ما بين قسوة الواقع وقوة الإلهام
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
علي بن سالم كفيتان
في خضم جو مشحون بنظرة غير إيجابية وتصاعد نبرة التذمر، يرى البعض أنَّ هذا الشعور متوقَّع في مراحل التغيير الكبرى التي تمر بها المجتمعات؛ فكثير من المُسلَّمات التي تعود عليها المجتمع تتساقط لتحل محلها أخرى جديدة على العقل الجمعي، ومن الطبيعي أن يُواجَه الأمر بالمقاومة الشديدة؛ فالإنسان- كما يُقال- عدو ما يجهل، ولا شك أن المُتغيرات الكبيرة التي حدثت في بلادنا خلال السنوات القليلة الماضية، كانت كبيرة وغير متوقعة؛ فالاقتصاد استلم واجهة المشهد وكان لا بُد من صُنع معجزة لاستمرار القطار على مساره الصحيح، وهذا استوجب السير ببطء حتى تكتمل جميع المراحل، ونحن اليوم على عتبة الانطلاق العظيم نحو الآفاق البعيدة لتعافي بلادنا؛ فكيف نوصل هذه الرسالة إلى الناس؟ بكل تأكيد لا يمكننا فعل ذلك من خلال العبر والمواعظ.
الذين عاشوا المراحل المفصلية في بلدانهم ينقسمون اليوم إلى فريقين؛ الأول يرى أنه مخاض لمرحلة أجمل ومستقبل مشرق، كما حدث قبل 50 عامًا، وفريق آخر يرى في المكاسب التي تحققت غاية ونهاية لا يُمكن الإتيان بغيرها أو أفضل منها رغم كل المتغيرات الإقليمية والدولية التي انتابت العالم وعصفت باقتصاداته، وفرضت موجِّهات وتحالفات سياسية وأمنية جديدة، ونعتقد بأن الحلقة الأضعف التي رسمت الصورة الباهتة للتغيير هي الإعلام وإنزوائه وعدم مواكبته للخطوات التي تم الإقدام عليها؛ حيث نرى في بعض الدول غير البعيدة إجراءات قد تكون مماثلة وربما أقوى وأكثر وقعًا على حياة الإنسان اليومية، إلّا أن المنظومة الإعلامية الهائلة التي تدعم ذلك التغيير أقنعت المجتمع بالصبر وألهمتهم روح التغيير من خلال تسليط الضوء على نقاط قوة التحول وخروج مُلهمي التغيير للعلن والحديث بكل أريحية ومصداقية، فانتقل الناس من قسوة الواقع إلى قوة الإلهام... فهل نستطيع معالجة ذلك قريبًا؟
قد لا يفهم المواطن العادي ما نتحدث عنه من انخفاض المديونيات وزيادة الفوائض المالية وتعافي الاقتصاد وارتفاع التصنيف الائتماني في ظل عدم ورود ريال واحد إضافي إلى جيبه؛ بل أصبح ذلك الجيب المُنهك مستهدفًا لعلاج التبعات الاقتصادية، إضافة إلى تراجع مجالات التنفيس والإبداع كالرياضة والسياحة على سبيل المثال لا الحصر؛ فمجتمعنا فتي وغالبية أعضائه من الشباب، ولو نظرنا لدورينا المحلي لكرة القدم وانسحاب الأندية من المسابقات، وهي اللعبة الأهم والأكثر شعبية في البلاد في الوقت الذي يتسابق فيه الآخرون لاستقطاب أفضل اللاعبين وبناء أفضل الملاعب الرياضية واستضافة البطولات القارية والإقليمية، فهنا تكمن أهمية معرفة القوى الناعمة واستثمارها وقراءة شفرة المجتمع بالشكل الصحيح وتوظيف الإعلام التوظيف السليم لخدمة مراحل التغيير، عبر النقل المباشر للمناسبات، وتهيئة وجذب الحضور، وخلق واقع يُصفِّق فيه المشاهد ويصرخ بأعلى صوته في المدرجات لإخراج الكبت المتراكم والتغذية السلبية التي باتت تملأ الأفق وتهدد خطوات التقدم للرؤى الوطنية التي نراهن عليها.
لفت انتباهي لقاء عابر على إذاعة الشبيبة العمانية مع الإعلامي السعودي البارز عبد الله المديفر على هامش معرض الرياض الدولي للكتاب؛ حيث تمنّى خلال المقابلة اللقاء مع جلالة السلطان المعظم لمعرفة رؤية "عُمان 2040" عن كثب؛ فالواضح للعيان أن الرؤية غير واضحة، ليس على المستوى المحلي فحسب؛ بل على المستوى الإقليمي، ونعتقد أن الظهور الإعلامي لبعض أصحاب المعالي للحديث عن رؤية "عُمان 2040" كان باهتًا وفي بعض الأحيان مُستفزًا للرأي العام، أكثر منه جاذبًا ومُلهمًا، وقد تمنيت أن يتفضل مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- أعزه الله- بالظهور في لقاء تلفزيوني من خلال منصة إعلامية يتابعها الملايين ويدير الحوار إعلامي محنك، يستطيع سبر أغوار رؤيتنا، ويستعرض الخطوات التصحيحية وتبعات ذلك على المواطن، من خلال أبرز الملفات التي طفت على السطح من خلال تطبيق خطة التوازن المالي (2021- 2024)، ولا شك أن مولانا- حفظه الله- بصدق حديثه وحنكته سيوصِّل الرسالة إلى كل أبناء شعبه بجلاء، ويكشف للجميع أهداف وتطلعات رؤية "عُمان 2040".
لا يختلف اثنان على أنَّ المحاولات الخجولة التي أقدم عليها الإعلام الرسمي لتوضيح الرؤى والخطط التي انتهجتها عُمان منذ 2020 لم ترضي الطموح مطلقًا، وتطرقت تلك النقاشات إلى الجانب الشخصي لصاحب القرار (ميلاده- نشأته- مناصبه.... إلخ) وعُرضت في مكان باذخ وشهر فضيل، ولم تُفضِ في النهاية إلى النتيجة التي يبحث عنها الناس، أو التي كانت تتوقعها الحكومة؛ بل رسمت صورة نرجسية للمسؤول.
حفظ الله بلادي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
توكل كرمان: العلم والمعرفة طريق التغيير والجامعات تُشكّل الوعي وتقارع الإستبداد
أكدت الناشطة اليمنية توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، أن العلم والمعرفة هما طريق التغيير الايجابي والازدهار والتقدم، وأن الجامعات تشكل الوعي وتقارع الظلم والإستبداد.
جاء ذلك في كلمة ألقتها كرمان، خلال المؤتمر السنوي للمجلس الوطني لبرامج الاونور في جامعات الولايات المتحدة الامريكية، بمدينة ساندييغو الامريكية.
وقالت كرمان: "بداية سعيدة، أني معكم اليوم، احتفل بهذا المؤتمر العظيم بعد مرور ستين عاما على انطلاق هذه الاحتفالية المؤتمر السنوي للمجلس الوطني لبرامج الاونور في جامعات الولايات المتحدة الامريكية.
وأضافت: "سعادتي هذه منبعها شيئان مهمان: الاول ايماني الشديد بأهمية العلم والمعرفة ومراهنتي الدائمة على ابطالهما وروادهما، والثاني ايماني الراسخ بان العلم والمعرفة هما طريق التغيير الايجابي والازدهار والتقدم".
وتابعت: "لقد امنت دائما بأهمية الجامعات تحديدا في تشكيل الوعي، وصناعة السرديات الايجابية، ومكافحة الظلم والاستبداد، وتحرير المجتمعات، وخلق بيئة حيوية للنمو والازدهار".
وأردفت: "قبل ذلك اذكركم باني امرأة جاءت من اقصى الجنوب العالمي، من بلد مكافح اسمه اليمن. بدأت نضالي كامرأة متعلمة، كصحفية، كحالمة ضد المستبد. كنت وحيدة في الشارع، اتنقل من شارع لشارع ادعو المواطنين اليمنيين للثورة على المستبد الذي دمر البلد ونشر الفساد والفقر والحرب والإرهاب".
وأشارت إلى أنها مارست خطابا قويا وجسورا من اجل التغيير، مضيفة: "في البداية لم يسمعني ولم يتبعني الا مجموعة من الحالمين والمكافحين وضحايا الانتهاكات، ومجموعة بسيطة جدا من الناشطين. منذ عام 2006 وحتى عام 2011 كنت اخوض معركة النضال السلمي عبر الاعتصام والتظاهر وحيدة، الا من اولئك القلة، الا من الضحايا الذين كنت اناضل من اجلهم".
ووصفت بدايتها الأولى بأنها كانت "نضالا جسورا محفوفا بالمخاطر، لكنه كان مليئا بالحلم والايمان بالنصر"، لافتة لإيمانها خلال تلك المسيرة ـن "هذا النظام الفاسد والفاشل والمستبد ـ نظام صالح آنذاك ـ عصي على الاصلاح من الداخل؛ لن يغير نفسه ولن يتطور، وان لا حل الا بتغييره. كان مضمون ما اقول وخطابي وبياناتي ومسيراتي وتظاهراتي يتمحور حول هذه الفكرة".
وقالت: "كانت اللحظة الفارقة حين قررت ان اتوجه امام بوابة جامعة صنعاء، اصرخ باعلى صوتي لايام واسابيع: «يا طلاب الجامعة، الحقوق ضائعة». كانت هذه لحظة فارقة في كل نضالي. لقد اصبت الهدف. تحدثت الى قلب المجتمع وقواه الحية، ولولا التفاف طلاب الجامعة حولي وتشكيل تحالف معهم، ما استطعت اسقاط الديكتاتور. لو لم يرحنا المستبد ولا نغير النظام".
وأوضحت أنها جاءت "من عالم شهد استبدادا وحروبا ومجازر، لكنني، رغم كل الالم، رأيت اروع ما في الانسان داخل الجامعات. رأيت طلابا يقفون في وجه الرصاص ليقولوا: «نريد وطنا حرا». رأيت اساتذة يعتقلون لأنهم رفضوا الاستسلام لتقييد حرياتهم وحريات طلابهم ورفضوا ان يخلطوا العلم بالدعايات. رأيت شابات وشبابا انطلقوا من الجامعات لا يملكون مالا ولا نفوذا ولا حماية، لكنهم امتلكوا ما هو أعظم: امتلكوا الحلم من اجل وطنهم، ومعه الشجاعة والجسارة من اجل تحقيقه".
وأكدت أن ما يجري في الجامعات من تنوير وتعليم وتشكيل الوعي والقناعات جعلها محل استهداف "من قبل المستبدين، الفاشيين، والشركات الجشعة".
وأضافت: "اليوم يواجه العلم والعلماء — دكاترة وباحثون وطلبة — حملة ممنهجة تنال من التعليم العالي ككيان، كفكرة، وكوسيلة؛ حملة تعمل على مصادرة الحريات الاكاديمية والطلابية، ومراقبة البحث العلمي، وتحويل الجامعات الى ثكنات عسكرية، او تعيين مندوبين عن السلطة واجهزة استخباراتها، وقمع الطلاب والاساتذة والطاقم العامل، واحباطهم، وفصلهم، واعتقالهم، وتهديدهم".
وأشارت إلى انه حين تنهض الجامعة ينهض المجتمع، وحين يطلب الطالب الحرية تبدأ الثورة، وحين تتحرر المعرفة يتحرر الانسان. ومن رحم الجامعات ولدت عبر التاريخ ساحات الحرية وحركات التحرر".
وبين أن الجماعات الفاشية تخشى الجامعات، "لأن التطرف يولد في العقول المغلقة والهويات المنغلقة، ولأنها تكبر بالخوف والكراهية والجهل والخرافة. ينمو في مجتمع منقسم الى «نحن» و«هم»، وفي بيئات لا تسأل «لماذا؟» ولا «من المستفيد؟»".
وجددت التأكيد أن "الجامعة هي النقيض من ذلك كله، مجتمع مفتوح يقوم على العلم والفلسفة والحوار والتنوع والتعددية وقبول الاخر؛ يعلم ان التنوع ثروة، وان الحوار قوة، وان الكراهية جهل، وان الحقيقة لا يحتكرها احد".
وتطرقت كرمان، لتقارير دولية حديثة خطورة اللحظة التي يمر بها العالم. ففي منتصف اكتوبر 2025 أصدر مركز الابحاث الدولية في معهد العلوم السياسية بباريس تقريرا حذر فيه من التآكل المتسارع للحرية الاكاديمية حتى داخل الدول الديمقراطية، لافتة إلى أن التقرير أكد أن استقلال الجامعات لم يعد مضمونا امام الضغوط السياسية والاقتصادية والايديولوجية، وان الدفاع عن حرية البحث والتعليم بات ضرورة اخلاقية لحماية الديمقراطية نفسها.