محللون وخبراء روس: الولايات المتحدة و(إسرائيل) تقوضان الاستقرار في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT
موسكو-سانا
أكد المدير العام لمركز التقييمات والتنبؤات الإستراتيجية الروسي سيرغي غرينياييف أن الاعتداءات الأمريكية على الأراضي السورية والعراقية تنتهك جميع الأعراف الدولية، مشيراً إلى أن واشنطن باستخدامها القوة مراراً وتكراراً تنتهك منظومة القانون الدولي.
وأعرب غرينياييف في مقابلة مع مراسل سانا في موسكو اليوم عن إدانته أيضاً للاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية والتي تؤدي إلى قتل الأبرياء وتدمير البنية التحتية المدنية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تقدم كل الدعم لـ “إسرائيل” أيضاً في عدوانها على الشعب الفلسطيني واستخدامها القوة المفرطة ضد السكان المدنيين في قطاع غزة وتجاهلها بالكامل لعواقب تلك الأزمة الإنسانية الناشئة حالياً والاستمرار في إبادة هذا الشعب ورفض قيام دولة فلسطينية مستقلة.
من جانبه أكد نائب رئيس مركز أبحاث الشرق الأوسط في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية الروسي نيكولاي سيركوف في مقابلة مماثلة أن “الهجمات الأمريكية على سورية والعراق جاءت كخطوة أخرى على طريق تصعيد التوتر في المنطقة، وأظهرت أن الأمريكيين يسعون لأن يعرضوا بكل الوسائل رغبتهم في الحفاظ على مصالحهم بالرغم من أن ذلك يهدد بخطر نشوب نزاع إقليمي واسع الأبعاد”.
وشدد سيركوف على أن “كل هذه المحاولات ستنتهي بانسحاب الأمريكيين أو بالأحرى طردهم من سورية التي يقوضون الاستقرار فيها وينهبون ثرواتها ويفرضون إجراءات قاسية أحادية الجانب عليها، وسيكون ذلك ضربة قوية لهيمنة الولايات المتحدة في العالم”.
بدوره لفت المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الدولية سيرغي سوداكوف في حديث لمراسل سانا إلى أن سورية دولة صديقة لروسيا، وبالتالي فإن موسكو تقف إلى جانبها في مجابهة الأعمال الإرهابية، بما في ذلك التي ترتكبها الولايات المتحدة و”إسرائيل” ضد الشعب السوري.
وقال سوداكوف: إن الحكومة السورية تدعو بشكل دائم لخروج قوات الاحتلال الأمريكي التي دخلت البلاد بصورة غير شرعية ودون سماح من الأمم المتحدة، مشدداً في هذا الصدد على أنه يتوجب على بلدان العالم إدراك أنها لن تستطيع الدفاع عن نفسها إلا بتوحيد الجهود والعمل معاً للتصدي لأي أعمال عدوانية وإرهابية عليها.
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
«التمويل الذكي».. ضرورة لإعادة بناء الشرق الأوسط بعد الحرب
ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -
لا زال ركام الدمار في غزة باقيًا لم يتلاشَ بعد، حتى أن وقف إطلاق النار لا يزال حبرًا على ورق لم يجف إلى الآن. كما أن سوريا لا زالت تعاني اقتصاديًا ومتضررة جراء العقوبات وتبعات المحسوبية، وآمال إحلال السلام في اليمن لا زالت على المحك، ومهددة ماليًا بالانهيار في أي وقت.
في ظل كل ذلك، لا يزال أمل الاستقرار مجرد أحلام لم يعد الشرق الأوسط يتحمل انتظار تحقيقه، ولن يحدث ذلك الاستقرار المنشود ما لم يكن هناك تخطيط واضح لإعادة الإعمار.
ولا يقتصر السؤال في هذا المقام على «من هو المشارك في تمويل إعادة الإعمار؟»، بل يمتد إلى كيفية تلك المشاركة لضمان تعافي المناطق المتضررة جراء الحروب واختلالات الحوكمة. وكيف سيتلقى المسؤولون في تلك المناطق مبادرات المانحين؟، مع الوضع في الاعتبار أن التأخير في مساعي إعادة الإعمار تُكبِّد تلك المناطق تكلفة متزايدة يومًا بعد يوم.
ففي كل شهر تتأخر فيه مساعي إعادة الأعمار يعني تفاقمًا في مشكلة النزوح، ويزيد من مدد الحرب، ويقضي على الجهود المبذولة في إحلال السلام الهشة بطبيعتها.
فالتحدي الأكبر اليوم أمام تلك الدول والمناطق، ليس في حجم الدمار، وهو هائل جدا، ولكن في غياب أوجه التنسيق، وغياب القدرات الساعية لإحلال السلام، وكذلك غياب المصداقية؛ تلك الغيابات تشل جهود التعافي السابقة.
ولنا في العراق مثال واضح؛ إذ يعد البلد نموذجا لدراسة الحالة، ويجب أن يدفعنا نحو الحذر. فبالرغم من المليارات التي دفعت له بعد عام 2003، لم يزل العراق يعاني لسنوات، وأصبح مثقلًا بالديون وضعف المؤسسات وتهالك في البنية الأساسية، وهذا يعني أن المال وحده ليس كافيا، فمن دون إطار عام للحوكمة، إطار واضح الملامح، لن تقوم الدولة من جديد، إنما يزيد ذلك من أسباب الانهيار.
كثير من النماذج الداعية إلى حل أزمات الدول هي ذات أنظمة تقليدية، مثل التعهدات الكبرى التي تقود التحولات، وأصبحت عتيقة تماما، ولا تساهم بالحل بقدر ما تفاقم المشاكل أكثر، وتعيق من دور المانحين، وهم بذاتهم يواجهون ضغوطات كبيرة جراء ما يحدث على الساحة الممتدة من أوكرانيا إلى منطقة الساحل الأفريقي.
أصبحت حكومات تلك الدول، غير المستقرة، أضعف مما كانت عليه، وبالمثل أصبحت الدول المالكة لرأس المال أكثر حذرًا، والمنافسات الجيوسياسية ترسخت بشكل أعمق مما كانت عليه حين تصميم خارطة إعادة الإعمار فيما بعد الحرب.
لم تعد تتوفر البنية الأساسية التي يستكمل عليها بناء التعافي، وغابت كذلك الظروف السياسية الداعية للتعاون متعدد الأطراف، كما أن المساهمات المالية للمانحين ـ التي يتم قياسها عادة في الأوساط البيروقراطية ـ لم تعد تتناسب مع الحاجة الملحة الواقعية.
هنا لا بد أن نقف على خطوات إعادة البناء، خطوات موثوقة وإن كانت غير مريحة للبعض، وتتمثل في ثلاث.
أولا: قياس واقعية الديون قبل الشروع في التنمية، وفي أرض الواقع نرى أن سوريا والعراق كلاهما واقعتان في التزامات مالية ضخمة غير قابلة للسداد بشكل مباشر، وتعد تلك الالتزامات تَركةً من تركات الصراع.
وبدون إعادة هيكلة شاملة ـ مع ضرورة التنسيق مع بنوك التنمية الإقليمية وصندوق النقد الدولي ـ يجب أن يكون التمويل الجديد خاصًا لسداد الديون القديمة فحسب، وهذه واقعية مالية لحل الأزمة، ولا تحتاج إلى «صدقة مالية»، فالدول المتعثرة لا تحسن التعامل مع رأس المال بفعالية.
الخطوة الثانية، يجب أن يتحول خطاب «التمويل» من مجرد خطاب نظري إلى واقع تطبيقي فعلي، ويجب عن مؤسسات التنمية أن تحمي الدول المستفيدة من التمويل من خلال إجراء تخفيف المخاطر الاستثمارية الخاصة، وذلك من خلال تقديم ضماناتِ ما يعرف بالخسارة الأولى، وكذلك من خلال تحوطات العملات، إلى جانب إنشاء محافظ استثمارية تجمع بين رأس المال الميسر والتجاري، ولا أعني من كلامي هذا أن يتحول مشروع إعادة الإعمار إلى «خصخصة»، إنما استثمار التمويل بنطاق واسع ومتعدد الجوانب مع الحفاظ على المساءلة العامة.
وثالثًا، لا بد أن تشكّل الصناديق السيادية الخليجية ركيزة أساسية في مسار التعافي الإقليمي، فبأصولٍ تتجاوز أربعة تريليونات دولار، تملك دول الخليج القدرة المالية والمصلحة الاستراتيجية في استقرار المنطقة؛ غير أن التحدي الحقيقي يتمثل في بناء أدواتٍ استثمارية ذات إشراف موثوق، من خلال مجالس إدارة مستقلة، ومناقصات شفافة، ومشاركة مجتمعية تضمن ألا تتسرب تلك الأموال إلى شبكات المحسوبية.
إن أصعب البنى التحتية التي يمكن تشييدها ليست المادية، بل المؤسساتية، لذلك يجب أن يتضمن تمويل الإعمار إصلاحات الحوكمة منذ البداية، من ذلك استخدام أنظمة رقمية لتتبع حركة الأموال، واعتماد المنافسة في العطاءات، وتعزيز قدرات البلديات المحلية على إدارة المشاريع.
لقد أتاح التقدم التقني اليوم أشكالًا جديدة من الشفافية، بدءًا من تقنيات «البلوك تشين» -نظام رقمي مبتكر يتيح تخزين البيانات وتبادلها بطريقة آمنة وشفافة وغير قابلة للتلاعب ـ لمتابعة التمويل، وصولًا إلى المنصات التفاعلية التي تتيح للمواطنين مراقبة سير المشاريع لحظة بلحظة، فالحوكمة المحلية يجب أن تُعامل بالجدية ذاتها التي نوليها للموانئ أو شبكات الكهرباء، وينبغي للسلطات البلدية أن تُدير مشاريع الإعمار بنفسها، لا أن تكتفي بتنفيذ مخططات المانحين الجاهزة.
ولعل تجربة العراق خير مثال على ما يحدث حين يتم تجاوز المؤسسات المحلية تمامًا، إذ أدى ذلك إلى إيجاد تبعية للمقاولين الخارجيين الذين اختفوا بمجرد أن توقفت تدفقات التمويل!
لقد ظلّ الانتقال من الإغاثة الطارئة إلى التنمية المستدامة أحد أوجه الفشل المزمنة في جهود الإعمار، فالمساعدات الإنسانية تنقذ الأرواح لكنها تُنشئ اعتمادًا طويل الأمد، بينما مشاريع التنمية تعد بالاستدامة لكنها غالبًا ما تصل متأخرة بعد أن يفوت الأوان.
المطلوب اليوم هو إيجاد حلقة متصلة من الصمود، آليات تمويل تربط بين الاستقرار الفوري وإعادة البناء بعيدة المدى، ويشمل ذلك التحويلات النقدية الإنسانية التي تنشّط الأسواق المحلية، والمشروعات الإنشائية المصممة وفق معايير مواجهة الكوارث منذ البداية، وبرامج إعادة إعمار المساكن التي تدمج الطاقة المتجددة ومفاهيم التكيّف المناخي في بنيتها.
ففي سواحل اليمن، يعني ذلك بناء مساكن مقاومة للفيضانات ومحطات لتحلية المياه. وفي غزة، يجب أن تُعامل أنظمة الطاقة المتجددة والاتصال الرقمي بوصفها من البنى التحتية الأساسية، لا إضافاتٍ ثانوية تأتي في مراحل متأخرة.
لكن أي آلية مالية ـ مهما بلغت من الابتكارـ لن تنجح ما لم تترافق مع شمولٍ سياسي وعدالة انتقالية تعالج المظالم التي كانت شرارة الصراع من الأساس، فهنا تحديدًا تتعثر الجهود الدولية، إذ تتحول مشاريع الإعمار إلى ساحة جديدة للمنافسة الجيوسياسية بدل أن تكون التزامًا مشتركًا تجاه استقرار المنطقة.
ومع ذلك، فإن البديل عن المشاركة ـ وإن كانت ناقصة ـ ليس الحياد، بل الهجران، والهجران لا يعني سوى أن الجيل القادم سيرث فجوة أعمق بدل أن يرث مجتمعاتٍ معافاة.
لهذا يجب أن يبدأ النقاش حول تمويل ما بعد الصراع قبل أن تضع الحروب أوزارها بالكامل، فالانتظار حتى تنضج الظروف السياسية المثالية يعني التخلي عن فرصة التأثير في ما سيأتي بعدها.
إن التخطيط المبكر يمكن أن يوجد ما يسميه الاقتصاديون «اشتراطات السلام»، أي جعل آفاق الإعمار واقعية وملموسة بما يجعل استمرار الحرب أكثر كلفة من إيقافها.
ويتميّز هذا الوقت تحديدًا بتقاطع أزماتٍ كبرى ـ من دمار غزة إلى جمود سوريا واستنزاف اليمن ـ وهو اختبار لقدرة المؤسسات الدولية على العمل بالسرعة والحجم اللذين يتطلبهما الموقف.
فالإعمار، حين يُدار بجدية وشفافية، ليس عملاً خيريًّا بل استثمارٌ في استقرار المنطقة، إنه يحوّل أدوات التمويل إلى عقودٍ اجتماعية، ويجعل من إعفاء الديون مدخلًا لتجديد الحياة السياسية.
ويبقى السؤال الجوهري، هل يستطيع المانحون، وعواصم الخليج، والمؤسسات الدولية، أن يبتكروا منظومة تعافٍ مالي تتسم بالشفافية والمساءلة بحيث تنال الثقة التي تتطلبها المرحلة؟
الركام سيبقى لسنوات، لكن قرار المضيّ لما بعده يجب أن يُتخذ الآن.
كورت ديفيس جونيو عضو في مركز الأبحاث السياسية «المجلس الأطلسي» في واشنطن.
الترجمة عن آسيا تايمز