عن جائزة السلطان قابوس مرة أخرى
تاريخ النشر: 15th, November 2025 GMT
كان لافتًا تصريح سعادة حبيب بن محمد الريامي الأمين العام لجائزة السلطان قابوس صباح الأربعاء الماضي أثناء إعلانه الفائزين الجدد في أفرعها الثلاثة: الثقافة والفنون والآداب، بأنه «لخصوصية الجائزة وهُويتها ارتُئي أن تبقى في الصيغة التي أُريدت لها منذ أُنشِئت»، مضيفًا بأن «هناك بعض الأفكار والرؤى المطروحة، ولكن متخذي القرار، ومن يملكون زمام الأمر في هذه المسألة ارتأوا أن تحافظ الجائزة على مسارها وعلى نمطيتها».
دعونا نتساءل أولا: ما هي «خصوصية «الجائزة وهُويتها» اللتين يتحدث عنهما سعادة حبيب الريامي؟ يُمكن الإجابة عن هذا السؤال من موقع الجائزة نفسه: «انطلاقًا من الاهتمام الكبير للمغفور له بإذن الله جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد بن تيمور-طيّب الله ثراه- بالإنجاز الفكري والمعرفي وتأكيدًا على الدور التاريخي لسلطنة عُمان في ترسيخ الوعي الثقافي؛ باعتباره الحلقة الأهم في سلم الرقي الحضاري للبشرية، ودعمًا من جلالته -رحمه الله- للمثقفين والفنانين والأدباء المجيدين.. صدر بتاريخ: ٢٣ من ربيع الأول ١٤٣٢هـ، الموافق: ٢٧ من فبراير ٢٠١١م، المرســــوم السُّلطاني رقم: (18 /2011) القاضي بإنشـاء: جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب». إذن فخصوصية الجائزة تكمن في ترسيخ الوعي الثقافي، انطلاقًا من التاريخ العُماني المشهود له بالتسامح والانفتاح على الآخر وبناء جسور التفاهم بين الشعوب والثقافات. فهل سيؤدي الأخذ باقتراحات تهدف إلى تعزيز هذا الانفتاح على إخوتنا العرب، والتعريف بالجائزة أكثر، وإيصالها لشرائح ثقافية متنوعة، إلى الإضرار بهُوية الجائزة وخصوصيتها؟! ولماذا تحرص كل جائزة أن يكون لها مجلس أمناء من المثقفين والكتّاب والمفكرين ذوي الفكر السديد والرأي الراجح إذا لم تؤخذ بآرائهم في النهاية!
النقطة الأخرى التي تنبغي الإشارة إليها أنه لا توجد جائزة ثقافية أو أدبية مهمّة في العالم تظل محافِظة «على مسارها ونمطيتها» دون أن تجدد نفسها، بما في ذلك نوبل، أهم جائزة ثقافية في العالم التي شهدت عبر مسارها الطويل سلسلة من تجديدات مهمّة حافظت بها على مكانتها وتأثيرها. من هذه التجديدات إضافة جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1968، كما خضعت لوائحها لتعديلات هامة، أبرزها تحديد عدد الفائزين بثلاثة كحد أقصى، ومنع منح الجائزة بعد الوفاة منذ عام 1974. وفي عام 2018 واجهت نوبل أزمة غير مسبوقة في فرع الأدب، فأجرت تغييرات في بنية الأكاديمية المانحة للجائزة وآلية اختيار أعضائها، وأجرت مراجعة شاملة لقواعد تضارب المصالح. هذا عدا تنظيمها مبادرات مثل «حوار أسبوع نوبل» و«منظمة نوبل للتواصل» التي تنشر المحتوى العلمي، وتعزّز الحوار العالمي.
أما الجوائز العربية فهي الأخرى حريصة على التجدد والتطوير بين فترة وأخرى. وسأضرب مَثَلَيْن بالجائزتين المهمتين اللتين سبق أن ذكرتُهما، وهما جائزتا العويس والملك فيصل. فمن تجديدات العويس إضافتها إلى الحقول الأربعة التي بدأتْ بها أول مرة، «جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي» التي تُمنح لشخصيات ومؤسسات ذات أثر بارز في الحياة الثقافية والمعرفية، وتحويلها حفل التكريم إلى ما يشبه مهرجانًا ثقافيًا يمتد لعدة أيام، يتضمن ندوات، ومعارض، وجلسات شهادات وتواقيع كتب، بما يسمح للجمهور والنقاد بالتفاعل المباشر مع الفائزين وتجاربهم. هذا عدا توقيعها مذكرات تفاهم مع جهات أكاديمية وثقافية عربية تتبادل معها إقامة فعاليات ثقافية في أماكن مختلفة من الوطن العربي.
أما جائزة الملك فيصل فقد شهدت أيضًا خلال مسيرتها سلسلة من التطويرات المهمة في أنظمتها ومشروعاتها الثقافية، مثل اعتماد موضوعات محددة تتغيّر كل عام لكل فرع من فروع الجائزة: الدراسات الإسلامية، واللغة العربية والأدب، والطب، والعلوم، بحيث تُعلن هذه المحاور سنويًا في بيانات الترشيح الرسمية، كما أنها انفتحت على إقامة مشروعات ثقافية مصاحِبة، وفي مقدمتها مشروع «مائة كتاب وكتاب» بالشراكة مع معهد العالم العربي في باريس، للتعريف بمائة مفكر وباحث عربي وفرنسي أسهموا في بناء جسور الحوار بين الثقافتين، كما ذكر لي سعادة الدكتور عبدالعزيز السبيّل أمين عام الجائزة في حوار إذاعيّ. علاوة على تنظيمها أيامًا ثقافية وعلمية في عواصم عربية وعالمية.
أردتُ من عرض هذه الأمثلة القول إن «مسألة أن تكون جائزة السلطان قابوس متشابهة أو متوافقة مع مسارات لجوائز أخرى» - كما ذكر سعادتُه في تصريحه - لا يعيبها في شيء، بل إن هذا هو ما يُفترض أن يحدث، أن تستفيد الجائزة من تجارب الجوائز العربية والعالمية الراسخة التي سبقتْها وصار لها صيتٌ قويّ بسبب مرونتها في التطور والتجدد من عام إلى آخر، وعدم جمودها عند نقطة معينة.
سليمان المعمري كاتب وروائي عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جائزة السلطان قابوس
إقرأ أيضاً:
استعراض سبل تعزيز التعاون بين جائزة الكتاب العربي والمؤسسات الثقافية السعودية
استعرض وفد من جائزة الكتاب العربي، التي تتخذ من الدوحة مقرا لها، مع مسؤولين في عدد من المؤسسات الثقافية والإعلامية والأكاديمية السعودية، سبل تعزيز التعاون بين الجائزة وتلك المؤسسات.
وأوضح بيان صادر عن الجائزة اليوم، أن وفد الجائزة برئاسة الدكتورة حنان الفياض المستشار الإعلامي للجائزة، قام بجولة للتعريف بالجائزة في السعودية، التقى خلالها مع عدد من مسؤولي وزارة الثقافة وهيئة الأدب والنشر والترجمة، حيث تم مناقشة آليات تعزيز التعاون بين الجهات السعودية والجائزة وربطها بالجهات الثقافية وإيصال رسالتها لأوسع شريحة من المؤلفين والناشرين.
ودعا مسؤولو وزارة الثقافة السعودية وفد الجائزة للمشاركة في معرض جدة الدولي للكتاب وحضور مؤتمر الفلسفة الدولي المزمع عقده في ديسمبر المقبل، لتعزيز التبادل الثقافي والمعرفي بين الجانبين.
وأضاف البيان أن وفد الجائزة زار مجمع الملك سلمان للغة العربية، والتقى الدكتور إبراهيم أبانمي نائب الأمين العام للمجمع، والذي أثنى على دور الجائزة في تعزيز الحركة العلمية والأدبية وتشجيع الباحثين على الإبداع، بالإضافة إلى تنظيم ندوة تعريفية بالجائزة في جامعة الملك سعود بحضور أعضاء هيئة التدريس بكلية الآداب وقسم اللغة العربية، بالتزامن مع احتفاء الجامعة بفوز كرسي عبدالعزيز المانع بجائزة الكتاب العربي في دورتها الثانية.
والتقى وفد جائزة الكتاب العربي عددا من المثقفين والكتاب السعوديين والعرب في ديوانية القلم الذهبي، حيث تم استعراض مقترحات لتطوير مجالات الجائزة، بما في ذلك إدخال فروع جديدة مثل الكتاب الرقمي وكتاب الطفل، ومناقشة المعايير الحديثة للتحكيم.
كما زار الوفد دارة الملك عبدالعزيز، حيث اطلع على جهود الدارة في توثيق التاريخ والتراث العربي، وتسهيل وصول الباحثين إلى المصادر والمخطوطات.
وأوضحت الدكتورة حنان الفياض المستشار الإعلامي لجائزة الكتاب العربي، في تصريح لها، أن زيارة الوفد للمؤسسات الثقافية والأكاديمية السعودية جاء لتعزيز التعاون بين الجائزة وهذه المؤسسات، حيث تعد السعودية من أهم المحطات الإعلامية للتعريف بالجائزة، لما تتمتع به من رسوخ عميق في مجال الجوائز العالمية كجائزة الملك فيصل العالمية وجائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية.
وتهدف جائزة الكتاب العربي التي أطلقتها دولة قطر في مارس 2024، إلى تكريم المؤلفين والباحثين العرب وغير العرب الذين يسهمون في إثراء المشهد الثقافي العربي، وتعزيز مكانة الكتاب العربي، وإيصال رسالته لأكبر شريحة ممكنة من المثقفين والمثقفات في العالم العربي، وتبلغ قيمة الجائزة الإجمالية مليون دولار أمريكي، وتشمل فئتي "الكتاب المفرد" و"الإنجاز".