كتب صلاح سلام في" اللواء": «مسرحية» نتنياهو في الكونغرس الأميركي لم تنطلِ على الرأي العام الإسرائيلي، وأهالي الرهائن، لأن زيارته إلى واشنطن لم تهدف إلى وقف الحرب والسعي لإطلاق الرهائن، بقدر ما كان يسعى لتجييش الوسط السياسي في العاصمة الأميركية، لمواجهة ضغوط بايدن وإدارته الديموقراطية، التي تطالب بوقف الحرب فوراً، وإفساح المجال لعودة الرهائن إلى عائلاتهم.
خطابه في الشكل والمضمون كان أشبه بمشهد هوليوودي، يتم حشد كل المؤثرات الكلامية، والقنابل الصوتية، والمبالغة في تضخيم قوة البطل، وتفخيم مهمته، وتصوير تقدمه على خصومه بمثابة إنتصار ساحق، لا أساس له على أرض الواقع. وقد تجلى ذلك من خلال النقاط الثلاث الرئيسية التالية:
١ـ إصراره على تصوير حربه في غزة بأنها حرب عالمية لا دخل للعوامل المحلية فيها. وكأن دول الأرض تشارك في المعركة إلى جانب حماس والشعب الفلسطيني، الذي يُعاني من أبشع حصار إنساني، ويُمنع عنه الدواء والغذاء والمياه، ويتعرض لمجازر إجرامية يومية، تؤكد حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها، وأدانها العالم أجمع.
٢ـ وصف عدوانه على غزة بمثابة حرب بين الحضارة والهمجية، مستعيناً بعبارات توراتية للتأثير على قناعة السامعين من المسيحيين واليهود، وكأن ما يقوم به من تدمير همجي ضد غزة ومدن القطاع، وقصف المستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس والجامعات، ومراكز تجمع النساء والأطفال الهاربين إلى مباني الأمم المتحدة في القطاع، كلها من «الأعمال الحضارية» ، والتي لا تمتُّ إلى الهمجية والوحشية بصلة.
٣ـ على طريقة شر البلية ما يُضحك، إعتبر نتنياهو حربه العدوانية على غزة بمثابة حرب بالوكالة عن أميركا ضد إيران وأذرعتها العسكرية في المنطقة، متجاهلاً الدعوات الأميركية المستمرة، وما رافقها من ضغوط في الأشهر الأخيرة، والهادفة إلى عدم توسيع الحرب شمالاً على الحدود اللبنانية، والتسبب بإشتعال المنطقة في حرب مدمرة، لا تريدها الولايات المتحدة، وطلبت من كل الأطراف المعنية ممارسة أشد درجات ضبط النفس، مردداً بغباء بأن هزيمة حماس هي هزيمة لإيران في الوقت نفسه، وإبعاد خطرها عن أميركا.
كلام نتنياهو لم يُقنع مواقع القرار الأميركي، والتصفيق المكرر أثناء إلقاء الخطاب، والذي أحصته الصحف الأميركية وبلغ ٥٢ مرة، كان من مستحضرات الإخراج الهوليوودي لمسرحية رئيس الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، الذي فاجأه المرشح الجمهوري دونالد ترامب، صديقه السابق، بمطالبته إنهاء الحرب في غزة، قبل أن يلقاه اليوم!
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
عيدان ألكسندر يعود من غزة.. هل تفتح الحرية بابها لسكان القطاع؟
بينما طوى الأمريكي عيدان ألكسندر صفحة الأسر، يترقّب الغزاويون انفراجة تحمل لهم بارقة أمل في وقف إطلاق النار، والابتعاد عن دوامة الحرب والحصار.
في خطوة مفاجئة أعادت ملف الرهائن إلى واجهة المشهد السياسي، أطلقت حركة "حماس"، يوم الإثنين، سراح عيدان ألكسندر، آخر رهينة أمريكي معروف كان على قيد الحياة في قطاع غزة، بعد احتجاز دام 18 شهرًا. الإفراج عن ألكسندر لم يكن مجرد حدث إنساني، بل حمل في طياته دلالات سياسية ورسائل دبلوماسية تتجاوز حدود غزة.
وجاء إطلاق سراح ألكسندر، البالغ من العمر 21 عامًا والمولود في نيوجيرسي، عقب محادثات مباشرة بين حماس والولايات المتحدة، تخطّت هذه المرة الحكومة الإسرائيلية، وشكّلت جزءًا من جهود أوسع للتوصل إلى وقف لإطلاق النار واستئناف تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، بحسب ما نقلته شبكة "سي إن إن".
أظهرت صور ومقاطع مصوّرة ألكسندر وهو يرتدي قميصًا أسود من "أديداس" وقبعة بيسبول، لحظة تسليمه إلى الصليب الأحمر الدولي في خان يونس، جنوبي القطاع، قبل أن يغادر الموكب متوجهًا إلى الأراضي الإسرائيلية، حيث نُقل إلى قاعدة عسكرية لإجراء الفحوصات الطبية، وللقاء عائلته في مشهد إنساني مؤثر طال انتظاره.
وفي مشهد رمزي بثّه الجيش الإسرائيلي، سلّم المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، هاتفًا إلى والدة ألكسندر، يائيل، لتُجري مكالمة مع نجلها فور تحرّره. وقد ظهر لاحقًا ألكسندر في تل أبيب وهو يعانق أفراد أسرته رافعًا العلمين الأمريكي والإسرائيلي.
ترامب والصفقة.. التوقيت والدلالةالإفراج عن ألكسندر تزامن مع بدء جولة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منطقة الشرق الأوسط، تشمل السعودية وقطر والإمارات. وأثار توقيت الصفقة اهتمام المراقبين، خاصة أن إدارة ترامب نجحت في عقد تفاهم مع حماس، دون إشراك الحكومة الإسرائيلية في التفاصيل، وفقًا لما أكدته "سي إن إن".
وقال ترامب في تعليق له على العملية: "إنها خطوة لإنهاء هذه الحرب الوحشية للغاية، وإعادة جميع الرهائن الأحياء ورفاتهم إلى أحبائهم." في موقف يُظهر رغبة الإدارة الأمريكية في تحقيق اختراق إنساني ودبلوماسي في آنٍ معًا.
ووصف ترامب الصفقة بأنها "بداية لإنهاء معاناة المدنيين من الجانبين"، مؤكدًا التزامه بالعمل على إطلاق سراح بقية الرهائن وإنهاء النزاع الذي طال أمده في قطاع غزة.
رئيس وزراء إسرائيل يشيد.. ويُصرّ على الحسممن جانبه، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإفراج عن ألكسندر بأنه "لحظة مؤثرة للغاية"، مشيدًا بجهود ترامب ودوره في تأمين عودة الجندي الأمريكي إلى عائلته.
وقال نتنياهو في بيان رسمي: "لقد تحقق ذلك بفضل الضغط العسكري من جانبنا، والضغط الدبلوماسي الذي مارسه الرئيس ترامب. هذا مزيج ناجح."
وأضاف: "تحدثت مع الرئيس ترامب اليوم، وقد أكد لي التزامه العميق تجاه إسرائيل، ورغبته في التعاون الوثيق معنا لتحقيق أهداف الحرب: إطلاق سراح جميع الرهائن، وهزيمة حماس. هذان الهدفان مترابطان ولا يمكن الفصل بينهما."
رغم إطلاق سراح ألكسندر، لا يزال 58 رهينة محتجزين في قطاع غزة، يُعتقد أن 20 منهم على الأقل لا يزالون على قيد الحياة، بينهم عدد من حاملي الجنسية الأمريكية.
ومن بين الرهائن الذين تأكد مقتلهم أربعة أمريكيين، هم الزوجان غادي حجاي وجودي وينشتاين حجاي، إضافة إلى الجنديين إيتاي تشين وعمر نيوترا.
وتُعد قضية الرهائن من أبرز الملفات التي تُعقّد مساعي وقف إطلاق النار، في وقت تتعرض فيه غزة لحصار خانق، وتعيش على وقع أزمة إنسانية متفاقمة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.
غزة تنتظر حريتها.. ومصير الحرب لا يزال غامضًابينما يعود عيدان ألكسندر إلى حضن عائلته، يترقّب سكان قطاع غزة بفارغ الصبر أي بارقة أمل تفتح لهم أبواب الحياة من جديد. الإفراج عن رهينة واحدة قد لا يُنهي الحرب، لكنه قد يكون بداية لتحوّل أوسع في مسار الصراع، إذا ما أفضت الجهود الأميركية والدولية إلى وقف فعلي لإطلاق النار، يضع حدًا للمأساة الإنسانية ويمهد الطريق نحو تسوية أكثر شمولًا.
لكن إلى أن يتحقق ذلك، تظل آمال الغزاويين معلقة على قرار سياسي طال انتظاره، ينتشلهم من تحت الركام، ويعيد لهم أبسط حقوقهم في العيش بحرية وكرامة.