الاعتذار لا يُنقص الكرامة
تاريخ النشر: 15th, November 2025 GMT
خالد بن حمد الرواحي
في مُجتمعاتٍ كثيرة، يُنظر إلى الاعتذار كعلامة ضعف، بينما هو في حقيقته أرقى مظاهر القوة الإنسانية. فليس الشجاع من لا يخطئ؛ بل من يملك الشجاعة ليعترف بخطئه ويُصلحه قبل أن يتضخم أثره. في عالمٍ يميل إلى تبرير الأخطاء وتزيين الهفوات، يبقى الاعتذار فعلًا نادرًا، لكنه وحده القادر على إعادة التوازن بين القلوب والعقول، وبين الخطأ والضمير.
في بيئة العمل مثلًا، قد يخطئ المسؤول في تقدير موقفٍ أو إصدار قرار، لكنه يفضّل الصمت على أن يقول: «كنت مُخطِئًا»، وكأنَّ الاعتذار ينتقص من مكانته لا يرفعها. وفي العلاقات الاجتماعية، كثيرًا ما نُغلِّب تبرير الذات على شجاعة قول «عذرًا»، حتى تحوّلت المجاملة إلى غطاءٍ للأخطاء، والاسترضاء إلى بديلٍ عن المراجعة. وهكذا يتسع الفارق بين الوعي والسلوك، لأننا لم نتعلّم بعد أن الخطأ ليس عيبًا؛ بل الإصرار عليه هو العيب الحقيقي.
حين يغيب الاعتذار، لا يختفي الخطأ؛ بل يتحوّل إلى جدارٍ صامتٍ بين الناس. فالصمت لا يُصلح الخطأ؛ بل يُضفي عليه شرعيةً خفية تُبرّر استمراره. وفي المؤسسات، يفتح ذلك الباب لإضعاف الثقة وتكرار الهفوات، لأنَّ كل طرفٍ يخشى الاعتراف بموضع التقصير. ومع الوقت، يمتد هذا السلوك إلى الحياة العامة، فيُفقد الاعتذار قيمته حين نمارسه مجاملةً لا قناعة؛ فنعتذر بعباراتٍ باردةٍ لا روح فيها، بينما المطلوب أن يصدر من وعيٍ صادقٍ ورغبةٍ حقيقيةٍ في الإصلاح.
في القيادة، يزداد حضور الاعتذار حين يدرك القائد أن الاعتراف بالخطأ لا يُضعف صورته؛ بل يمنحها صدقًا واحترامًا. فالموظفون لا ينتظرون من رئيسهم الكمال؛ بل العدالة، ولا يثق الناس بالمؤسسات التي لا تُراجع قراراتها أو تُصحّح مسارها. حين يعتذر القائد، فهو لا يتنازل عن مكانته؛ بل يُرسّخها؛ لأنه يُعلّم الآخرين أن المسؤولية لا تُقاس بامتلاك القرار فقط؛ بل بالشجاعة على مراجعته.
الاعتذار في جوهره ليس ضعفًا؛ بل وعيٌ بالنفس واحترامٌ للآخر. إنه لحظة صدقٍ نادرة تكشف نضج الشخصية وقوة المسؤول حين يضع الحقيقة فوق صورته. فالمعتذر لا يخسر مكانته؛ بل يكسب احترام من حوله، لأنه يبرهن أن المنصب أو الدور لا يُغنيه عن إنسانيته. والمجتمعات التي تحتفي بالاعتذار تُصبح أكثر نضجًا وعدلًا، لأنها تدرك أن الخطأ فرصةٌ للتعلّم لا تهمةٌ تُخفى بالمجاملة.
حين يصبح الاعتذار جزءًا من ثقافة المجتمع، تتغيّر اللغة بين الناس، ويغدو الإصلاح أسهل من العتاب. فالقيم الكبرى لا تُفرض بالقوانين؛ بل تُزرع بالتربية والممارسة. والاعتذار أحد تلك القيم التي تُعيد للعلاقات دفئها، وللمؤسسات توازنها، وللوطن صفاءه الأخلاقي. إنها خطوة صغيرة في ظاهرها، لكنها تُحدث أثرًا عميقًا في بناء إنسانٍ صادقٍ مع نفسه، منسجمٍ مع الآخرين، ووفيٍّ لما يؤمن به من قيمٍ ومبادئ.
إنَّ غرس ثقافة الاعتذار يبدأ من البيت والمدرسة، حين نعلِّم أبناءَنا أن الخطأ طبيعي، وأن الاعتراف به فضيلة. فالأمم التي تُربّي أبناءها على الصدق والشفافية، تُنشئ أجيالًا لا تخشى المواجهة ولا تهرب من الإصلاح. وكما يُرمّم الاعتذار الثقة بين الأفراد، فإنه يبني جسورًا من الاحترام بين الأجيال، ويزرع فيهم شجاعة تحمّل المسؤولية دون خوفٍ أو تبرير.
الاعتذار لا يُنقص من كرامة أحد؛ بل يرفعها. إنه إعلانٌ بأن الإنسان أكبر من خطئه، وأن الصدق مع النفس هو أول أبواب الإصلاح. فالمجتمعات لا ترتقي بكثرة الشعارات؛ بل بقدرتها على تصحيح أخطائها بوعيٍ وشجاعة. ومن يملك شجاعة الاعتذار، يملك شجاعة البدء من جديد.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الامتناع عن علاج المرضى.. كيف حدَّد القانون معايير الخطأ الطبي الجسيم؟
وضع قانون المسؤولية الطبية تعريفات دقيقة للخطأ الطبي الذي يرتكبه مقدم الخدمة؛ للحفاظ على صحة المرضى واتخاذ الإجراءات القانونية حيال المخالفين.
واستحدث مجلس النواب في المادة 1 من مشروع قانون المسؤولية الطبية وسلامة المريض، بندًا جديدًا يتضمن تعريف الخطأ الطبي، والذي جاء على النحو التالي:
الخطأ الطبي: هو كل فعل يرتكبه مقدم الخدمة أو امتناع عن إجراء طبي واجب عليه اتخاذه وفقًا لأحكام هذا القانون أو القوانين الأخرى المنظمة لذلك، لا يتفق مع الأصول العلمية الثابتة، أو آداب وتقاليد المهن الطبية الصادرة وفقًا لأحكام القوانين المنظمة للنقابات المعنية أو المواثيق الأخلاقية المهنية التي يصدرها المجلس الصحي المصري، حسب الأحوال.
وحدد القانون الخطأ الطبي الجسيم بأنه هو الخطأ الطبي الذي يبلغ حدًّا من الجسامة؛ بحيث يكون الضرر الناتج عنه محققًا، ويشمل ذلك، على وجه الخصوص، ارتكاب الخطأ الطبي تحت تأثير مسكر أو مخدر أو غيرهما من المؤثرات العقلية، أو الامتناع عن مساعدة من وقع عليه الخطأ الطبي أو عن طلب المساعدة له، على الرغم من القدرة على ذلك وقت وقوع الحادثة.
اقرأ أيضًا:
تحذير من الشبورة والقاهرة تسجل 25 درجة.. الأرصاد تعلن طقس الساعات المقبلة
بعد مد المدة.. تعرف على موعد عمل حصر لجان الإيجار القديم
قانون الإجراءات الجنائية..تعرف على بدائل الحبس الاحتياطي
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
الامتناع عن علاج المرضى معايير الخطأ الطبي الجسيم قانون المسؤولية الطبية أحدث الموضوعاتفيديو قد يعجبك:
قد يعجبك
أخبار مصر جمال شعبان يكشف سببًا محتملًا لوفاة محمد صبري منذ 29 دقيقةإعلان
أخبار
المزيدإعلان
أخبار مهرجان القاهرة
المزيدالامتناع عن علاج المرضى.. كيف حدَّد القانون معايير الخطأ الطبي الجسيم؟
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
32 22 الرطوبة: 41% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك