7 تشرين الثاني/نوفمبر 2023المساعدات الإنسانية
قالت مسؤولة في الأمم المتحدة إن الحرب التي اندلعت دون سابق إنذار حولت منازل السودانيين التي كانت تنعم بالسلام إلى مقابر، منبهة إلى أن أزمة إنسانية تفوق التصور تتكشف فصولها في السودان، بعيدا عن أعين العالم وعناوين الأخبار.

زارت دومينيك هايد، مديرة قسم العلاقات الخارجية لدى مفوضية شؤون اللاجئين السودان مؤخرا، وتحدثت للصحفيين اليوم الثلاثاء في جنيف، حيث قدمت إيجازا حول الأزمة الإنسانية المتفاقمة هناك.



وحذرت من أن القتال الذي يتزايد نطاقه ووحشيته، يؤثر على شعب السودان، "والعالم صامت بشكل فاضح، على الرغم من استمرار انتهاكات القانون الدولي الإنساني مع الإفلات من العقاب".

وقالت دومينيك هايد إن "من المخزي أن الفظائع التي ارتكبت قبل 20 عاما في دارفور يمكن أن تتكرر اليوم مرة أخرى في ظل عدم إيلاء الاهتمام الكافي".

ونتيجة لذلك، اضطر ما يقرب من ستة ملايين شخص إلى ترك منازلهم- فر أكثر من مليون شخص منهم إلى بلدان مجاورة يعاني بعضها من الهشاشة. وتمثل النساء والأطفال الغالبية العظمى من هؤلاء النازحين.

وأفادت دومينيك هايد بحدوث مزيد من حالات النزوح بسبب النزاع الذي اندلع مؤخرا في دارفور، حيث يعاني الآلاف في سبيل البحث عن المأوى، وينام الكثيرون تحت الأشجار على قارعة الطرقات.

وأعربت عن قلق بالغ إزاء عدم تمكن هؤلاء الأشخاص من الوصول إلى الاحتياجات الضرورية الأساسية مثل الغذاء والمأوى ومياه الشرب النظيفة.

مستقبل ملايين الأطفال في خطر
وقالت مسؤولة المفوضية إنها زارت ولاية النيل الأبيض في السودان الأسبوع الماضي، حيث يعيش نحو أكثر من 433 ألف نازح داخليا. وكانت هذه الولاية تستضيف نحو 300 ألف لاجئ – أغلبهم من جنوب السودان – في 10 مخيمات.

أدى الارتفاع الحاد في عدد النازحين إلى فرض ضغوط كبيرة على الخدمات الأساسية في المخيمات، حسبما قالت دومينيك هايد.

وكما هو الحال في شتى أنحاء السودان، فقد أغلقت المدارس أبوابها على مدى الأشهر السبعة الماضية، حيث يتخذ النازحون من هذه المدارس مأوى مؤقتا لهم. ولذلك تحذر دومينيك من أن تعليم ومستقبل ملايين الأطفال في السودان في خطر.

أما الوضع الصحي فهو كارثي، حيث توفي أكثر من 1,200 طفل دون الخامسة من العمر في ولاية النيل الأبيض خلال الفترة بين أيار/مايو وأيلول/سبتمبر، نتيجة لتفشي مرض الحصبة المقترن بالمستوى الحاد من سوء التغذية.

وحذرت دومينيك من وفاة أربعة أطفال على الأقل- أسبوعيا- في هذه الولاية مع عدم توفر الأدوية والطواقم والإمدادات الأساسية.

تزايد وتيرة اللجوء
وأشارت مفوضية اللاجئين إلى تزايد وتيرة لجوء السودانيين إلى دول الجوار بشكل كبير. ففي تشاد، يبلغ معدل عدد الواصلين حديثا إلى 700 شخص في اليوم الواحد.

وقالت دومينيك هايد إنها زارت مدينة الرنك الحدودية مع جنوب السودان، خلال الأسبوع الماضي، وقضت أسبوعا هناك، مشيرة إلى أن هذه المدينة شهدت ارتفاعا حادا في أعداد اللاجئين الواصلين إليها.

وخلال فترة الأسبوع الذي قضته في المدينة، قالت المسؤولة الأممية إن أكثر من 20 ألف شخص عبروا الحدود إليها من السودان، وبعضهم من اللاجئين جنوب السودانيين العائدين إلى ديارهم.

وقالت إن مركز الإيواء المؤقت – الذي أنشئ لاستقبال 3,000 شخص – يستضيف حاليا نحو 20 ألف شخص أغلبهم لاجئون من السودان.

"وأينما اتجهتم، ستجدون أشخاصا في كل مكان، والوضع يتدهور باستمرار. أما حالة المياه والصرف الصحي، فهي على درجة من السوء قد تؤدي إلى تفشي وباء الكوليرا. لقد قضيت 30 عاما وأنا أعمل في هذا المجال، وهذا من أسوأ الأوضاع التي شهدتها".

وقالت دومينيك هايد إن الأرقام مهولة، مشيرة إلى عبور أكثر من 362 ألف شخص الحدود إلى جنوب السودان منذ بدء الصراع في السودان.

حاجة ماسة إلى التمويل لمواكبة الاحتياجات
وقالت مسؤولة مفوضية اللاجئين إن وكالات الإغاثة تبذل قصارى جهدها للمساعدة، إلا أن الاحتياجات تشكل ضغطا كبيرا عليها. "يصل فريق عملنا الليل بالنهار، إلا أن قدراتنا لا تكفي لمواكبة المتطلبات، ونحن بحاجة ماسة إلى التمويل لتنفيذ خطط استجابتنا".

تغطي خطة الاستجابة الإقليمية للاجئين الاحتياجات الإنسانية في الدول المجاورة التي تستقبل اللاجئين من السودان، وهي ممولة حاليا بنسبة لا تتجاوز الـ 39 بالمائة.

وأشارت دومينيك إلى إطلاق نداء للحصول على مليار دولار لتغطية العمليات التي يقوم بها 64 شريكا في خمسة بلدان. وبالتوازي مع ذلك، ما زال نداء التمويل المنفصل والمخصص للاحتياجات الإنسانية داخل السودان ممولا بنسبة لا تتجاوز ثلث المبلغ المطلوب، علما بأنه يسعى للوصول إلى 18.1 مليون شخص ويتطلب تمويلا بقيمة 2.6 مليار دولار.

وأكدت السيدة دومينيك على الأهمية الكبيرة للنداءين الإنسانيين، منبهة إلى أن الناس داخل السودان سيواصلون العبور إلى الدول المجاورة إذا لو تتوفر لهم المساعدة الإنسانية العاجلة. وأشارت إلى أن تشاد- على سبيل المثال- تعاني في سبيل الاستجابة للأعداد الكبيرة من الوافدين. واختتمت حديثها بالقول:

"في حال لم نتمكن من مساعدة هذه الدول على تلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين، فإن الناس سيحاولون إيجاد سبيل للأمان ومستقبل أفضل لهم ولعائلاتهم، حتى إن كان ذلك من خلال تعريض أرواحهم للخطر بوضع أنفسهم تحت رحمة مهربي البشر، والقيام برحلات خطيرة محفوفة بالمخاطر".  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: جنوب السودان فی السودان أکثر من إلى أن

إقرأ أيضاً:

توثيق ذاتي لمفقودي جرائم الدعم السريع بمخيم زمزم

الفاشر- أين أنت يا هارون؟ سؤال يتردد، يوميا، في ذهن الشاب مبارك بشير النور، وهو يقف أمام خيمته في أحد مراكز الإيواء في مدينة الفاشر غربي السودان، بعد أن فقد شقيقه الأكبر في هجوم قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين، ليتحول ألمه الشخصي إلى دافع للعمل من أجل الآخرين.

لا يمكن لمبارك -كما يقول للجزيرة نت- وصف الألم الذي يشعر به بعد فقدان هارون، "ففي كل ليلة تتجدد ذكرياته في ذهني، وأتمنى لو أعرف مصيره". ويضيف "فقدان قريب تجربة مشتركة مع كثيرين هنا، نحن نساعد أسر الضحايا في البحث عن الحقيقة وإيصال أصواتهم إلى العالم، كل حالة مفقود أو قتيل تُمثِّل جزءا من قصتنا، التي يجب أن تُروى".

وانضم مبارك إلى مجموعة من الشبان الذين أسسوا منظمة باسم "هيئة ضحايا الإبادة الجماعية في زمزم"، لتوثيق وحصر عدد القتلى والمفقودين وحالات الاغتصاب، و يعملون لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا عبر المنابر الدولية، حسب توضيحه.

توثيق ودعم

يقول أحد مؤسسي الهيئة، أحمد حسين هاشم، للجزيرة نت: إنهم تمكنَّوا -حتى الآن- من توثيق نحو101 مفقود و400 قتيل، خلال الهجوم على المخيم، حيث يعملون عبر قاعدة بيانات رقمية "متطورة" بمساعدة متطوعين من داخل السودان وخارجه.

إعلان

ويضيف هاشم، أن عمل الهيئة لا يقتصر على التوثيق فحسب، بل يشمل تنظيم جلسات دعم نفسي للأسر المتضررة وتقديم المساعدة القانونية، والتواصل مع المنظمات الدولية، إضافة إلى بناء شبكة تضامن بين النازحين. ويردف "كل حالة نُوثّقها هي قصة إنسانية، ونحن ملتزمون بمساندة الأسر في البحث عن الحقيقة ومعرفة مصير أبنائهم".

ومنذ أن كثَّفت قوات الدعم السريع هجماتها على مخيم زمزم ومدينة الفاشر، قام بعض عناصرها باستعباد العديد من الأشخاص، حسب مراقبين.

تروي النازحة حواء جمعة، قصتها المأساوية للجزيرة نت، وتقول إن زوجها وثلاثة رجال آخرين اختطفوا خلال الهجوم الأخير على المخيم، وأُجبروا على العمل رعاة للماشية تحت تهديد السلاح.

وتضيف "أُخذوا إلى مناطق نائية قرب بلدة كبكابية، وكانوا يعملون ساعات دون طعام كاف، ولم يكن أمامهم خيار سوى الطاعة أو مواجهة الموت".

ولحسن الحظ -تتابع حواء- "تمكَّن زوجي من الهرب بعد اتخاذ قرار جريء، ويقيم الآن في منطقة حدودية داخل الأراضي التشادية مع عدد من اللاجئين".

وحسب المتحدث الرسمي باسم النازحين، محمد خميس دودة، فقد وصل عدد قتلى الهجوم على المخيم إلى نحو 1500 شخص، بينما بلغ عدد المفقودين نحو 400.

وأضاف خميس دودة للجزيرة نت "الهجوم كان عنيفا، وخلَّف دمارا واسعا في المجتمع، ويجب أن تُسمع أصوات الضحايا، وأن تكون الهيئة التي تشكلت أخيرا صوتهم في هذه اللحظات العصيبة، حيث يعاني المجتمع من وجود قتلى وجرحى ومفقودين وحالات اغتصاب".

ازدواجية العالم

من جهته، أشار عضو الهيئة، سليمان مختار، إلى وجود ازدواجية معايير واضحة في التعامل مع الحرب في السودان مقارنة بالنزاعات في دول أخرى.

وأوضح للجزيرة نت، أن الاهتمام الدولي بالأزمة السودانية يفتقر إلى "الجدية والعدالة"، حيث تُعطى أولوية لبعض الصراعات على حساب أخرى، ما زاد من تهميش القضية السودانية على الساحة الدولية.

إعلان

وأضاف أن بعض الأزمات تتلقى تغطية إعلامية واسعة ودعمًا دوليًا سريعًا، بينما تُترك السودان لمواجهة "مآسيها"، حسب وصفه، وشدد على ضرورة الاهتمام بالهيئة ومناصرتها في كافة المحافل.

ومن جانبها، أكدت الناشطة الحقوقية، فاطمة عبد الله، أن هذه "الازدواجية" تمتد إلى مستوى المساعدات الإنسانية، مشيرة إلى أن السودان يعاني "نقصا حادا" في التمويل الدولي المخصص للإغاثة مقارنة بأزمات أخرى تحظى باهتمام أكبر.

وأردفت "هذا التفاوت يعني أن الأسر النازحة والمتضررة في السودان تُحرم من الدعم الأساسي، بينما تُخصص موارد ضخمة لأزمات أخرى، مما يعمق الفجوة في تحقيق العدالة".

خطوة نحو العدالة

من جانبه، يرى الخبير القانوني محمد إبراهيم نكروما، أن توثيق الانتهاكات المتعلقة بالاختفاء القسري للمفقودين في دارفور يُشكِّل خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة.

ويقول للجزيرة نت، إن هناك "حاجة ماسة" لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات محليا وإقليميا ودوليا للحد من تفشي هذه الظاهرة، ويضيف "بات ضروريا الكشف عن أماكن الاحتجاز ومعرفة مصير المفقودين، لأن معاناة أسرهم لا تقل وطأة عن آلام من فقدوا أحباءهم قتلا".

وأكمل نكروما "يجب تقديم هذه المعلومات إلى الجهات القانونية الدولية لضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم. كما أن التعاون بين المنظمات المحلية والدولية يعزز فرص تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا".

مأساة الأهالي في مخيم زمزم بالسودان تضاعفت على يد الدعم السريع (مواقع التواصل)

ويشير مراقبون إلى أنه وفي ظل غياب المجتمع الدولي، يلعب المجتمع المدني في السودان دورا حيويا في تعزيز حقوق الإنسان خاصة في دارفور، حيث تعمل منظمات محلية على الرصد والمتابعة وتقديم الدعم للضحايا والنازحين الفارِّين من مناطقهم جرَّاء الحرب.

وتقول الناشطة شذى محمد "نعمل على توفير المساعدات الأساسية، ولكننا بحاجة إلى دعم أكبر لنكون قادرين على تلبية احتياجات المجتمع".

إعلان

وأضافت للجزيرة نت، أن تضافر الجهود بين المنظمات المحلية والدولية أمر ضروري لضمان استدامة هذه المبادرات، داعية العالم للتركيز على السودان الذي بات يُمثِّل "أكبر أزمة إنسانية في العالم".

إبادة

وفي ظل هذا الوضع، يعمل الناشط في مجال حقوق الإنسان، مأمون صالح، على توثيق الجرائم التي ارتُكبت خلال اقتحام المخيم عبر جمع الأدلة، ويقول "نحن لا نحمل السلاح، لكننا نخوض حربا من أجل الحقيقة، يجب أن يعرف العالم حجم الفاجعة التي تعرض لها سكان مخيم زمزم".

ويضيف للجزيرة نت، "نتنقل بين الناجين، ونجمع شهاداتهم حيث نعتمد على الهاتف لجمع المعلومات من الناجين والشهود الذين فرّوا إلى مناطق أخرى".

ولفت إلى أنهم يكتشفون المزيد من القصص "المفجعة" يوميا، وأن أسرا بأكملها اختفت، وهناك ناجون يعانون من صدمة لا توصف، وأكد أن ما حدث في زمزم ليس مجرد اقتحام للدعم السريع، بل عملية "إبادة ممنهجة" ضد المدنيين، منتقدا الصمت الدولي الذي يفاقم معاناة الضحايا أكثر، وطالب الجميع بتحمل مسؤولياتهم.

مقالات مشابهة

  • توثيق ذاتي لمفقودي جرائم الدعم السريع بمخيم زمزم
  • كيكل: ستجدوننا قريباً في موقع المسيرات التي تقصف
  • نداء إلى سفارة السودان في كمبالا: لا تستغلوا أوجاع اللاجئين في التعليم!
  • اقتصاد السودان: الانهيار الشامل والمأساة الإنسانية في ظل الحرب المنسية
  • سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة
  • رئيس هيئة الطيران المدني يبحث مع عدد من المنظمات الإنسانية دعم عودة اللاجئين السوريين
  • حماس: الخطة الأميركية ليست بعيدة عن التصور الإسرائيلي لعسكرة المساعدات
  • مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين يدين الهجمات التي استهدفت المنشآت الحيوية والاستراتجية بالسودان
  • بعيداً عن التطبيع.. هل تمنح واشنطن الرياض النووي؟
  • وزير الخارجية القطري يبعث رسالة خطية إلى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي