جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-08@03:00:39 GMT

استعمار الـ"لا هوية"

تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT

استعمار الـ'لا هوية'

 

الطليعة الشحرية

"لا أوافق على أن الكلب في المعلف له الحق النهائي في العلف، حتى لو قبع هناك لزمنٍ طويل"، ونستون تشرشل.

"لا أُقر على سيبل المثال بأن ظلمًا كبيرًا قد وقع على الهنود الحمر في أمريكا أو ذوي البشرة السوداء في أستراليا، ولا أُقر بأن ظلمًا ارتُكب في حق هؤلاء النَّاس لأن عرقًا أقوى مكانة، وأوسع حكمة ومعرفة قد جاء واحتل مكانهم وبلادهم"، ونستون تشرشل.

لا يختلف الماضي العنصري الإمبريالي عن الواقع الرأسمالي الأحادي القطب والذي يتوسع كسرطان في عالمنا الذي نعيش فيه اليوم. بين الماضي والحاضر تختلف به الهوية والصبغة والأدوات.  الأمس أعطى المستعمر لقب "كلبٍ" لمن استحل مالهم وحالهم وأرضهم، بينما اليوم يسعى النظام العالمي الأحادي القطب إلى طمس الهويات والانتماءات ويسعى جاهدًا إلى فرض "الجندر" وخلق نظامٍ مسخ بلا هوية، هو عالم اللا شيء، وعالم اللاهوية.

(1)

الفرانكفونية

استولت فرنسا على غرب ووسط القارة السمراء في منتصف القرن التاسع عشر وتوسع التبادل التجاري قبل ذلك بقرنين وراجت تجارة العبيد والصمغ العربي ومختلف المواد الأولية. تمكنت فرنسا من السيطرة على أكثر من 35% من مساحة القارة السمراء واستمر حكمها ثلاثة قرون في عشرين دولة أفريقية. وتميز الاستعمار الفرنسي عن غيره كونه آيدولوجيًا ذا هوية ثقافية فرنسية، ولا نستغرب ذلك كون أن أول من استخدمه هو الفيلسوف "دي تراسي" في عصر التنوير الفرنسي. وحرص الاستعمار الفرنسي على صبغ الهويات الخاصة للشعوب بألوان المسيحية والفرانكفونية.

(2)

فرنسا الدموية

لقد كان الاستعمار الفرنسي دمويًا وحشيًا، خلّد لفرنسا في ذاكرتها التاريخية فصولًا سوداء في تجارة الرقيق، والمجازر البشرية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف، زيادة على نهب الثروات، وتدمير المدن، وحرق المكتبات والمساجد. توزعت القارة بعد الاستقلال بين أنظمة فرنسية الصنع والهوى، وأخرى ثورية أو وطنية، سرعان ما تخلصت منها فرنسا، وأقامت وكلاء محليين يحافظون على مصالحها الخالدة.
بالرغم من انسحاب فرنسا العسكري ومزاعم الاستقلال المزيف احتلت فرنسا مناطق غرب ووسط أفريقيا قرونا عدة وأنشأت أشكالًا مباشرة للإدارة وفرضت لغتها وأنظمتها وقيمها وأنظمتها الثقافية. وفي سلسلة الانتفاضات الأخيرة التي طالت القارة السمراء وتهديد ووعيد صبي فرنسا المترئس وبروز لاعبين جُدد في ساحة النزاع بين من هم مرعوبين على مصالح أسيادهم وبين مؤيدين وداعمين للمنتفضين من الروس والإيرانيين والصينيين، في كل تلك الجعجعة هل حرب اصطفاف أحلاف للاستعداد لحرب أخرى حرب النظام العالمي الجديد وما علاقة الهوية بذلك.

(3)

النظام العالمي الجديد

يُشير مصطلح النظام العالمي الجديد "New World Order"، إلى حقبة من التاريخ تشهد تغيرات جذرية في الفكر السياسي العالمي وتوازن القوى. ويرتبط هذا المصطلح بمفهوم الأيديولوجي للحكم العالمي بمعني الجهود الجماعية الجديدة لتحديد وفهم ومعالجة المشكلات العالمية التي تتجاوز قدرة الدولة القومية وحدها. كتب هربرت جورج ولز كتابًا نُشر عام 1940 بعنوان "النظام العالمي الجديد". وتناول فكرة عالم خالٍ من الحرب حيث ينبثق القانون والنظام من هيئة تحكم العالم وبحثت مقترحات وأفكارا مختلفة.

استخدمت عبارات مشابهة لعبارة "النظام العالمي الجديد" في نهاية الحرب العالمية الأولى وذلك عندما دعا وودور ويلسون عصبة الأمم لمنع العدوان، أعيد استخدام عبارات مشابهة عند وضع خطط الأمم المتحدة ونظام "اتفاقية بريتون وودز"، وهي اتفاقية دولية بموجبها اعتمد الصرف بالدولار الذهبي، فتحول بذلك الدولار من عملة محلية إلى عملة دولية.

واستخدم المصطلح بعد ذلك بأثر رجعي على الترتيب الذي وضعه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية باعتباره "نظامًا عالميًا جديدًا"، عند إنشاء مجموعة مؤسسات دولية وتحالفات أمنية أمريكية مثل الناتو و"نظام بريتون وودز" الخاص بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير. ومن الغريب أن يستخدمه ميخائيل غورباتشوف في نهاية الحرب الباردة وجورج بوش الأب في حرب الخليج: "بحثت مئات الأجيال عن هذا الطريق المراوغ إلى السلام، في حين اندلعت آلاف الحروب عبر نطاق المساعي البشرية. اليوم هذا العالم الجديد يكافح من أجل أن يولد عالم مختلف تمامًا عن الذي عرفناه".  هل لنا أن نعتبر أن حرب الخليج هي أول اختبار للنظام العالمي الجديد؟  وما هي الهيئة التي يتوجب عليها حُكم العالم وما هي الأفكار والمقترحات الجديدة؟

الأغرب من كل ذلك؟ هو استخدام عضو مجلس الشيوخ عن نيويورك روبرت إف. كندي" عبارة "المجتمع العالمي الجديد" في يوم خطاب التأكيد في جنوب إفريقيا في 6 يونيو 1966 وتم اغتياله في 6 يونيو 1968.

(4)

فرنسا دون أفريقيا؟

اعتمدت فرنسا في إدارتها لمستعمراتها في القارة السمراء على السياسية البريطانية الشهيرة "فرق تسد" لتسهل إدارتها وتضمن عدم حدوث تمرد كعادة المحتل.

تمكنت فرنسا من إيجاد تيار تابع لها يدافع عنها وعن احتلالها ويواجه مقاومي الفرنسة وعرف هذا التيار باسم (الأوْرَبة الأفريقية) وهو بداية لتذويب الثقافة والهوية الأفريقية وفرنستها. اضطرت فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية وبداية صعود الرأسمالية إلى الخروج العسكري من مستعمراتها، ومنحها استقلالًا شكليًا ومشروطًا وافق عليه معظم الزعماء الأفارقة. تدرك فرنسا أنها لا تساوي شيئًا بدون إفريقيا رغم خروجها المزيف إلا أن فرنسا لم تستطيع أن تمنع نفسها من التأكيد على احتياجها الشديد لأفريقيا.

فقد قال فرنسوا متيران عام 1956 وقبل أن يصبح رئيسًا لفرنسا: "دون أفريقيا فرنسا لن تملك أي تاريخ في القرن الواحد والعشرين"، وعادت ذات العبارة على لسان الرئيس جاك شيراك الذي كان أكثر وضوحًا ومباشرة في الأمر فقال في عام 2008: "دون أفريقيا فرنسا ستنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث".

(5)

هل أفريقيا مهمة؟

تعد أفريقيا محط صراع الأقطاب القوى الدولية باعتبار أن أفريقيا من الدول الكبرى مخزون استراتيجي للطاقة والموارد الطبيعية ومعدنية والمواد الخام المهمة في صناعات النووي، كل ذلك كجعلها محطة صراع نفوذ وطموحات استراتيجية بين القوى العالمية كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل وتركيا والصين وروسيا وإيران من جهة أخرى. تتحكم القارة السمراء في احتياطات الغاز والبترول بما يقارب 124 مليار إلى 100 مليار برميل في انتظار الاكتشاف. وتتركز الثروة النفطية بالقارة في دول نيجيريا والجزائر ومصر وأنجولا وليبيا والسودان وغينيا الاستوائية والكونغو والجابون وجنوب أفريقيا. يصدر إجمالي 23% من إجمالي إنتاج النفط إلى أمريكيا و14% إلى الصين و25% إلى الاتحاد الأوروبي. وتمتلك أفريقيا احتياطي 500 تريليون متر مكعب من الغاز العالمي. ناهيك عن اليورانيوم، الذي تنتج أفريقيا منه ما يقارب 18% من إجمالي اليورانيوم وتحتفظ بأكثر من ثلث إجمالي احتياطات العالم منه. ويمثل احتياطي الذهب 25% من إجمالي إنتاج العالم، وذلك عبر جنوب أفريقيا وغانا، وغينيا، ومالي، وتنزانيا. وتنتج أفريقيا ما يقارب 40% من إجمالي الألماس. هذا غير معدن الحديد والكوبالت والبلاتين وأضف على كل ذلك القارة السمراء أرض زراعية خصبة، كل تلك الثروات ودول أفريقيا تقع تحت خط الفقر.

(6)

أقطاب الصراع

يتصارع الأمريكيون والصينيون على الموارد الطبيعة الخاصة بالطاقة النووية والنفط؛ حيث تعتبر الصين ثاني مستهلك للنفط في العالم، بينما تعد الولايات المتحدة أكبر مورد للنفط للاتحاد الأوروبي. ومن المهم لأمريكا أن لا يتزعزع عرش القوة الأحادية، لذا ترصد أمريكا كل تحركات أي منافسة لها في القارة السمراء. وفي المقابل يتجلى الصراع الروسي الأمريكي في قطبين الطاقة والسلاح.

تَعتبِر روسيا أفريقيا أكبر سوق مستهلك للأسلحة. وتُعتبر القارة الأفريقية أحد أكبر المناطق التي تشهد نزاعاً مسلحًا على مستوى العالم. فقد تضاعفت صفقات السلاح الروسي بنسبة 200% خلال العقد الأخير، بالتأكيد صفقة مربحة لاستعادة نفوذ روسيا في المنطقة الأفريقية، وهو أمر يهدد الهيمنة الأمريكي. في الجهة المقابلة يحاول الاتحاد الأوروبي اختراق الصراع والثبات في أفريقيا عبر مشاريع وأجندات مثل مشروع (التمييز الأمني والأوروبي" ومشروع توحيد (السلوك الخارجي الأوروبي) وجعله منسجما مع دول أفريقيا وربطة بالتنمية والأمن. ناهيك عن التوغل المذهبي وتوغل القوى الصاعدة.

(7)

ماذا بعد العالم الجديد؟

تكالبت كل تلك الصراعات واختلفت الأدوات منذ بداية رحلة الاستعمال في القارة الأفريقية منذ قرون استعمار أو لنسميه هامشيا استحمار، أدواته تطوير ثقافة جديدة لغة جديدة صبغة جديدة تمسيح وتبشير جديد، كل ذلك لخلق ثقب أسود في الهوية لا تتناسب مع الحداثة والتطور والعصر لا تصلح لعالم جديد.

ويعاد الصراع ذاته بعد قرون باصطفاف جديد ووعودٍ جديدة، حرية جديدة، وتبشير بتشيع جديد. انتفاضة القارة السمراء في ظاهرها انتفاضة على الطغيان والوحشية الفرنسية، وفي باطنه انتفاضة قومية ترفض حل هويتها تحت ضغط دولي التنمية مقابل المثيلة (الشذوذ الجنسي)، التطور مُقابل فرض "الجندر".

الصراع لبناء نظام عالمي جديد، والذي تسعى أمريكا وحلفاؤها لبنائه وفرض السيطرة والهيمنة فيه بمركزية أحادية لن يتوقف. وقد يخف الصراع مستقبلًا بعد نشر جائحة عالمية جديدة أو نشر أزمة غذائية بدعوى قلة الموارد، وقد يتم إخضاع الجميع بإذابة اللغات وتشويه الهوية والانتماء؛ وخلق هويات جديدة.

كل تلك الصراعات لُبها النظام العالمي الأحادي الفريد؛ قوامه الانتماء لهوية واحدة وهي اللا هوية.. إنه نظام العبودية الجديد تحت شعار "لا هوية.. لا شيء"!!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا.. ، ، !!

مدخل إلى القارة الجريحة

إفريقيا، التي وُصفت طويلًا بأنها "القارة السوداء"، لم تكن يومًا مظلمة إلا في عيون الطامعين. منذ مؤتمر برلين 1884 - 1885 قُسمت كما يُقسم الإرث بين ورثة بلا رحمة، ثم ورثتها أنظمة هشة تتأرجح بين الاستعمار القديم والهيمنة الجديدة.

اليوم، وبعد أكثر من نصف قرن على رحيل عبد الناصر ومعمر القذافي، وبعد تحولات مصر عقب اتفاقية كامب ديفيد، تجد إفريقيا نفسها أمام مفترق جديد: مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة للقارة. ليست مجرد خطوط على ورق، بل محاولة لرسم هوية ووعي جديدين، وربما استعادة مكانة ضائعة في النظام الدولي.

رحيل الزعماء وغياب المشروع

برحيل عبد الناصر عام 1970 فقدت القارة صوتًا كان يرى إفريقيا امتدادًا طبيعيًا لمصر وللعالم العربي. دعوته إلى منظمة الوحدة الإفريقية لم تكن خطوة سياسية فحسب، بل رؤية لربط المصير العربي بالإفريقي في مواجهة الاستعمار الجديد.

ثم جاء رحيل القذافي عام 2011 ليترك فراغًا آخر. الرجل الذي أنفق من خزائن ليبيا على مشروعات الوحدة الإفريقية، وحلم "الولايات المتحدة الإفريقية"، غاب وترك القارة عرضة للاختراقات.

منذ ذلك الوقت تراجعت جسور التواصل العربي - الإفريقي، ولم تبق سوى خيوط هشة. حتى جنوب إفريقيا، التي عاشت حقبة التمييز العنصري، وجدت نفسها في زمن ما أقرب إلى إسرائيل قبل أن تتغير المعادلة مع سقوط الأبارتهايد.

جنوب إفريقيا: من دولة منبوذة إلى صوت أخلاقي

المفارقة أن الدولة التي عانت من الفصل العنصري، هي اليوم الأكثر جرأة في مواجهة إسرائيل داخل مجلس الأمن، متهمة إياها بتطبيق نموذج أبارتهايد جديد على الشعب الفلسطيني.

جنوب إفريقيا لم تعد مجرد لاعب إقليمي، بل أصبحت ضميرًا عالميًا يذكّر بأن من تذوق مرارة العنصرية لا يقبل بتكرارها. في كل مداخلة دبلوماسية لوفودها بالأمم المتحدة، تحضر صورة مانديلا كرمز حيّ، كأن صوته لم ينقطع.

التوغل الإسرائيلي في القارة بعد كامب ديفيد

بتوقيع مصر اتفاقية السلام عام 1979 فقدت إفريقيا إحدى ركائزها في مواجهة المشروع الصهيوني. إسرائيل، التي كانت معزولة دبلوماسيًا بفضل الجبهة العربية - الإفريقية، وجدت الباب مفتوحًا للعودة.

في إثيوبيا: دعمت أنظمة متعاقبة، وتوغلت عبر ملف "الفلاشا" والتعاون العسكري.

في أوغندا وكينيا: قدمت نفسها كحليف أمني ضد الإرهاب، بخبرة استخباراتية واسعة.

في غرب إفريقيا: اخترقت عبر الزراعة والتكنولوجيا والماس.

في الساحل والصحراء: نشطت شركاتها الأمنية الخاصة تحت شعار "مكافحة الإرهاب".

إسرائيل فهمت أن القارة ليست مجرد أسواق ومناجم وسدود، بل أيضًا ساحة أصوات بالأمم المتحدة. ومن يملك القارة يملك كتلة تصويتية يمكن أن تشرعن أو تعزل.

الاتحاد الإفريقي وخريطة الهوية الجديدة

منذ تأسيس الاتحاد الإفريقي عام 2002 خلفًا لمنظمة الوحدة، تسعى القارة لإعادة إنتاج ذاتها. لكن مبادرة اعتماد خريطة جديدة تعكس أبعادًا أعمق:

الاعتراف بالحدود القائمة لتقليل النزاعات.

صياغة سردية إفريقية موحدة أمام العالم.

إعلان أن القارة لم تعد تابعًا، بل لاعبًا يجب أن يُحسب حسابه.

إنها ليست خرائط لكتب مدرسية، بل جغرافيا للذاكرة والهوية. فمن لا يرسم حدوده بيده، سيرسمها الآخرون له كما فعل الأوروبيون من قبل.

إفريقيا: جسد يبحث عن روح

-- التاريخ يكشف أن القارة كانت دومًا جسدًا ممزقًا يبحث عن روح موحدة. استعمار ونهب وتقسيم حدودي جعلها كمن يعيش في "غرفة مرايا" لا يرى صورته الحقيقية.

اليوم، مع مبادرة الخريطة، تقول إفريقيا: "هذه صورتي الحقيقية، لا كما رسمتموني."

لكن السؤال: هل تكفي الخريطة لإحياء الجسد دون مشروع اقتصادي وسياسي جامع؟

الجيوسياسة الجديدة: إفريقيا بين القوى الكبرى

إفريقيا اليوم مسرح للحرب الباردة الجديدة:

الصين عبر "الحزام والطريق" تستثمر في الموانئ والسكك الحديدية.

روسيا تعود عبر صفقات السلاح و"فاغنر".

أمريكا تحاول موازنة النفوذ الصيني والروسي عبر قواعد ومساعدات.

إسرائيل تسعى لرسوخ نفوذها في المياه والأمن والغذاء.

--مبادرة الخريطة إذن ليست جغرافيا فحسب، بل إعادة تعريف للذات وسط تنافس القوى الكبرى.

فلسطين وإفريقيا: ذاكرة مشتركة

-- في زمن عبد الناصر كانت إفريقيا ترى في فلسطين مرآتها: شعب يرزح تحت استعمار، ويسعى للتحرر. لكن مع التحولات الدولية تراجعت القضية في وعي الكثيرين.

اليوم يأتي صوت جنوب إفريقيا ليذكّر: فلسطين ليست قضية عرب فقط، بل اختبار إنساني عالمي. ومن هنا كان موقفها في مجلس الأمن إعلانًا للهوية أكثر من كونه سياسة خارجية.

--الخريطة كفلسفة وجود

الخريطة ليست خطوطًا، بل فلسفة وجود.حين ترسم إفريقيا خريطتها بنفسها، تعلن أنها لم تعد فراغًا في خرائط الآخرين. لكن التحدي يبقى: كيف تتحول الفلسفة إلى مشروع واقعي؟ اتحاد اقتصادي، تعاون أمني، موقف موحد تجاه الشرق الأوسط، وخاصة تجاه إسرائيل.

نحو صحوة إفريقية جديدة

مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة ليست قرارًا إداريًا، بل دعوة لإفريقيا أن تستعيد روحها بعد غياب زعمائها الكبار وبعد اختراقها من قوى الخارج.

قد تكون جنوب إفريقيا نموذجًا، حين واجهت إسرائيل في مجلس الأمن، بأن القارة قادرة أن تكون صوتًا أخلاقيًا لا يُشترى.

لكن يبقى السؤال: هل تستطيع إفريقيا أن تتحول من ساحة صراع إلى فاعل رئيسي؟ وهل ستكون الخريطة بداية وعي جديد أم مجرد شكل بلا مضمون؟

العلاقات العربية - الإفريقية: عودة إلى الجذور

-- المستقبل يفرض إعادة صياغة العلاقة العربية - الإفريقية على قاعدة المصالح المشتركة. الأمن المائي في نهر النيل، أمن البحر الأحمر، تجارة البحر المتوسط، والهجرة، كلها ملفات لا يمكن معالجتها إلا بشراكة صادقة.

على العرب أن يستعيدوا ما فقدوه بعد كامب ديفيد ورحيل عبد الناصر والقذافي، عبر مشروع حقيقي يعيد وصل ما انقطع. فإفريقيا ليست مجرد عمق جغرافي، بل عمق تاريخي وثقافي، وبدونها يبقى العالم العربي معزولًا في مواجهة التحديات الكبرى.. .!!

--- محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية ---

مقالات مشابهة

  • البديوي: دول المجلس أولت اهتمامًا بالذكاء الاصطناعي إدراكًا منها لدوره المحوري في تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي الجديد
  • «حطه على الشاحن بنسبة 95%».. إبراهيم فايق يكشف عن هوية مدرب الأهلي الجديد
  • توكل كرمان من نيويورك: النظام العالمي ينهار وصمت العالم عن إبادة غزة تواطؤ خطير
  • وزير الصحة يزور مركز مجدي يعقوب العالمي للقلب الجديد بالقاهرة
  • وزير الصحة والسكان يزور مركز مجدي يعقوب العالمي للقلب الجديد بالقاهرة
  • مبادرة الاتحاد الإفريقي لاعتماد خريطة جديدة لإفريقيا.. ، ، !!
  • المنتخبات العربية تقترب من حلم مونديال 2026.. بمشاركة قياسية
  • توفان بديل باركولا في منتخب فرنسا
  • رئيس وزراء فرنسا الجديد لوكورنو يقدم استقالته
  • الموسم الجديد يقدم شراكات عالمية غير مسبوقة.. استحداث 11 منطقة ترفيهية في العاصمة الرياض