بغداد اليوم -  


.

المصدر: وكالة بغداد اليوم

إقرأ أيضاً:

المتحدث الرسمي وغياب الحقيقة!

 

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

ثقافة تدفق المعلومات من مصادرها بانسيابية وشفافية بعيدًا عن حُرَّاس البوابات الإعلامية وعيون الرقابة، تعد واحدة من أكبر التحديات التي تواجه مجتمعاتنا العربية؛ وذلك لأسباب ترجع للقيود التي تفرض من بعض المسؤولين الذين يرغبون بحجب المعلومات وإبعادها عن الرأي العام بحجة المحافظة على الاستقرار الوطني الذي تصيبه الحساسية من انتشار المعرفة بين الناس من وجهة نظر هؤلاء.

بينما نجد عقبة أخرى تتمثل في القوانين الموثقة والمكتوبة من السلطات الرسمية في معظم بلاد العرب؛ والتي تمنع تداول المعلومات من مصادرها الرسمية إلى وسائل الإعلام المحلية أو العابرة للحدود؛ على الرغم من التحولات الجذرية المحيطة بنا؛ مثل ظاهرة المواطن الصحفي الذي أصبح خارج نطاق الرقابة فضلاً عن سرعة وصول المعلومات عبر السماوات المفتوحة بدون قدرة وزارات وهيئات الإعلام على مصادرتها أو حتى منعها من الانتشار الواسع عبر المنصات الرقمية.

صحيحٌ أن من أهم ما جاء في قانون الإعلام الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (58/ 2024) وحملته المادة رقم (3) من خلال العديد من النقاط المُهمة التي نتوقع منها- إذا ما تم تطبيقها بحسن النية من المسؤولين- أن يكون لها الأثر الطيب في حل مشكلة مُزمِنة تتمثل في الحق في الحصول على المعلومات من مصادرها، وتداولها بشكل مشروع، كما إن حرية الرأي والتعبير باستخدام وسائل الإعلام قد أقرها القانون الجديد كحق مكتسب لا لبس فيه، وهذا تطور إيجابي كبير.

والسؤال المطروح الآن: هل بالفعل تحقق طموح الإعلاميين في الحصول على المعلومات من أدراج صناع القرار؟ للإجابة على هذا السؤال ربما نحتاج إلى نظر وتأنٍ حتى يتمكن المنظمون لهذه المواد القانونية من تكييفها ووضع توصيف واضح المعالم لتنفيذ تلك النصوص القانونية التي تحتاج إلى وقت أطول لكي يتم إقناع الأطراف التي تملك المعلومات بالسماح بتداولها خاصة تلك المعلومات المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وليس الأمنية والعسكرية.

لقد استبشرنا خيرًا بإعلان بعض الوزارات الحكومية عن تعيين ناطقين رسميين لتقديم المعلومات والحقائق المتعلقة بتلك المؤسسات بشكل انسيابي ودقيق خاصة في إطار غياب وجود متحدث رسمي مُعلَن عنه باسم الحكومة، لكي يقدم ايجازًا يوميًا في الشأن العام للإعلاميين، خاصة بعد اجتماعات مجلس الوزراء التي يترأس فيها جلالة السلطان الحكومة؛ نظرا لأهمية تلك الاجتماعات، وما تحمله من مشاريع تنموية وتوجيهات سامية لتصويب الأداء الحكومي ودفعه نحو تحقيق الأهداف المرسومة له سوى في الخطة الخمسية العاشرة التي شارفت على الانتهاء أو رؤية "عُمان 2040" التي يحرص الجميع على متابعتها والتعرف على نتائجها وتقدمها نحو طموحات المواطن الذي ينتظرها بفارغ الصبر، لعل وعسى تفرج الأحزان للمنتظرين وتُفرِح الباحثين عن التوظيف، وتنقل سفينة الوطن إلى مصاف الدول المتقدمة، حسب وعود القائمين عليها، الذين يعملون هذه الأيام بجدٍ واجتهاد، وفضلوا الغياب عن الساحة الإعلامية "لأمر في نفس يعقوب".

من المؤسف حقًا أن المؤسسات الحكومية السباقة في تجربة الناطق الرسمي لم تنجح في ذلك؛ والسبب في اعتقادي الشخصي هو عدم تمكين الأشخاص الذين تم تسميتهم للمنصب من المعلومات التي تمثل سلطة مطلقة في النفوذ والجاذبية، فتلك المعلومات إذا ما اتُخذ القرار بنشرها لا تكون بأي حال من الأحوال من نصيب درجات المديرين الذين يحملون صفة المتحدث الرسمي؛ بل يجب أن تُمنح لكبار المسؤولين، خاصةً إذا كانت إيجابية ومبشرة بالخير للعامة؛ والأهم من ذلك كله عدم حصول الناطق الرسمي على التدريب المناسب؛ كون جميع المتحدثين الرسميين المُعلن عنهم لا يحملون شهادات في تخصص الإعلام؛ بل في مجالات الطب والإدارة والمراقبة الجوية والاقتصاد. ومن هنا، أصبح المتحدث الرسمي مع مرور الأيام، وكأنَّه يتحدث إلى نفسه لكونه فقد مصادر القوة المتمثلة في المعلومات.

ولكي نضع الأمور في نصابها، يُمكِن أن نُقسِّم الوزارات التي انتهجت سياسة العمل بالمتحدث الرسمي إلى قسمين؛ تلك التي خلقت ضجة ودعاية بزعم أنه لا توجد زوايا مظلمة في تلك الوزارات؛ فهي بعيدة عن الحقيقة وهي أقرب إلى ذر الرماد في العيون أو التضليل والدعاية الرمادية وأبعد عن تطبيق مبادئ الموضوعية والصدق والتوازن في العمل الإعلامي؛ فالوضع في تلك الوزارات والمحافظات في مكانك سِرْ، ولم يطرأ جديد بتعيين المتحدث الإعلامي.

وعلى الجانب الآخر هناك جهات رسمية وخاصة تؤمن بأهمية الناطق الرسمي وتعمل على تمكينه وتدريبه واطلاعه على ما يجب أن يعرفه المجتمع العُماني دون تردد أو مماطلة، وفي مقدمة تلك الوزارات المتميزة وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الاقتصاد الوطني ووزارة الصحة، وكذلك شركة تنمية نفط عُمان التي أعلنت عن تسمية 3 متحدثين كل على حدةٍ؛ في قطاعات الشركة المختلفة انطلاقًا من التخصُّص والخبرة.

وفي الختام.. لقد حان الوقت لضبط ما يُفضِّل البعض تسميته هذه الأيام بالانفلات الإعلامي من بعض المسؤولين، وعلى وجه الخصوص التصريحات النارية التي تستفز الرأي العام بسبب تناقض تلك التصريحات مع التوجه العام للدولة؛ فعدم ضبط إيقاع السياسة الإعلامية ومنع الذين يدعون إلى هجرة المُواطن خارج وطنه تارة والدعوة إلى التوظيف من خلال السجل التجاري؛ فالبُعد عن التصريحات التي تُغضب المجتمع العُماني أصبح من الأولويات الوطنية، وذلك لتجنب الكثير من المتاعب غير الضرورية، وعلى هؤلاء المسؤولين أن يقولوا خيرًا أو ليصمتوا.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • حقيقة اتفاق الزمالك وبيراميدز على عدم لعب مباراتهما معا قبل قرار التظلمات
  • خالد الغندور يكشف حقيقة اتفاق الزمالك وبيراميدز على عدم خوض المباراة قبل قرار التظلمات
  • المتحدث الرسمي وغياب الحقيقة!
  • مواطنون: الدوام المرن تجربة ناجحة ينبغي تطبيقها طوال العام
  • رئيس اقتصادية قناة السويس: سيتم افتتاح مصنع جديد يوم الثلاثاء المقبل بالعين السخنة
  • الأوقاف تعلن بدء تفويج حجاج اليمن الأسبوع المقبل
  • أمير منطقة الباحة يرعى حفل تخريج الدفعة (19) من طلاب وطالبات جامعة الباحة الثلاثاء القادم
  • محافظ المثنى: نعمل على حزمة مشاريع مستقبلية واضحة المعالم وفتح نافذة اقتصادية
  • الرئيس الباكستاني: الهند تهدد السلام في المنطقة
  • موظفو مديرية ماء السليمانية يقاطعون الدوام احتجاجاً على تأخر رواتبهم (صور)