جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-15@16:50:53 GMT

تضارب الاختصاصات

تاريخ النشر: 15th, November 2025 GMT

تضارب الاختصاصات

 

 

 

د. صلاح بن راشد الغريبي

 

لا شك أنَّ المراسيم السلطانية والقرارات الوزارية التي تُنظم مؤسسات الجهاز الإداري للدولة تُعدّ من الركائز الأساسية لضمان سير العمل الحكومي بكفاءة. ويعتمد نجاح المؤسسات والمسؤولين فيها على مدى قدرتهم على تطبيق هذه الاختصاصات بدقة، والالتزام بحدودها دون تجاوز.

من الطبيعي أن توجد أحيانًا نقاط تماس أو حلقات اتصال بين المؤسسات المختلفة، فذلك جزء من التكامل المطلوب لتحريك عجلة التنمية؛ إلا أن الخطورة تظهر عندما يُساء فهم هذا التكامل، فيبدأ البعض بكسر الأطر المنظمة، أو التدخل في اختصاصات لا تعنيهم إما عن قصد لتحقيق مصالح شخصية أو جماعية، أو عن غير قصد نتيجة ضعف الإدراك لأهمية الالتزام بالاختصاصات والأنظمة التي تنظمها.

فالنتيجة النهائية هي إضعاف الأداء المؤسسي وتعطيل تحقيق الأهداف الحكومية.

وتزداد الإشكالية تعقيدًا عندما يحدث التداخل داخل المؤسسة الواحدة نفسها، بين وحداتها أو إداراتها، فيتحول التعاون إلى صدام. وغالبًا ما يكون ذلك بدافع تحقيق مصالح شخصية أو مكاسب مادية أو مناصب وظيفية، أو لأسباب ذاتية أخرى.

أما على مستوى الجهات المتعددة، فإنَّ تشعب الاختصاصات حول موضوع واحد يسبب ارتباكًا وإرهاقًا للمستفيدين من الخدمات، سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات. كما يُحدث هذا الخلل إحراجًا للعاملين في المؤسسات ذات العلاقة، ويضعف إيمانهم بجدوى القوانين المنظمة لعملهم.

وتكمن الخطورة الأكبر حين يقع التعارض في قضايا فنية أو قانونية حساسة، كأن تُصدر جهة موافقة على إجراءٍ ما استنادًا إلى اختصاصها، بينما ترفض جهة أخرى الإجراء ذاته بالاستناد إلى صلاحياتها. وهنا يصبح الخلل واضحًا، والنتائج خطيرة.

لذلك.. من الضروري أن تكون منظومة العمل لتحقيق أي منجز أو تنفيذ اختصاص معين تحت مظلة مؤسسة واحدة تُشرف على جميع معاييره وأهدافه؛ ويجب منع أي مؤسسة أخرى من تجاوز صلاحياتها أو إنشاء أعمال تقع خارج نطاق مسؤولياتها. وفي حال حدوث مثل هذا التجاوز، فلا بد من وجود جهة رقابية تضبط الأمور فورًا، وتتابع المستجدات والتغييرات المؤسسية لتصحيح أي مسار في حينه، قبل أن يتسع الخلل ويصعب إصلاحه.

إنَّ وجود جهة مختصة بمراجعة وتنسيق الاختصاصات بين المؤسسات أو تفعيل وتعزيز الجهة المعنية أصبح أمرًا ضروريًا وملحًا لضمان انسيابية الإجراءات الإدارية والخدمية دون فوضى أو ارتباك؛ فاستمرار التضارب والتقاطع في الصلاحيات يؤدي إلى التهرب من المسؤولية ويفتح المجال للمراوغة واستغلال الثغرات لتحقيق مصالح ضيقة؛ وهذا ما يغذّي فكر "أنا ومن بعدي الطوفان" لدى بعض ضعاف النفوس، الذين يسعون للتسلق على حساب المصلحة العامة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عن جائزة السلطان قابوس مرة أخرى

كان لافتًا تصريح سعادة حبيب بن محمد الريامي الأمين العام لجائزة السلطان قابوس صباح الأربعاء الماضي أثناء إعلانه الفائزين الجدد في أفرعها الثلاثة: الثقافة والفنون والآداب، بأنه «لخصوصية الجائزة وهُويتها ارتُئي أن تبقى في الصيغة التي أُريدت لها منذ أُنشِئت»، مضيفًا بأن «هناك بعض الأفكار والرؤى المطروحة، ولكن متخذي القرار، ومن يملكون زمام الأمر في هذه المسألة ارتأوا أن تحافظ الجائزة على مسارها وعلى نمطيتها». وفي الحقيقة فإن تصريحًا كهذا يستحق فتح باب النقاش حوله، ما دامت جائزة السلطان قابوس تخصّ الوسط الثقافي العُماني والعربي، مثلما تخصّ «متخذي القرار»، وما دامت مصدر فخرنا جميعًا ككتّاب وأدباء عُمانيين، نباهي بها أقراننا العرب بكونها أكبر جائزة فردية تُمنح لفائز في العالم العربي؛ إذْ تقترب قيمتها الفردية من 260 ألف دولار، فيما تبلغ القيمة الفردية لجائزة الملك فيصل 200 ألف دولار فقط، أما جائزة سلطان العويس التي يُطلَق عليها «نوبل العرب» فقيمتها 150 ألف دولار، كما ورد في الفيلم القصير الذي عرضتْه مساء الخميس الماضي في حفل تسليم جوائزها. وأنا هنا حريص على ألا أقارن جائزة السلطان إلا بجائزتين عربيتين راسختين، وشديدتَيْ الاحترام من المثقفين العرب، ولا تشهد نتائجهما أي خلافات أو احتجاجات كما هي عادة جوائز عربية أخرى.

دعونا نتساءل أولا: ما هي «خصوصية «الجائزة وهُويتها» اللتين يتحدث عنهما سعادة حبيب الريامي؟ يُمكن الإجابة عن هذا السؤال من موقع الجائزة نفسه: «انطلاقًا من الاهتمام الكبير للمغفور له بإذن الله جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد بن تيمور-طيّب الله ثراه- بالإنجاز الفكري والمعرفي وتأكيدًا على الدور التاريخي لسلطنة عُمان في ترسيخ الوعي الثقافي؛ باعتباره الحلقة الأهم في سلم الرقي الحضاري للبشرية، ودعمًا من جلالته -رحمه الله- للمثقفين والفنانين والأدباء المجيدين.. صدر بتاريخ: ٢٣ من ربيع الأول ١٤٣٢هـ، الموافق: ٢٧ من فبراير ٢٠١١م، المرســــوم السُّلطاني رقم: (18 /2011) القاضي بإنشـاء: جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب». إذن فخصوصية الجائزة تكمن في ترسيخ الوعي الثقافي، انطلاقًا من التاريخ العُماني المشهود له بالتسامح والانفتاح على الآخر وبناء جسور التفاهم بين الشعوب والثقافات. فهل سيؤدي الأخذ باقتراحات تهدف إلى تعزيز هذا الانفتاح على إخوتنا العرب، والتعريف بالجائزة أكثر، وإيصالها لشرائح ثقافية متنوعة، إلى الإضرار بهُوية الجائزة وخصوصيتها؟! ولماذا تحرص كل جائزة أن يكون لها مجلس أمناء من المثقفين والكتّاب والمفكرين ذوي الفكر السديد والرأي الراجح إذا لم تؤخذ بآرائهم في النهاية!

النقطة الأخرى التي تنبغي الإشارة إليها أنه لا توجد جائزة ثقافية أو أدبية مهمّة في العالم تظل محافِظة «على مسارها ونمطيتها» دون أن تجدد نفسها، بما في ذلك نوبل، أهم جائزة ثقافية في العالم التي شهدت عبر مسارها الطويل سلسلة من تجديدات مهمّة حافظت بها على مكانتها وتأثيرها. من هذه التجديدات إضافة جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1968، كما خضعت لوائحها لتعديلات هامة، أبرزها تحديد عدد الفائزين بثلاثة كحد أقصى، ومنع منح الجائزة بعد الوفاة منذ عام 1974. وفي عام 2018 واجهت نوبل أزمة غير مسبوقة في فرع الأدب، فأجرت تغييرات في بنية الأكاديمية المانحة للجائزة وآلية اختيار أعضائها، وأجرت مراجعة شاملة لقواعد تضارب المصالح. هذا عدا تنظيمها مبادرات مثل «حوار أسبوع نوبل» و«منظمة نوبل للتواصل» التي تنشر المحتوى العلمي، وتعزّز الحوار العالمي.

أما الجوائز العربية فهي الأخرى حريصة على التجدد والتطوير بين فترة وأخرى. وسأضرب مَثَلَيْن بالجائزتين المهمتين اللتين سبق أن ذكرتُهما، وهما جائزتا العويس والملك فيصل. فمن تجديدات العويس إضافتها إلى الحقول الأربعة التي بدأتْ بها أول مرة، «جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي» التي تُمنح لشخصيات ومؤسسات ذات أثر بارز في الحياة الثقافية والمعرفية، وتحويلها حفل التكريم إلى ما يشبه مهرجانًا ثقافيًا يمتد لعدة أيام، يتضمن ندوات، ومعارض، وجلسات شهادات وتواقيع كتب، بما يسمح للجمهور والنقاد بالتفاعل المباشر مع الفائزين وتجاربهم. هذا عدا توقيعها مذكرات تفاهم مع جهات أكاديمية وثقافية عربية تتبادل معها إقامة فعاليات ثقافية في أماكن مختلفة من الوطن العربي.

أما جائزة الملك فيصل فقد شهدت أيضًا خلال مسيرتها سلسلة من التطويرات المهمة في أنظمتها ومشروعاتها الثقافية، مثل اعتماد موضوعات محددة تتغيّر كل عام لكل فرع من فروع الجائزة: الدراسات الإسلامية، واللغة العربية والأدب، والطب، والعلوم، بحيث تُعلن هذه المحاور سنويًا في بيانات الترشيح الرسمية، كما أنها انفتحت على إقامة مشروعات ثقافية مصاحِبة، وفي مقدمتها مشروع «مائة كتاب وكتاب» بالشراكة مع معهد العالم العربي في باريس، للتعريف بمائة مفكر وباحث عربي وفرنسي أسهموا في بناء جسور الحوار بين الثقافتين، كما ذكر لي سعادة الدكتور عبدالعزيز السبيّل أمين عام الجائزة في حوار إذاعيّ. علاوة على تنظيمها أيامًا ثقافية وعلمية في عواصم عربية وعالمية.

أردتُ من عرض هذه الأمثلة القول إن «مسألة أن تكون جائزة السلطان قابوس متشابهة أو متوافقة مع مسارات لجوائز أخرى» - كما ذكر سعادتُه في تصريحه - لا يعيبها في شيء، بل إن هذا هو ما يُفترض أن يحدث، أن تستفيد الجائزة من تجارب الجوائز العربية والعالمية الراسخة التي سبقتْها وصار لها صيتٌ قويّ بسبب مرونتها في التطور والتجدد من عام إلى آخر، وعدم جمودها عند نقطة معينة.

سليمان المعمري كاتب وروائي عُماني

مقالات مشابهة

  • عن جائزة السلطان قابوس مرة أخرى
  • ترحيل قاطني العمارات الهشة ببلدية سيدي بلعباس
  • إنهيار بناية بحسين داي.. إجلاء 27 عائلة وهذه أسباب الحادث
  • تيسمسيلت.. إجراءات استباقية لتعزيز الوقاية من حرائق الغابات بـ لرجام
  • نبش قبر نجيب محفوظ!
  • خلل خطير يكشف محادثات ChatGPT على جوجل.. كيف تحمي بياناتك؟
  • رئيس الشيوخ: وزارة الخارجية في الخط الأمامي للدفاع عن مصالح مصر
  • أمن تيزي وزو يوجه نداء للجمهور
  • عمدة نيويورك الجديد يردّ على ترامب: سأحمي مصالح المدينة قبل أي شيء