لجريدة عمان:
2025-11-09@20:25:02 GMT

«أحاديث»

تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT

1- وسط الظروف العصيبة التي تعصف بأهلنا في فلسطين حيث يتخطف الموت الصغير قبل الكبير وحيث رائحة الموت تُزكم الأنوف والدمار الممنهج من قِبل قوات الاحتلال الإسرائيلي الذي يستهدف المنازل والمشافي والمجمعات السكنية والمساجد أقول الحمد لله على نِعمة سلامة الوطن وأمنه واستقراره.

حينما يعِمُ الخوف، ويتفشى الجوع وتظهر المجاعة بأي بقعة من بقاع الأرض وجب أن نحمد الله على لطفه وكرمه.

حينما تنعدم أدنى متطلبات الحياة ولا تستقر عين ولا تطمئن نفسُ لزِم أن نشكر الله على فضله ورأفته.

أقول هذا لأن بيننا من يتندر بجملة «سادنا الأمن والأمان» لأتفه سبب متناسيا قيمة نعمة الطمأنينة وما حدث لقوم سبأ الذين تنكروا لنِعم الله عليهم فعاقبهم أن أفقرهم بعد الغِنى، وشرَّدهم بعد الاستقرار، وفرَّقهم بعد الاجتماع، ومزَّقهم كل ممزق في البلاد حتى ضرب بهم العربُ المثلَ في التفرق والشتات.. بلدنا بخيراته وحكمة قائده وقِيمه وجماله وحُنوه وسخائه لا يُشبهه بلد في أي بقعة من بقاع الأرض.

2- لا تتفاجأ أبدا إذا ما تواصل معك شخص تعرفه معرفة سطحية أو لا تكاد تعرفه هذه الأيام أو وصلتك رسالة لم تسجل اسم مرسِلها في قائمة الأسماء بهاتفك فنحن على أبواب انتخابات أعضاء مجلس الشورى. في هذا التوقيت يشحذ المرشحون الهِمم و«الجيوب» و«الوعود» من أجل استمالة أكبر عدد ممكن من المصوتين.

تسقط من ذاكرة هؤلاء على مدى سنوات طويلة وعندما تقترب الانتخابات تقفز إليها بقدرة قادر

خاصة إذا كنت قادرا على إحداث أدنى تأثير فيمن حولك ثم تُعاود السقوط من الذاكرة مرة أُخرى حال فشله في الفوز بعضوية المجلس وربما تنتهي وتموت ويطوي ذكرك النسيان.

3- يروى أن جُحا وقف يوما عند ناصية أحد الشوارع وكان كلما أقبل رجل أخبره أن شخصا ما سيأتي ليوزع النقود على المارة، وما هي إلا مُدة قصيرة حتى امتلأ المكان بالناس فلما شاهد جُحا الموقف هالهُ عدد المُنتظرين فأخذ يحدِث نفسه قائلا: لماذا لا أذهب إلى هناك فأنال مما ينالون؟!

هذا مثال صريح لمن يكذب الكذبة ثم يصدقها بل ويعيشها حقيقة مُسلَّمًا بها رغم أن من حوله يعلمون جيدا أنه ليس كذلك.

تحضر في بالي دائمًا صورة الرجل محدود الإمكانات المالية والمعرفية الذي ينهب المال العام، ويستغل منصبه فيتحول بين ليلة وضحاها إلى شخص «مُلتزم»، ويُكثر من التصدق والقربات ظانا أن تلك الأعمال تعفيه من الذنب وتُنقِيه من الدنس.

4- بين ليلة وضحاها يخرج لنا شخص ما فيعلن أنه محاضر في «التنمية البشرية» متخصص في حل مشاكل الأفراد والمجتمع وإكساب المهارات الشخصية والقيادية فينشط في إلقاء المحاضرات وتنظيم البرامج المتخصصة والدورات.

بعد زمن قصير من الظهور يتحصل على دكتوراه «مضروبة» فيزداد عدد مُريديه ومن يبيعهم الوهم فتُتداول محاضراته ويدخل باب الشهرة من أوسع أبوابها حتى يغدو حضور جلساته حُلمًا وأي حُلم!. وجب أن تكون هناك قواعد مُنظِمة لمثل هذه البرامج والدورات.

آخر نقطة..

شئت أم أبيت ستظل عالقا بذاكرتي، خليلها، كلما مر طيف من حزن انبثق صوتك يبعث داخلي الأمل يبدد الكرب يمزق الألم، كلما نكأت جراحي المرارات أطللت كشمس دافئة تُعيد لهذا القلب سروره وارتياحه وبهجته.

عمر العبري كاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

هل نسينا الموت أم تناسيناه؟

نتناسى الموت أملاً في نسيانه، وطمعًا ربما في أن ينسانا هو بدوره. نتناساه ريثما ندبر حياتنا أو نستشعر عمق الوجود متناسين التهديد الدائم والمستمر للفناء والموت، والمرض، والخسارات. لكن الموت كما يبدو لا يعجبه تناسينا المفتعل، فيعيد تذكيرنا كل مرة بطريقة تهديدية. ولا شك أن الموت محق في نزعنا من تخدير التناسي وإعادتنا إلى الإفاقة، ولكننا نحن كذلك لا نملك وسيلة أخرى غير تناسيه، وإلا شلّنا وأعطبنا تذكره وانتظاره، ولعل هذه هي المأساة المستمرة لوجودنا، والتي يكثر عليها الكلام منذ غابر الأزمنة.

ثلاث حوادث للموت في الأسبوع الماضي هي أكثر من كافية لأجد نفسي نهاية الأسبوع أكتب عن الموت. وقد سبقتها إرهاصات، لكني كالعادة لم أدرك الإشارة إلا متأخرًا؛ فقد ظلت ترن في صدى نفسي القطعة الشعرية: (كل شهر/ على فواتير الكهرباء/ أسماء الموتى.) ولعلي بهذا الشكل لن أدرك إشارات رحيلي الشخصي إلا بعد فوات الأوان، لا خشية من الرحيل فأنا أزعم التصالح مع فكرة الفناء، كما قلت في نفس الأسبوع لصالح العامري في برنامجه (في هواء الكتابة). ومع ذلك يبدو كل رحيل فاجعة. والسمة الفجائعية للوجود تجعله مأساويًا كما يثبته ميغيل أونامونو في كتابه (الشعور المأساوي بالحياة)، ومن قبل كما نجده في شعر المراثي الجاهلية كما قال أبو ذؤيب الهذلي وهو يرثي بنيه في قصيدته (أمن المنون وريبها تتوجع): «وإذا المنيّة أنشبت أظفارها.. ألفيت كل تميمةٍ لا تنفعُ». ومتى لا تنشب المنية أظفارها؟

ما يدريني إن كانت العبارة التي اختارها ليون شيستوف من اليوناني يوريبيدس تمهيدًا لمقالته عن دوستويفسكي صادقة فعلًا: «من يعرف؟ من الممكن أن تكون الحياة هي الموت/ والموت هو الحياة» ت. إسكندر حبش.

وما الذي ذكرني بذلك كله غير الموت؟ نحن نسل الموتى وتراثهم الحي إلى حين، إلى أن نصبح نحن هم، موتى مثلهم. ومن كان غير أبي نواس بالذات -المتهم بالمجون- هو الذي يذكرنا بنسبنا في الهالكين: «وما الناس إلا هالكٌ وابن هالكٍ.. وذو نسبٍ في الهالكين عريقِ»؟ بدأ الأسبوع وبدأت حوادثه. وبينما كنت أتصفح الجريدة صباح الأحد كالعادة قبل الخروج، وإذا بي أمام صدمة الخبر الأول بطريقة غير متوقعة في مقالة سليمان المعمري في الصفحة الأخيرة من جريدة عمان. انسقت وراء المقالة أقرؤها. لم يدر بخلدي ولا لحظة كيف، ولم أسأل نفسي عن السبب: لماذا يكتب سليمان عن إسكندر حبش؟ كنت أقرأ النص وسليمان يشرح علاقته ومحاولاته لتسجيل مقابلة مع إسكندر حبش لصالح برنامجه ضفاف منساقًا ومستسلمًا بكل هدوء حتى اصطدمت بخبر رحيل إسكندر حبش في الفقرة الأخيرة من المقالة. والآن أتساءل: لمن كتب سليمان تلك المقالة؟ هل كتبها لمن لا يعرف برحيل إسكندر أم لمن يعرف؟ لكن هل ذلك مهم في حضرة الموت؟ إسكندر نفسه الذي عنون مختاراته للشعر البرتغالي والإيطالي بعناوين محورها الموت: أجمع الذكريات كي أموت؛ نجهل الوجه الذي سيختمه الموت.

ما أربكني في الخبر أكثر هو أنني كنت بعثت لإسكندر حبش الليلة السابقة على هاتفه نسخة من مجموعتي الأخيرة. بعثت رسالتي ومجموعتي لرجل راحل، لروح مغادرة، ورنّ في بالي مقطع آخر (دون جدوى/ ركضي كله/ رحلوا). قضيت ساعة أذهب وأعود لفكرة رحيله، وأتذكر هذه العلاقة التي توثقت أكثر على البعد، بيني وبينه، بيننا، بين ما نمثله وما نرمز إليه، ربما ليس أكثر من انعكاسات أمكنتنا، أو أرواحنا، نحن الذين التقينا مرة في حياتينا بعيدًا عن المكانين، في الجزائر الأبعد. في الظهيرة جاءني رد من رقم إسكندر حبش، ارتبكت، هيأت نفسي لصدمة ثانية، لم أطق الانتظار وفتحت الرسالة، فإذا بأرملة الراحل ورفيقة دربه شيرين تبلغني وفاته: «إن كنت لا تعلم»، خجلت من نفسي. نعم أنا خارج عوالم التواصل الإلكتروني؛ ولهذا فاتني مثل هذا الخبر. وبعثت رسالة وهدية لمن يعلم أغلب المهتمين على الأرجح أنه رحل. لمت نفسي: لو كنت حافظت على حسابي في الفيسبوك لكنت علمت بهذا الرحيل، لكن نفسي بررت ذاتها بسرعة: لو بقيت في الفيسبوك لكان مثل هذا الخبر مرَّ عليّ غير مروره عليّ الآن. لربما مرّ عليّ وهو متوقع، منتظر، مهيأ له، أو مر عليّ مرور خبر ناعم، بلا حواف، بلا حدة، تحت التخدير؛ حيث كل شيء ممكن، لا أظن الوقع سيكون نفسه، ولا صدمتي الصباحية بخبر رحيله هي نفسها. هكذا رحل الفلسطيني الأرمني ابن الشتاتين، مجمع المأساتين والتغريبتين، المهاجر خارج المكان، في بيروت لبنان حيث عاش، وعمل، وأبدع، وشكل لشغفه بالقراء نهرًا معرفيًا متنوعًا للقارئ العربي طوال نتاجه الممتد منذ ثمانينيات القرن العشرين. والآن في خريف هذا العام أردد صدى كلماته في قصيدته (لا شيء أكثر من هذا الثلج): «أنت الذي لم يكن إلا في كتاب. أنت الذي لم يستمع إلى نهاية الحكاية» أو: «أنا الذي بدا طويلًا مثل شمس اختبأت من عاصفة، مثل شمس تغيب عند اشتعال الجبال في مساء الخريف». ما كادت تمر ساعة من صباح الأحد حتى فجأني خبر رحيل شاعر شعبي في بداية تفتح مشروعه وشبابه وحياته: طارق زكي عبيد الحجري: «طيح دمعة أبوي ف فقد جدي عبيد» هي الدمعة التي عادت تسقط أغزر هذه المرة على الابن، طارق الذي كنت قد التقيته مرة أو مرتين صحبة أبيه زكي الجميل، وصاحب الأثر الثقافي بمكتبته المعروفة قبل أن تغلق أبوابها. ولم أكن أعلم حين التقيت طارق أنه اختط لنفسه مشروعًا شعريًا أدبيًا، لكني أذكر بوضوح هدوءه، وأذكر ابتهاج أبيه بسعة اطلاعه وقراءاته. هكذا ما كاد نجم الشاعر الشاب الذي تحدى إعاقته وتجاوزها بأشواط منطلقًا بمشاركته الحية والفعالة في المحافل الشعرية، الشاب الذي أنتج قصائد تلفت الأنظار والأسماع، بلغتها المتجذرة، وإيقاعاتها الفريدة، وتشبيهاتها المنحوتة نحتًا، والمسبوكة ببراعة فنيّة، تطرب السامعين، تعكس مخيلة قارئ متعمّق، ما كاد يصعد ذلك المشروع الواعد والخصب والمشهود له حتى انطفأ. رحل طارق مثل شهاب خاطف مخلفًا في نفوس جمهوره وأهله ووالديه خاصة وفينا جميعًا فقدًا لا يعوّض. وإذا كان فقد الكهل الكبير المدنف رغم توقعه وانتظاره يكون محزنًا فكيف بفقدان الشاب الغض؟ طارق الذي غادرنا وهو القائل: «أنا الشاعر اللي وظف أفكاره لفنّه ومتوحد.. ولا اشكي من اعراض متوحّد/ لو الحب واجد حولنا يقتل اللذّة ويقتل مشاعرنا لو ان حولنا محّد».

انقبض قلبي من الخبرين، وبدأت أتوجس وأنا أنتظر، أترقب، من أين ستأتي الضربة القدرية القادمة؟ ولم يخب الحدس. لم يكد يمضي يوم حتى خسرت وخسرت عائلتي صهرًا وأخًا، غادرنا سليمان بن علي الحبسي الأربعيني العصامي الذي شق طريقه بكل حماس في التجارة والأعمال بنجاح يضرب به المثل دون أن ينسى عائلته وأسرته وأطفاله. رحل في دبي بسكتة قلبية. وبعد تأخر تسليم جثمانه قرابة يوم كامل بفعل الإجراءات المعقدة التي لا موجب لها في مثل هذه الأحوال بين بلدين متلاصقين أعيد جثمانه ودفن في وطنه صباح اليوم التالي تاركًا لنا ولأهله وأبنائه طعم الفاجعة في القلوب، وانتصبنا واجتمعنا من كل حدب وصوب للعزاء.

ما العزاء في حضرة الموت؟ أهو تلويحة وداع إنسانية جماعية، كف ضخمة هي مجموع الأكف التي تتصافح في التعازي، حركة وداع اجتماعية، التحام وأحضان من أجل تجسيد كل هذا المصير المهدد بالزوال، بالمغادرة، بالغدر والغدير. العزاء لعله هو تمثيل الغدير بعد المغادرة. أليس الغدير ما غادرته المياه، والغدر الموضع الكثير الحجارة صعب المسالك، وأين يجد نفسه من غودر إلا هناك؟ لعل العزاء هو فطرتنا الطبيعية نفسها وهي تلتحم بأهل المتوفي في وجه الموت، تلتحم بهم وتتحد لتخفف الفاجعة، ولتلهيهم عن المأساة، لتجبرهم بالانشغال على التناسي، ولكن أبدًا ليس النسيان؛ هذا حال الدنيا نقول، لكن من المغادر التالي؟ نتساءل؛ لأننا جميعنا مغادِرون أو مغادَرون، وفي أعماقنا نعرف الغادر، وندعي أننا لا نعرفه؛ نسميه أسماء مختلفة ونتناساه. نسميه ومهما حاولنا تسميته تنقفل الكلمة التي نسميها به كأنها الظلام المطبق.

لا شك أن لدينا يبدو ميولًا فطريًا للنواح. حالتنا الوجودية تستوجب مثل هذه الاستعداد والقابلية، كالطفل الذي يتعرف الفناء وهو يلهو في فناء الدار، وكم يبدو من هذه الزاوية موحشًا ومرعبًا مشهد لعب الأطفال في الفناء. رغم ذلك؛ هذا هو حالنا تقريبًا، نعم نلعب قليلًا ونختفي، نلعب قليلًا ونغادر.

«قد يثور، هنا، غبار الماء/ لا تتأخر كثيراً،/ من سيقرأ هذه الكتابة العمياء/ من سيضع الكلمة عند أول الصباح/ كي لا يعود ليل».. إسكندر حبش. 

إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • الموت من البرد.. تحذيرات أميركية مع استمرار الإغلاق الحكومي
  • هل نسينا الموت أم تناسيناه؟
  • فتاوى| هل قراءة القرآن تنفع الميت وتصل إليه؟ .. عطية لاشين يجيب.. كيف يقبض ملك الموت الأرواح في وقت واحد رغم اختلاف الأماكن؟.. كيف كان النبي يقضي يومه؟.. الأزهر يجيب
  • كيف يقبض ملك الموت الأرواح في وقت واحد رغم اختلاف الأماكن؟..الإفتاء توضح
  • كلما تقدم لي عريس يتركني فهل هذا سحر؟.. انتبهي لهذه العلامة
  • هل الموت يوم الجمعة بشارة بالجنة أم علامة لحسن الخاتمة؟
  • هل التوبة لحظة الموت تقبل؟.. أحمد كريمة يوضح
  • ماذا يحدث في قبر الميت بعد الدفن؟ خطيب المسجد النبوي يحذر العاصين
  • إمام المسجد النبوي يوضح.. أعظم سبيل للنجاة من عذاب القبر
  • هل الموت يوم الجمعة ينجي من عذاب القبر؟ الإفتاء تجيب