جريدة الوطن:
2025-10-14@23:29:27 GMT

درنة .. خطيئة السياسة والسياسيين

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

درنة .. خطيئة السياسة والسياسيين

تجسِّد الفيضانات المُميتة التي حَوَّلَت مدينة درنة الليبيَّة إلى أنقاض تضمُّ تحتها آلاف الجثث والمفقودين الخطيئة التي يرتكبها السِّياسيون حينما يضعون أولويَّاتهم التصارع ودبج الخطابات لادِّعاء الأحقيَّة في تولِّي المناصب وإدارة الثروات ليتساوى في ذلك سياسيون من الأنظمة المتعاقبة.
ومع بدء وصول المساعدات الدوليَّة إلى ليبيا لدعم الناجين من الفيضانات في مدينة درنة يتراجع الأمل في العثور على أحياء بَيْنَ آلاف المفقودين بعد أيَّام على كارثة العاصفة دانيال التي صحبتها أمطار غزيرة كان يُمكِن تفادي الكثير من أضرارها لولا انهيار سدَّيْن أدَّى إلى فيضان النهر الذي يعبُر المدينة لِتتدفقَ المياه كسونامي جارف للأبنية والجسور والطُّرق ومعهم البَشَر.

وتحت ضغط الأمطار الغزيرة، انهار السَّد الأوَّل، وهو سدُّ أبو منصور بسعة 22,5 مليون متر مكعب والواقع على بُعد 13 كيلومترًا من درنة، فتدفَّقت مِنه أنهار من المياه، واجتاحت السَّد الثاني وهو سدُّ «البلاد» بسعة 1,5 مليون متر مكعب، ويقع على بُعد كيلومتر واحد فقط من المدينة الساحليَّة.
وقلَّص قرب السَّد من المدينة فرص تبعثُر المياه قَبل وصولها إليها، فاجتاحت السُّيول العنيفة الجارفة درنة. وإذا كانت آخر الأرقام الرسميَّة تشير إلى حصر 3166 وفاة وفق وزير الصحَّة في حكومة شرق ليبيا عثمان عبد الجليل، فإنَّ منظَّمة الصحَّة العالَميَّة ترفع العدد إلى 3958 جثة أحصتها المنظَّمة وأكثر من تسعة آلاف شخص في عداد المفقودين، إضافة إلى عمليَّات بحث في البحر تشير مئات الجثث، ناهيك عن مخاطر انتشار الأمراض المرتبطة باحتمال تلوُّث المياه. ويتحمَّل الوضع السياسي وزرًا كبيرًا في هذه المأساة.. فإضافة إلى أنَّ هذا الوضع الذي يزداد تفاقمًا منذ 2011 يعرقل وصول المساعدات وجهود الإغاثة، فإنَّ التحقيق في ظروف الكارثة أظهر أنَّ السدَّيْنِ اللذين انهارا كانا يظهران تشقُّقات منذ 1998 ليتوالى المسؤولون والسِّياسيون على هذا الوضع لإهمال في عهد العقيد الراحل معمر القذافي دُونَ إصلاح، حيث إنَّ إدارة السدود في ليبيا أُبلغت في العام 1998 بظهور أوَّل التشقُّقات في المنشأتين لتكلف السلطات شركة استشاريَّة إيطاليَّة بتقييم الأضرار التي لحقت بالسدَّيْن، وأكَّدت وجود تشقُّقات وفي العام 2007، عهد نظام معمر القذافي بأعمال الإصلاح إلى شركة تركيَّة. وبسبب عدم توفير الأموال بدأت الشركة أعمالها في أكتوبر 2010، قبل أن تتوقفَ بعد أقلَّ من خمسة أشهر، في أعقاب ثورة 2011. ومنذ ذلك الحين، خُصِّصت ميزانيَّة كُلَّ عام لإصلاح السدَّيْن، لكن لَمْ تباشر أيٌّ من الحكومات المتعاقبة العمل. ويشير ديوان المحاسبة الليبي في تقرير عام 2021، إلى «مماطلة» الوزارة المعنيَّة في استئناف العمل في السدَّيْن ليبقى سؤال عن الميزانيَّة المخصَّصة كُلَّ عام؟ وسؤال آخر مفاده: كم أنفق سياسيون على خطابات وتحريض على أنظمة أخرى قَبل أن ينفقَ سياسيون آخرون على اقتتال داخلي على مدار السنوات الماضية بمقابل كم تمَّ صرفه على تحديث البنية الأساسيَّة التي بها كان يُمكِن تفادي مِثل هذه الكارثة؟

هيثم العايدي
كاتب صحفي مصري
Aydi007@yahoo.com

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

فورين بوليسي: ترامب يقصي النساء من السياسة الخارجية الأميركية

في خطوة وُصفت بأنها انقلاب على أكثر من 6 عقود من الإجماع الحزبي في واشنطن، ألغت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب معظم السياسات والهياكل التي تُمكن النساء جزءا أصيلا من السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لتطيح بذلك بإرث طويل رسّخته إدارات جمهورية وديمقراطية منذ سبعينيات القرن الماضي.

وفي مقال مشترك نشرته مجلة "فورين بوليسي"، ذكرت الكاتبتان ريبيكا توركينغتون وساسكيا بريشينماخر، أنه منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي، اتجهت إدارته إلى تفكيك البرامج التي اعتُبرت لسنوات من ركائز النفوذ الأميركي الناعم، بدءا من دعم التعليم والصحة الإنجابية للنساء في العالم، وصولا إلى إلغاء مبادرات تعزز مشاركتهن في السلام والأمن.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2محاربات السلام: من يجرد الآخر من إنسانيته إنما يجرد نفسه منهاlist 2 of 2لوبس: هكذا تتحايل روسيا على العقوبات النفطية بألف من "السفن الأشباح"end of list

وبحسب المقال، فإنه سرعان ما اتضح أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة في ولاية ترامب الثانية ستشهد تحوّلا جذريا، خصوصا حقوق النساء والمساواة بين الجنسين.

فبدلا من الاكتفاء بتوجيه الجهود نحو التمكين الاقتصادي للمرأة كما فعلت إدارات جمهورية سابقة، اختار ترامب هذه المرة تفكيك البنية السياسية والمؤسسية التي كرّست دعم قضايا المرأة في الدبلوماسية والمساعدات الأميركية لأكثر من 6 عقود.

إلغاء مكاتب وبرامج

وتشير توركينغتون وبريشينماخر -وهما باحثتان في معهد جورجتاون للمرأة والسلام والأمن، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، على التوالي- إلى أن البيت الأبيض ألغى المكاتب والبرامج التي كانت تُعنى بحقوق المرأة داخل وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية، وحوّل ميزانيات المساعدات الخارجية لتقتصر على الإغاثة الطارئة فقط.

وتضيفان أن الإدارة الأميركية ألغت كل التمويل الثنائي لتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية وصحة الأم والطفل (باستثناء شلل الأطفال)، من ميزانية السنة المالية لعام 2026.

ولعل أكثر التراجعات المفاجئة -برأي المقال- تمثّل في إعلان وزير الحرب بيت هيغسيث في أبريل/نيسان الماضي إلغاء برنامج "النساء والسلام والأمن" الذي كان قد أُقرّ عام 2017 بدعم جمهوري واسع.

إعلان

وجاء الإعلان رغم أن وزارة الحرب كانت تعتبره "ميزة إستراتيجية فعّالة ومنخفضة التكلفة" تساعد على مكافحة التطرف والاتجار بالبشر ومواجهة نفوذ الصين وروسيا.

الإدارة الأميركية ألغت كل التمويل الثنائي لتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية وصحة الأم والطفل (باستثناء شلل الأطفال)، من ميزانية السنة المالية لعام 2026. انهيار كامل

كما تقلص دعم الولايات المتحدة مؤسسات الديمقراطية التي كانت تعمل على تعزيز مشاركة النساء السياسية، وفي مقدمتها الوقف الوطني للديمقراطية، وهو ما اعتبرته المجلة تراجعا عن التزام قديم يستند إلى أن تعزيز دور النساء في الحكم يسهم في الاستقرار والازدهار العالميين.

وتؤكد توركنغتون وبريشينماخر، أن ما تفعله إدارة ترامب لا يُعد مجرد تحول محافظ في المقاربة الأميركية تجاه قضايا النوع الاجتماعي، بل يمثل "انهيارا كاملا للبنية السياسية والمؤسساتية التي دعمت حقوق المرأة عقودا".

وترى الكاتبتان أن هذا التحول يعكس رغبة واضحة في "إعادة تعريف السياسة الخارجية الأميركية على أسس محافظة ذكورية صريحة"، حيث يُعاد تصوير الاهتمام بحقوق النساء كأجندة يسارية راديكالية بدلا من كونها مصلحة وطنية أميركية.

إضعاف القوة الناعمة

ويحذر الخبراء من أن هذا الانسحاب قد يضعف قدرة واشنطن على استخدام قوتها الناعمة في الدبلوماسية والتنمية، ويقوّض نفوذها الأخلاقي في مواجهة منافسين مثل الصين وروسيا.

فبينما كانت الولايات المتحدة تُقدّم تمكين النساء باعتباره جزءاً من رؤيتها لعالم أكثر استقرارا، فإن إدارة ترامب الحالية تبدو -بحسب المجلة- "وكأنها تمحو النساء تماما من خريطة السياسة الخارجية الأميركية".

مقالات مشابهة

  • قمة شرم الشيخ.. ترامب يحول السياسة إلى عرض ستاند أب كوميدى عالمي
  • قبلة الأسير وموائد شرم الشيخ.. حين تنتصر الكرامة على بهرجة السياسة
  • فورين بوليسي: ترامب يقصي النساء من السياسة الخارجية الأميركية
  • سنغافورة تبقي على السياسة النقدية دون تغيير مع استمرار قوة النمو
  • النظرة الاستعمارية.. من جوهر السياسة إلى توماس براك؟
  • كاتب فرنسي: هكذا تؤثر الشعبوية على السياسة الخارجية
  • عمليات التعرف على ضحايا درنة مهددة بالتوقف
  • ثمن الفوضى.. عندما تصبح السياسة الخارجية رهينة المزاج
  • من الكارثة إلى البناء.. التعليم في درنة الليبية مؤشر للتعافي الاقتصادي
  • 4 من أعضاء تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين ضمن المعينين في مجلس الشيوخ