د. محمد بن خلفان العاصمي

لقد صُمِّمَت رؤية "عُمان 2040" لتكون مشروعًا وطنيًا شاملًا يرسم ملامح مستقبل سلطنة عُمان التنموي وليس مجرد خطة استراتيجية فحسب، وذلك من خلال بناء اقتصاد تنافسي مستدام، ومجتمع ممكّن يعي دوره وواجباته ومسؤولياته، وحكومة فاعلة تقدمية منجزة، ودولة مؤسساتية متكاملة قادرة على مجاراة التحولات العالمية.

ومن بين ركائز هذه الرؤية، تبرز النزاهة والشفافية والحوكمة بوصفها جوهر ضامن لنجاح واستدامة هذا المشروع الوطني وهو الطريق لبناء الثقة بين الحكومة والمجتمع، والمعزز لمكانة سلطنة عُمان في المؤشرات العالمية.

ومنذ تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في عام 2020، جعل من هذه العناصر الثلاثة عنوانًا لمسيرة النهضة المتجددة، وذلك إيمانًا منه بأنَّ العدل أساس الحكم وأن هذه العناصر هي الأساس الذي يجب أن يقوم عليه المشروع الوطني، والضامن الأساسي لتحقيق مستهدفات رؤية "عُمان 2040"؛ حيث جاءت جميعها كركائز أساسية في وثيقة الرؤية، وتم على أساسها إعادة صياغة مفاهيم الرقابة والمتابعة والتقييم وإعادة هيكلة الجهات المختصة وتوسيع اختصاصاتها، كما تم وضع منظومة عمل جديدة مراعية لتحقيق هذه العناصر.

النزاهة:

النزاهة تعني الالتزام بمبادئ الأمانة والعدالة والشفافية في إدارة المال العام واتخاذ القرار، وهي حجر أساس في منع الفساد وتعزيز ثقة المواطنين بالمؤسسات الحكومية والخاصة، لذلك ترتبط النزاهة بشكل وثيق بمحاربة الفساد الإداري والمالي وكل أنواعه، وتسهم في تعزيز أخلاقيات العمل التي بينتها وثيقة السلوك الوظيفي، ورعتها القوانين والتشريعات الخاصة بالعمل ونظامه، لذلك حرصت رؤية "عُمان 2040" على هذا العنصر وعززت دور منظومة الرقابة حتى تتمكن من ضبط هذا العنصر بشكل تام داخل مؤسسات الدولة، الأمر الذي ساهم وسيساهم في حماية المال العام.

وهذا التوجه من شأنه المساهمة بشكل مباشر في نجاح المشروع التنموي الذي يعتمد على ثقة المواطن ويعزز ثقة المستثمرين، وينعكس إيجابيًا على عدة جوانب مُهمة في ملف التنمية؛ مثل: جذب الاستثمارات ووقف الهدر المالي وزيادة جودة الخدمات المقدمة من مؤسسات الدولة، وبالتالي كل ذلك ينعكس على ارتفاع تصنيف الدولة في المؤشرات العالمية المعتمدة مثل مؤشر مدركات الفساد.

الشفافية:

أما الشفافية فإنها تُعرف بإتاحة المعلومات بطريقة سهلة وواضحة ودقيقة وسريعة للمواطنين والمؤسسات بما يمنع تضارب المصالح، ويُسهّل الرقابة المجتمعية، ويساعد في تعزيز المساءلة، وقد جعلت النهضة المتجددة الشفافية أحد الركائز الأساسية التي يجب أن تكون حاضرة في اداء المؤسسات، وبالتالي تم التشديد على أهمية إتاحة البيانات الحكومية (Open data) من خلال التحول الرقمي الذي يعزز الشفافية ويقلل التدخل البشري، وكذلك عملية الإفصاح المالي للمؤسسات والشركات الحكومية حتى يسهل متابعة اداءها بشكل مباشر من قبل المجتمع والجهات المختصة، كذلك تعزيز التواصل المجتمعي من خلال إلزام المؤسسات بفتح قنوات تواصل مباشرة.

وهذا الأمر تُوِّج بإطلاق منصة "تجاوب" التي تُعد نقطة تحول مُهمة في سبيل تعزيز التواصل بين المجتمع والدولة، وكذلك التوجه الخاص بتعيين متحدث رسمي لكل جهة، وكذلك المؤتمرات الإعلامية التي تقوم بها الجهات الحكومية كل عام، ونشر النسخ المجتمعية لأعمال مؤسسات القضاء والرقابة والمتابعة مثل الادعاء العام وجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة ومجلس الشورى. أما غياب الشفافية يؤدي إلى انتشار الشائعات وضعف الثقة بين المجتمع والدولة وبينها وبين المجتمع الدولي، بينما إتاحته يعزز ثقة المواطنين في الدولة، ويسهّل اتخاذ القرار المبني على المعلومات الصحيحة، ويمنح المستثمرين رؤية واضحة للبيئة الاقتصادية، مما يعزز فرص جذب الاستثمارات.

الحوكمة:

ويُشير مصطلح الحوكمة إلى مجموعة القواعد والإجراءات التي تضمن إدارة المؤسسات بشفافية ونزاهة وكفاءة، مع وضوح الصلاحيات والمساءلة، ليس في القطاع الحكومي فقط؛ بل تشمل القطاع الخاص والشركات الحكومية و القطاع الأهلي والمجتمع المدني، ومن خلال مرتكزات النهضة المتجددة فقد ركزت رؤية "عُمان 2040" على بناء جهاز حكومي مرن وكُفء، وذلك من خلال اعادة هيكلة المؤسسات؛ بما يتناسب مع مستهدفات الرؤية وبما يحسن جودة خدماتها، وكذلك اعتماد نماذج حديثة وأساليب متطورة وفلسفات جديدة في منظومة الرقابة المالية والإدارية، كما اكدت التوجهات على استقلالية القضاء والجهات المعنية بالرقابة والمتابعة وضمان عدم استغلالها بشكل سيء واحداث تأثير عليها كيفما كان، وكذلك الحرص على عدم ازدواجية الأدوار بين المؤسسات وذلك من خلال التحديد الدقيق للصلاحيات والمسؤوليات.

إنَّ وجود بيئة تتمتع بقواعد واضحة وحوكمة قوية ضامن حقيقي لتشجيع الشركات العالمية على الاستثمار؛ بما توفره هذه البيئة من تنظيم يقلل المخاطر المتوقعة وكل ذلك يصب في مصلحة تحسين تصنيف سلطنة عُمان في مؤشرات التنافسية العالمية الاقتصادية.

الخلاصة.. إنَّ هذه العناصر الثلاثة هي السبيل لتحقيق أهداف النهضة المتجددة وبلوغ التطلعات الاستراتيجية التي وضعتها القيادة الرشيدة، وعلى صاحب كل مسؤولية أن يضع في ذهنه أن مسؤولية تحقيق ذلك تقع على عاتقه، ويجب عليه أن يكون على قدر المسؤولية والامانة الملقاة عليه، وأن يكون بحجم الثقة الكريمة التي نالها ليرد الجميل للوطن العزيز وقيادته الرشيدة التي تستحق كل الدعم والتقدير لما تبذله من جهود وعمل دؤوب من أجل حاضر ومستقبل سلطنة عُمان.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

"البلديات والإسكان": 13 ألف مسجل في مبادرة "الراصد المعتمد" خلال أسبوع

كشفت وزارة البلديات والإسكان أن مبادرة "الراصد المعتمد" شهدت تفاعلًا واسعًا منذ إطلاقها الأسبوع الماضي، حيث تجاوز عدد المسجلين 13,000 مستفيد من مختلف مناطق المملكة، أكمل منهم أكثر من 5,000 مستفيد البرامج التدريبية المعتمدة وحصلوا على شهادة "الراصد المعتمد"، فيما استقبلت المنصة أكثر من 2,000 بلاغ عن مخالفات بلدية متنوعة خلال الفترة نفسها.
وأوضحت الوزارة أن الإقبال الكبير على التسجيل في المبادرة يعكس الوعي والحرص على الإسهام في تحسين المشهد الحضري ومعالجة مظاهر التشوه البصري، مؤكدة أن المبادرة أصبحت نموذجًا وطنيًا في تمكين المجتمع من أداء دور فاعل في منظومة الرقابة البلدية، وترسيخ مبدأ الشراكة والمسؤولية المشتركة بين المواطن والقطاع البلدي.تطوير أدوات الرقابة
أخبار متعلقة "البلديات" توضح آلية منح مكافآت مالية للمساهمين في كشف المخالفات البلديةمؤتمر ومعرض الحج.. "البلديات والإسكان" تستعرض جهود خدمة ضيوف الرحمنالحقيل: منظومة البلديات تنتقل إلى التشغيل الذكي لخدمة ضيوف الرحمنبيّنت الوزارة أن مبادرة "الراصد المعتمد" تأتي امتدادًا لجهودها في تطوير أدوات الرقابة الميدانية والتحول نحو الرقابة الذكية المعتمدة على البيانات والتقنيات الرقمية، حيث تمكّن أفراد المجتمع من التسجيل عبر منصة "بلدي"، وإتمام دورة تدريبية إلكترونية متخصصة تؤهلهم لاكتساب صفة "راصد معتمد" والإبلاغ عن المخالفات البلدية من خلال رفع بلاغات موثقة بالصور والموقع الجغرافي والمعلومات الدقيقة.
وأضافت الوزارة أن البلاغات تخضع لمنظومة تحقق رقمية متكاملة تضمن دقة البيانات وصحة الصور والمواقع المرفقة، ويتم التعامل معها إلكترونيًا حتى إغلاقها ضمن نظام رقابي موحّد، مشيرةً إلى أن آلية المكافآت المالية للمشاركين تمنح مكافأة تصل إلى 25% من قيمة المخالفة المرصودة، وفق معايير محددة تراعي خطورة المخالفة وصعوبة اكتشافها.معالجة المخالفات
أكدت الوزارة أن المبادرة أسهمت منذ انطلاقتها في رفع مستوى الرقابة الميدانية، وتسريع معالجة المخالفات، وتحسين جودة الاستجابة في البلديات والأمانات، ضمن توجه الوزارة نحو رفع كفاءة الأداء التشغيلي وتوظيف الحلول التقنية في تعزيز الامتثال والحوكمة الميدانية.
وأشارت إلى أن "الراصد المعتمد" يمثل أحد مسارات التحول البلدي الرقمي الذي تتبناه الوزارة لتعزيز المشاركة المجتمعية وتحفيز ثقافة الرقابة الإيجابية، مؤكدةً أن الوزارة ماضية في توسيع نطاق المبادرة لتشمل مجالات جديدة في منظومة العمل البلدي، بما يسهم في بناء مدن أكثر تنظيمًا وجمالًا واستدامة، ويواكب مستهدفات رؤية السعودية 2030 في تحسين جودة الحياة ورفع كفاءة الخدمات البلدية في جميع المناطق.مكافآت ماليةيُذكر أن مجلس الوزراء وافق في جلسته المنعقدة بتاريخ 4 نوفمبر 2025 على منح مكافآت مالية تشجيعية لمن يُسهم في الكشف عن مخالفات لائحة الجزاءات عن المخالفات البلدية، وفق عدد من الضوابط والمعايير المنظمة لذلك، بما يعزز من كفاءة العمل البلدي ويُرسّخ مبدأ الشراكة المجتمعية في الرقابة وتحسين جودة الخدمات.

مقالات مشابهة

  • النهضة تدين حكما جديدا بسجن الغنوشي بسبب تبرعه للهلال الأحمر
  • مجلس إدارة «الرقابة النووية» يطّلع على مستجدات «براكة»
  • غوغل تعاقب تطبيقات أندرويد التي تستهلك البطارية بشكل كبير
  • البنك المركزي يوقف ترخيص إحدى شركات الصرافة ويغلق مقرها بشكل فوري
  • الحرس الثوري: القوى العظمى فشلت في حرب الـ12 يوماً أمام صمود إيران
  • "البلديات والإسكان": 13 ألف مسجل في مبادرة "الراصد المعتمد" خلال أسبوع
  • حسام عبدالغفار: الدولة ملتزمة ببناء نظام صحي مرن ومستدام يتماشى مع رؤية مصر 2030
  • وزير الخارجية: نرفض بشكل كامل أي مخططات لتقسيم السودان
  • انضباط العملية التعليمية.. التعليم: 87 % نسبة الحضور بالمدارس الحكومية