لجريدة عمان:
2025-10-29@16:48:19 GMT

الظاهر والباطن في «حديث الزيتون»

تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT

خميس قلم -

أمّا قبل:

في سياق الاحتفاء بفوز قصة «حديث الزيتون» بجائزة فلسطين العالمية للآداب في نسختها الأخيرة، وهي من تأليف أميرة البلوشية، ورسومات عزّة البكرية، منشورات مصابيح؛ سأركز في قراءتي عمّا يميّز العمل ويؤهله للفوز.

ولمّا لم تكن لديّ خبرة في القراءة الناقدة لأدب الطفل؛ فإن ملاحظاتي لن تتجاوز انطباعات أب اعتاد أن يقرأ لصغاره القصص المصوّرة ليكرّس فيهم القيم الإنسانيّة كالعدالة والحرية، ويعزز فيهم الثقة بانتصار الخير على الشرّ، ويبني شخصياتهم على ضوء مضامين تلك القصص من خلال الحوار، والتعبير الفطري.

حين وضعت القصة في مقارنةٍ عامّة مع قصص الأطفال المألوفة والمألفة في ذات الموضوع (القضية الفلسطينية)، وكيفية معالجتها؛ وجدت أنّ السائد في تناول قصة الشعب الفلسطيني يتلخص في التأريخ لبداية محنته مع الاحتلال، وتسجيل واقع معاناته، ومصيره، ونصيب الشخصيات من قتل وإصابات وتهجير، أمّا المكان فيخيم عليه الخراب من قبيل تجريف الأشجار، وتدمير المنازل وقائمة المآسي الطويلة.

إذن معظم القصص التقليدية تنتسب إلى معجم دلالي متشابه منه (القصف، النسف، القنابل، الدبابات، الرصاص، العدو، الشهيد، الثكالى، الأرامل، الأيتام، المشردون، اللاجئون، الحزن، الجوع...) معجم يهيمن عليه الوجع والسوداوية، إنه معجم الحرب. وإذ ترسم تلك القصص صورًا قاتمة، فذلك لأنها تترجم الواقع المأساوي المألوف فمثلًا:

تستدعي إحدى قصص المسجد الأقصى لغة الحسرة في وصف حاله، وحال المصلين الذين يؤدون طقوسهم في خوف من اقتحام الهمجيين لحرم المسجد.

والأطفال تكسو ملامحهم تعبيرات الفزع من الشظايا المتساقطة على رؤوسهم عوض (تساقط الحلوى والنقود في القصة الفائزة)، وسيظهر أبو عامر يوزّع القهوة السادة للمعزين بدل شاي الميرامية، أمّا العم محمد فيسهر الليل أرقًا على أشجار الزيتون من الجرافات وهكذا.

«حديث الزيتون»، وإن اتخذت منحنًى تفاؤليًا في سردها، إلّا أنها أضمرت بشكلٍ ذكي تلك القصص الحزينة؛ فاستطاعت بحسن التخلص في الجملة الأولى أن تسكت عمّا هو معروف، لتحكي ما هو غير مألوف. تقول في مفتتح القصة:

بعد فجرٍ انتظرناه طويلًا تحقق النصر

هذه الجملة مفتاحية لفهم القصة، ومسوغ لربط لوحات القصة عبر خيط ناظم هو (التعبير عن فرحة النصر). إنّ كلمة فجر تدل على مسكوت عنه وهو الليل الذي يأتي الفجر بعده، ليل الظلم والاحتلال، ليل الألم والحزن والمعاناة، أمّا كلمة نصر فهي تخفي في طيّاتها قصص الحرب والنضال والاستشهاد. وضمير المتكلم في الفعل انتظرناه لا يعود فقط على الشعب الفلسطيني بل إلى كلّ من دعم وتعاطف معهم، وارتقب فجر النصر.

أمّا بعد:

ما يميّز «حديث الزيتون»، اشتغالها على صناعة الأمل بالرهان على الحلم؛ حلم أميرة وعزّة؛ ذلك الحلم الذي يتغذى من ألم الحزن الفلسطيني؛ ليغذي الأجيال بأمل الفرح؛ فرحة النصر.

وعبر السرد اللغوي والرسم الفني والحوار بينهما؛ تتجلى لوحاتٌ متفرقة تجسّد طقوسَ احتفالٍ تمارسها شخصياتٍ متنوعة تختزل المجتمع الفلسطيني في ثقافته وسلوكه الاجتماعي أثناء الرخاء.

إنّ كلّ لوحة من لوحات القصة تمثل حديثًا من أحاديث الزيتون؛ فالزيتون وأحاديثه معادلٌ للإنسان الفلسطيني وفق الأحداث التي يعيشها. والشخصيات ليست مخصوصة أو مستقلة ذلك لأنها أيقونات ترمز لكافّة أطياف الشعب من عجائز وشباب وأطفال، جدات وآباء وأبناء، أصحاء ومقعدين، حالمين وعاملين...

الثراء والإثراء

وما يميّز «حديث الزيتون» ثراؤها بمفردات الحياة الفلسطينية من مفردات الطبيعة كالزيتون والبرقوق والميرامية والزعتر... وظهر في سلوك الفرح من (توزيع الحناء وإطلاق الزغاريد وغناء النساء ونثر الحلوى والنقود وتوزيع الشاي) ظهر الجوهر الاجتماعي لطبيعة الشخصية الفلسطينية السخية. وقد انعكس ذلك في خلفية الحياة البيئية في الرسومات، ورسم تفاصيل الملابس، والزينة وتصوير المشاعر المعبرة عن العطاء والدهشة والسرور.

كذلك ثراؤها بالشخصيات ومنها: سناء، آمنة، أبو عامر، عمر، كنعان، كرم، بهية، معتصم، عدنان، قيس وغيرها من الشخصيات التي وفقت الكاتبة في اختيار أسمائها، وأبدعت الرسامة في تجسيدها مع ما يتناسب ومناخ الفرح العام للقصة.

كما أصّلت الكاتبة لقيمة الإنتاج والعمل من خلال لوحة عصر الزيتون وقبلها قطاف الخروب وتصنيع مربى البرقوق، هذا من جهة الإنتاج الزراعي، أمّا الإنتاج الصناعي فتمثّل في صنع معتصم وعدنان وقيس للطائرات الورقية، وخياطة صفاء وأماني ملابس لعرائسهن. وهذه رسائل إيحائية للأطفال الذين سيقرأون القصة، رسائل تغرس فيهم قيمة الإنتاج والعمل.

وفيما يخص اللغة، لقد طغى على القصة معجم الفرح (وهو غير مألوف في معالجة نص عن فلسطين كما سلف)، فاللغة طافحة بالابتسامات والزغاريد، والأطفال المبتهجين، والحارات السعيدة، والأعلام المتراقصة، باختصار لم تخلُ أي لوحة من مفردات السخاء والفرح.

كذلك كان للغة الشعرية المكتنزة بالمجاز نصيب في صياغة الجمل مثلا: (ضج الأفق وأخذ يبتسم، صلاة هانئة، الحارات السعيدة، تراقصت بها الأعلام، ملأ عينيه النعاس...) والكاتبة باستخدامها لأعلى مستويات اللغة من مجاز واستعارة ترقى بذائقة القارئ الصغير.

في الظاهر يبدو أن «حديث الزيتون» قد كسرت النمط السردي القائم على بناء الشخصية وتحولاتها في المكان والزمان عبر أحداثٍ صغيرة تتعقد حتى تنحلَّ لتنفرج الأزمة الكبرى بواسطة حبكة تربط الشخصيات والأحداث في زمان ومكان محددين؛ لكنها في الباطن تمثلت تلك القصص وأبطنتها من خلال الجملة الافتتاحية المفتاحية والتي ظهر فيها (فعل النصر)، والنصر وإن كان اسمًا إلّا أنه حين استعارت له الكاتبة الفعل (تحقق) خلق جملة من التحولات الخفية في الشخصيات والأحداث من الحزن والألم إلى الفرح والأمل، متوزعة في المكان الفلسطيني والمكان العُماني داخل إطار زماني متخيل هو زمن النصر الافتراضي أو زمن الحلم.

إنّ الخيرات الفلسطينية التي ينتجها الرخاء والأمن هي ثروة لفلسطين وثراء لباقي الدول العربية؛ كما هو الحال في اللوحة الأخيرة، لوحة شراء أميرة وهي في عمان للزيت والزعتر في ذات الوقت الذي يحتفل فيه الفلسطينيون بالنصر من خلال كلمة بينما، فلا يوجد فاصل زمني بين النصر وأثره.

ربما لوحات القصة هي تداعٍ في حلم اليقظة للعم محمد وهو يستمع إلى حديث الزيتون، أو ربما قد همس الزيتون لأميرة بحديث عن تلك اللوحات. فالقصة يمكن أن تقرأ من آخرها كذلك لأنها حلقات متصلة في سلسلة النصر. ربما آمنة هي أم محمد، وربما سناء هي ابنت أبي عامر، ربما معتصم وأماني أخوان ربما ربما فالنص يفتح نفسه لإقامة علاقات خفية بين الشخصيات، نحن لسنا متأكدين إلّا من كون الفلسطينيين أسرة واحدة في الوجع ونحن إخوتهم في المصير.

وبسبب ثراء القصة فهي نموذج تعليمي مثالي للأطفال -بما تحتويه من لغة ورسومات وأحداث وشخصيات- يخولها لتكون بيئة خصبة لرفع ذائقة المتعلمين ومادة ثرية لإعمال المستويات العليا في التفكير كالتحليل والتركيب والتقويم من خلال أسئلة الاستخراج والتعليل والربط والمقارنة والتدليل وإبداء الرأي والنقد والابتكار والتخييل، ولعل المختصات من معلمات الحلقة الأولى هن أجدر في صياغة أسئلة تقيس هذه المهارات وتطبيقها.

بين القلم والريشة

فضل الريشة على القلم أنها جسدت المكان والإنسان وقربتهما إلى الأذهان، أعطت للشخصيات حياة من خلال رسم ملامحها وسلوكها وملابسها فمثلا لم تفصل الكاتبة في وصف هيئة وعمر وشكل وملابس آمنة التي نثرت الحلوى فقامت الريشة بإكمال التفاصيل.

أمّا فضل القلم على الريشة؛ فالقلم باقتصاده للحبر كثف الأحداث وأخفى التفاصيل ليفتح للقارئ أفق خياله على تصورات متعددة، مثلت الريشة مستنزفة ألوانها قراءة بصرية واحدة من تلك القراءات التفاعلية للتفاصيل المخبوءة.

الطاقة الكامنة في الحبر، تفجرت ألوانًا.

المشاعر المخبوءة في صلصال الكلمات، تجلت فصارت حياة من البسمات.

جليد اللغة تشكّل، فساح ماء الجمال.

إنهما قوة القلم، ورقّة الريشة.

إنهما تآخي الأدب والفن.

إنهما أميرة وعزّة.

بنتان لخيال واحد

وقضية حرّة.

إنهما الصوت والصدى للفكرة المحلقة في فضاء المعنى الواسع.

خميس قلم شاعر عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تلک القصص من خلال حدیث ا

إقرأ أيضاً:

شماعة جثامين الأسرى..!

فى تطور ربما لا يمثل أى مفاجأة للمتابعين لتطورات اتفاق وقف الحرب على غزة، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى مساء أمس الأول عن أن نتنياهو وجه القيادة العسكرية بتنفيذ ضربات قوية فى قطاع غزة على الفور. وبغض النظر عن الأسباب المعلنة لهذه الخطوة من الواضح أن تل أبيب تبحث عن حجج أيًا كانت وجاهتها لاستئناف حربها على غزة بعد اتفاق شرم الشيخ والذى ثارت شكوك مختلفة بشأن التزامها به.

الغريب هنا أن إسرائيل ترفع شماعة جثامين الأسرى للتحلل من التزامها رغم يقينها باستحالة عودة الجثامين كاملة لأسباب عملياتية ليس لموقف حماس أى دور فيها، حيث توجد صعوبات بالغة فى التوصل الى إخراج الجثث فى ضوء الدمار الشامل الذى لحق بقطاع غزة والذى تعد العمليات العسكرية الإسرائيلية السبب الرئيسى فيه. وإذا كانت إسرائيل على مدار عامين لم تستطع أن تصل الى الأسرى الأحياء فى غزة، فكيف يمكن للمقاومة أن تصل إلى الجثامين والتى ينطبق عليها ما ينطبق على الفلسطينيين فى غزة من إمكانية التعرض للوجود بين الأنقاض التى يصعب الوصول اليها وهو ما أشار اليه بيان حركة حماس بشأن تغيّر طبيعة أرض غزة، واستشهاد من كانوا يعرفون مواقع الدفن. ولعله مما يقوض الحجة الإسرائيلية إقدام مصر على المشاركة فى عملية البحث عن الجثامين من خلال ارسال فرق مزودة بمعدات ثقيلة للمساعدة فى تسريع الوصول الى رفات الأسرى وهو ما يشير إلى أن الأمر يتعلق بصعوبات على الأرض وليس تعنتًا من حماس.

وتثير هذه الحجة نقطة بالغة الأهمية تتعلق بأنه إذا كانت إسرائيل تبكى على هذا النحو على جثامين مواطنيها فماذا عن الأكثر من سبعين ألف شهيد الذين راحوا ضحية عملية الإبادة فى غزة فضلًا عن مئات الالاف من المصابين الفلسطينيين. من المتصور أن الأمور لو سارت بمقتضى منطقى وعقلى فإنه يجب على إسرائيل ان تدفع تعويضات وتتم محاكمة قادتها الذين يتبجحون بشماعة جثامين الأسرى.

من النقاط المهمة على هامش النظر لتلك القضية موقف عائلات الأسرى والذى يكشف عن جانب من طبيعة المجتمع الإسرائيلى وموقفه الهش من السلام، فتلك العائلات التى كانت تتظاهر ضد نتانياهو بالأمس مطالبة بالمرونة مع حماس تدعو اليوم الى تعليق المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار لحين تسليم بقية رفات الجثامين.

السؤال فى ظل لغة الاستقواء التى تبدو فى لهجة نتانياهو هو: هل أخطات حماس بإقدامها على قبول وقف النار رغم توقعها بالوصول إلى تلك الحالة من عدم التزام إسرائيل به؟ الواقع يقرر أن حماس لم يكن لديها سوى القبول بتلك الخطوة والتى تنزع عن إسرائيل حجة الحرب التى كانت ترفعها وهى تحرير الرهائن. كما أن الرؤية الدقيقة لتطورات الأمر تشير إلى أن القبول بوقف الحرب جاء تحت ضغط من ترامب على نتانياهو ليس حبًا من الرئيس الأمريكى فى السلام وإنما طمعًا فى الحصول على جائزة نوبل للسلام.. ما يطرح شكوكًا بأن عدم حصوله عليها ربما أعاده ويعيد الأمور إلى سيرتها الأولى.

بعيدًا عن أى أوهام ربما تمضى إسرائيل قدمًا فى عملياتها العسكرية فى غزة لمزيد من التعقيد للأوضاع على الأرض لعرقلة مهمة حماس فى الوصول إلى رفات الجثامين، وبالتالى تعزيز ذرائع مواصلة الحرب واذا وضعنا فى الاعتبار أن نتنياهو لم يكن يهمه الأسرى الأحياء فما بالنا بالجثامين.. ربما يؤكد ذلك النية الإسرائيلية المبيتة لمواصلة الحرب ما لم تجد من الوسطاء وخاصة الولايات المتحدة ما يوقفها ويلزمها باستكمال اتفاق وقفها.

 

[email protected]

مقالات مشابهة

  • شماعة جثامين الأسرى..!
  • وقف أعلى منزله بدون ملابس علوية.. القبض على شخص هدد أخر بسلاح أبيض بكفر الشيخ
  • عندما تصبح الأسطورة والخرافة عنصر جذب سياحي
  • وضعية النجاة
  • لم يكن قصصًا
  • وزير السياحة: افتتاح المتحف المصرى الكبير سيكون حديث العالم بأسرة
  • الجامعة العربية تدين اعتداءات المستوطنين خلال موسم قطف الزيتون
  • الجامعة العربية تدين إعتداءات المستعمرين على المواطنين والمتضامنين خلال قطف موسم الزيتون
  • شهيد ومصابون بنيران الاحتلال بالضفة والمستوطنون يهاجمون مزارعي الزيتون