مستقبل غامض ينتظر المهاجرين السوريين بألمانيا.. والحكومة تضغط لإعادتهم طوعًا أو كرهًا
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
(CNN)-- عندما فتحت ألمانيا أبوابها للاجئين الفارين من الحرب في الشرق الأوسط، وصل من سوريا أكبر عدد من الأشخاص من أي بلد آخر - بحثًا عن منازل، وفرص عمل، وتكوين أسر.
وتحيط علامة استفهام الآن حول مستقبلهم، بعد أن أشارت الحكومة الألمانية - التي شددت موقفها بشأن الهجرة في ظل صعود اليمين المتطرف - إلى أن الوقت قد حان لعودة بعضهم إلى ديارهم، طوعًا أو كرهًا.
ووصل نحو مليون سوري إلى ألمانيا في ذروة أزمة اللاجئين بين عامي 2015 و2016، في عهد المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل. ويعيش في ألمانيا في الوقت الحالي ما يقرب من 1.3 مليون لاجئ، منهم 25 ألفًا وُلدوا هناك.
ويدعو المستشار فريدريش ميرز ومحافظون آخرون في حكومته الائتلافية الآن إلى إعادتهم إلى وطنهم.
الحكومة الألمانية جادة في إعادة اللاجئين
وقال ميرز هذا الأسبوع إن برلين ستتعامل مع هذه القضية "بشكل جدي"، مشيرًا إلى أنه "لم يعد هناك أي أساس للجوء في ألمانيا، وبالتالي يمكننا أيضًا البدء بعمليات الإعادة إلى أوطانهم".
وبينما ستشجع الحكومة الألمانية في المقام الأول العودة الطوعية إلى الوطن، قال ميرز إن من يرفضون "يمكن بالطبع ترحيلهم في المستقبل القريب"، وقال إن عودة السوريين إلى وطنهم ستكون أمرًا أساسيًا لإعادة إعمار البلاد التي مزقتها الحرب.
كما كشف المستشار الألماني عن دعوته للرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة برلين لمناقشة هذه القضية.
وما تغير في سوريا هو أن حكومة الأسد لم تعد موجودة، مما أنهى سنوات من الحرب الأهلية. وفي ألمانيا، يحاول ائتلاف ميرز مواجهة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف.
ورغم خطاب ميرز، فإنه لا يزال من غير الواضح في هذه المرحلة مدى اتساع نطاق عمليات الترحيل. لم تعلن ألمانيا حتى الآن سوى عن خطط لترحيل السوريين ممن لهم سجلات جنائية.
ومنذ انهيار نظام الأسد، عاد حوالي 1300 سوري - أي ما يعادل 0.1% - طواعيةً إلى وطنهم، وفق وزارة الداخلية الألمانية.
أوضاع قانونية مختلفة
ويعيش السوريون في ألمانيا في ظل أوضاع قانونية مختلفة - بعضهم حصل على الجنسية الألمانية، بينما يحمل آخرون تصاريح إقامة دائمة. وذكرت "دويتشه فيله" أن أكثر من 160 ألف سوري حصلوا على الجنسية الألمانية بحلول نهاية عام 2023. وقال سياسيون من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي خلال نقاش في الائتلاف الحاكم، الثلاثاء، إن من يندرجون ضمن هذه الفئات لن يحتاجوا إلى مغادرة ألمانيا، بحسب وكالة "رويترز".
ويحمل مئات الآلاف تصاريح إقامة مؤقتة، تُمنح لهم بعد حصولهم على وضع الحماية، مثل اللجوء أو اللاجئ أو الحماية الفرعية، والتي تُطبق عندما لا يُمكن منح أي من الوضعين السابقين ويكون هناك تهديد بوقوع خطر جسيم في بلد المنشأ.
وتسمح تصاريح الإقامة المؤقتة للأجانب العيش والعمل في ألمانيا، بالإضافة إلى الحصول على إعانات حكومية، لكنها تعني أن قدرتهم على البقاء هناك غير مؤكدة.
وتُعدّ مسألة الإعادة إلى الوطن مسألة خلافية، وتأتي مع عقبات قانونية كبيرة. في هذه الأثناء، لا تزال سوريا تعاني من آثار سنوات من الصراع، وينظر المواطنون الألمان إلى هذا النقاش بقلق متزايد.
وقالت رفيف داود، وهي مهندسة معمارية تبلغ من العمر 33 عامًا وتقيم في برلين، وهاجرت من سوريا منذ أكثر من 12 عامًا وهي الآن مواطنة ألمانية: "إن تصريحات ميرز تتجه في اتجاه تأجيج رغبات اليمين بترحيل أي شخص لا يتوافق مع تصورهم المزعوم عن الانتماء إلى ألمانيا، وهذا أمرٌ مرعب".
وقالت داود إنها على الرغم من أنها تعرف أشخاصًا عادوا طواعية، "فإن الحديث عن إعادة الأشخاص الذين كانوا يحاولون الاندماج، والذين يعتبرون ألمانيا وطنهم الثاني أو حتى الأول والوحيد، ويساهمون بنشاط في هذا المجتمع والاقتصاد، أمر مخز للغاية".
ويشعر آخرون بالقلق فيما يتعلق بالوضع السياسي المتقلب في وطنهم. وصف مهندس متقاعد، يقيم حاليًا في ألمانيا ولكنه لا يحمل الجنسية الألمانية، الإطاحة بحكومة الأسد بأنها "ضرورة تاريخية" وتساءل عن بديلها.
وقال الرجل، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، لشبكة CNN: "يجب أن نتساءل عما إذا كانت البلاد تتجه نحو دولة تعكس القيم الأوروبية، والألمانية على وجه التحديد، وتحترم الحريات والمبادئ الإنسانية، أم أن الديكتاتورية والنظام الديني الشمولي الجديد يُعاد إنتاجهما ببساطة تحت مسمى مختلف".
ومنذ الإطاحة بالأسد، شهدت سوريا اندلاع أعمال عنف طائفي مميتة، مع اندلاع اشتباكات بين قوات الأمن والموالين للرئيس السابق، بما في ذلك في منطقة اللاذقية الساحلية السورية في مارس/آذار الماضي.
وفي حديثه لشبكة CNN، قال أكرم البني، الناشط السياسي السوري الذي سُجن في عهد نظام الأسد، إنه على الحكومة الألمانية أن تأخذ في الاعتبار طبيعة السلطة الجديدة في البلاد، والتي يعتقد أنها قد تعرض العديد من السوريين لاضطهاد جديد. وقال البني إنه يجب أيضًا مراعاة الوضع الأمني، مشيرًا إلى أن الأسلحة لا تزال "خارجة عن السيطرة في أيدي الفصائل المتطرفة".
وألمح يوهان فادفول، وزير الخارجية الألماني والسياسي في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) اليميني الوسطي بزعامة ميرز، إلى بعض المشاكل التي تنتظر السوريين خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق، عندما قارن الدمار الذي لحق بالبلاد بـ"صور رأيناها من ألمانيا عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية"، وأعرب عن شكوكه في عودة أعداد كبيرة من المهاجرين السوريين طواعيةً.
ولكن بعد تعرضه لانتقادات حادة من داخل حزبه بسبب تصريحاته، سعى فادفول إلى التأكيد على أن وجهة نظره العامة لا تزال متوافقة مع حزبه.
وانتقد سياسيون آخرون، وخاصة من اليسار الألماني، هذه الخطط. ففي مقابلة مع مجلة دير شبيغل الإخبارية الألمانية، قالت لمياء قدور، من حزب الخضر الألماني، إن "الاعتقاد بإمكانية الترحيل الجماعي (إلى سوريا) الآن يُقلل من تقدير الواقع على الأرض".
وانتقدت جمعية منظمات الإغاثة الألمانية السورية خطط الحكومة، حيث قالت رئيستها نهلة عثمان إن هذا النقاش يمثل ضربة ضخمة للسوريين الذين اندمجوا في المجتمع الألماني، بمن في ذلك العمال المهرة، وذلك خلال مقابلة حديثة مع إذاعة "دويتشلاند فونك".
على سبيل المثال، يوظف قطاع الصحة في ألمانيا أكثر من 6000 طبيب سوري، وفقًا للأرقام الرسمية، مما يجعلهم جزءًا لا يتجزأ من نظام الرعاية الصحية في البلاد. وفي أواخر العام الماضي، حذرت وزيرة الداخلية آنذاك، نانسي فايسر، من أن "مناطق بأكملها" في قطاع الرعاية الصحية في ألمانيا ستنهار إذا غادر السوريون العاملون هناك حاليًا.
مواجهة اليمين المتطرف
على الرغم من المعارضة، إلا أنه من الواضح أن أيام "ثقافة الترحيب" فيما يتعلق بالهجرة إلى ألمانيا في عهد ميركل قد ولّت.
وحلّ حزب البديل من أجل ألمانيا في المركز الثاني في الانتخابات الفيدرالية الألمانية في فبراير/شباط، وحصل على عدد غير مسبوق من الأصوات بعد حملته الانتخابية التي اعتمدت على برنامج مناهض للهجرة وبيان ينص على أن "الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا".
ومنذ انهيار نظام الأسد، يدعو حزب البديل من أجل ألمانيا السوريين في ألمانيا للعودة إلى وطنهم. في غضون ذلك، واصل الحزب تمتعه بشعبية كبيرة، حتى أنه تقدم مؤقتًا على حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في بعض استطلاعات الرأي، مما ترك حكومة ميرز تُكافح للحفاظ على مكانتها.
واتخذ ميرز - الذي انتقد منذ فترة طويلة سياسات ميركل الانفتاحية - موقفًا أكثر صرامة بشأن الهجرة، ويرجع ذلك جزئيًا لمواجهة حزب البديل من أجل ألمانيا.
في حين رحبت سلفه بالمهاجرين في ألمانيا تحت شعار "سندير أمرهم"، أعلن ميرز وحكومته عن مراجعات شاملة لسياسة الهجرة بعد توليه منصبه.
وقال ميرز عن الوضع: "من الواضح أننا لم ننجح في ذلك. ولهذا السبب على وجه التحديد نحاول إصلاحه".
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: أنجيلا ميركل الثورة السورية الحكومة السورية اللاجئون السوريون بشار الأسد حزب البدیل من أجل ألمانیا الحکومة الألمانیة إلى ألمانیا ألمانیا فی فی ألمانیا إلى وطنهم
إقرأ أيضاً:
مسؤول أمريكي: واشنطن تضغط على حزب الله لنزع سلاحه ووقف الدعم الإيراني
قال جون هيرلي، وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، إن واشنطن تسعى لاستغلال "فرصة سانحة" في لبنان لقطع مصادر التمويل الإيراني عن حزب الله والضغط على الجماعة من أجل نزع سلاحها.
وأوضح هيرلي، في مقابلة أُجريت معه مساء الجمعة، أن إيران تمكنت من تحويل نحو مليار دولار إلى حزب الله خلال العام الجاري، رغم العقوبات الغربية التي أضعفت اقتصادها بشدة.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تواصل تنفيذ حملة "الضغوط القصوى" على طهران بهدف تقليص أنشطتها النووية ونفوذها الإقليمي، وخاصة في لبنان، حيث تراجعت قوة حزب الله بعد أن تكبد خسائر كبيرة خلال الحرب مع إسرائيل عامي 2023 و2024.