الأسبوع:
2025-05-13@14:09:41 GMT

السودان.. الحل من الداخل

تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT

السودان.. الحل من الداخل

تعقدت الأزمة السودانية وبلغت ذروتها في فشل المبادرات الإقليمية والدولية وعدم قدرتها على إنهاء الصراع بين قوات التمرد بزعامة محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، والجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة فريق أول عبد الفتاح البرهان ولم يعد أمام ممثلي القوى السياسية والعسكرية في البلاد إلا طرق أبواب الدول المجاورة والبعيدة للبحث عن حل.

وفي هذا الإطار تعددت زيارات المسؤولين السودانيين لعواصم هذه الدول وعادت مرة أخرى الزيارات المتعاقبة التي يقوم بها قائد الدعم السريع حميدتي عقب زيارة البرهان للدول العربية والأفريقية، وهو ما كان قائمًا قبل اندلاع التمرد في 15 أبريل الماضي عندما كان يتعمد محمد حمدان دقلو زيارة كل دولة يقوم رئيس مجلس السيادة بزيارتها وهو ما عرف في ذلك الحين بالنظام السوداني ذى الرأسين.

حيث كان يتعمد حميدتي أن يقوم بنفس الدور الذي يقوم به البرهان باعتباره رئيسًا مساويًا للبرهان في السلطة، ومن الملاحظ أن زيارة البرهان الأسبوع الماضي إلى ليبيا تبعتها زيارة لحميدتي، وتم استقبال الرجلين من رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، وخرجت تصريحات حميدتي عقب الزيارة، وكأنها تصريحات رئيس دولة التقى مع نظيره في دولة أخرى.

حميدتي إذًا يحاول إعادة الأمور في البلاد إلى ما قبل الخامس عشر من أبريل الماضي باعتباره شريكًا في الحكم، ومنازعًا للبرهان في إدارة البلاد، وهو ما يعكس إصراره على تأزيم الموقف، وعدم الاعتراف بالبرهان رئيس لمجلس السيادة وأن الفريق أول عبد الفتاح البرهان مجرد قائد للجيش فقط.

ومن جهة أخرى يرى المراقبون أن الزيارتين المتعاقبتين تشيران إلى حقيقة أن هناك مبادرة ليبية للمصالحة بين الرجلين، وهو ما أكدته تصريحات عبد الحميد الدبيبة التي قال فيها إنه يسعى لإطلاق مبادرة سلام للحل في السودان.. ويبدو أن نجاح الدبيبة في عقد هذه اللقاءات مع قائد الدعم السريع ورئيس مجلس السيادة السوداني قد حظيت بتوافق، ويمكن تطويرها إلى مبادرة للحل الشامل خاصة أن ليبيا لها دور محوري في إنهاء الصراع، أو إشعاله حيث ينطلق المتمردون والأسلحة من الأراضي الليبية إلى داخل السودان، وهو ما يشكل جسرًا لدعم النزاعات المسلحة في إقليم دارفور خاصة والسودان عمومًا، وكانت قيادة القوات المسلحة السودانية قد أعلنت عن ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والمتمردين على الحدود مع ليبيا.. وفي كل الأحوال بدت جميع المبادرات الإقليمية أقرب إلى الحل، ولكنها اصطدمت بحالة التنازع التاريخي المرتبط بتوافق، أو شراكات مع الخارج وهو ما أبطل مفعول جميع المبادرات السابقة الساعية لوقف التمرد، وإنهاء الحرب في البلاد.

وهكذا يبدو أن قادة السودان يصرون على أن حل مشاكلهم في خارج البلاد وليس بداخلها، ومن ثم تتعدد زيارات الوفود السياسية والعسكرية إلى عواصم المدن العربية والإفريقية بحثًا عن إنهاء الصراع العسكري الدائر الآن في البلاد بين قوات التمرد بقيادة حميدتي والجيش السوداني من ناحية، وبين مختلف القوى السياسية التي تدعم أي من الطرفين من ناحية ثانية، وهو ما يعني أن هناك قناعة شبه كاملة لدى جميع الفاعلين في السودان أن حل مشاكل بلادهم لن تأتي من الداخل بل من الخارج، وبضغط من هذه الدول على أطراف العمليتين العسكرية والسياسية.

ويرصد المتابعون للشأن السوداني هذه الزيارات لممثلي تلك الأطراف والتي تعدت العشرات وتضمنت أيضًا عشرات المبادرات التي فشلت جميعها حتى الآن في وقف القتال أو حتى تحييد المدنيين في النزاع العسكري وحماية ممتلكاتهم من النهب والتدمير ولم تفلح الوساطات الإقليمية أو الدولية في إقناع أطراف النزاع في الوصول إلى الحد الأدنى من التوافق على الإبقاء على مؤسسات الدولة خارج دائرة التدمير أو فتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات أو نقل الجرحى والمصابين للعلاج خارج مناطق النزاع أو حتى إبقاء وسائل الاتصال مستمرة، وقد دمرت قوات الدعم السريع شركات الاتصال واستولت على مخازن الأغذية المحلية والدولية واحتلت بيوت مدنيين واعتقلتهم وفق مزاعم سياسية في محاولة مكشوفة لكسب الدعم الدولي الذي أصبح يعطي مكافأة لكل من يقول إنه يقاتل الإسلاميين

اختيار الخارج لحل الأزمة إذا هو محاولة للهروب من الحقيقة التي أصبحت معلنة بأن التمرد على الجيش السوداني هو محاولة للقضاء على الدولة السودانية، وتغيير تركيبتها السكانية وإيجاد نظام يعمل وكيل للوكلاء الإقليميين الذين يعملون في بلاط الإدارة الأمريكية والغربية ومحاولة صياغة شكل جديد للسودان يتوافق مع المزاج الغربي بوجود شعب سوداني ممزق وتائه بين هويات ثقافية مختلفة ومتناقضة تجعله دائمًا في حالة حروب أهلية أو استعداد دائم لها.

وعلى الرغم من مئات المؤتمرات والندوات والمبادرات التي أنتجتها النخبة السودانية عقب قيام ما يسمى بثورة الشباب في أبريل 2019م، إلا أنها لم تتوافق حتى الآن على وضع تصور للخروج من أزمة السودان الحالية وإنهاء حالة التناقض والتنازع المستمرة منذ إعلان الاستقلال في يناير 1956.

ولا يبدو أن السودان يمكن أن يتحرك خطوة واحدة نحو إنقاذ الدولة والحفاظ عليها إلا إذا توافق الفاعلون السياسيون والعسكريون على روشتة علاج سياسية واقتصادية وتنموية وإعلامية واحدة تتعاطاها النخبة في البلاد أولاً والشعب السوداني من بعدها ثانيًا.

ويبقى أن البحث خارج السودان عن تلك الروشتة هو إدخال البلاد في حالة سراب لا يمكن أن يصل بهم إلى شيء.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: خالد محمد علي فی البلاد وهو ما

إقرأ أيضاً:

تحول المجال السوداني لحيز إختبار لتفوق المسيرات !

تحول المجال السوداني لحيز إختبار لتفوق المسيرات !
 
بقلم : محمد بدوي
 

الأحداث التي شهدها السودان في مطلع الشهر الاول من مايو ٢٠٢٥ والذي يصادف بداية السنة الثالثة للحرب في السودان بين الأطراف الرئيسية الجيش والدعم السريع وتحالفاتها المقاتلة والتي برزت مع إستمرار الحرب، والتي تمثلت في قصف الجيش  لطائرة شحن من طراز بوينق بمطار نيالا بولاية جنوب دارفور والتي راح على اثرها ما يقارب ال٧٩ من جرحي مقاتلي الدعم السريع بما يشمل طاقم الطائرة الكابتن الذي وفقا لوسائل الاعلام تنحدر أصوله من دولة جنوب السودان،  بالإضافة إلي ثلاثة آخرين من مساعديه الكينيين، بالمقابل إستهداف الدعم السريع عبر المسيرات مطارات كسلا وبورتسودان ومواعين الوقود وأعيان مدنية اخري ببورتسودان، إمتد الامر الي قصف لسد مروي بالولاية الشمالية، والدمازين بالنيل الازرق، خزانات نفطية بكوستي ، ومواقع بكنانة بولاية النيل الابيض، مثلت نقلة نوعية شرسة ومتسارعة في سياق القتال، حيث برزت أهداف الدعم السريع في قصف المطارات، المقار العسكرية  ومخازن السلاح، محطات تخزين الوقود .

الجدير بالذكر أن دخول المسيرات في حرب السودان بدء بالتقريب في أغسطس ٢٠٢٤ من طرف  الدعم السريع، بينما تأخر الجيش حتي مارس ٢٠٢٤، وفقا للمصادر المفتوحة وليست معلومات موثوقة فقد يكون أمتلاك الأطراف للمسيرات قبل ذلك لكن جاء الإستخدام في التواريخ المشار اليها .
بالعودة إلي سياق الحرب فقد أعلن الدعم السريع على لسان قائده الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي في خطابه الذي جاء عقب بدء  الخروج/ إنسحاب قواته من ولاية الخرطوم وبررت الخطوة باعادة  التموضوع العسكري، ليظل الامر مختلفا حول أسبابه كما يتضح ذلك من تصريحات دالجيش التي  ذهبت الي العكس بان السيطرة تمت عسكريا أي الإجبار على الخروج مع الإشارة إلي تواجد قوات للدعم السريع غربي أمدرمان .

عقب ذلك كشف الدعم السريع عن إسقاط طائرات عسكرية بكل من الفاشر ونيالا والخرطوم الامر الذي إسند بامتلاك أسلحة متطورة تشمل المسيرات وأجهزة الرادارات  التشويش، في ظل هذه السردية جاء قصف الجيش لطائرة الشحن بمطار نيالا، ليكشف القصف عن ثقوب في  سردية تامين الفضاء الجوي من قبل الدعم السريع نسبيا، ويشير في ذات الوقت الي إمتلاك الجيش أسلحة يرجح أن منها مسيرات حديثة وتقنية تمكن  من إختراق رادارات الدعم السريع .

لعل هذا التطور يكشف التحرك السريع  للدعم السريع  سلسلة الإستهدافات لعدة مناطق أدخلت الاقليم الشرقي إلي دائرة الحرب بعد استقرار دام عامين، بينما إستدعت السلطات السودانية  قبل وقت قصير السفير الصيني بالخرطوم لاستفساره عن امتلاك الدعم السريع لمسيرات صينية الصنع، ربما يكشف هذا التوجيه الذي وجهته الحكومة الصينية لاحقا لرعاياها المتواجدين بالسودان للمغادرة فورا.

بالمقابل في ٤ مايو ٢٠٢٥أي اليوم التالي للاستهداف الأول لمطار بورتسودان الدولي وقاعدة فلامنقو العسكرية،  كشفت مصادر صحفية عن هبوط وإقلاع طائرة اسعاف تركية، عملت على إجلاء طاقم تركي فني على صلة إشرافية على  مسيرات تركية إمتلكها الجيش والتي يرجح أنها وراء قصف مطار نيالا في الاول من مايو٢٠٢٥.

المعلومات غير الرسمية التي رشحت من الجيش أو الدعم السريع أو وسائل الاعلام المحلية يمكن تلخيصها لتتبع أسباب هذا التطور العسكري العنيف، في امتلاك الاطراف الرئيسية للحرب لمسيرات تركية وصينية الصنع، مع تفوق الجيش في اختراق رادارات الجيش بمطار نيالا، وتدمير مخزون من الأسلحة، الأمر الذي قاد إلي سباق من قبل الدعم السريع للقضاء على مخزون الجيش من المسيرات التركية وغيرها من الاسلحة المتطورة المتواجدة بمطارلي ببورتسودان، وإستهداف المستودعات  النفطية للتأثير على الحركة اللوجستية للجيش،  وإدخال نشاط  الحرب إلي  إلي قرب ساحل البحر الأحمر، قبل أن تقف الغارات الأمريكية على الحوثي باليمن على خلفية أستهداف السفن التجارية من قبل الحوثي، ولعل تاثير تلك العمليات الحوثية على السفن، أثر في عائدات قناة السويس بنسبة كبيرة خلال ٢٠٢٤.

عطفا على ما سبق مع  بداية العام الثالث للحرب في السودان، صار هناك سباق لإمتلاك الاسلحة المتطورة من قبل الأطراف، بالمقابل تمثل الحالة إحالة إلي  ضعية تفوق للمسيرات لصالح الدول المصنعة، يمكننا تقصي ذلك في تفوق المسيرات التركية في اختراق مطار نيالا، وفشل الدفاعات الارضية في بورتسودان من صد المسيرات الصينية.

من ناحية ثالثة  ووفقا لتقرير حقوقي من منظمة هيومان رايتس ووتش ان دولة الامارات أعادت تصدير أسلحة صينية الصنع للدعم السريع، الأمر الذي يعيد الربط بين الامارات ومحاولاتها السابقة خلال الفترة الانتقالية للسيطرة الايجارية  على ميناء بورتسودان، ثم التحول الي التفكير في ميناء آخر بمنطقة أبوعمامة، بالمقابل فقد ظل وجود تركيا بميناء سواكن في فترة سيطرة النظام السابق وبعض الوقت خلال الفترة الانتقالية، فيما ظلت إسرائيل تسعى لحيز أمني أيضا على ساحل البحر الاحمر في تلك الفترة والتي نشطت فيها جهود محاولات حمل السلطة الانتقالية آنذاك للتطبيع معها.

جميع هذه النقاط يمكن تلخيصها في سياقين داخلي وخارجي، فالداخلي أن الحرب التي بدأت في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ في السودان وصلت مرحلة التنافس في امتلاك التقنيات العسكرية الحديثة، وما حدث في مطاري نيالا وبورتسودان رهين بما ستكشف عنه الأيام القادمة ومن سيتمكن من الحصول على تقنيات عسكرية تفوق الآخر بما يشكل المسيرات والرادارات.

أما في السياق الخارجي  فإن الحرب صارت أكثر ارتباطا بمصالح  الحلفاء الاقليميين، والخريطة الجديدة للموارد، حيث لابد من الوقوف على أن ٢٠٢٥ شهد قصف لمدن بورتسودان والحديدة اليمنية الساحليتان !! إضافة إلي الأحداث الموازية التي لا تنفك عن مشهد التنافس حول تقنيات التسليح حيث التفوق الصيني علي مقاتلات الرافال الفرنسية في الصراع الذي بدأ بين الهند وباكستان، الحالة التي اثبتت أن وقف القتال ممكنا بالوعي والإرادة السياسية .

تحول سماء السودان إلي ساحة إختبار لتقنيات الاسلحة الحديثة لصالح لدول المصنعة يشير إلي أن إتساع نطاق الاطراف الدولية  في حرب السودان، الأمر الذي ينعكس مباشرة طول أمد الحرب في السودان عبر تحول الحيز والمجال السوداني لساحة إختبار لتفوق الأسلحة لصالح الدول المصنعة! وأن القادم هو من الحليف الدولي الذي سيظهر في مشهد السيطرة على مواني بورتسودان والحديدة والساحل !

الخلاصة: ما يجري في السودان لابد من النظر إليه في سياقه التاريخي بدء من الأزمة المالية العالمية في ٢٠١٣، صراعات حزب المؤتمر الوطني المحلول حول إنتخابات الرئاسة ل٢٠١٥، إقتناص أطراف بالوطني المحلول للصراع وإعادة تنظيم حرس الحدود إلي الدعم السريع في ٢٠١٤، حصول القوات الرديفة بدارفور على ٥٤ مليون دولار في ٢٠١٤ من عائدات الذهب بأسواق دبي،  وأن السبب الرئيسي لبدء إنسحاب  بعثة  اليونامد في ٢٠١٧ عقب التلويح  بالقرار في  ٢٠١٥ إلي إكتماله في ٢٠١٩ مرتبط بتاثير الازمة المالية العالمية وتغير سياسات بعض الدول الممولة للبعثة مثل الإدارة الامريكية، تعاقد الأمارات على ميناء بربرا بارض الصومال في ٢٠١٥ وإستئجار مهبط بميناء عصب الاريتري في ٢٠١٧، ليمر العالم بازمة مالية آخري نتيجة لجائحة الكوفيد، مع العلم أن السودان وصل ذروة الأزمة الاقتصادية بدء من٢٠١٦ حتي سقوط نظام الحركة الإسلامية في ٢٠١٩، ليتم زعزعة الفترة الإنتقالية في السودان بعدة طرق من النظام السابق للعودة للسلطة، ثم جاء إنقلاب ٢٠٢١ الذي مثل مرحلة ما قبل حرب ٢٠٢٣ الراهنة، لنختم القول بأن التنافس الداخلي والخارجي حول السلطة والموارد هما دافعا الحرب، ليمثل التاخير في وقف الحرب من الاطراف الداخلية قد يقود إلي ضم الحالة إلي المشهد الدولي الذي ترتبط فيه التسويات مقابل الموارد، أو إحتمال الإخضاع للإشراف الأجنبي ايضا كطريق للسيطرة.

مقالات مشابهة

  • كيكل يتبرأ من تصريحات عن حميدتي
  • عامان على الحرب: صورٌ تحكي مأساة الإعلام السوداني وصمت استوديوهاته
  • زيارة ترامب وضرورة الحل الداخلي
  • ثُمَّ شَقَّتْ هَدأةَ الليلِ رُصَاصة !!
  • المشروع التقدمي الحداثي السوداني: DEAD MAN WALKING
  • ???? مصير حميدتي
  • المنفي يستعرض مع تيتيه مقترحات الحل ويؤكد: الشعب صاحب القرار
  • تحول المجال السوداني لحيز إختبار لتفوق المسيرات !
  • كيكل: ستجدوننا قريباً في موقع المسيرات التي تقصف
  • العدوان على السودان .. الشعب سينتصر