◄ التطورات التقنية والتنظيمية والتشريعية قامت بدور فاعل في جذب المستثمرين

 

الرؤية- سارة العبرية

أكد الدكتور يوسف بن خميس المبسلي، متخصص في العلوم المالية والاقتصادية، أن بورصة مسقط شهدت خلال الفترة الماضية تحولات إيجابية بارزة في أدائها؛ حيث سجّل مؤشر العائد الإجمالي ارتفاعًا ملحوظًا يعكس تفاؤل المستثمرين وجاذبية السوق ومتانة الاقتصاد العُماني.

وأوضح -في تصريحات لـ"الرؤية"- أن هذا الأداء القوي يُعزى إلى تحسن التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان وانخفاض أسعار الفائدة، إضافةً إلى إدراج عدد من الشركات الجديدة في قطاعات استراتيجية، مما أسهم في تنشيط حركة السوق وزيادة أحجام التداول، مشيرا إلى أن البورصة حققت مستوى قياسيًا جديدًا في شهر أكتوبر الماضي؛ إذ بلغت قيمة التداول نحو مليار و74.6 مليون ريال عُماني، مسجلة نموًا تجاوز 110% مقارنة بشهر سبتمبر السابق، وأن الإحصاءات تشير إلى أن القيمة الإجمالية للتداولات خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2025 بلغت نحو 3 مليارات و495.6 مليون ريال عُماني، مقابل مليار و24.5 مليون ريال عُماني في الفترة ذاتها من عام 2024.


 

ويرى المبسلي أن هذا النمو الاستثنائي يعود إلى زيادة ضخ السيولة من قبل الصناديق والشركات الاستثمارية المحلية، والذي أسهم في رفع نشاط التداول وتعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب بمستقبل سوق بورصة مسقط بوصفها إحدى الأسواق الواعدة في المنطقة، القادرة على جذب المزيد من الاستثمارات وتحقيق عوائد مستدامة، مبينا أن انخفاض أسعار الفائدة على الودائع البنكية ساهم في دفع الأفراد إلى البحث عن بدائل استثمارية أكثر ربحية، مما جعل الاستثمار في الأسهم خيارًا أكثر جاذبية للعديد من المستثمرين مقارنةً بالعوائد الثابتة التي تقدمها البنوك، كما أنه خلال الأشهر الماضية، شهدت بورصة مسقط تحسنًا ملحوظًا في أدائها، خاصة بعد إدراج شركات جديدة في قطاعات حيوية مثل النفط والخدمات اللوجستية، وهو ما أسهم في تعزيز الثقة بالسوق وزيادة الإقبال على الاستثمار في الأسهم، سواء في السوق الأولية أو في سوق التداول الثانوي.

ويتابع قائلا: "برزت عوامل تقنية وتنظيمية لعبت دورًا مهمًا في تعزيز هذا التوجه؛ إذ ساعد التحول الرقمي وإتاحة المنصات الإلكترونية وتطبيقات التداول عبر الهواتف الذكية في تسهيل الوصول إلى أسواق المال، بما في ذلك السوق العُماني، فقد أصبح بإمكان المستثمرين إجراء عمليات البيع والشراء للأسهم والسندات بسهولة ومرونة أكبر، مما زاد من جاذبية الاستثمار في البورصة لفئات واسعة من الأفراد، إضافة لذلك، ساهم تطوير التشريعات والقوانين المنظمة للسوق، بما في ذلك تعزيز مبادئ الإفصاح والحوكمة وتوفير بيئة آمنة وشفافة للتداول في رفع مستوى الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب على حدٍّ سواء، وانعكست هذه العوامل في الارتفاع الملحوظ لأحجام التداول في بورصة مسقط، مع نشاط متزايد في تداولات معظم الشركات المدرجة، الأمر الذي يؤكد على تنامي الثقة في سوق المال في سلطنة عُمان باعتباره وجهة استثمارية واعدة تشهد نموًا مستدامًا وتطورًا متسارعًا".

وقال الدكتور يوسف: "يُعد القرار الاستثماري أحد أهم القرارات المالية التي يتخذها الأفراد؛ إذ يحدد الطريقة التي تُوظَّف بها المدخرات لتحقيق عوائد مالية مستقبلية، وتختلف توجهات الأفراد نحو الاستثمار بين الأسواق المالية والقطاعات التقليدية مثل العقار أو الودائع البنكية؛ نتيجة تأثير مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تتداخل فيما بينها لتشكّل السلوك الاستثماري العام للمجتمع"، موضحا أنه من الناحية الاقتصادية يُعد مستوى الدخل الفردي عاملًا محوريًا في تحديد نوع الاستثمار المفضل، فغالبًا ما يتجه أصحاب الدخل المرتفع إلى الاستثمار في الأسهم لما يمتلكونه من قدرة أعلى على تحمّل المخاطر وسعيهم لتحقيق عوائد أكبر على المدى الطويل، في حين يفضل أصحاب الدخل المتوسط الاستثمار في الودائع البنكية لما توفره من استقرار وأمان مالي، كما أن أسعار الفائدة والسياسات النقدية تؤثر بشكل مباشر في القرارات الاستثمارية؛ فعند ارتفاع أسعار الفائدة تصبح الودائع خيارًا أكثر جاذبية، بينما يؤدي انخفاضها إلى توجه المستثمرين نحو البورصة أو العقار بحثًا عن عوائد أفضل.

وأضاف: "أما معدل التضخم فيُعد من العوامل الاقتصادية المؤثرة أيضًا؛ فارتفاعه يؤدي إلى تآكل القيمة الحقيقية للعوائد الثابتة من الودائع البنكية، مما يدفع المستثمرين إلى تفضيل الأصول التي تحتفظ بقيمتها مثل الأسهم والعقارات. ففي فترات عدم اليقين الاقتصادي، يميل العديد من الأفراد إلى الاستثمار العقاري بوصفه ملاذًا آمنًا نسبيًا، ومن الناحية الاجتماعية فإن مستوى الثقافة المالية والوعي الاستثماري يعد دورًا حاسمًا في توجيه قرارات الأفراد؛ فالأشخاص الذين يمتلكون معرفة بأساسيات الاستثمار وإدارة المخاطر يكونون أكثر استعدادًا للتوجه إلى أسواق الأسهم، بينما يميل آخرون إلى تجنب البورصة نتيجة مخاوفهم من ارتفاع المخاطر فيها، مفضلين العقار باعتباره استثمارًا أكثر استقرارًا ومقبولًا اجتماعيًا.

وحول ما يميّز سوق بورصة مسقط اليوم مقارنة بالماضي من حيث فرص الاستثمار للمواطنين، قال: شهدت البورصة عدّة اكتتابات عامة ناجحة أسهمت في إضافة قطاعات جديدة واستراتيجية إلى السوق، مما أدى إلى نمو في الحجم السوقي الإجمالي وتعزيز تنوع أدوات الاستثمار المتاحة، ومكّنت هذه الخطوات المستثمرين من تنويع محافظهم الاستثمارية وتوفير بدائل استثمارية مناسبة لتوجهاتهم ومخاطرهم، وهو ما انعكس بوضوح في الحركة النشطة للتداولات داخل البورصة خلال الأشهر الأخيرة.

وأضاف: في إطار التوجهات الحكومية في سلطنة عُمان نحو مواصلة استراتيجية التخصيص، وإعلان جهاز الاستثمار العُماني سابقا عن خطة شاملة للتخارج من عدد من الشركات في قطاعات جديدة مثل القطاع السياحي والقطاع السمكي، تمهيدًا لطرحها للاكتتاب العام خلال المرحلة القادمة، ومن المتوقع أن يشهد العام المقبل مزيدًا من الاكتتابات الجديدة، ما سيُسهم في تعميق السوق المالية وتعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، إضافة إلى رفع مستويات السيولة والنشاط الاستثماري في بورصة مسقط.

وبيّن المبسلي تعمل بورصة مسقط على استكمال خطتها الاستراتيجية للترقية إلى فئة الأسواق الناشئة، بما يتماشى مع المستهدفات الاستراتيجية لرؤية "عُمان 2040"، وتركّز هذه الاستراتيجية على إطلاق سوق مخصّص للشركات الواعدة وتشجيع إدراج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الخاصة والعائلية في السوق، من خلال تقديم حوافز مشجّعة تسهم في تعزيز الشفافية والثقة في بيئة الأعمال، وضمان استدامة نمو شركات القطاع الخاص ومؤسسات ريادة الأعمال. ومن شأن هذه المبادرات المتكاملة أن تسهم في تطوير أداء سوق رأس المال في سلطنة عُمان، وتُرسّخ مكانة بورصة مسقط كمركز مالي إقليمي جاذب للاستثمار ومحرّك رئيسي للنمو الاقتصادي المستدام.

وحول منظور المجتمع لسوق الأسهم، قال: تتباين وجهات نظر المستثمرين تجاه سوق الأسهم بين من يراها أداة استثمار طويل الأجل تهدف إلى بناء الثروة تدريجيًا، وبين من يعتبرها وسيلة للمضاربة قصيرة الأجل لتحقيق أرباح سريعة، إذ يعتمد هذا التوجه بدرجة كبيرة على مستوى الثقافة المالية والوعي الاستثماري والخبرة، إضافة إلى الأهداف المالية لكل مستثمر، موضحا أن الفئة التي تتبنى الاستثمار طويل الأجل تنظر إلى سوق الأسهم كوسيلة لتحقيق عوائد مستقرة ونمو مستدام بمرور الوقت، ويركز هؤلاء المستثمرون على اختيار الشركات ذات الأداء المالي القوي وتوزيعات الأرباح المنتظمة، ولا يولون اهتمامًا كبيرًا لتقلبات الأسعار اليومية؛ إذ يرون أن العائد الحقيقي يتحقق من زيادة القيمة السوقية للأسهم ونمو الأرباح على المدى الطويل، ويعتمد هذا النهج على التحليل الأساسي ودراسة أوضاع الشركات والقطاعات لتكوين محافظ استثمارية مستقرة تعزز الاستقلال المالي على المدى البعيد.

 

وير أيضا أن السوق فرصة للمضاربة قصيرة الأجل، مستهدفة الاستفادة من فروق الأسعار خلال فترات زمنية قصيرة، إذ يعتمد هؤلاء المستثمرون في قراراتهم على التحليل الفني وحركة السوق اليومية أكثر من التحليل الأساسي، مستفيدين من التطور الكبير في المنصات الإلكترونية وسهولة إجراء الصفقات عبر الإنترنت، وعلى الرغم من أن هذا النوع من التداول قد يحقق أرباحًا سريعة، فإنه يحمل في المقابل مخاطر مرتفعة، خاصة في فترات التذبذب وعدم الاستقرار، إذ يمكن أن تؤدي القرارات غير المدروسة إلى خسائر كبيرة.

وينصح المبسلي المستثمرين باعتماد استراتيجية متوازنة تجمع بين الاستثمار طويل الأجل في الشركات المستقرة والمضاربة المحدودة في الأسهم النشطة ذات السيولة العالية، مُبينا هذا النهج يتيح تنويع مصادر الدخل وإدارة المخاطر بفاعلية، مع الحفاظ على جزء من رأس المال للاستثمار المستدام.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حبس مسؤولين بشركة «الاستثمار الوطني» بسبب إهدار المال العام

أصدر مكتب النائب العام قرارًا بحبس مدير عام شركة الاستثمار الوطني التابعة لوزارة المالية، ومدير إدارة الاستثمار في الشركة على ذمة التحقيق، وذلك بعد إجراء بحث شامل حول شواهد إخلالهما بالمسؤولية الموكلة إليهما.

وفي إطار التحقيق، تبين أن المسؤولين اتبعا سلوكًا مخالفًا لقواعد إدارة المال العام، حيث قاموا بصرف أموال الشركة في غير الأغراض الاستثمارية المحددة، مما أسفر عن انحراف في إدارة الأموال التي بلغت قيمتها 55 مليوناً و648 ألف دينار.

وبناءً على ذلك، قرر المحقق حبسهما احتياطياً على ذمة التحقيق، مع استكمال الإجراءات القانونية لاستيفاء التحقيقات مع بقية المتسببين في إهدار المال العام.

يأتي هذا القرار في إطار حرص النيابة العامة على الحفاظ على المال العام ومحاسبة كل من يثبت تورطه في أي إخلال بالقوانين واللوائح المعمول بها.

مقالات مشابهة

  • المعمري لـ"الرؤية": شبابنا يمتلك مهارات واعدة في التسويق الرقمي وصناعة المحتوى
  • موجة استثمارية غير مسبوقة يقودها كبار السن في أسواق الأسهم الأميركية
  • مؤشر بورصة مسقط الأسبوعي يكسب 179.1 نقطة .. والتداولات 215.4 مليون ريال عماني
  • أول منطقة استثمارية مخصصة للسياحة العلاجية تبدأ العمل مايو المقبل
  • شركة T4Trade وعقلية المتداول.. الأفضلية السلوكية في الأسواق المتقلبة
  • وزير الثقافة: الاستثمار الثقافي منجم فرص واعدة وساهم بـ60 مليار ريال في الناتج المحلي خلال 2023
  • حبس مسؤولين بشركة «الاستثمار الوطني» بسبب إهدار المال العام
  • بورصة مسقط تغلق عند مستوى 5723.50 نقطة.. والتداولات 27 مليون ريال
  • الأسهم الآسيوية تتراجع مع تحول المستثمرين عن شركات التكنولوجيا