صورة من غزة.. حقيقة سفر ويجز إلى فلسطين
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
حالة من الجدل أثارها مطرب الراب ويجز، وذلك بعد طرحه صورة من غزة عبر خاصية الاستورى بصفحته الرسمية بموقع الصور الشهير إنستجرام، واكتفى فقط بوضع لوكيشن موقع غزة بفلسطين، مما جعل البعض يوحي له بأنه متواجد في هذه المنطقة.
والحقيقة أن ويجز يتواجد حاليا فى أوروبا لتقديم سلسلة من الحفلات وليس حقيقي تواجده فى فلسطين كما توهم البعض، لكنه قام بوضع هذه الصورة كنوع من أنواع الدعم لأهالى غزة حيث أنه من أكثر الفنانين الداعمين للقضية الفلسطينية.
علق مطرب الراب ويجز على أحداث القضية الفلسطينية، وما يحدث بها من تفاقم وعنف وقصف على يد الاحتلال الصهيوني، وذلك في أثناء إحيائه لإحدى حفلاته في كندا.
وقال ويجز، “معظمكوا عايش هنا، وبيحتكوا مع اللى جمبيهم أو اللي ميعرفوش أصلاً، فأتمنى إن يكون كل حد عنده نفس الدافع اللى جواك ده، وإن يكون اللى بيقهرك إن فى ناس معندهاش أدنى إحساس بالمسؤولية، وفى ناس ماتعرفش أي حاجة عن اللى بيحصل، وناس فعلاً مغيبة، ولكن وسائل الإعلام مش بتوصل الحقيقة، وده شيء مش جديد، بس إحنا أكيد نقدر نموت الإرهاب”.
وقال ويجز مؤخرًا، خلال تصريحات تليفزيونية: "من وجهة نظري، لا يمكن لأحد أن يأتي ويقول لنا أن أمريكا تحترم الديمقراطية وتمتلك حرية، بالعكس، إنها تضعنا في خانة يجب علي أن ألتزم بها؛ لكي تكون هذه حرية، وهذا ليس حرية حقيقية بأي حال من الأحوال".
وأضاف ويجز: “أنتم تخافون من الأشخاص المختلفين عنكم، وتخشون أن تكون طريقة حياتهم مختلفة عما هو عندكم، وهل لا يعرف جهاز الاستخبارات الأمريكي ما يحدث في غزة؟، إنهم يعلمون بنسبة 100% ما يحدث في غزة”.
وتابع: "نحن لسنا أغبياء والأحداث التي تجري تخضع للتخطيط والتنظيم".
يذكر أن ويجز نشر مقطع فيديو عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “إنستجرام” أثناء مشاركته فى مظاهرة بأمريكا ضد الاحتلال الإسرائيلي والمجازر التي يرتكبها ضد فلسطين.
وقال ويجز خلال الفيديو: "نحن الآن في أمريكا وهذه المظاهرة لأن اليهود الذين يعيشون في نيويورك يخرجون ويقولون إنهم يرفضون المجزرة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، إنهم قادمون لتبرئة أسمائهم، أنا سعيد، وأتمنى أن يتفوق الناس".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مطرب الراب ويجز غزة بفلسطين غزة
إقرأ أيضاً:
إلى أين يقودنا الصراع حول حرية التعبير؟
لويس ميناند / ترجمة - بدر بن خميس الظفري
الولايات المتحدة تعيش اليوم في خضم حرب على حريّة الكلام، فالبشر عادةً يتقاتلون من أجل المال أو الأرض أو الحب، لكن ما يحدث الآن مختلف، الناس يتقاتلون من أجل الكلمات. حيوات تُدمَّر أحيانًا لا بسبب أفعال ارتكبها أصحابها، بل بسبب ما قالوه. لقد أصبحنا نعيش في مجتمع تهيمن عليه ثقافة «التشهير العلني»، والملاحقة الإلكترونية، والإلغاء، والعقوبات، والافتراء، وحظر المنصات، وقطع التمويل، والاضطهاد، والملاحقات القضائية، والطرد من العمل، بل وحتى القتل، وكل ذلك بسبب رأي أو كلمة.
والأغرب أن بعض الذين يخوضون هذه الحرب الكلامية يقدّمون أنفسهم أنهم حماة لحرية التعبير، فيما يعدّون خصومهم الذين يحاولون إسكاتهم هم «أعداء الحرية».
وكما هو متوقع، فإن العرّاب هنا هو الرجل الذي يعرفه الجميع، إنه دونالد ترامب، ففي 20 يناير، في أول يوم له بعد عودته إلى البيت الأبيض، أصدر أمرًا تنفيذيًا بعنوان: «استعادة حرية التعبير وإنهاء الرقابة الفيدرالية» اتهم فيه إدارة بايدن بأنها كبحت الأصوات التي لا توافقها، وأعلن أن سياسة الولايات المتحدة تقوم على:
أ. ضمان حق الشعب الأمريكي في ممارسة حرية التعبير المحمية دستوريًا.
ب. التأكد من أن أي موظف أو مسؤول أو وكيل حكومي لا يشارك في أي سلوك من شأنه انتهاك حق الأمريكيين في التعبير.ج. منع استخدام أموال دافعي الضرائب في أي نشاط يُقيّد حرية التعبير بصورة غير دستورية.
د. تحديد وتصحيح أي تجاوزات ارتكبتها الحكومة الفيدرالية في الماضي تتعلق بالرقابة على الخطاب المحمي.
لكن الرئيس وإدارته بعد هذا الإعلان اتخذوا سلسلة من الإجراءات التي بدت متناقضة تمامًا مع تلك المبادئ. فقد حُظرت وكالة «أسوشيتد برس» من حضور فعاليات صحفية لأنها لم تستعمل تسمية «خليج أمريكا» بدلًا من «خليج المكسيك»، وعُوقبت مكاتب محاماة لمجرد تمثيلها موكلين يحملون آراء سياسية معارضة للإدارة، كما اعتقل مهاجرون مقيمون بصورة قانونية في الولايات المتحدة تمهيدًا لترحيلهم بسبب تصريحات أدلوا بها في مقالات أو خطابات.
قطع التمويل أيضا عن جامعات بحجة تبنيها خطابات «معادية للسامية» أو متحيزة لليسار، ورفعت الإدارة دعاوى تشهير ضد صحيفة «وول ستريت جورنال»، كذلك أُجبر المالك المؤسسي لشبكة (سي. بي. سي) إلى دفع 16 مليون دولار بسبب طريقة تحرير مقابلة في برنامج «60 دقيقة». وبدأت الإدارة بتفكيك هيئة «صوت أمريكا» الإعلامية الرسمية بدعوى أنها «معادية لترامب» و«راديكالية»، كما أرغمت شركات وجامعات خاصة على إزالة كلمة «تنوع» من مواقعها الإلكترونية، وأمرت الصندوق الوطني للفنون برفض أي منحة لمشروعات يُشتبه في أنها «تروّج لأيديولوجيا النوع الاجتماعي».
تحت تهديدات من رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية، أُوقف برنامج لمقدّم تلفزيوني ليلي بسبب جملة غامضة قالها عن حركة ترامب السياسية، كما حُذّرت وسائل إعلام أخرى بضرورة «الالتزام بالخط»، واقترح ترامب سحب تراخيص البث من أي مؤسسة إعلامية تبث محتوى ينتقده.إلى جانب ذلك، فتحت وزارة العدل تحقيقات مع شخصيات معارضة وسحبت منها الحماية الأمنية، بل وحذرت من أنها قد تلغي تأشيرات وتقيد إقامة أي أجنبي يجرؤ على المزاح بشأن وفاة الناشط الجمهوري تشارلي كيرك، وألغت الأكاديمية العسكرية «وست بوينت» حفل تكريم للممثل توم هانكس، بعد أن كانت قد أفرغت مكتبتها من كتب اعتُبرت «مسيئة».
الرئيس يقاضي صحيفة «نيويورك تايمز» التي وصفها بأنها «إحدى أسوأ وأكثر الصحف انحطاطًا في تاريخ بلدنا» بتهمة التشهير. في النسخة الأولى من القضية، رفض القاضي عريضة الدعوى المؤلفة من خمس وثمانين صفحة واعتبرها «غير لائقة إطلاقًا وغير مقبولة قانونيًا». ومن أبرز شكاوى ترامب أن الصحيفة نشرت «تأييدها المختل» لنائبة الرئيس السابق كامالا هاريس على صفحتها الأولى، ويبدو أن هذا في نظره سلوك يستوجب العقوبة القضائية. أما في المؤتمرات الصحفية، فيطلق الرئيس تهديدات مبطنة بالتحقيق مع الصحفيين الذين لا تعجبه أسئلتهم. (فمن هو الهشّ فعلًا إذن؟).هذا ليس مجرد عزلة اجتماعية أو استخدام المنبر الرئاسي لإلقاء خطابات حادة، فإلى جانب دعاوى التشهير، التي يمكن للرئيس أن يضفي عليها قوة إضافية عبر التهديد بفرض عقوبات تنظيمية، أو عرقلة اندماجات وصفقات تحتاج إلى موافقة حكومية، فإن ما يحدث هو اضطهاد لأشخاص ومؤسسات على أساس وجهات نظرهم، وهذا بالتحديد ما أكدت عليه المحكمة العليا الأمريكية أن التعديل الأول يحظر على الحكومة الفيدرالية فعله، ومع ذلك فإن الإدارة لا تحاول حتى التظاهر بالالتزام بالقانون، فضلًا عن شعاراتها عن حرية التعبير. ما دامت تحصد نتائج، فلماذا تكترث؟وبالمقارنة مع هذا كله، فإن حادثة قيام مجموعة من طلاب جامعة بمقاطعة المحاضر المحافظ تشارلز موراي في كلية ميدلبري، والتي تحولت إلى قصة أسطورية تروى بلا انقطاع، تبدو مسألة هامشية، ومع ذلك يُلقى باللوم في «حرب الكلمات» غالبًا على الطلاب الجامعيين، فقد كتبت لورا آن روزنبري رئيسة كلية برنارد في مقال رأي حديث في «نيويورك تايمز»: «لقد اغتيل تشارلي كيرك أثناء إلقائه كلمة في حرم جامعي. هذه لحظة قاتمة للتعليم العالي، ولبلدنا، ولحرية التعبير؛ فالعنف ليس وسيلة مشروعة للاختلاف مع متحدث في جامعة». لكن ما الذي تتحدث عنه؟ لا كيرك ولا مطلق النار المزعوم كانا من الطلاب. والحادثة لا تقول شيئًا عن التسامح مع المتحدثين في الجامعات، ومن غير المسؤول أن يوحي رئيس كلية بخلاف ذلك. تشير روزنبري بنبرة استنكار إلى أن ثمة عريضة طالبت بإلغاء دعوة كيرك، لكن العريضة في جوهرها شكل شكلًا من أشكال التعبير المحمي بموجب التعديل الأول، فهل تقترح رئيسة برنارد أن مجرد توقيع الطلاب على عريضة يُعد تحريضًا على العنف؟ في الواقع، هي تقدم هدية سياسية للبيت الأبيض، الذي يستطيع أن يصور كيرك على أنه ضحية «ثقافة الإلغاء الأكاديمية». وكما لاحظ كثيرون محقون، فإن التعامل مع مقتل كيرك يجسد التناقض الصارخ في الخطاب الراهن، فهو يُحتفى به بوصفه بطلًا لحرية التعبير، مستعدًا للمناظرة مع أي شخص، وفي أي مكان، وقد قُتل على يد من لم يحتمل أفكاره، وفي الوقت نفسه يسعى معجبوه إلى طرد أشخاص من وظائفهم بسبب تعليقات سلبية على آرائه، وهي آراء مثيرة للجدل عمدًا بطبيعتها، وقد فقد كثيرون وظائفهم بالفعل، والمدعي العام لمح إلى إمكانية ملاحقة منتقدي كيرك قضائيًا بتهمة خطاب الكراهية (مع أن هذا محمي دستوريًا). يبدو أن التلفظ بعبارات عنصرية لا يُعد خطاب كراهية، بينما فضح من يتفوه بها هو خطاب كراهية!
كل هذا يجعل من إصدار كريستوفر إل. آيسغروبر لكتابه الجديد «شروط الاحترام: كيف تُحسن الجامعات إدارة حرية التعبير» (منشورات بيسك) خطوة غير موفقة من حيث توقيتها. فآيسغروبر هو رئيس جامعة برنستون. ومن الحقائق المعروفة أن رؤساء الجامعات لا ينبغي أن يكتبوا كتبًا عن جامعاتهم؛ لأنهم مؤتمنون عليها ماليًا وإداريًا، وشروط مناصبهم تقضي بألا يفعلوا أو يقولوا ما قد يضر بسمعة المؤسسة أو بقدرتها على جمع التبرعات. وهذا يجعل من المستحيل أن يعلقوا بموضوعية أو بصراحة على قضايا تمس مؤسساتهم مباشرة.
ورغم القيود الذاتية التي يفرضها هذا النوع من الكتابة؛ فإن آيسغروبر يطرح أفكارًا معقولة، وربما معقولة أكثر مما ينبغي. فخلاصته العملية الأساسية هي كما يقول: «الكلام يجب أن يكون غير خاضع للرقابة، لكنه منظم في الوقت نفسه». ويبدو أن مقصوده هو أننا يجب أن نؤيد ما يُعرف بـ«قيود الزمان والمكان والطريقة» على حرية التعبير في الحرم الجامعي، فلا هتافات في المكتبة، ولا مكبرات صوت في الساحات، وما شابه ذلك. وهذا مفهوم؛ فهناك كثير من الأمور التي لا يجوز قانونيًا القيام بها في الأماكن العامة. لكن المشكلة تبدأ حين نحاول رسم خط واضح لما هو مسموح وما هو ممنوع، وهنا لا يقدم آيسغروبر إسهامًا كبيرًا. حتى ردود أفعاله الشخصية على قضايا الكلام في جامعة برنستون -كما يرويها- بدت في معظمها مرتجلة. ومع ذلك فقد كانت ناجحة إلى حد معقول حتى الآن.
يرى آيسغروبر أيضًا أن الكلام يجب أن يراعي معايير الأدب واللياقة؛ فهو يكتب: «من الممكن أن تؤمن بحرية التعبير وتصرّ في الوقت ذاته على أن يخاطب الناس بعضهم بعضًا بأدب واحترام». وهذا قول جميل، لكن الحق في حرية التعبير وُجد أساسًا لحماية ما وصفه القاضي أوليفر وندل هولمز الابن بـ«الآراء التي نمقتها ونعتقد أنها مشبعة بالموت». ففي سوق حرية التعبير عبارة «اذهب إلى الجحيم» تُعد عملة متداولة. ومع ذلك فإن الجامعات الخاصة تستطيع تقييد الكلام بطرق لا تستطيع الجامعات العامة فعلها. وإذا أرادت برنستون أن تفرض قيودًا على طلابها لضمان التزامهم باللياقة فلها ذلك. لا أحد يُجبرهم على الدراسة هناك.
والأمر ذاته ينطبق على مكان العمل. هناك ما يمكن أن نسميه «أعراف حرية التعبير» في الولايات المتحدة؛ بحيث نُبدي حساسية تجاه فكرة أن يُعاقَب شخص بحرمانه مثلًا من ترقية؛ بسبب ما قاله أو ما يؤمن به. ومعظم الأمريكيين لا يرغبون في التخلي عن هذه الأعراف، لكن لا يمكن فرضها قانونيًا. لك الحق في أن تقول ما تشاء، لكن ليس لك الحق في أن تُقدَّم برنامجًا ليليًا على شاشة التلفاز. والكثير من قوانين الخطاب الجامعي هي محاولات للحفاظ على هذا العُرف من دون انتهاكه؛ ليس لأن الطلاب بحاجة إلى «مساحة آمنة»، بل لأن الحفاظ على روح حرية التعبير أمر جوهري في المهمة التعليمية. فلا يمكن إدارة جامعة برنستون كما لو كانت مدينة ملاهٍ مثل ديزني.
بصورة عامة؛ يرى آيسغروبر أن «حرية التعبير أقوى في الجامعات مما هي عليه في القطاعات الأخرى من مجتمعنا المستقطَب»، وأن «الجامعات والشباب الأمريكي يستحقون تقييمًا أعلى مما يُمنح لهم حين يتعلق الأمر بإدارة حرية التعبير بشكل صحيح»؛ فالكثير من المظاهر التي قد تبدو من الخارج أعمال رقابة في رأيه ليست سوى محاولات لضبط ساحة نقاش عادلة.
لكن قد يكون في هذا نوع من التغاضي المتعمد عن الحقائق؛ فالكثير من الاستطلاعات تشير إلى أن الطلاب الجامعيين يخشون قول ما قد يُبعدهم عن زملائهم، أو يستجلب سخط أساتذتهم. كما يقلق بعض أعضاء هيئة التدريس من أن تدريس مواد أو نصوص معينة قد يثير حفيظة الطلاب، وإذا اشتكوا فقد يؤدي ذلك إلى عقوبات إدارية. وتجربة الأساتذة أن الإدارات غالبًا ما تنحاز إلى جانب المشتكين. وإذا كان هذا صحيحًا؛ فذلك لأن المشتكين كانوا حتى وقت قريب يستندون إلى مؤسسات حكومية تطبق قوانين فيدرالية لمكافحة التمييز (مثل المادة السادسة من قانون الحقوق المدنية لعام 1964، والمادة التاسعة، وقانون الأمريكيين ذوي الإعاقة إضافة إلى بند الحماية المتساوية في التعديل الرابع عشر بالنسبة للجامعات العامة). فالجامعات لم تكن ترغب في معاقبة الأساتذة، لكنها كانت ترغب في أن تختفي الشكاوى بسرعة.
يمكن القول -كما يفعل آيسغروبر-: إن القلق من حرية الكلام في الجامعات يعكس حالة الاستقطاب في المجتمع الأمريكي بأسره. غير أن حرية التعبير ليست جوهر معظم الوظائف، لكنها جوهر التعليم الليبرالي؛ فإذا لم يتمكن المعلمون من التحدث بحرية فإنهم لا يعلّمون، وإذا لم يتمكن الطلاب من التعبير بحرية فإنهم لا يتعلمون.
يستعرض آيسغروبر بعض النزاعات الجامعية الشهيرة، وكثير منها بات من الكلاسيكيات المتكررة في «حروب حرية التعبير»، مثل الاعتصامات ضد تشارلز موراي قبل ثماني سنوات، وأزمة أزياء «الهالوين» في جامعة ييل التي وقعت حين كان باراك أوباما لا يزال رئيسًا، وكان الأمريكيون يعيشون ما يشبه «جبل الحلوى الكبير». ومع ذلك يصعب التخلص من الانطباع بأن آيسغروبر مهتم أساسًا بالدفاع عن جامعة برنستون. فهو يقوم -وإن كان بقدر أقل من التهور- بما قامت به رئيسة كلية برنارد في مقالها، وهو الدفاع الاستباقي عن مؤسسته في مواجهة هجمات الحكومة.
وهذا مفهوم؛ فهو عمله، لكن من يقرأ كتابه لن يعرف أن ربيع عام 2024 شهد نصب خيام مؤيدة للفلسطينيين في حرم برنستون. لن يعرف أن هناك اعتصامات وأن بعض الطلاب اعتُقلوا. ولن يجد ذكرًا فعليًا لترامب سوى إشارة عابرة إلى «أوامر تنفيذية متعددة استهدفت التعليم العالي» وملاحظة مقتضبة أن ترامب لم يُسهم كثيرًا في تعزيز معايير الخطاب المهذّب. هذا على الرغم من أن الإدارة في أبريل الماضي علّقت مئات الملايين من الدولارات من المنح الفيدرالية لجامعة برنستون.
كان آيسغروبر قد تحدث حينها بلهجة حاسمة دفاعًا عن حرية الأكاديميا، لكنه قلّما أدلى بتصريحات علنية منذ ذلك الوقت. كذلك لن يجد القارئ في كتابه ذكرًا لما تتعرض له جامعة هارفارد التي تخوض معارك في المحاكم، وتواجه تحقيقات «وهمية» متعددة ضمن محاولات الحكومة لإخضاعها. ومع ذلك يجد آيسغروبر متسعًا لانتقاد سياسة «الصوت المؤسسي» في هارفارد التي تقصر تصريحات الجامعة العلنية على القضايا المتعلقة بالتعليم العالي؛ بحجة أن هذا هو المجال الذي يملك الأكاديميون الكفاءة للتحدث فيه. وهو يفضل نهجًا أكثر مرونة غير مقيد بما يسميه «صيغًا آلية». لا بأس بهذا ما دام يؤدي الغرض.
ولن يعرف القارئ من الكتاب أيضًا أنه في عام 2020 وقّع مئات من طلاب الدراسات العليا وأعضاء الهيئة التدريسية والعاملين في برنستون من بينهم أساتذة من أربعة وثلاثين قسمًا من أصل ستة وثلاثين على عريضة من أربعة آلاف كلمة تطالب الإدارة بمواجهة العنصرية الممنهجة. ودعت العريضة من بين مطالب أخرى إلى مكافأة الأقسام التي توظف أساتذة من الأقليات الممثلة تمثيلًا ناقصًا، وحرمان الأقسام التي لا تقوم بذلك من التعيينات الجديدة، ومنح رواتب إضافية وإجازات تفرغ علمي لأعضاء هيئة التدريس المنتمين إلى هذه الفئات.
كما طالب الموقعون بأن تُنشئ الإدارة لجنة مؤلفة بالكامل من أعضاء هيئة التدريس تتولى التحقيق ومعاقبة السلوكيات والأبحاث والمنشورات ذات الطابع العنصري وفق بروتوكول واضح لتقديم الشكاوى والاستئناف؛ بحيث تُدرج هذه القواعد والإجراءات ضمن النظام الداخلي لهيئة التدريس. أما المعايير المحددة لما يُعد سلوكًا أو بحثًا أو نشرًا عنصريًا، فستضعها لجنة أكاديمية لتُدمج بدورها في اللوائح نفسها.
يمكن قراءة ما جرى، وقد قرأه كثيرون بالفعل بوصفه هجومًا مقلقًا على مبدأ الحرية الأكاديمية الذي فسّرته المحاكم باعتباره جزءًا من الحماية التي يكفلها التعديل الأول لحرية التعبير.
لقد تجاهل آيسغروبر لهذه الحادثة؛ إذ لم يشر إليها سوى بعبارة غامضة عن «اهتمام واسع بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس برغبة الجامعة في بذل المزيد لمعالجة آثار العنصرية على مجتمعها وعلى الولايات المتحدة» مفهوم من زاوية ما. فالعريضة نُشرت على نطاق واسع في الأوساط الأكاديمية، ولم تُستقبل بحفاوة؛ إذ إن فكرة لجنة أكاديمية تملك صلاحية مراجعة الأبحاث والمنشورات العلمية للتحقق من وجود تحيّز عنصري فيها بدت، ولا بد أن تبدو، أقرب إلى محاكم التفتيش.
ويزداد هذا التجاهل سوءًا؛ لأن القضية تمسّ مباشرة الفكرة الأساسية التي يحاول آيسغروبر الدفاع عنها، وهي أن حرية التعبير والمساواة ليستا فكرتين متعارضتين، بل هما في جوهرهما متكاملتان. نصّه المرجعي الرئيس هو حكم المحكمة العليا الأمريكية في قضية نيويورك تايمز ضد سوليفان عام 1964. ففي هذه القضية رفعت المحكمة سقف دعاوى التشهير التي يرفعها شخصيات عامة؛ إذ قررت أنه في غياب «النية الخبيثة» -أي التعمد أو التهور في تجاهل الحقيقة- يمكن نشر أي شيء عن شخصية عامة، وهو وصف توسّع مع مرور السنين.
يرى آيسغروبر بصفته باحثًا في القانون الدستوري أن هذا الحكم يمثل حجر الأساس في قانون حرية التعبير الأمريكي. ويعتبر أنه من المهم أن القضية كانت مرتبطة بحقوق المدنيين السود؛ فقد تعلقت بإعلان في نيويورك تايمز يطلب التبرع لصندوق الدفاع عن مارتن لوثر كينغ الابن، وكان الإعلان يحتوي على بعض الأخطاء الواقعية التي استند إليها أحد المسؤولين في ألاباما لرفع دعوى. لكن المحكمة حكمت لصالح الصحيفة؛ لتقف عمليًا في صف حركة الحقوق المدنية.
لكن -بطبيعة الحال- فإن أصحاب العريضة في برنستون عام 2020 كانوا أيضًا يسعون لتعزيز المساواة العرقية. بالنسبة لهم؛ التفسير المتساهل للغاية لقانون حرية التعبير يوفّر غطاءً للعنصريين، والتفسير المتساهل للحرية الأكاديمية يسمح باستمرار أبحاث ومعارف إقصائية.
فارَة دابويوالا أستاذ في قسم التاريخ في برنستون لم يكن من الموقعين على العريضة، وهذا أمر مفاجئ؛ إذ إن كتابه الجديد «ما حرية التعبير؟ تاريخ فكرة خطيرة» (منشورات بلكناب) يتناغم تمامًا مع روحها. (مع ذلك من الحكمة ألا يوقّع المرء على رسالة لم يكتبها بنفسه؛ لأنه سيكون مسؤولًا عن كل كلمة فيها).
وعندما نقرأ عبارة «فكرة خطيرة» في عنوان الكتاب الفرعي قد نفترض تلقائيًا أن المقصود هو أنها فكرة خطرة بمعنى إيجابي، أي خطرة على الطغاة والمتسلطين. لكن هذا ليس ما يقصده المؤلف. قصده أن حرية التعبير فكرة سيئة؛ فإذا كان آيسغروبر يرى أن الطابع المطلق لقانون حرية التعبير في أمريكا هو أجمل ما فيه فإن دابويوالا يرى أنه أسوأ ما فيه.
وحين نفكر في تاريخ حقوق حرية التعبير يميل ذهننا إلى التقليد القانوني الأنجلوساكسوني الأمريكي. وميزة كتاب دابويوالا أنه عابر للحدود؛ إذ يناقش تقاليد أخرى لحرية التعبير أقل شهرة لدى القارئ الأمريكي. فمثلًا؛ صدر أول قانون لحرية التعبير في السويد عام 1766.
أما النقطة الجوهرية التي يريد دابويوالا توضيحها فهي أن المفهوم الأنجلوساكسوني الأمريكي ليس عالميًا. على العكس كما يقول: «أمريكا اليوم هي الدولة الوحيدة في العالم التي تُعامل حتى اللوائح المحلية ضد خطاب الكراهية على أنها غير دستورية بشكل مبدئي»؛ فاجتهادات التعديل الأول في أمريكا مطلقة وليبرالية. أما بقية الدول فلها حقوق تعبير، لكنها مشروطة؛ فخطاب الكراهية يمكن أن يُحاكم عليه في المملكة المتحدة.
بالنسبة لمؤرخ؛ يبدو دابويوالا ميّالًا إلى الأحكام القطعية؛ فهو يصف حرية التعبير بأنها «دين علماني له طقوسه المتقلبة وسِيَر قديسيه»، ويعتبرها «خيالًا غير مستقر بطبيعته» و«مفهومًا مصطنعًا مخترعًا». والحقيقة أن كل مفاهيمنا مصطنعة؛ فهي أدوات نبتكرها للتعامل مع العالم الذي يضم بشرًا آخرين كثرًا. كثير منهم مع الأسف لا يتفقون معنا.
ويقول: «إن صياغة وتفسير قواعد وقوانين حرية التعبير عملية متقلبة دومًا وذات طابع سياسي؛ فالحرية لا تُوزع بالتساوي أبدًا». ويُظهر أن فكرة حقوق حرية التعبير منذ نشأتها في أوروبا القرن الثامن عشر كانت كما يصفها تخضع لعرق المتحدث وجنسه؛ فقد اعتُبرت حرية التعبير شأنها شأن حق الانتخاب إلى حد كبير حقًا للرجل الأبيض. حتى جون ستيوارت ميل الليبرالي النموذجي في القرن التاسع عشر والمدافع عن حقوق المرأة لم يكن يعتقد أن الهنود في الهند الخاضعة للحكم البريطاني مستعدون لحرية التعبير. بمعنى آخر؛ فإن حقوق حرية التعبير -مثل جميع الحقوق في واقع الأمر- تعكس علاقات القوة القائمة، ويمكن تجنيدها لتكريسها.
لكننا لا نشكك في حق التصويت لمجرد أن الامتياز الانتخابي كان يومًا محصورًا. تلك القيود قد تصدم حساسية القرن الحادي والعشرين، لكنها متوقعة في مجتمع أبوي شديد الطبقية والعنصرية مثل إنجلترا في عصر ميل. ومن الطبيعي أن تتكرر تلك التفاوتات في النصوص القانونية.
نحن اليوم في وضع مختلف، ومن أسباب شعورنا باختلافه هو توسع الحريات التي يكفلها التعديل الأول خلال القرن العشرين بدءًا من عام 1919 مع الآراء المخالفة للقاضيين هولمز ولويس برانديز، ثم في أحكام المحكمة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي التي لم تقتصر على حماية الخطاب السياسي، بل شملت أيضًا التعبير الفني. غير أن دابويوالا يرى أن المسار كله كان خاطئًا؛ فهو يقول: إنه منذ الستينيات «تخلّت الاجتهادات القضائية الأمريكية المتعلقة بحرية التعبير تدريجيًا عن أي تصور للمصلحة العامة باستثناء تمجيدها المجرد للنقاش الحر باعتباره المثَل الأعلى». والطريقة الصحيحة لتحديد ما يجب أن يُسمح به من خطاب في رأيه هي التخلي عن «التمييز المشكوك فيه» بين الكلمات والأفعال؛ فهو يزعم أن «اختلاف قوتهما المفترض مجرد أسطورة مريحة». وينبغي أن ننظم الكلام بالطريقة نفسها التي ننظم بها السلوك. ويقول: «من المنطقي تمامًا أن تعارض عبارات تراها مؤذية بجدية، وأن تجادل في أنها لا يجب أن تُصنف ضمن ‹حرية التعبير›».
وهذا بالضبط ما يجادل به ترامب. وآمل أن يكون قد جعل دابويوالا يعيد التفكير. فعندما حاول بعض الأكاديميين في برنستون وصم مصطلحات وآراء بعينها نسوا القاعدة الأولى في حرية التعبير: ساعي البريد يطرق الباب مرتين دائمًا. فالمُراقَبون اليوم قد يصبحون هم الرقباء غدًا.
وإذا كانت أفعال الإدارة غير قانونية بهذا الوضوح، فلماذا يبدو الجميع خاضعين لها؟ جزء من الجواب هو حسابات الكلفة والفائدة. فشركة «باراماونت» مالكة شبكة (سي. بي. إس) كانت تريد الاندماج مع «سكاي دانس ميديا»، وهي صفقة تحتاج إلى موافقة حكومية. وقد رأت الشركة أن المجازفة بالصفقة؛ بسبب برنامج إخباري صغير لا يستحق المخاطرة، فهو جزء ضئيل من إمبراطوريتها.
أما برنامج جيمي كيميل فقد أُوقف بعد أن ضغطت شركة «نكستار» المالكة لنحو ثلاثين محطة محلية تابعة لشبكة (آي. بي. سي) على شركة ديزني المالكة للقناة. وكانت «نكستار» تعتزم شراء شركة منافسة هي «تيجنا» التي تملك ثلاث عشرة محطة تابعة لـ (آي. بي. سي)، وتحتاج الصفقة إلى موافقة لجنة الاتصالات الفدرالية. (لكن بعد أسبوع، وبعد «محادثة ودية» مع كيميل أعادت (آي. بي. سي) البرنامج، غير أن «نكستار» و«سينكلير» أعلنتا أن محطاتهما لن تبثه).
يمكن الطعن في قرارات الوكالات الحكومية أمام المحاكم، وبعض تلك الطعون نجح بالفعل في محاكم الاستئناف. لكن غالبًا ما يتوقف المسار عند المحكمة العليا. وهذا ما يثير القلق لدى البعض ممّن تصنّفهم الحكومة اليوم كـ «أعداء» في حربها على حرية التعبير. فالجامعات التي تغلق مكاتب «التنوع» أو تعيد تسميتها لا تفعل ذلك فقط لإرضاء الرئيس، بل لأنها تتوقع أن المحكمة العليا ستؤيد الوكالات الحكومية التي تعتبر «التنوع» مجرد ذريعة لتصنيفات عنصرية غير مقبولة تنتهك بند الحماية المتساوية والمادة السادسة من قانون الحقوق المدنية.
الأساتذة الذين يشكون من أن جامعاتهم «تستسلم» حين تتخلى عن مصطلح «التنوع» ينبغي أن يدركوا هذا، لكن رؤساء الجامعات لا يستطيعون قول الحقيقة علنًا؛ لأنهم بذلك سيعترفون للمحكمة بأنهم يناورون فحسب، ويواصلون التصنيف العرقي للطلاب تحت مسميات أخرى؛ ولهذا تسود حالة من «الحديث المتداخل» حيث لا يُقال كل شيء.
وفيما يخص الهجمات على التعديل الأول؛ فإن أحد أكبر المخاوف (الذي لم يذكره آيسغروبر) يتعلق بمستقبل حكم سوليفان. فقد أبدى بعض قضاة المحكمة -مثل كلارنس توماس، ونيل غورساتش- اهتمامًا بإلغاء هذا الحكم ما سيعيد خفض العتبة في دعاوى التشهير التي يرفعها شخصيات عامة عبر إزالة شرط «النية الخبيثة». ولا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن هذه المحكمة لن تفعل ذلك إذا سنحت الفرصة الأمر الذي سيمنح ترامب سلاحًا إضافيًا في حربه ضد حرية التعبير.
غير أن الأمر قد لا يكون نصرًا كاملًا له؛ فلو تغير القانون فإن ترامب نفسه -بما له من سجل في التهور والاستخفاف بالحقيقة- قد يصبح عرضة للدعاوى القضائية في كل مرة يفتح فيها فمه تقريبًا.
لويس ميناند كاتب في مجلة النيويوركر. من مؤلفاته كتاب «العالم الحر: الفن والفكر في الحرب الباردة» (2021)، وكتاب «النادي الميتافيزيقي» الذي فاز بجائزة بوليتزر في التاريخ.
عن مجلة نيويوركر