؟list 3 of 4أكثر من قطاع النقل.. كيف تساهم تربية الماشية بتغير المناخ؟list 4 of 4هل يكفي الاستغناء عن أكياس البلاستيك بالورق لحل أزمات البيئة؟end of listوينبعث الميثان -وهو غاز غير مرئي في الهواء وعديم الرائحة وثاني أهم غاز مسبب للاحترار المناخي بعد ثاني أكسيد الكربون- من أنابيب الغاز ومناجم الفحم، وأيضا من قطاعي الزراعة وتربية الماشية والنفايات.
ويتم إطلاق نحو 580 مليون طن من غاز الميثان سنويا، يعود 60% منها إلى النشاط البشري الناجم عن الزراعة ثم الطاقة، ويأتي نحو ثلثها من أراضي الخث الرطبة الطبيعية.
ويعد قطاع الطاقة مسؤولا عن نحو ثلث انبعاثات غاز الميثان المتأتية من أنشطة بشرية بسبب تسربات خلال الاستخراج والإنتاج أو عمليات الحرق، والنقل (خطوط أنابيب الغاز، السفن).
إعلانكما تعتبر آبار النفط والغاز غير المستخدمة ومناجم الفحم مصادر رئيسية أخرى لتسرب غاز الميثان، بحسب دراسة جديدة أجرتها وكالة الطاقة الدولية.
وتشكل هذه الآبار والمناجم معا رابع أكبر مصدر انبعاث عالمي لغاز الميثان الناتج عن الوقود الأحفوري، إذ ساهمت بإطلاق نحو 8 ملايين طن في عام 2024.
ويتسبب غاز الميثان في الاحترار المناخي بقدر أكبر بكثير من ثاني أكسيد الكربون، وهو مسؤول عن نحو 30% من ظاهرة الاحترار العالمية منذ الثورة الصناعية وفق الأبحاث المختصة.
وتشير التقديرات إلى أن الصين تعد أكبر دولة مسببة لانبعاثات غاز الميثان المرتبط بالطاقة في العالم، وتحديدا من قطاع الفحم، تليها الولايات المتحدة ثم روسيا.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية، تغطي الالتزامات الحالية من جانب الشركات والدول للحد من انبعاثات غاز الميثان 80% من إنتاج النفط والغاز العالمي، لكن عمليا "يلتزم 5% فقط من هذا الإنتاج على نحو يمكن التحقق منه بمعيار انبعاثات الميثان القريب من الصفر"، وفق الوكالة.
ويعد الخفض السريع والمستدام لانبعاثات الميثان عاملا أساسيا للحد من الاحتباس الحراري على المدى القريب وتحسين جودة الهواء.
ويتطلب ذلك -حسب منظمة الامم المتحدة- خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 45% عن مستويات عام 2010 بحلول عام 2030 للوصول إلى صافي صفر عام 2050.